يا عندليب ماتخافش من غنوتك
قول شكوتك واحكي على بلوتك
الغنوه مش حتموتك...... إنما
كتم الغنا هو اللي ح يموتك
هكذا نصح العندليب بأن يقاوم الموت بالغناء، وكان للنصيحة أحوج، حينما انهارت أحلامه فقد القدرة على الغناء، فسقط فريسة للاكتئاب الذي لازمه حتى الموت. فالذي ارتوى قلبه بالنشوة، أصبحت السعادة بالنسبة له كرباج « قلبي منه انجلد» كما قال في واحدة من رباعياته، وقال في أخرى
أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام
خايف ولكن خوفي مني أنا
أخرس ولكن قلبي مليان كلام
رباعياته العبقرية كشفت عن تغلغل الحزن في الروح التي تسربت من الجسد البدين تدريجيا حتى فارق الحياة في الحادي والعشرين من إبريل عام 1986. فالوحيد الأخرس أصبح مرغما على الحياة التي طالما عشقها وتغنى لها، قال:
مرغم عليك يا صُبح مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليَّا ولا كان لي ميل
شايلني شيل دخلت في الحياه
وبكره ح أخرج منها شايلِنِّي شيل
صاحب الرباعيات
هو محمد صلاح الدين بهجت حلمي أحمد حلمي جاهين، الشهير بـ»صلاح جاهين».
ولد في 25/12/1930 م بحي بشبرا في شارع جميل باشا، وهو الأكبر بين إخوته. والده المستشار بهجت حلمي الذي تدرج في السلك القضائي حتى عُين رئيسًا لمحكمة استئناف المنصورة.
كانت ولادته متعثرة ويقال أن الولادة المتعثرة تترك آثارها على المولود فتلازمه طول حياته وقد تتسبب في عدم استقرار الحالة المزاجية عنده، وهو ما لوحظ على صلاح جاهين الذي كان يفرح كالأطفال ثم يحزن لدرجة الاكتئاب. وإن كنت أعتقد أن حزنه يرجع لهزيمة يونيو1967 ثم رحيل عبد الناصر في سبتمبر1970، فقد آمن بالثورة وأحب زعيمها وغنى لهما، وانكسر بانكسارهما.
في طفولته كان نادرا ما يغادر أمه، التي كانت تروى له القصص العالمية والأمثال الشعبية، فعملت على غرس كل ما تعلمته من دراستها في مدرسة السنية، ثم عملها كمدرسة للغة الانجليزية في طفلها الذكي الذي تعلم القراءة في سن الثالثة. كما لعبت مكتبة جده السياسي والكاتب أحمد حلمي (شارع أحمد حلمي بشبرا يحمل اسمه) - زميل ورفيق الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد ـ لعبت تلك المكتبة دورًا كبيرًا في إتاحة مجموعة كبيرة من الكتب في شتى المجالات أمام القارئ النهم. وقد تعلم من والدته أيضا صناعة بعض الألعاب من الطين أو الصلصال، كما شجعته على ممارسة الرسم بعد أن لاحظت تعلقه بهذا الفن.
منعطفات
أراد له والده أن يكون مثله مستشارا فأرغمه على دخول كلية الحقوق فتعثر في دراسته، حتى أنه قضى في السنة الأولى ثلاث سنوات متتالية حتى لحقته أخته ونجحا معًا في السنة الأولى والثانية. ولكن لم يستطع صلاح جاهين أن يكبت بركان الفن داخله أكثر من ذلك، فقرر ترك الحقوق ودراسة الفنون، أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده.
بعدها غادر صلاح جاهين المنزل دون إطلاع أحدًا على مقصده. فتوجه لبيت الفنانين بوكالة الغوري ثم سافر لعمه بغزة، وقضى فترة هناك عاد بعدها إلى القاهرة حيث قرأ إعلانًا عن وظيفة مصمم مجلات بالمملكة العربية السعودية، فتقدم لها ثم سافر دون أن يخبر أحدًا، ولم يعلم والديه إلا بعد سفره بالفعل. ولكنه عاد مرة أخرى لمصر بعد أن تلقى خطابًا من والده يحثه فيه على العودة. ورغم التحاق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة بعد ذلك إلا انه لم يكمل الدراسة بها أيضًا.
وبعد عودته بدأ حياته العملية في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير. وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه «كلمة سلام» في عام 1955. وفى نفس الوقت بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة روزاليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من الشخصيات. وقد تسببت رسومه الكاريكاتورية أكثر من مرة في أزمات سياسية كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا أمام جريدة الأهرام مرددين هتافات ضده. كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب رسم كاريكاتيري انتقد فيه تقريرًا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.
