محمد عباس محمد عرابي - دلالة الاسم المجرور في عناوين القصص القصيرة للأديب المصري خالد همام، وأثره على مضمون القص (قصص مسعود وباتعة أنموذجا) (الجزء 2)

(الجزء الثاني من الدراسة)


أعزائي القراء والمتابعين لـ(قصص مسعود وباتعة أنموذجا ) للأديب خالد همام : أما قبل فكل عام أنتم بخير، ولا يفوتنا التقدم بخالص التعازي في فقيد عائلة الجعافرة العريقة بمصر الحاج ( عبدالهادي سيد حسانين ) (رحمه الله وأسكنه فسيح جناته آمين )، وبعد ،فهذا هو الجزء الثاني من الدراسة المعنونة بـ" دلالة الاسم المجرور في عناوين القصص القصيرة للأديب المصري خالد همام، وأثره على مضمون القص (قصص مسعود وباتعة أنموذجا )"حيث يدرس الباحث فيه عشر قصص جديدة من المجموعة القصصية (قصص مسعود وباتعة) من خلال محورين :
المحور الأول :تعليق على التعليق(تعليق الأستاذ /محمد فكري أنموذجًا)
في البداية يتقدم الباحث بكل الشكر والتقدير للسادة القراء المتابعين والذين أطروا على الجزء الأول لهذه الدراسة (مدحًا وثناءً وشكرًا )،و بعد يسرني أن أنقل لكم تعليق الأستاذ /محمد فكري على المقال الأول من هذه الدراسة ،له منا كل شكر وتقدير على هذا التعليق الذي تناول فيه بالتحليل الموضوعي والفني بعض الجوانب الموضوعية والفنية في المجموعة القصصية الشيقة (مسعود وباتعة )؛حيث يقول :" خالص التحية للدكتور/ محمد أبو أحمد على هذا التحليل الرائع، وهذا العرض النقدي الشائق لقصص المبدع خالد همام ... الذي يمتعنا كل خميس بحكايا ونوادر مسعود ويجعلنا نعيش معه انتصاراته وانكساراته الخميسية حتى أحببناه وألفناه فصرنا إذا نزلنا للشارع أخذنا نبحث عن هذا المسعود في وجوه من نعرف ومن لا نعرف، فتارة نراه زميل العمل، وتارة، رئيس المصلحة، وتارة زميل دراسة قديم نلقاه مصادفة، وتارة سائق التاكسي أو الحافلة، نراه في وجوه الكثير والكثير من أولئك المعذبين في الأرض، للحد الذي يجعلنا أحيانا نخشى النظر في المرآة خشية أن تصدمنا حقيقة أننا - أنفسنا- مسعود . فعلًا كلنا مسعود- كلنا مسعود بأسماء مغايرة، وأشكال متباينة، وهزائم مشابهه وباتعة مختلفة.
وإن كانت البلاغة عرفت بأنها إجاعة اللفظ، وإشباع المعنى، فخالد همام بارع في إهلاك اللفظ جوعا وإتخام المعنى للحد الذي لو طلب تلخيص إحدى قصصه لكان الملخص ضعف النص كمًا ونصفه كيفًا .
شكرًا جزيلا لخالد همام الذي يضحكنا في كل خميس - ضحكًا كالبكاء- ولكنها طبيعة الاشياء وحقيقة واقعنا الذي نعيشه!!
في النهاية أكرر شكري للأستاذ الدكتور والكاتب والناقد الكبير/ محمد ابو احمد" .
ونحن بدورنا نكرر شكرنا للأستاذ /محمد فكري على هذه الرؤية الأدبية والنقدية الرائعة والتحليل المتميز لشخصية مسعود ،والبراعة في إظهار طبيعة المجموعة القصصية (مسعود وباتعة ) في ضوء قضية اللفظ والمعنى .
المحور الثاني: نبذة مختصرة حول دلالة الاسم المجرور في عنوان كل قصة من القصص محل الدراسة في هذا الجزء ، وأثر ذلك على مضمون القص .
