بسم الله الرحمن الرحيم وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (صدق الله العظيم - سورة العنكبوت الأية 69.
إنّ الإصرار على تحقيق الأحلام لتخرج من ظُلماتِ الليل إلى وَضَحِ النهار وصولًا للغاية منها ، ألا وهى النفع العام للفرد والمجتمع ، لذا يبذل الكثير منّا جهدًا بل ومعاناة ما بين الطموح والعقبات التي تواجهه من أجل الوصول إلى أقرب نقطةِِ قد طالعها في خياله ، وما أشقّ وأقسى من أن يسعى الإنسان جاهدًا ، بعدما أعطاه الله ومنّ عليه من فضله ، وأصبحَ لديه عقل يُفكر ، وقلب ينبض ، وبصيرة مستنيرة ، محاولًا تجسيد ما يتمناه من خير ونفع للعباد والبلاد من إطارِ النوايا إلى أعمال وأسس وقواعد يلتفّ حولها أفراد المجتمع ، لنبني الحاضر ونضيء المستقبل للأجيال القادمة .
إنه أمرُُ يتطلب الكثيرَ والكثير من التّضحياتِ ، فكل عّملِِ من الأعمالِ العظيمة التي حدثت شاهدة على هذه التّضحيات ، لأنها ومهما كانت في البداية مُجرّد فكرةِِ في ذهن آحاد الناس ، فجدّ واجتهد وضحّى بكلّ غالِِ ونفيس من أجل أن تخرج فكرتهُ من الحلم الذي ظلَ يحلُم بهِ للحقيقةِ ، ولكنّ الطريق طويل ومليء بالأشواك ، مظلم دامس الظّلام ، ولأنّ الحلم الذي يراوده ، والهدف والغاية التي يريد الوصول إليها تقوم في المقام الأول لإرضاء الله أولًا . ثم لتقديم النفع العام ثانيًا ، لذا فإنه يرى ببصيرته نهاية هذا الطريق ، وشمس النهار التي تنتظر صاحبها آخره ثقةً ويقينًا في الله چلّ في عُلاه ، فكم من أساتذة أجلّاء ضربوا لنا المثلَ في هذا المضمار فكان ماضيهم هو الشمعة التي تُنير حاضرنا ، وإن تطرق البعض بحثًا عن كمِّ المتاعب والصعوبات التي واجهتهم حتى وصلوا وأوصلونا إلى تحقيق غايتهم ليصبح حلمهم حقيقة مضيئة لحاضرهم ومستقبل الأجيال اللاحقة.
إن الأمر جدُّ خطير ومن الصعب الوقوفُ حتى على چُلّ جوانبه ، فالظلام كان دامسًا والليل كان حالكًا والأشواك كانت متعنتة في الأوجاع ، ولكن هيهات هيهات لمن تمسّك بحبلِ الله ومراده.
ولا يفوتنا أن نُلقي الضوءَ في هذا المقام الرفيع على مَن ظلّ سائرًا في هذا الطريق بكل ما فيه من آلام وأوجاع ومعاناة من لحظاتِ انكسار ، ولكن لم تنل من عزيمتهِ وأفنى عمره يسعى لإخراج العباد والبلاد من ظلمة الليل إلى وضَحِ النهار ، ولكن لم يصل لمراده إمّا بسبب أن تكون وافته المنية ، ويا لها من منزلة عظيمة أن يلقى الإنسان ربه وهو مجاهدٌ مرتدٍ لباسَ المثابرة نسأل اللهُ أن لا يحرمنا هذه المنزلة العظيمة، أو بسبب عوامل كثيرة حالت بينه وأقامت السّدود ومنعتهُ من الوصول لنهاية الطريق فلهم الأجر كاملًا .