الوهج
لم تتوقف أعمال صلاح جاهين الشعرية رغم عمله كرسام كاريكاتير، فأصدر ديوانه الأول «كلمة سلام» عام 1955، ثم ديوانه الثاني «موال عشان القنال» عام 1957 وفى نفس العام كتب «الليلة الكبيرة» التي لحنها له سيد مكاوي أحد أقرب أصدقائه.
ومثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعري عند صلاح جاهين والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه «الرباعيات» عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه «قصاقيص ورق»، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ مثل «صورة»، «بالأحضان»، «والله زمان يا سلاحي» الذي اتُّخذ النشيد الوطني المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغيرها من الأعمال الوطنية التي بقت راسخة في ذاكرة الشعب المصري. وفى الفترة ذاتها كون صلاح جاهين جماعة «محبي ضوء القمر» عام 1961، كما قدم العديد من المسرحيات مثل «القاهرة في ألف عام»، وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات مثل «إيزيس»، و»الحرافيش»، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحيًا لبعض المسرحيات الأجنبية مثل «الإنسان الطيب»، «دائرة الطباشير القوقازية». أيضا كتب الأغاني للعديد من الأعمال الإذاعية مثل مسلسل «رصاصة في القلب». وقدم للأطفال عدة أعمال مثل مسرحيات «الفيل النونو الغلباوي»، «الشاطر حسن»، «صحصح لما ينجح»، «حمار شهاب الدين»، لذلك اختارته وزارة الثقافة - عام 1962- ليكون مسؤولاً عن ثقافة الطفل. وانضم صلاح جاهين في مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام ليكمل مسيرته فيها. كما نال وسام الفنون في عيد العلم عام 1965. وعن هذه الفترة أجاب عندما سُئل عن أجمل فترات العمر: «هي الفترة ما بين عام 1963-1967 الفترة دي كانت الذروة في حياتي».
الفيلسوف
ينفرد جاهين بخاصية تمنح شعره – على بساطته وعاميته- بعدًا فلسفيًّا لا مثيل له لدى شعراء العامية الآخرين، ويتجلى خصوصًا في رباعياته حيث نجد أصداء لفلسفة سارتر الوجودية ولمواقف ألبير كامو في اغترابه ولجرأة نيتشه الذي لم تكن فلسفته سوى شعر مكثف. بالإضافة إلى نهل جاهين من التراث الفلكلوري المصري والعربي الإسلامي والمسيحي. ومزجها كلها في صوت صادق متفرد هو صوته وحده. ولننظر إلى بعض رباعياته التي يمكن اعتبار كل رباعية منها أطروحة فلسفية كاملة تطرح كل منها أحد الأسئلة الوجودية الهامة في تصوير بالغ الإيجاز والإيحاء والدهشة.
الانطفاء
تداعت أحلام صلاح جاهين بهزيمة يونيو1967، وتبددت تماما برحيل عبد الناصر، سقط شاعر الثورة في براثن الإحباط، فلزم الصمت (أخرس ولكن قلبي مليان كلام)، وما بقى من إنجازات عبد الناصر تعرض للتشويه حتى السد العالي طالته الحملة الساداتية المسعورة وحاولت الحط من شأنه. لم يجد الشاعر مكسور الحلم وسيلة لإفراغ طاقاته المكبوتة إلا في كتابة أغاني أفلام سعاد حسني مثل «خلي بالك من زوزو» و»أميرة حبي أنا». تندر المثقفون على « قفل لي على كل المواضيع» نعوا الشاعر الجميل لكنه قبل رحيله بعامين أصدر ديوانه الأخير «أنغام سبتمبرية» عام 1984. ولما سأل سبتمبر؟ أجاب: «ربما لأن عواطفي تعودت أن تجيش في سبتمبر من كل عام منذ أن كان الفيضان يأتي في هذا الشهر محملاً بعطر يملؤني بنشوة عجيبة ورغبة خفية في الارتواء والاحتواء، أو ربما لأن عبد الناصر مات كمدًا في سبتمبر. «أنغام سبتمبرية» كانت ديوانه الأخير ولقارئه أن يتساءل: هل كانت قصائده هي تغريدة البجعة حينما تستشعر قرب الرحيل، وهل كان صدفة أن ينتهي الديوان بالكلمات التالية:
آدي اللي كان وادي القدر
وادي المصير
نودع الماضي وحمله الكبير
نودع الأفراح
نودع الأشباح
راح اللي راح، ماعدش فاضل كتير.