أولا : دلالة الاسم المجرور على الزمان:
جاءت أيضا كما تعرفنا في المقال الأول العديد من القصص للأديب خالد همام تدل على الزمان، وأثَّر ذلك على مضمون القص ؛ كما في قصة "مسعود في ليلة القدر ..." حيث تتحدث القصة عن زمن شريف هو ليلة التي هي من أفضل الليالي ،وشهر هو أفضل الشهور وتفصيلًا للزمان الذي تدور حوله القصة يقول القاص خالد همام :"مع شروق شمس الخميس الأخير من رمضان المعظم صعد مسعود السطح وبدأ يحملق في عنان السماء يتفحصها جيدا باحثا عن ليلته الصفيَة التي ينتظرها كل رمضان ...." وقد أثر هذا الاسم المجرور على الزمان (ليلة القدر) فجاءت أحداث القصة كلها حوله .
وكما في قصة" مسعود في أخر النهار ..." وقد حدد الكاتب خالد همام زمان القصة باليوم والشهر حيث يقول :"انتصف خميس الثالث عشر من رجب الثامن عشر من امشير ..." ولقد برع الكاتب في تسجيل عادات ريفية أصيلها في الطبخ، وإن كانت العادات تغير البعض منها بتغير الزمان ؛يقول الكاتب واصفًا هذه العادة :" وباتعة في قعر دارها تزرف الدمع الساخن من عينيها الضيقتين أثناء تقطيع بصل تقلية الخميس الحمراء ..." وكعادته يحرص الأديب خالد همام على أن يرصد قلمه الحدث الأكثر شهرة وانتشارًا وقت كتابة القصة صباح كل خميس حيث وصف الدراما القصصية في التعليق على زلة اللسان غير المقصودة من إعلامي شهير – حيث اعتذر فور وقوعه في خطأ لساني - يتعلق بأناس هم القيم ذاتها من أخلاقهم (رجالا ونساء )يرتشف العالم أجمع رحيق المبادئ والشهامة !!
ثانيا : دلالة الاسم المجرور على المكان :
جاءت أيضًا العديد من القصص تدل على المكان كما في "مسعود في الحرم ..." ، وكما يتضح من العنوان الاسم المجرور يطلق على أقدس بقعة على ظهر الأرض الحرم الشريف حيث الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في صلاتهم وقد أثر ذلك على القص حيث وظف الكاتب "الحلم "كمحور تنطلق من أحدث القصة والأمنية(أمنية العمر ) التي يحرص الجميع على تحقيقها ألا وهي أداء مناسك الحج والعمرة ولو بذل كل ما يملك في سبيل تحقيق ذلك وكم يحزن إن لم يتمكن من تحقيق ذلك ،وفي ذلك يقول الأديب خالد همام :" استيقظ مسعود في صباح الخميس الثاني من ديسمبر العريض ولكنَه هذا الصباح على غير عادته فقد شاهد نفسه في المنام ملفوفا برداء أبيض ...
فسَر المسعود منامه بأحد المسارين :
إمَا عمرة وحج لبيت الله العتيق بمكة المكرمة أو موت يخطفه للعالم الآخر ...
قص مسعود حلمه وتفسيره لزوجته باتعة التي وضعت يدها على فمه وهو ينطق لفظة الموت مرددة :
بعد الشرعليك يا نورعيني بإذن الله هتروح العمرة وتزور المصطفى وتحط إيدك على شبَاكه ...
ثم دخلت غرفتها وجلبت ما تبقى لها من ميراث والدتها ( حلق وخاتم من ذهب ) ودفعت بهما لزوجها الحبيب ليبيعهما ويحجز في رحلة عمرة ...
فعل المسعود ما أرادت الباتعة شوقا منه للرحلة المباركة ثم ذهب لإحدى شركات السياحة..."
وفي قصة "مسعود في غزة ..."والتي تدور الفكرة الرئيسة فيها حول الأحداث الأخيرة التي حدثت في مكان محل اهتمام العالم بأسره "دولة فلسطين الشقيقة" ،ومن خلال حوار مسعود مع نفسه في خلوته أمام التلفار ،وتحليله لواقع الأحداث في دولة فلسطين وصف لنا الواقع مبينًا ومشيرًا إلى أكبر سلاح للنصر ،وفي هذا يقول الأديب خالد همام واصفًا ما أسفر عنه بحث مسعود :" بحث مسعود عن إجابات شافية كافية لأسئلة تدور في رأسه فلم يجد سوى كلمة واحدة ... ( العقيدة )
نعم إنها العقيدة ... العقيدة الراسخة التي تصنع المستحيل ..."
