لا تترك طفلك لوحده بعد مشاهدته لأفلام الخارقين؛ فليس من المستبعد أن يلف ملاءة حول رقبته ويقفز من النافذة.
هناك أشخاصاً يملكون تلك الروح الطفولية التي تجرب كل شيء. ولست بعيداً عنهم. فلقد جربت ممارسة كل الفنون من الرسم والنحت والتمثيل بل وكتابة السيناريو، هذا بالإضافة إلى تجريب الكتابة الأدبية المحضة.
إن التجريب متعة، وهو متعة عندما تنجح، ومتعة عندما تفشل، إذ هو ما يقيس قدراتك القصوى، ويبلغ مداها الذي يمكن أن تقول معه بأنك تجيد فناً ما أم لا؟ ستنجح أم ستفشل، تمتلك البصيرة اللازمة فيه أم عليك أن تتوقف.
غير أن الأخطر في التجريب ليس ذلك فقط، إن التجريب يعطك دوماً إحساساً بأن الحياة ليست مستحيلة كل الإستحالة. تلك المتعة في الفشل، تعني أنك تقاوم جمود الحياة، وتسلطها على حريتك، وفوق هذا فالتجريب يجعلك تلتقي بالعظماء، وأن تشعر بهم. لقد كنت من محبي عصر النهضة، فاللوحات -دافئة الألوان- ظلت تنقلني من سطوع شمس أفريقيا، ثم التقيت بالرسام البولندي جيزلاف بيكشينسكي، وتأثرت بفنه الوحشي، ولا زلت متأثراً به. والتأثر لا يعني أكثر من أن أعماله الفنية تعبر عن تقارب انفعالي بيننا تجاه الحياة. ليس ذلك موقفاً فلسفياً، بل انفعالاً، وهناك فرق. لم يطرح جيسلاف مسميات للوحاته الوحشية، لقد مات أيضا بسبب جريمة قتل وحشية لخصت سوداويته التي تجاوزت السبعين عاما في ثوانٍ معدودات. واليوم أيضا التقيت -عن طريق الصدفة- بالرسام الأمريكي إدوارد هوبر ١٨٨٢ - ١٩٦٧. وجذبتني أعماله على الفور. ويصعب تبرير حالة الجذب بين الإنسان والفن، لأنها مسألة نفسية.
والحقيقة أن بين جيسلاف وهوبر اختلاف شامل. فإذا كانت عزلة جيسلاف وحشية فإن عزلة هوبر هادئة. يبدو أنه لم يتخذ موقفاً سلبياً شاملاً، لكنه اختار أن يحاكم نفسه وليس ما حوله. هذا الإختلاف مهمٌ، فإذا كانت أعمال جيسلاف ملأى بالكائنات المخيفة، بالأشباح والخوف والموت والفناء والرعب والعبثية واللا جدوى واللا معنى، فإن عزلة هوبر صافية، ولوحاته تعتمد على الإمتدادات اللونية الثابتة، والمساحات وليس الضيق، النظام والترتيب وليس الفوضى والإختلاط. وكلا الرجلين لديه انفعال نفسي عميق، لكن من زاويتين مختلفتين. مسطحات هوبر مقابل احتشادات جيسلاف، وضوح هوبر، مقابل غموض جيسلاف، هدوء هوبر مقابل ضجيج جيسلاف، موت جيسلاف مقابل حياة هوبر. المسألة تعني النقيض ثم النقيض.
هنا نستطيع أن نفهم أهمية التجريب، فالتجريب يمنحك القدرة على اختيار أسلوبك الخاص في الفن. ذلك الأسلوب الذي يناديك دوما بعشق، لتتبناه وتعتمد عليه طيلة ما تبقى من حياتك. الأسلوب الذي سيطلقون عليه إسمك يوماً ما.
لقد أمضى هوبر أكثر من ستة وأربعين عاماً قبل أن ينال الاعتراف بأسلوبه. لقد ساعدته زوجته في عبور أزمة المؤسسات، بقوة عاطفتها وليس بنفوذها. في حوالى السادسة والأربعين حدثت تلك القفزة التي يبحث عنها كل الفنانين من المعتزلة، أي أولئك الذين لا يملكون قدرة الإندماج مع المؤسسات المسيطرة على المشهد الثقافي والسياسي برمته، تلك التي تقبض وتبسط لمن تشاء. إذاً؛ فرحلة هوبر كانت رحلة فنان حقيقية، تلك الرحلة التي تبدو عبثية في ثلاث أرباع سنينها، ثم يأتي ربعها الأخير بإنقلاب شامل. قد لا يكون ذلك مفرحاً لأنه يبدو كمجاملة من القدر، ولكنه أفضل من لا شيء في كل الأحوال. هذه مشكلة لم أجد لها تحليلاً منطقياً، منذ شوبنهاور وبودلير وحتى هوبر،..فهذا التكرار يعني أن السيستم الكوني ليس متزناً على نحو مثالي. السيستم الكوني، الذي لديه قوانين مجحفة بأمثال هؤلاء العباقرة والفنانين. إنه مخيف إلى حد ما..