almadasupplements.com
قول شكوتك واحكي على بلوتك
الغنوه مش حتموتك...... إنما
كتم الغنا هو اللي ح يموتك
هكذا نصح العندليب بأن يقاوم الموت بالغناء، وكان للنصيحة أحوج، حينما انهارت أحلامه فقد القدرة على الغناء، فسقط فريسة للاكتئاب الذي لازمه حتى الموت. فالذي ارتوى قلبه بالنشوة، أصبحت السعادة بالنسبة له كرباج « قلبي منه انجلد» كما قال في واحدة من رباعياته، وقال في أخرى
أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام
خايف ولكن خوفي مني أنا
أخرس ولكن قلبي مليان كلام
رباعياته العبقرية كشفت عن تغلغل الحزن في الروح التي تسربت من الجسد البدين تدريجيا حتى فارق الحياة في الحادي والعشرين من إبريل عام 1986. فالوحيد الأخرس أصبح مرغما على الحياة التي طالما عشقها وتغنى لها، قال:
مرغم عليك يا صُبح مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليَّا ولا كان لي ميل
شايلني شيل دخلت في الحياه
وبكره ح أخرج منها شايلِنِّي شيل
صاحب الرباعيات
هو محمد صلاح الدين بهجت حلمي أحمد حلمي جاهين، الشهير بـ»صلاح جاهين».
ولد في 25/12/1930 م بحي بشبرا في شارع جميل باشا، وهو الأكبر بين إخوته. والده المستشار بهجت حلمي الذي تدرج في السلك القضائي حتى عُين رئيسًا لمحكمة استئناف المنصورة.
كانت ولادته متعثرة ويقال أن الولادة المتعثرة تترك آثارها على المولود فتلازمه طول حياته وقد تتسبب في عدم استقرار الحالة المزاجية عنده، وهو ما لوحظ على صلاح جاهين الذي كان يفرح كالأطفال ثم يحزن لدرجة الاكتئاب. وإن كنت أعتقد أن حزنه يرجع لهزيمة يونيو1967 ثم رحيل عبد الناصر في سبتمبر1970، فقد آمن بالثورة وأحب زعيمها وغنى لهما، وانكسر بانكسارهما.
في طفولته كان نادرا ما يغادر أمه، التي كانت تروى له القصص العالمية والأمثال الشعبية، فعملت على غرس كل ما تعلمته من دراستها في مدرسة السنية، ثم عملها كمدرسة للغة الانجليزية في طفلها الذكي الذي تعلم القراءة في سن الثالثة. كما لعبت مكتبة جده السياسي والكاتب أحمد حلمي (شارع أحمد حلمي بشبرا يحمل اسمه) - زميل ورفيق الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد ـ لعبت تلك المكتبة دورًا كبيرًا في إتاحة مجموعة كبيرة من الكتب في شتى المجالات أمام القارئ النهم. وقد تعلم من والدته أيضا صناعة بعض الألعاب من الطين أو الصلصال، كما شجعته على ممارسة الرسم بعد أن لاحظت تعلقه بهذا الفن.
منعطفات
أراد له والده أن يكون مثله مستشارا فأرغمه على دخول كلية الحقوق فتعثر في دراسته، حتى أنه قضى في السنة الأولى ثلاث سنوات متتالية حتى لحقته أخته ونجحا معًا في السنة الأولى والثانية. ولكن لم يستطع صلاح جاهين أن يكبت بركان الفن داخله أكثر من ذلك، فقرر ترك الحقوق ودراسة الفنون، أسفر عن مشادة عنيفة بينه وبين والده.
بعدها غادر صلاح جاهين المنزل دون إطلاع أحدًا على مقصده. فتوجه لبيت الفنانين بوكالة الغوري ثم سافر لعمه بغزة، وقضى فترة هناك عاد بعدها إلى القاهرة حيث قرأ إعلانًا عن وظيفة مصمم مجلات بالمملكة العربية السعودية، فتقدم لها ثم سافر دون أن يخبر أحدًا، ولم يعلم والديه إلا بعد سفره بالفعل. ولكنه عاد مرة أخرى لمصر بعد أن تلقى خطابًا من والده يحثه فيه على العودة. ورغم التحاق صلاح جاهين بكلية الفنون الجميلة بعد ذلك إلا انه لم يكمل الدراسة بها أيضًا.
وبعد عودته بدأ حياته العملية في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير. وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه «كلمة سلام» في عام 1955. وفى نفس الوقت بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة روزاليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من الشخصيات. وقد تسببت رسومه الكاريكاتورية أكثر من مرة في أزمات سياسية كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دمه وتظاهروا أمام جريدة الأهرام مرددين هتافات ضده. كما أجرى معه المدعى العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب رسم كاريكاتيري انتقد فيه تقريرًا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة.