وكما في قصة "مسعود في البيت الأبيض ..." والتي دارت وقت كتابتها حول مكان محط أنظار العالم مكان تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد "جون بادين "،وقد أثر هذا العنوان على القص حيث دارات أحداث القصة حول هذا الموضوع ،ومناقشة اهتمام بادين بحقوق الإنسان في العالم .كما عالجت القصة بعض القضايا التي هي محل اهتمام الناس وقت كتابتها مثل قضية خضوع الراتب لإحدى الشرائح الضريبية الجديدة ...وقضية عمل وزارة جديدة اسمها وزارة السعادة.
وكما في قصة "مسعود في الكنيسة ..."والاسم المجرور هنا الكنسية، وقد أثر هذا على القص حيث استطاع الكاتب ببراعة تجسيد روح المحبة والإخوة والوحدة الوطنين بين مواطني الوطن الواحد مصر المحفوظة المترابطة (المسلمين والمسيحيين )وروح التآزر والتعاون بينهم خاصة في وقت الشدة ، حيث صور الكاتب البارع خالد همام كل ذلك في موقف وفاة الأسطى ( بطرس ) جار مسعود وفي هذا يقول الكاتب :" إنه الأسطى ( بطرس ) جار مسعود الذي قدم على الحارة من مدينة أبنوب بصعيد مصر ...وعمل مكوجيَا بالحارة، وتزوج وعاش بين أهلها المسلمين وكأنه واحد منهم ؛ هو الآن في ذمة الله !شعر الجميع بالحزن العميق وهبَ الكل للوقوف بجانب زوجته وأطفاله الصغار وبدأ أهل الحارة وعلى رأسهم مسعود يفكرون في مصير هذه الأسرة البسيطة والتي مات عائلها دون ميراث أو معاش ....
أصبحت الحارة كخلية نحل في تعاونها في الواجب حتى وصلت جثة المتوفي إلى الكنيسة للصلاة عليها ...
استقبل كهنة الكنيسة الجنازة ومشيعيها ذي الأغلبية المسلمة باحترام وهدوء"
كما صور الكاتب خالد همام الدور العظيم المشكور الإنساني الجليل الذي تقوم به الكنيسة المصرية العريقة من رعاية الأيتام وحرص واهتمام مسعود المسلم بأبناء جاره الأسطى ( بطرس )بعد موته وفي هذا يقول الأديب :" وكعادته مسعود من النبل والشهامة مال على أحد القساوسة وهمس في أذنه قائلا :
جاري بطرس فقير يسكن بالإيجار وزوجته بسيطة وأطفالها صغار ونخشى عليهم من الضياع ...
رد القسيس في وقار :
مشكور يا أستاذنا ... واطمئن ستقدم الكنيسة لأسرة بطرس كل ما يحتاجونه من الرعاية المادية والاجتماعية حتى يكمل الأطفال تعليمهم وتتفرغ الأم لتربيتهم ونحن نقدر لكم حسن مشاعركم ...
أحد الجيران كان يتابع في صمت حوار مسعود مع القسيس ... فقال لمسعود بعد نهاية حواره مع الأب ( إبرام ) :
متخفش يا أستاذ مسعود على عيال بطرس وزوجته ... الكنيسة فاهمة كل حاجة ومخططة تمام لرعاية الأيتام ...."
ثالثا: دلالة الاسم المجرور على اسم ذات أو معنى :
جاء الاسم المجرور أيضًا في بعض القصص اسم ذات و معنى ، و أثر بدوره على مضمون القص فمن القصص التي ورد في عنوانها الاسم المجرور يدل على اسم ذات منها قصة " ..." كما في قصة "مسعود في العدس ..." التي كان فيها الاسم المجرور اسم ذات وأثر ذلك في القص ووظف الكاتب الاسم (العدس ) في حبكة درامية قصصية استطاع الأديب خالد همام من خلالها أن يصور حنكة المرأة المصرية الحكيمة وتدبيرها في أكل ما قسمه الله ورزق به من رزق وفي هذا يقول الكاتب :" قاربت شمس الخميس الثالث من ديسمبر الطويل على الغروب ومسعود يكد ويكدح في طريقه إلى الحارة المنسية في قاهرة المعز القديمة ...
على غير العادة لم تعثر أنف مسعود الحادة على رائحة التقلية التي اعتادتها أنفه مساء كل خميس ...
سأل زوجته ( باتعة ) عن السبب فأخبرته بنفاذ مصروف البيت ولم تجد ثمن اللحمة والبصل وتصرفت بحكمتها وصنعت لأسرتها شوربة عدس جميل !"