هناك أشخاصاً يملكون تلك الروح الطفولية التي تجرب كل شيء. ولست بعيداً عنهم. فلقد جربت ممارسة كل الفنون من الرسم والنحت والتمثيل بل وكتابة السيناريو، هذا بالإضافة إلى تجريب الكتابة الأدبية المحضة.
إن التجريب متعة، وهو متعة عندما تنجح، ومتعة عندما تفشل، إذ هو ما يقيس قدراتك القصوى، ويبلغ مداها الذي يمكن أن تقول معه بأنك تجيد فناً ما أم لا؟ ستنجح أم ستفشل، تمتلك البصيرة اللازمة فيه أم عليك أن تتوقف.
غير أن الأخطر في التجريب ليس ذلك فقط، إن التجريب يعطك دوماً إحساساً بأن الحياة ليست مستحيلة كل الإستحالة. تلك المتعة في الفشل، تعني أنك تقاوم جمود الحياة، وتسلطها على حريتك، وفوق هذا فالتجريب يجعلك تلتقي بالعظماء، وأن تشعر بهم. لقد كنت من محبي عصر النهضة، فاللوحات -دافئة الألوان- ظلت تنقلني من سطوع شمس أفريقيا، ثم التقيت بالرسام البولندي جيزلاف بيكشينسكي، وتأثرت بفنه الوحشي، ولا زلت متأثراً به. والتأثر لا يعني أكثر من أن أعماله الفنية تعبر عن تقارب انفعالي بيننا تجاه الحياة. ليس ذلك موقفاً فلسفياً، بل انفعالاً، وهناك فرق. لم يطرح جيسلاف مسميات للوحاته الوحشية، لقد مات أيضا بسبب جريمة قتل وحشية لخصت سوداويته التي تجاوزت السبعين عاما في ثوانٍ معدودات. واليوم أيضا التقيت -عن طريق الصدفة- بالرسام الأمريكي إدوارد هوبر ١٨٨٢ - ١٩٦٧. وجذبتني أعماله على الفور. ويصعب تبرير حالة الجذب بين الإنسان والفن، لأنها مسألة نفسية.
والحقيقة أن بين جيسلاف وهوبر اختلاف شامل. فإذا كانت عزلة جيسلاف وحشية فإن عزلة هوبر هادئة. يبدو أنه لم يتخذ موقفاً سلبياً شاملاً، لكنه اختار أن يحاكم نفسه وليس ما حوله. هذا الإختلاف مهمٌ، فإذا كانت أعمال جيسلاف ملأى بالكائنات المخيفة، بالأشباح والخوف والموت والفناء والرعب والعبثية واللا جدوى واللا معنى، فإن عزلة هوبر صافية، ولوحاته تعتمد على الإمتدادات اللونية الثابتة، والمساحات وليس الضيق، النظام والترتيب وليس الفوضى والإختلاط. وكلا الرجلين لديه انفعال نفسي عميق، لكن من زاويتين مختلفتين. مسطحات هوبر مقابل احتشادات جيسلاف، وضوح هوبر، مقابل غموض جيسلاف، هدوء هوبر مقابل ضجيج جيسلاف، موت جيسلاف مقابل حياة هوبر. المسألة تعني النقيض ثم النقيض.
هنا نستطيع أن نفهم أهمية التجريب، فالتجريب يمنحك القدرة على اختيار أسلوبك الخاص في الفن. ذلك الأسلوب الذي يناديك دوما بعشق، لتتبناه وتعتمد عليه طيلة ما تبقى من حياتك. الأسلوب الذي سيطلقون عليه إسمك يوماً ما.
لقد أمضى هوبر أكثر من ستة وأربعين عاماً قبل أن ينال الاعتراف بأسلوبه. لقد ساعدته زوجته في عبور أزمة المؤسسات، بقوة عاطفتها وليس بنفوذها. في حوالى السادسة والأربعين حدثت تلك القفزة التي يبحث عنها كل الفنانين من المعتزلة، أي أولئك الذين لا يملكون قدرة الإندماج مع المؤسسات المسيطرة على المشهد الثقافي والسياسي برمته، تلك التي تقبض وتبسط لمن تشاء. إذاً؛ فرحلة هوبر كانت رحلة فنان حقيقية، تلك الرحلة التي تبدو عبثية في ثلاث أرباع سنينها، ثم يأتي ربعها الأخير بإنقلاب شامل. قد لا يكون ذلك مفرحاً لأنه يبدو كمجاملة من القدر، ولكنه أفضل من لا شيء في كل الأحوال. هذه مشكلة لم أجد لها تحليلاً منطقياً، منذ شوبنهاور وبودلير وحتى هوبر،..فهذا التكرار يعني أن السيستم الكوني ليس متزناً على نحو مثالي. السيستم الكوني، الذي لديه قوانين مجحفة بأمثال هؤلاء العباقرة والفنانين. إنه مخيف إلى حد ما..