تنوعت الكتابات التى تتماس مع العالم الذى رسم ملامحه المناضل الكبير المهندس «كمال خليل» فى مذكراته التى أعطاها عنوان «حكايات من زمن فات.. سيرة ذاتية من خلال الأحداث»، ففى تاريخ الحركة الطلابية كتب أحمد عبدالله رزة أطروحة للدكتوراه، وكتبت سهام صبرى مذكرات قصيرة، وعن التجربة مع اليسار كتب عبدالخالق فاروق مذكراته، ولم ينشرها بعد، وكتبت أروى صالح كتابها المختلف «المبتسرون». أما تجربة السجن، فحدث ولا حرج، فقد ألهمت كثيرا من الأدباء العرب، فكتب عبدالرحمن منيف طويلا عنها خاصة «الآن.. وهنا، شرق المتوسط مرة أخرى»، ويوسف إدريس «العسكرى الأسود» وصنع الله إبراهيم «يوميات الواحات» ونجيب محفوظ «الكرنك» والعراقى يوسف الصائغ «السرداب رقم 2» ونجيب الكيلانى «ليل وقضبان» والسودانى على حمد إبراهيم «عشرون دستة من الرجال»، وهناك كتابات مغايرة مثل ما كتبه طاهر عبدالحكيم فى «أقدام عارية» وسمير عبدالباقى فى «أيام الزنازين» وحسين عبدالقادر «مذكرات معتقل من جوانتانامو». وهذا موضوع قديم فى تاريخ المجتمعات العربية لدرجة أن باحثا هو «واضح الصمد» كتب كتابا بعنوان: «السجون وأثرها فى الآداب العربية من العصر الجاهلى حتى نهاية العصر الأموى»، والدراسات حول هذه الظاهرة عديدة وعميقة.
على كل هذه الأوتار يعزف كمال خليل، مؤذن الثورة، فى مذكراته (بيت الياسمين للنشر والتوزيع) التى جاءت على شاكلته، عفوية تلقائية متدفقة مبتهجة حزينة، لكنها عميقة وثرية بالمواقف والمعلومات والرؤى، ويختلط فيها ما يضحك بما يبكى، والبكاء ليس عن ضعف إنما نبل وتسامٍ وتعاطف مع الغلابة، والضحك ليس عن هزل إنما سخرية من السجان والسلطان الغاشم. وكل هذا تمت صياغته على هيئة حكايات متتابعة، يقطعها تحليل ووصف غير ممل، وبلغة بسيطة، تمتزج فيها الفصحى بالعامية، وتتابع فى ثناياها شخصيات نابتة من قلب الحياة المفعمة بالأتراح والأفراح.
على الغلاف كتب الروائى الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد عن هذا العمل المختلف يقول: «أماكن وبشر وسجون. شوارع وبيوت. مفكرون وكتاب. طلاب وعمال. حكومات وقمع. مصر عبر أكثر من ربع قرن، مصر التى لم تنم، وكان من أنبل حراسها كمال خليل، الذى لا يزال يحمل الروح نفسها، التى لن تهدأ حتى يتحرر الوطن. أنت هنا فى قلب التجربة السياسية للأمة كلها، تجعل مصر العظيمة تتجسد بين يديك. إنها حكايات من زمن فات، لكنها وثيقة الصلة بما يجرى حولنا الآن. ثورة عظيمة كانت حلما لكمال، ولكل من أحب هذا الوطن».
أما فى التمهيد فقال المؤلف: «أكتب عن موطنى الأصلى، عن حى الدقى القديم (داير الناحية) عن حارة سيدى الأربعين. أكتب عن شلوقة، وأحمد غريب، وبحبح، وشاكر، وسمير، ومحروس بدر وغيرهم. وأتحدث عن الدكتور محمد أنيس أستاذ التاريخ، ذلك القمر الذى غاب عن عالمنا، ذلك الرجل الذى علمنا السياسة بأجمل صورها، وأرقى معانيها. أكتب عن نسيج شعبى متكامل، وتجربة عمل سياسى استمرت بين أعوام 1969 و1980. تجربة بين الحى والجامعة. بين الوعى والممارسة. بين السياسة والتنظيم. تعالوا نشوف ما حدث لأولاد الحارة».
