د. سليم جوهر - لا عزاءات في موت الأطباء.. نحبهم ونجهر بالحقيقة لأجلهم.

ان موت الطبيب جراء الاصابة بكورونا، هي اللحظة التي تمثل الخضوع لقانون المهنة الاسمى في الكون، والولاء الشخصي لاخلاقها، انها اللحظة الاخيرة التي تشهد سقوط كائن متسام من اجل الاخرين.
ان تمارس مهنة مقارعة فايروس لعين (كورونا)، وانت على علم بان احتمال اصابتك به تمثل نسبة كبيرة، هي مجازفة غير محمودة العواقب، ولكنها ايضا نابعة من ثقة كبيرة مبنية على ايمان بحتمية الانتصار على الخبث الذي يحوطنا، وان الطبيب هو رمز التضحية الاعظم، فيقدم دعوة لكل فرد، للاضطلاع بواجبه، مهما كلفه الامر.
جميل ان تصبح حكيما من خلال الفلسفة والفكر، وكريما بتبرعك بالمال، ولكن الاجمل والاعظم، ان تكون مثالا يحتذى به، تواجه الموت بشجاعة فائقة واندفاع واعٍ ومزاج رائق من اجل الاخرين.
اما الاشد قساوة في الامر، ان تموت من اجل اناس وانت تواجه قاتلهم وهم يستهينون به.
نحن نمتلك افكارا سائدة عن الاطباء، ومهنة الطب، وهي في افضلها افكارا مجتمعية، لكننا نلجأ اليهم من اجل مساعدتنا في تجاوز المحنة التي نعانيها، فيصنع الاطباء حقيقة حياتنا بموتهم، ومع ذلك لا نعي تضحياتهم، فنخنع لدعوات كسر الحظر بشتى الاهواء، وتخنع الادارات الصحية، لهوى السياسيين والجمهور، فتتركهم يواجهون الموت بروحهم المحبة لحياة الاخرين.
هل هي شجاعة تلك التي تتضمن معرفتي بانني اواجه الموت من اجل الاخرين، فهل الموت هو الخير، في مواجهة شر الحياة (كورونا)، وهل الخير والشر محصور في هذه المواجهة.
فهل الجلد في مواجهة الموت هو خير، ام الانسحاب جبنا من اجل الحياة هو شرٌ. فلو لم يحافظ الاطباء على رباطة جأشهم، وكانوا عرضة لسماع استهزاء المستهزئين بكورونا، لما حافظوا على مشروع الحياة الذي يستهزأ به معظم الناس من حولهم.
فهل تعتبر آراء الناس المستهترة بكورورنا شيء جوهري في حقيقة الخير والشر السابقة، وعلى نفس المنوال لن تكون اراء الناس ممثلة لشيء جوهري من حقيقة الطبيب كما هي. فهل يقلقنا عدد هولاء ام الاسباب التي تدفعهم الى ذلك. لذا علينا ان نفهم ما هي الاسباب الحقيقية التي تدفعهم لذلك، للاستهانة بكورونا. ما هو المنطق الذي يستندون اليه، ذلك هو الشيء الجوهري.
فمن اين ينبع استحقاق الاحترام والتقدير لموقف ما او رجل او مهنة ما، هل من رأي الاغلبية حتى لو كان سيئا وغير اخلاقي، ام من المنطق الاخلاقي المناسب والمفيد للحياة.
فما الذي يدفع الطبيب، وهو يعي كأي رجل عاقل بان الاغلبية خاطئة في موقفها، وهو يعي ايضا بانه يمكنه التملص والتهرب من مواجهة الموت وانقاذ حياته، فهل نعتبره متطرفا في موقفه، مواجها للموت كشر محض، او حبه لحياة الاخرين كخير محض.
ايها الناس المستهزئة، قد حكمتم على هذا الطبيب بالموت، ولن تجدوا بديلا عنه يحب لكم الحياة مثله. فمتى تصحون من غيكم، سيموت الاطباء، وتنتهي كورورنا، وانتم سادرون في سباتكم، تنعمون فيما يرمى لكم من فتات الدنيا وحطامها، ويسرقكم لصوص الدار، وتساعدونهم على قتل من يحب الحياة لكم بسوء فهمكم وكراهيتكم لما يحييكم.
فما العبرة
ما هي الحكمة في انك تموت من اجل من يٰسيء فهمك، لماذا هذا التباين بين حقيقة الشيء ورؤية الاخرين له، ونظرتهم عنه، فتبح الحناجر من اجل النصح، ولا من مجيب، ويبذل الجهد الجهيد من اجل توضيح سوء الفهم، فلا تنفع كل انواع الحجاج.
ويالمقابل، يستنكر معظم الناس سلوك الساسة والمسؤولين، وتراهم يستمرون في التملق لهم، ويُعاد انتخابهم في كل دورة ولا تعرف كيف ولماذا يحصل كل ذلك.
فهل ثمة خلاص في موت طبيب، وعيش سياسي، وتغريدة مثقف، وصيحة ناشط. وهل ثمة أمل بان ينقذ الطبيب نفسه في الوقت المناسب، ليموت الناس في ذات الوقت، ليصبح الموت شرا نهرب منه، والحياة خيرا نحوطه بامانينا، كما هم سياسي العراق.
اين العزاء في موت الاطباء وحياة السياسيين، وتجاهل المسؤولين؟
تكمن لحظة العزاء في السعادة التي يعيشها الطبيب، ويراها في عين طفلة انقذ اباها، او وجه حبيب انقذ معشقوته، وفي اسارير اب انقذ ابنه، تلك هي اللحظة التي يعيشها الطبيب ليموت من اجلها سعيدا.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...