نعم الأجر بالنية على ما كانوا يريدونه من نفع وخير ، ولكن لم يستطيعوا فهنيئًا لهم جميعًا وتحية من القلب ، وإننا نُجل ونحترم ونقدر لا أقول شخصهم الكريم فقط ، بل إننا نعظم التراب الذي وطأته أقدامهم يومًا إجلالاً وتعظيمًا لهم ، فنحن من خلفهم نسعى بكل ثقة في الله إننا إما أن يكرمنا الله ونلقى المنزلة ، أو نأخذ الأجر بالنية.
ويقول فهمي هويدي فى كتابه (إحقاق الحق). إنّ المشهد غير مفرح حقًّا ، لكنّه يصورنا ونحن في رحاب القرن الواحد والعشرين. أعجبنا أم لم يعجبنا ، فهكذا نحن يعجزنا الهمّ حتى يعوقنا تعلقنا بالحلم ، ويحاصرنا الإحباط واليأس من كلّ صوب ، حتى يكاد ينزع منا الأمل .
في أمثال تلك الأجواء المعتمة تتراجع طموحات ُّ كثيرة . يتخلّى المرء ابتداء عن ذلك الخيار المترف الذي يتراوح بين التفاؤل والتشاؤم ،، فبعد أن يفشل في العثور على مصدر أو سبب للتفاؤل ، غير حسن الظن بالله بطبيعة الحال ، فلا يبقى أمامه إلّا أن يكبح جماح تشاؤمه ، حتى لا يسقط في هوة اليأس ومن ثم الضياع . أيضًا فإنه يصرف النظرَ عن إمكانية إصلاح الخلل القائم ، في الأجل المنظور على الأقل .
ستجدُ في البحثِ محاولة للسباحةِ في بحار الهّم الذي يبدو في ظاهره مصريًّا ، ولكنه في حقيقتهِ عربي وعالم ثالثي بإطلاق ، فنحن نفترض ابتداء أنّ ثمة فرقًا ضروريًّا بين المُثقف "والندّابة" ، تلك التي لا هم لها إلّا الصُراخ والعويِل ولطم الخُدود وشقّ الجُيوب في المناسبة ، ثم نسيان الأمر ، والتحول إلى غيره بمجرد أن ينتهي الوقت المحدد "للإرسال ".
بعض المثقفين يقومون بهذه المهمة ، وما برحوا يؤدّون ذلك "الواجب" في كُلِّ مناسبة ، ومنهم مَن تفوق بامتياز في ذلك المجال ، ما في ذلك شك . لكنّني أحسب أن المطلوب منهم يتجاوز تلك الحدود ، حيث يفترض أن يتجه عقلُ الأمّة إلى إجراء حوارِِ جادّ حول الأسباب الحقيقية التي أفضت إلى المأساة ، والكيفية التي يمكن بها تجنب تكرار وقوعها(1).
والكارثة بكلّ أبعادها ومعطياتها ، عمّقت الجُرح إلى أقصاه ، وغرزت الخنجرَ حتى النصل في عُمقِ أعماق القلب فأرهفتِ الإحساس وهزّت المشاعر(2) فهو يؤكد ، فيما يؤكّد ، أنّ العلم ، لا الدين ، كان العامل الأول في الهوة التي فرّقَت بين الشرق والغرب(3) ، فبديهي إذًا أنّ(4)نقف عند مرحلة تاريخية محددة ، لنقف عند القرن العاشر الميلادي ، سنة ألف على وجه التحديد . في ذلك الوقت كانت "أوربا " مقطوعة الأنفاس من الهلع، ظنًا منها أن القيامة ستقوم في هذا العالم . وكان الناس يندفعون في لهفة إلى الكنائس والأديرة ، يصلون ويطلبون التوبة. وكان الإمبراطور أوتو الثالث وهو في العشرين من عمره ، يقضي أيامه يمشي حافيًا إلى الحج بين روما وجبل جرجانوس بناءً على أوامر القديس روسولدوس ، لأن المسيح سوف يأتي ليقتص من الناس: بينما كان هذا هو "حال أوربا "،كان واحد من أبناء القرءان هو ابن سينا يعلن في خراسان ، وهو لم يتجاوز بعد العشرين من عمره ، أنه فرغ من العلوم كلها لم يتجدد له بعدها شيء . وكان البيروني يعلن النظرية التي قام بها كوبرنيك من بعد: أنّ الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وكان الحسن بن الهيثم يكتب للناس قوانين الضوء ويجري التجارب على المرايا والعدسات المخروطية والكروية والأسطوانية ، وعلى آلة التصوير ليس ذلك فقط.