لكن ما ورد على الغلاف أو فى التمهيد لا يقول كل شىء، ولن تقوله أى كتابة عن هذا العمل البديع، الذى خط كمال خليل سطوره بحبر القلب، بدمه ودموعه، بلحظات الأمل العريض واليأس العابر، وبنفس راضية، لم يسع صاحبها أبدا إلى ما فى يد غيره، ولم يتكالب على شىء، منصب أو جاه أو مال، ولم يقايض على حب وطنه، ولم يأت على ذهنه فى أى لحظة أن يخون مبادئه، أو يتنكر لأحلامه الغضة، أو يتخلى عن رفاق الحارة ومقاعد الدرس، وعن العمال المكدودين، والأجراء الكادحين، والطلاب الثائرين، والمثقفين المستنيرين الملتحمين بالناس، وكل من يقبض على الجمر، ماضيا فى طريقه شامخا من أجل أن يرى وطنا أعلى وأروع.
يبدأ كمال خليل سيرته الذاتية المضفرة بالأحداث بواقعة موت أبيه فى عام 1969، ثم عاد قليلا إلى الوراء ليسرد لنا مظاهرات 1968 التى كانت تطالب بالحرب والحرية، ونعيش معه أحداث 15 مايو 1971، التى سماها السادات «ثورة التصحيح»، ثم تجربة اعتصام طلاب جامعة القاهرة وسجنهم فى عام 1972، الذى ولدت فيه أسطورة «الكعكة الحجرية» مع أشعار أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم، وواقعة طرد الخبراء السوفيت، واعتصام يناير 1973 الذى واكب انطلاق مظاهرات بالشوارع، أدت إلى إغلاق الجامعة، ثم إضراب كلية الهندسة ومظاهرات فبراير من العام نفسه، وما ترتب عليها من اعتقال بعض الطلاب وسجنهم بسجن القناطر، وبعده سجن القلعة، وبعده انتصار أكتوبر المصحوب بالتفاؤل والأهازيج. ويعرض خليل حال المنظمات الماركسية فى الجامعة، وتجربته فى العمل السرى بما تنطوى عليه من مغامرات شُجاعة، وتجارب التثقيف السياسى مع منظمة الشباب، والتنظيم الطليعى، وانتفاضة الخبز فى يناير 1977، لتنتهى بزيارة السادات للقدس، ومشهده الختامى وهو ملقى تحت أرجل الهاربين بعد إطلاق الرصاص عليه يوم السادس من أكتوبر 1981 فى حفل ذكرى نصر أكتوبر المجيد.
وبين كل هذا نعرف كيف كان بسطاء الناس فى الشوارع الخلفية يتفاعلون مع الأحداث السياسية الكبرى والصغرى معا، وما الذى كان يجرى على ألسنتهم، وكيف كانوا يتصرفون فى لحظات الانكسار، وكيف كانوا يدبرون أحوالهم بينما العسس يمضى بينهم يعد عليهم حركاتهم وسكناتهم، وكيف غلبوا القهر حين أخذ أولادهم إلى غياهب السجون، وكيف قاوموا بالحيلة تارة والمواجهة تارة أخرى.
بين هذه التواريخ التى يتخذها كمال خليل محطات أساسية لمذكراته، يبرز عمق التجربة الإنسانية، ويتحرك أناس من لحم ودم فى ثنايا السطور، فتتوارى السياسة فى الخلفية كثيرا لحساب المشاعر والحكايا فى الحوارى والشوارع والزنازين، وتتوالى الاقتباسات من أشعار نجم وزين العابدين فؤاد، وتختلط بالهتافات التى كان كمال، ولا يزال، بارعا فى تأليفها وترديدها بحب، وكأنه قائد أوركسترا متمكن، وكذلك بالشعارات المحفورة بالأظافر والمكتوبة بالدم والبوية والبنجر على حوائط السجون.