كما ذكرنا الكاتب بالصورة التي ألفناها ودرسناها في السبعينات قصة الأرنب وقوله :" في الصباح خس وجزر وفي المساء " والتي تعلمنا منها أن نحمد الله على ما رزقنا به .
وها هو الكاتب يصور موقف الصغار من أكل العدس يوميًا حيث يقول :" ينظر مسعود لطفلته بعين العاجز المستكين ...
انطلق لسانه بصعوبة يشرح للجميع فوائد العدس وخاصة في الشتاء ؛ فرد الابن الأكبر :
العدس جميل يا بابا ... بس إحنا أكلنا عدس يوم السبت و الاثنين والأربع والنهاردة الخميس ... كده حصص العدس زادت في الجدول يا مدير ....
ضحك الجميع إلا مسعود ..."
كما في قصة " مسعود في حسبة برما ..." والعنوان هنا يدل على اسم مركب تركيب إضافي ،وهو يُضرب به المثل في الأمور المحيرة، وانعس ذلك على القص فجاءت أحداث القصة حول حل لغز محير وفي هذا يقول الكاتب :" انتصف ظهر الخميس الثالث من نوفمبر البهيج ومازال مسعود قابعا على كرسيه الخشبي في وظيفته الميري ...
وبينما هو منهمك في حل الكلمات المتقاطعة إذا بشاب في مقتبل العمر يقف أمامه يطلب منه حلَ لغز أتعب رأسه الصغير ...
فرح مسعود بذاك اللغز فهو من عشاق التحدي في كل أطياف الذكاء والنبوغ !
بدأ الشباب الدرعمي ( أي خريج كلية دار العلوم ) في سرد لغزه مستخدما العربية الفصيحة في أبهى صورها....."
وتتضح براعة الكاتب من خلال القصة في معالجة العدد من القضايا الاجتماعية ذات الصلة بموضوع اللغز .
وكما في قصة "مسعود في الغيبوبة ..." حيث جاء الاسم المجرور اسم مؤنث معرفة معرف بال(الغيبوبة )وبرع الكاتب في معالجة بعض السلوكيات التي يفعلها البعض، ويؤدي بهم كأنهم في غيبوبة ،وفي ذلك يقول الكاتب :" في مساء الخميس الثاني من نوفمبر البركة استيقظ مسعود من استراحة العصاري على صوت غريب لم يألفه في الحارة !
أصوات جماعية وبخور وروائح أخرى ....." ثم قص الكاتب أحداث القصة بأسلوب درامي فني مميز
وكما في قصة "مسعود في الحلاوة ..." جاء الاسم المجرور أيضا كما في القصة السابقة (الغيبوبة ) اسم مؤنث معرفة معرف بال(الحلاوة)وبرع الكاتب في معالجة بعض السلوكيات الاجتماعية والفلكلورية المرتبطة بحلوى الموالد خاصة حلوى المولد النبوي ،وببراعة فنية استغل الكاتب هذه المناسبة في التعريف بمعلم البشرية (صلى الله عليه وسلم )وكيف ربى جيل قاد الإنسانية إلى شاطئ الرحمة وبر الأمن والأمان والسلم والسلام ،وقد عرج الكاتب من خلال ذلك لدور المعلم في التربية المثلى للأجبال لبنة صرح الوطن وأساس تقدمه ورقيه يقول الكاتب :" بعد ظهر الخميس الأول من نوفمبر ها هو مسعود يكد ويكدح في طريقه إلى البيت وعيناه تراقبان وتتأملان السرادقات الكثيرة التي تعرض حلوى المولد النبوي بكل ألوانها المختلفة والجذَابة ....
في غمرة النظر طار ذهن مسعود إلى صاحب هذه الذكرى ....
إلى ( محمد بن عبدالله ) - صلى الله عليه وسلم - وتأمل مسعود الموقف منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ...
كيف لرجل فقير في بيئة قاسية غاب عنها النفط والذهب وكل مظهر لحضارة راقية أن يجمع حوله عشرات من الرجال والنساء ليكوَن بهم دولة وبعد أقل من قرن تحكم هذه الدولة أكثر من نصف الأرض وتضم أجناسا مختلفة من البشر في نسيج واحد متماسك كالبنيان المرصوص ؟؟؟..."
التفاعلات: محمد عباس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...