في ذلك الزمن أيضًا ، زار واحد من أبناء القرآن ، هو الرّحالة الطرطوشي ، بلاد الفرنج ، وهو المسلم الذي يتوضأ خمسَ مرّات في اليوم فدهش للقذارة التي رآها عندهم. حيث لم يكن الواحدُ منهم يستحمّ إلا مرّة أو مرتين في السنة ، ولا تغسَل الملابس حتى لا تتمزّق . حتى روت إحدى قصصهم أنّ فتاة كانت تُباهِي حبيبها بأنها استحمّت في السنة الماضية ! الآن هُم على سطح القمر ، وأقدامُنا مغروسة في قاع المستنقع(5)!.
ومن هنا كان التأكيد على(6)أنّ الدّول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم ، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفراتِِ هائلة– فإن تقدمها دخل من باب التعليم . والدّول الكبرى التي تتصارع– اليوم – على قمة تطور من نظم تعليمها وتحاول أن تدرس النظم الأخرى الموجودة في البلاد المنافسة ، وعندما يحدث تقدم في أي دولة ، نجد أن الدول– لكي تحقق مثل هذا النجاح والتفوق– تتجه إلى التعليم(7) ، وقد ضاعف من مسئوليتي تجاه الأمانة العلمية( ، أن نختتم بحثنا برؤية لتطوير التعليم.
وحين أُفكّر في حياتِي ، أنتهي إلى هذه النتيجة وهى أنها لم تكن حياة فيلسوف بالمعنى المتداول لهذه الكلمة ، فقد كانت حياة زاخرة بالعواطفِ حافلة بالأحداث الدرامية ، الفردية والاجتماعية على السواءِ. كنت أبحث عن الحقيقة ، بيدَ أنّ حياتي لم تكن خاضعة للحكمة والتعقل ، وكنت أدرك دائمًا طبيعتها اللامعقولة التي لا يمكن التنبؤ بها ، ولهذا تعاقبت في حياتي فتراتُ السرور وفترات الظلام والقلق ، وتلت فترات النشوة فترات الكآبة. ولكنني لم أنقطع في وقتِِ ما عن التفكير وعن البحث الجادّ(9)، وفي هذا المؤلف محاولات للإجابة، ربما أصابت هنا وأخطأت هناك ، فلعلّ القاريء أن يستفيد بالصواب وأن يعفو عن الخطأ ، لا سيّما إذا وجده من شأنه أن يثير الحوار النافع ، حتى ننتهي معًا إلى ما يُرضي ويُريح(10). لذا أفردنا بحثنا بعنوان《 الإصرار》 لنقدمهُ .
- لكلّ عالم عامل أفنى عمرَه سيرًا في طريق العلم ليقدم مِن العلمِ جميلهُ ومن العملِ جليلهُ .
- لكلّ طالب علمِِ وقف في هذا الغرز في بداية الطريق ويرى بعينيهِ ظلامه ويرى ببصيرتهِ شمس نهاره .
- لكلّ صاحب عملِِ أو حرفة أو وظيفة يسعى دائمًا من خلال عمله ليقدم الخير والنفع للناس لإرضاء رب الناس .
- لأولادنا وأحفادنا والأجيال اللاحقة بنا ليعلموا أننا سَلكنا كلّ السـُّــبل من غير هوادة متمسكين بحبل الله طامعين في فضله أن يتقبل منّا صالح الاعمال .