الوهج
لم تتوقف أعمال صلاح جاهين الشعرية رغم عمله كرسام كاريكاتير، فأصدر ديوانه الأول «كلمة سلام» عام 1955، ثم ديوانه الثاني «موال عشان القنال» عام 1957 وفى نفس العام كتب «الليلة الكبيرة» التي لحنها له سيد مكاوي أحد أقرب أصدقائه.
ومثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعري عند صلاح جاهين والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه «الرباعيات» عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه «قصاقيص ورق»، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبد الحليم حافظ مثل «صورة»، «بالأحضان»، «والله زمان يا سلاحي» الذي اتُّخذ النشيد الوطني المصري إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وغيرها من الأعمال الوطنية التي بقت راسخة في ذاكرة الشعب المصري. وفى الفترة ذاتها كون صلاح جاهين جماعة «محبي ضوء القمر» عام 1961، كما قدم العديد من المسرحيات مثل «القاهرة في ألف عام»، وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات مثل «إيزيس»، و»الحرافيش»، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحيًا لبعض المسرحيات الأجنبية مثل «الإنسان الطيب»، «دائرة الطباشير القوقازية». أيضا كتب الأغاني للعديد من الأعمال الإذاعية مثل مسلسل «رصاصة في القلب». وقدم للأطفال عدة أعمال مثل مسرحيات «الفيل النونو الغلباوي»، «الشاطر حسن»، «صحصح لما ينجح»، «حمار شهاب الدين»، لذلك اختارته وزارة الثقافة - عام 1962- ليكون مسؤولاً عن ثقافة الطفل. وانضم صلاح جاهين في مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام ليكمل مسيرته فيها. كما نال وسام الفنون في عيد العلم عام 1965. وعن هذه الفترة أجاب عندما سُئل عن أجمل فترات العمر: «هي الفترة ما بين عام 1963-1967 الفترة دي كانت الذروة في حياتي».
الفيلسوف
ينفرد جاهين بخاصية تمنح شعره – على بساطته وعاميته- بعدًا فلسفيًّا لا مثيل له لدى شعراء العامية الآخرين، ويتجلى خصوصًا في رباعياته حيث نجد أصداء لفلسفة سارتر الوجودية ولمواقف ألبير كامو في اغترابه ولجرأة نيتشه الذي لم تكن فلسفته سوى شعر مكثف. بالإضافة إلى نهل جاهين من التراث الفلكلوري المصري والعربي الإسلامي والمسيحي. ومزجها كلها في صوت صادق متفرد هو صوته وحده. ولننظر إلى بعض رباعياته التي يمكن اعتبار كل رباعية منها أطروحة فلسفية كاملة تطرح كل منها أحد الأسئلة الوجودية الهامة في تصوير بالغ الإيجاز والإيحاء والدهشة.
الانطفاء
تداعت أحلام صلاح جاهين بهزيمة يونيو1967، وتبددت تماما برحيل عبد الناصر، سقط شاعر الثورة في براثن الإحباط، فلزم الصمت (أخرس ولكن قلبي مليان كلام)، وما بقى من إنجازات عبد الناصر تعرض للتشويه حتى السد العالي طالته الحملة الساداتية المسعورة وحاولت الحط من شأنه. لم يجد الشاعر مكسور الحلم وسيلة لإفراغ طاقاته المكبوتة إلا في كتابة أغاني أفلام سعاد حسني مثل «خلي بالك من زوزو» و»أميرة حبي أنا». تندر المثقفون على « قفل لي على كل المواضيع» نعوا الشاعر الجميل لكنه قبل رحيله بعامين أصدر ديوانه الأخير «أنغام سبتمبرية» عام 1984. ولما سأل سبتمبر؟ أجاب: «ربما لأن عواطفي تعودت أن تجيش في سبتمبر من كل عام منذ أن كان الفيضان يأتي في هذا الشهر محملاً بعطر يملؤني بنشوة عجيبة ورغبة خفية في الارتواء والاحتواء، أو ربما لأن عبد الناصر مات كمدًا في سبتمبر. «أنغام سبتمبرية» كانت ديوانه الأخير ولقارئه أن يتساءل: هل كانت قصائده هي تغريدة البجعة حينما تستشعر قرب الرحيل، وهل كان صدفة أن ينتهي الديوان بالكلمات التالية:
آدي اللي كان وادي القدر
وادي المصير
نودع الماضي وحمله الكبير
نودع الأفراح
نودع الأشباح
راح اللي راح، ماعدش فاضل كتير.
صلاح جاهين: الفيلسوف الضاحك الذي قتله الحزن..ولم تصطبغ حياته باللون الـ((بمبي))
أحمد رجب شلتوتيا عندليب ماتخافش من غنوتكقول شكوتك واحكي على بلوتكالغنوه مش حتموتك...... إنماكتم الغنا هو اللي ح يموتك