ولأن حبوسات كمال خليل توالت على مدار أربعين سنة تقريبا، فقد كان ما يجرى فى السجون له نصيب كبير من هذه المذكرات، فنعرف كيف عاش الطلاب فى الزنازين لحظات زهو وانكسار، وكيف تحملوا تعذيب الأرواح والأجسام، وكيف تحايلوا على الساعات العصيبة وروضوها كى تمر ورؤوسهم مرفوعة، وظهورهم منتصبة فى نبل كالنخيل، وكيف تعاملوا مع السجناء الجنائيين الذى يحملون على أكتافهم أوزار جرائم مختلفة فى بشاعتها.
ويحكى لنا خليل لحظة البداية حين كان يجلس وديعا فى قاعة الدرس بكلية الهندسة جامعة القاهرة، واقتحم الهتاف أذنه «يسقط يسقط كل جبان»، فنهض من مكانه، ولم يردعه تحذير أستاذه من الانضمام للمتظاهرين، وجرى إليهم، فكان بينهم ومنهم، ثم لم يلبث أن صار من الذين يُحملون على الأكتاف وسط الحشود الغاضبة، لينطلق لسانه بهتافات قوية الجرس، عميقة المعنى، صارت جزءا أصيلا من تاريخ الاحتجاج فى زماننا.
فى كل المحطات لم يكن كمال خليل سوى ما أراده لنفسه، لم يبع، ولم ينكسر، ولم يخن، ورآه جيلنا أيام حركة «كفاية» يقف أمامنا على سلالم نقابة الصحفيين أو أمام ضريح سعد زغلول أو حول ميدان التحرير، ينهل من مخزون لا ينضب، ويهتف بكلام موزون، ونحن نردد خلفه «علّى أسوار السجن وعلّى.. بكرة الثورة تشيل ما تخلى»، حتى انفجر الناس غاضبين وملأوا ميدان التحرير الذى سبق أن هتف له خليل قبل ثلاثين سنة «الله الله يا جماهير.. وردك فتح فى التحرير».
قبل أيام هاتفت كمال خليل أحدثه عما جرى لى وأنا أقرأ مذكراته، وكيف كانت تأخذنى من حال إلى حال، وهو يحكى فيوفى الحكاية حقها، ويضحك فنعرف طرفا من خفة ظلة، ويبكى فتنهمر الدموع منا. طلبت منه أن يكمل مسيرته، فنعرف ما جرى له ولنا من 1981 وحتى الآن. فكمال يحكى بلا رتوش، محاولا فى كل السطور أن يكون صاحب الحق والحقيقة، وتكتشف مع صدقه أنه حكاء بارع، وتؤمن أن حياته لم تكن مجرد مسيرة شخص، إنما هى فصل من تاريخ مصر المديد، وهى برهان ناصع لجيل ثورة يناير على أنهم لم يخلقوا من عدم، ولم ينبتوا فى فراغ، إنما فى أرض خصبة سبق أن رواها كثيرون بدمائهم وعرقهم ودموعهم.
على كل هذه الأوتار يعزف كمال خليل، مؤذن الثورة، فى مذكراته (بيت الياسمين للنشر والتوزيع) التى جاءت على شاكلته، عفوية تلقائية متدفقة مبتهجة حزينة، لكنها عميقة وثرية بالمواقف والمعلومات والرؤى، ويختلط فيها ما يضحك بما يبكى، والبكاء ليس عن ضعف إنما نبل وتسامٍ وتعاطف مع الغلابة، والضحك ليس عن هزل إنما سخرية من السجان والسلطان الغاشم. وكل هذا تمت صياغته على هيئة حكايات متتابعة، يقطعها تحليل ووصف غير ممل، وبلغة بسيطة، تمتزج فيها الفصحى بالعامية، وتتابع فى ثناياها شخصيات نابتة من قلب الحياة المفعمة بالأتراح والأفراح.