إسلام العيوطي
صادر عن #دارالبشير _للنشر والتوزيع
إنّ الإصرار على تحقيق الأحلام لتخرج من ظُلماتِ الليل إلى وَضَحِ النهار وصولًا للغاية منها ، ألا وهى النفع العام للفرد والمجتمع ، لذا يبذل الكثير منّا جهدًا بل ومعاناة ما بين الطموح والعقبات التي تواجهه من أجل الوصول إلى أقرب نقطةِِ قد طالعها في خياله ، وما أشقّ وأقسى من أن يسعى الإنسان جاهدًا ، بعدما أعطاه الله ومنّ عليه من فضله ، وأصبحَ لديه عقل يُفكر ، وقلب ينبض ، وبصيرة مستنيرة ، محاولًا تجسيد ما يتمناه من خير ونفع للعباد والبلاد من إطارِ النوايا إلى أعمال وأسس وقواعد يلتفّ حولها أفراد المجتمع ، لنبني الحاضر ونضيء المستقبل للأجيال القادمة .
إنه أمرُُ يتطلب الكثيرَ والكثير من التّضحياتِ ، فكل عّملِِ من الأعمالِ العظيمة التي حدثت شاهدة على هذه التّضحيات ، لأنها ومهما كانت في البداية مُجرّد فكرةِِ في ذهن آحاد الناس ، فجدّ واجتهد وضحّى بكلّ غالِِ ونفيس من أجل أن تخرج فكرتهُ من الحلم الذي ظلَ يحلُم بهِ للحقيقةِ ، ولكنّ الطريق طويل ومليء بالأشواك ، مظلم دامس الظّلام ، ولأنّ الحلم الذي يراوده ، والهدف والغاية التي يريد الوصول إليها تقوم في المقام الأول لإرضاء الله أولًا . ثم لتقديم النفع العام ثانيًا ، لذا فإنه يرى ببصيرته نهاية هذا الطريق ، وشمس النهار التي تنتظر صاحبها آخره ثقةً ويقينًا في الله چلّ في عُلاه ، فكم من أساتذة أجلّاء ضربوا لنا المثلَ في هذا المضمار فكان ماضيهم هو الشمعة التي تُنير حاضرنا ، وإن تطرق البعض بحثًا عن كمِّ المتاعب والصعوبات التي واجهتهم حتى وصلوا وأوصلونا إلى تحقيق غايتهم ليصبح حلمهم حقيقة مضيئة لحاضرهم ومستقبل الأجيال اللاحقة.
إن الأمر جدُّ خطير ومن الصعب الوقوفُ حتى على چُلّ جوانبه ، فالظلام كان دامسًا والليل كان حالكًا والأشواك كانت متعنتة في الأوجاع ، ولكن هيهات هيهات لمن تمسّك بحبلِ الله ومراده.
ولا يفوتنا أن نُلقي الضوءَ في هذا المقام الرفيع على مَن ظلّ سائرًا في هذا الطريق بكل ما فيه من آلام وأوجاع ومعاناة من لحظاتِ انكسار ، ولكن لم تنل من عزيمتهِ وأفنى عمره يسعى لإخراج العباد والبلاد من ظلمة الليل إلى وضَحِ النهار ، ولكن لم يصل لمراده إمّا بسبب أن تكون وافته المنية ، ويا لها من منزلة عظيمة أن يلقى الإنسان ربه وهو مجاهدٌ مرتدٍ لباسَ المثابرة نسأل اللهُ أن لا يحرمنا هذه المنزلة العظيمة، أو بسبب عوامل كثيرة حالت بينه وأقامت السّدود ومنعتهُ من الوصول لنهاية الطريق فلهم الأجر كاملًا .
نعم الأجر بالنية على ما كانوا يريدونه من نفع وخير ، ولكن لم يستطيعوا فهنيئًا لهم جميعًا وتحية من القلب ، وإننا نُجل ونحترم ونقدر لا أقول شخصهم الكريم فقط ، بل إننا نعظم التراب الذي وطأته أقدامهم يومًا إجلالاً وتعظيمًا لهم ، فنحن من خلفهم نسعى بكل ثقة في الله إننا إما أن يكرمنا الله ونلقى المنزلة ، أو نأخذ الأجر بالنية.
ويقول فهمي هويدي فى كتابه (إحقاق الحق). إنّ المشهد غير مفرح حقًّا ، لكنّه يصورنا ونحن في رحاب القرن الواحد والعشرين. أعجبنا أم لم يعجبنا ، فهكذا نحن يعجزنا الهمّ حتى يعوقنا تعلقنا بالحلم ، ويحاصرنا الإحباط واليأس من كلّ صوب ، حتى يكاد ينزع منا الأمل .
في أمثال تلك الأجواء المعتمة تتراجع طموحات ُّ كثيرة . يتخلّى المرء ابتداء عن ذلك الخيار المترف الذي يتراوح بين التفاؤل والتشاؤم ،، فبعد أن يفشل في العثور على مصدر أو سبب للتفاؤل ، غير حسن الظن بالله بطبيعة الحال ، فلا يبقى أمامه إلّا أن يكبح جماح تشاؤمه ، حتى لا يسقط في هوة اليأس ومن ثم الضياع . أيضًا فإنه يصرف النظرَ عن إمكانية إصلاح الخلل القائم ، في الأجل المنظور على الأقل .
ستجدُ في البحثِ محاولة للسباحةِ في بحار الهّم الذي يبدو في ظاهره مصريًّا ، ولكنه في حقيقتهِ عربي وعالم ثالثي بإطلاق ، فنحن نفترض ابتداء أنّ ثمة فرقًا ضروريًّا بين المُثقف "والندّابة" ، تلك التي لا هم لها إلّا الصُراخ والعويِل ولطم الخُدود وشقّ الجُيوب في المناسبة ، ثم نسيان الأمر ، والتحول إلى غيره بمجرد أن ينتهي الوقت المحدد "للإرسال ".
بعض المثقفين يقومون بهذه المهمة ، وما برحوا يؤدّون ذلك "الواجب" في كُلِّ مناسبة ، ومنهم مَن تفوق بامتياز في ذلك المجال ، ما في ذلك شك . لكنّني أحسب أن المطلوب منهم يتجاوز تلك الحدود ، حيث يفترض أن يتجه عقلُ الأمّة إلى إجراء حوارِِ جادّ حول الأسباب الحقيقية التي أفضت إلى المأساة ، والكيفية التي يمكن بها تجنب تكرار وقوعها(1).
والكارثة بكلّ أبعادها ومعطياتها ، عمّقت الجُرح إلى أقصاه ، وغرزت الخنجرَ حتى النصل في عُمقِ أعماق القلب فأرهفتِ الإحساس وهزّت المشاعر(2) فهو يؤكد ، فيما يؤكّد ، أنّ العلم ، لا الدين ، كان العامل الأول في الهوة التي فرّقَت بين الشرق والغرب(3) ، فبديهي إذًا أنّ(4)نقف عند مرحلة تاريخية محددة ، لنقف عند القرن العاشر الميلادي ، سنة ألف على وجه التحديد . في ذلك الوقت كانت "أوربا " مقطوعة الأنفاس من الهلع، ظنًا منها أن القيامة ستقوم في هذا العالم . وكان الناس يندفعون في لهفة إلى الكنائس والأديرة ، يصلون ويطلبون التوبة. وكان الإمبراطور أوتو الثالث وهو في العشرين من عمره ، يقضي أيامه يمشي حافيًا إلى الحج بين روما وجبل جرجانوس بناءً على أوامر القديس روسولدوس ، لأن المسيح سوف يأتي ليقتص من الناس: بينما كان هذا هو "حال أوربا "،كان واحد من أبناء القرءان هو ابن سينا يعلن في خراسان ، وهو لم يتجاوز بعد العشرين من عمره ، أنه فرغ من العلوم كلها لم يتجدد له بعدها شيء . وكان البيروني يعلن النظرية التي قام بها كوبرنيك من بعد: أنّ الأرض تدور حول الشمس وليس العكس وكان الحسن بن الهيثم يكتب للناس قوانين الضوء ويجري التجارب على المرايا والعدسات المخروطية والكروية والأسطوانية ، وعلى آلة التصوير ليس ذلك فقط.