على الغلاف كتب الروائى الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد عن هذا العمل المختلف يقول: «أماكن وبشر وسجون. شوارع وبيوت. مفكرون وكتاب. طلاب وعمال. حكومات وقمع. مصر عبر أكثر من ربع قرن، مصر التى لم تنم، وكان من أنبل حراسها كمال خليل، الذى لا يزال يحمل الروح نفسها، التى لن تهدأ حتى يتحرر الوطن. أنت هنا فى قلب التجربة السياسية للأمة كلها، تجعل مصر العظيمة تتجسد بين يديك. إنها حكايات من زمن فات، لكنها وثيقة الصلة بما يجرى حولنا الآن. ثورة عظيمة كانت حلما لكمال، ولكل من أحب هذا الوطن».
أما فى التمهيد فقال المؤلف: «أكتب عن موطنى الأصلى، عن حى الدقى القديم (داير الناحية) عن حارة سيدى الأربعين. أكتب عن شلوقة، وأحمد غريب، وبحبح، وشاكر، وسمير، ومحروس بدر وغيرهم. وأتحدث عن الدكتور محمد أنيس أستاذ التاريخ، ذلك القمر الذى غاب عن عالمنا، ذلك الرجل الذى علمنا السياسة بأجمل صورها، وأرقى معانيها. أكتب عن نسيج شعبى متكامل، وتجربة عمل سياسى استمرت بين أعوام 1969 و1980. تجربة بين الحى والجامعة. بين الوعى والممارسة. بين السياسة والتنظيم. تعالوا نشوف ما حدث لأولاد الحارة».
لكن ما ورد على الغلاف أو فى التمهيد لا يقول كل شىء، ولن تقوله أى كتابة عن هذا العمل البديع، الذى خط كمال خليل سطوره بحبر القلب، بدمه ودموعه، بلحظات الأمل العريض واليأس العابر، وبنفس راضية، لم يسع صاحبها أبدا إلى ما فى يد غيره، ولم يتكالب على شىء، منصب أو جاه أو مال، ولم يقايض على حب وطنه، ولم يأت على ذهنه فى أى لحظة أن يخون مبادئه، أو يتنكر لأحلامه الغضة، أو يتخلى عن رفاق الحارة ومقاعد الدرس، وعن العمال المكدودين، والأجراء الكادحين، والطلاب الثائرين، والمثقفين المستنيرين الملتحمين بالناس، وكل من يقبض على الجمر، ماضيا فى طريقه شامخا من أجل أن يرى وطنا أعلى وأروع.
يبدأ كمال خليل سيرته الذاتية المضفرة بالأحداث بواقعة موت أبيه فى عام 1969، ثم عاد قليلا إلى الوراء ليسرد لنا مظاهرات 1968 التى كانت تطالب بالحرب والحرية، ونعيش معه أحداث 15 مايو 1971، التى سماها السادات «ثورة التصحيح»، ثم تجربة اعتصام طلاب جامعة القاهرة وسجنهم فى عام 1972، الذى ولدت فيه أسطورة «الكعكة الحجرية» مع أشعار أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم، وواقعة طرد الخبراء السوفيت، واعتصام يناير 1973 الذى واكب انطلاق مظاهرات بالشوارع، أدت إلى إغلاق الجامعة، ثم إضراب كلية الهندسة ومظاهرات فبراير من العام نفسه، وما ترتب عليها من اعتقال بعض الطلاب وسجنهم بسجن القناطر، وبعده سجن القلعة، وبعده انتصار أكتوبر المصحوب بالتفاؤل والأهازيج. ويعرض خليل حال المنظمات الماركسية فى الجامعة، وتجربته فى العمل السرى بما تنطوى عليه من مغامرات شُجاعة، وتجارب التثقيف السياسى مع منظمة الشباب، والتنظيم الطليعى، وانتفاضة الخبز فى يناير 1977، لتنتهى بزيارة السادات للقدس، ومشهده الختامى وهو ملقى تحت أرجل الهاربين بعد إطلاق الرصاص عليه يوم السادس من أكتوبر 1981 فى حفل ذكرى نصر أكتوبر المجيد.
وبين كل هذا نعرف كيف كان بسطاء الناس فى الشوارع الخلفية يتفاعلون مع الأحداث السياسية الكبرى والصغرى معا، وما الذى كان يجرى على ألسنتهم، وكيف كانوا يتصرفون فى لحظات الانكسار، وكيف كانوا يدبرون أحوالهم بينما العسس يمضى بينهم يعد عليهم حركاتهم وسكناتهم، وكيف غلبوا القهر حين أخذ أولادهم إلى غياهب السجون، وكيف قاوموا بالحيلة تارة والمواجهة تارة أخرى.
بين هذه التواريخ التى يتخذها كمال خليل محطات أساسية لمذكراته، يبرز عمق التجربة الإنسانية، ويتحرك أناس من لحم ودم فى ثنايا السطور، فتتوارى السياسة فى الخلفية كثيرا لحساب المشاعر والحكايا فى الحوارى والشوارع والزنازين، وتتوالى الاقتباسات من أشعار نجم وزين العابدين فؤاد، وتختلط بالهتافات التى كان كمال، ولا يزال، بارعا فى تأليفها وترديدها بحب، وكأنه قائد أوركسترا متمكن، وكذلك بالشعارات المحفورة بالأظافر والمكتوبة بالدم والبوية والبنجر على حوائط السجون.
ولأن حبوسات كمال خليل توالت على مدار أربعين سنة تقريبا، فقد كان ما يجرى فى السجون له نصيب كبير من هذه المذكرات، فنعرف كيف عاش الطلاب فى الزنازين لحظات زهو وانكسار، وكيف تحملوا تعذيب الأرواح والأجسام، وكيف تحايلوا على الساعات العصيبة وروضوها كى تمر ورؤوسهم مرفوعة، وظهورهم منتصبة فى نبل كالنخيل، وكيف تعاملوا مع السجناء الجنائيين الذى يحملون على أكتافهم أوزار جرائم مختلفة فى بشاعتها.
ويحكى لنا خليل لحظة البداية حين كان يجلس وديعا فى قاعة الدرس بكلية الهندسة جامعة القاهرة، واقتحم الهتاف أذنه «يسقط يسقط كل جبان»، فنهض من مكانه، ولم يردعه تحذير أستاذه من الانضمام للمتظاهرين، وجرى إليهم، فكان بينهم ومنهم، ثم لم يلبث أن صار من الذين يُحملون على الأكتاف وسط الحشود الغاضبة، لينطلق لسانه بهتافات قوية الجرس، عميقة المعنى، صارت جزءا أصيلا من تاريخ الاحتجاج فى زماننا.
فى كل المحطات لم يكن كمال خليل سوى ما أراده لنفسه، لم يبع، ولم ينكسر، ولم يخن، ورآه جيلنا أيام حركة «كفاية» يقف أمامنا على سلالم نقابة الصحفيين أو أمام ضريح سعد زغلول أو حول ميدان التحرير، ينهل من مخزون لا ينضب، ويهتف بكلام موزون، ونحن نردد خلفه «علّى أسوار السجن وعلّى.. بكرة الثورة تشيل ما تخلى»، حتى انفجر الناس غاضبين وملأوا ميدان التحرير الذى سبق أن هتف له خليل قبل ثلاثين سنة «الله الله يا جماهير.. وردك فتح فى التحرير».
قبل أيام هاتفت كمال خليل أحدثه عما جرى لى وأنا أقرأ مذكراته، وكيف كانت تأخذنى من حال إلى حال، وهو يحكى فيوفى الحكاية حقها، ويضحك فنعرف طرفا من خفة ظلة، ويبكى فتنهمر الدموع منا. طلبت منه أن يكمل مسيرته، فنعرف ما جرى له ولنا من 1981 وحتى الآن. فكمال يحكى بلا رتوش، محاولا فى كل السطور أن يكون صاحب الحق والحقيقة، وتكتشف مع صدقه أنه حكاء بارع، وتؤمن أن حياته لم تكن مجرد مسيرة شخص، إنما هى فصل من تاريخ مصر المديد، وهى برهان ناصع لجيل ثورة يناير على أنهم لم يخلقوا من عدم، ولم ينبتوا فى فراغ، إنما فى أرض خصبة سبق أن رواها كثيرون بدمائهم وعرقهم ودموعهم.