في ذلك الزمن أيضًا ، زار واحد من أبناء القرآن ، هو الرّحالة الطرطوشي ، بلاد الفرنج ، وهو المسلم الذي يتوضأ خمسَ مرّات في اليوم فدهش للقذارة التي رآها عندهم. حيث لم يكن الواحدُ منهم يستحمّ إلا مرّة أو مرتين في السنة ، ولا تغسَل الملابس حتى لا تتمزّق . حتى روت إحدى قصصهم أنّ فتاة كانت تُباهِي حبيبها بأنها استحمّت في السنة الماضية ! الآن هُم على سطح القمر ، وأقدامُنا مغروسة في قاع المستنقع(5)!.
ومن هنا كان التأكيد على(6)أنّ الدّول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم ، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفراتِِ هائلة– فإن تقدمها دخل من باب التعليم . والدّول الكبرى التي تتصارع– اليوم – على قمة تطور من نظم تعليمها وتحاول أن تدرس النظم الأخرى الموجودة في البلاد المنافسة ، وعندما يحدث تقدم في أي دولة ، نجد أن الدول– لكي تحقق مثل هذا النجاح والتفوق– تتجه إلى التعليم(7) ، وقد ضاعف من مسئوليتي تجاه الأمانة العلمية(
وحين أُفكّر في حياتِي ، أنتهي إلى هذه النتيجة وهى أنها لم تكن حياة فيلسوف بالمعنى المتداول لهذه الكلمة ، فقد كانت حياة زاخرة بالعواطفِ حافلة بالأحداث الدرامية ، الفردية والاجتماعية على السواءِ. كنت أبحث عن الحقيقة ، بيدَ أنّ حياتي لم تكن خاضعة للحكمة والتعقل ، وكنت أدرك دائمًا طبيعتها اللامعقولة التي لا يمكن التنبؤ بها ، ولهذا تعاقبت في حياتي فتراتُ السرور وفترات الظلام والقلق ، وتلت فترات النشوة فترات الكآبة. ولكنني لم أنقطع في وقتِِ ما عن التفكير وعن البحث الجادّ(9)، وفي هذا المؤلف محاولات للإجابة، ربما أصابت هنا وأخطأت هناك ، فلعلّ القاريء أن يستفيد بالصواب وأن يعفو عن الخطأ ، لا سيّما إذا وجده من شأنه أن يثير الحوار النافع ، حتى ننتهي معًا إلى ما يُرضي ويُريح(10). لذا أفردنا بحثنا بعنوان《 الإصرار》 لنقدمهُ .
- لكلّ عالم عامل أفنى عمرَه سيرًا في طريق العلم ليقدم مِن العلمِ جميلهُ ومن العملِ جليلهُ .
- لكلّ طالب علمِِ وقف في هذا الغرز في بداية الطريق ويرى بعينيهِ ظلامه ويرى ببصيرتهِ شمس نهاره .
- لكلّ صاحب عملِِ أو حرفة أو وظيفة يسعى دائمًا من خلال عمله ليقدم الخير والنفع للناس لإرضاء رب الناس .
- لأولادنا وأحفادنا والأجيال اللاحقة بنا ليعلموا أننا سَلكنا كلّ السـُّــبل من غير هوادة متمسكين بحبل الله طامعين في فضله أن يتقبل منّا صالح الاعمال .
إسلام العيوطي
صادر عن #دارالبشير _للنشر والتوزيع