مصطفى نصر - إلا مشايخنا

للدعاة الإسلاميين في مصر منزلة كبيرة تصل إلى حد التقديس، ويصل ذلك التقديس عند البعض إلى درجة أن يكونوا طائعين لهم وينفذون أوامرهم مهما كانت قاسية. ويصفونهم بلقب " شيخ"، وهناك مبدأ لدى بعض الملل مفاداه: " أن تكون في يد شيخك، كالميت في يد المغسل ". ولقبْ شيخ ليس قاصرا على الديانة الإسلامية وحدها، فهناك رتبة في رجال الدين في المذهب المسيحي البروتستانتي، تسمى " شيخ ". ولقب " الشيخ ليس قاصرا على النواحي الدينية فقط، فكل حرفة كان لها شيخ بمعنى رئيس، ولهم مقاهي خاصة بهم، يجلس فيها الشيخ ( أو الرئيس) لفض المنازعات بين أعضاء المهنة، أو للتعامل مع أصحاب المهن الأخرى. فهناك شيخا للقهوجية وشيخا للطباخين وشيخا للزبالين، بل أن اللصوص لهم شيخ يسمى " شيخ المنصر". وتعاملت الدولة مع مسئول عن كل حي يسمى " شيخ الحارة " وقد أشتهر الكثير من الموسيقيين الذين يحملون لقب " شيخ" : مثل الشيخ سيد درويش والشيخ زكريا أحمد والشيخ سيد مكاوي وغيرهم.
وسنعرض هنا لبعض المشايخ الإسلاميين المشهورين في الإسكندرية.
1 - الشيخ عاشور ومسجد أبو العباس المرسي
أشتهر الشيخ عاشور محمد نصر في الإسكندرية، وكان واعظا في أشهر مسجد في الإسكندرية في ذلك الوقت- مسجد أبو العباس المرسي - - ثم تم اختياره عضوًا باللجنة المركزية بالإتحاد الاشتراكي، وفي إحدى الاجتماعات، وفي حضور الرئيس جمال عبد الناصر، تحدث عاشور عن الاشتراكية حيث أن بعض القادة يذهبون إلى أفخم المطاعم ويستقلون أزهى السيارات، وأجابه عبد الناصر بأنه يشكر الشيخ عاشور لأنه رفه عنهم في الجلسة. ولم يتطرق إلى تعليقه فيما يخص موضوع الاشتراكية.
وأصبح الشيخ عاشور عضوا بمجلس الشعب أيام السادات، وفي 20 مارس 1978عُقدت جلسة استجواب حضرها الشيخ الشعراوي - وزير الأوقاف وشئون الأزهر في ذلك الوقت- فدافع عن الرئيس السادات وأعلن قائلا: والذي نفسي بيده لو كان لي من الأمر شيء لحكمت الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يُسأل عما يفعل!! " وثار الشيخ عاشور قائلا :" ما فيش حدّ فوق المساءلة لترعى الله !" ويردّ عليه الشعراوي قائلا :" أنا أعرف بالله منك " . وقد قام نواّب حزب الحكومة بالهتاف والانبهار والتصفيق للشعراوي في تلك الجلسة تسع عشرة مرّة، وضاع صوت الشيخ عاشور وسط الضجيج والأصوات الهاتفة به:
- أقعد .. أقعد ! .. لا تقاطع الوزير.
وأدى موقف الشيخ عاشور المعارض بأن تم فصله من عمله كواعظ بوزارة الأوقاف ومن عضوية مجلس الشعب.
وقد جاء إلى مقر عملي بشركة الورق الأهلية - كان يرتدي زيا يشبه ملابس الحرس الوطني، ومعه أوراق لاستخراج شيكا لجريدة سكندرية، مقابل نشر إعلان عن منتجات شركتنا في هذه الجريدة. فقد أضطر لأن يعمل مندوب إعلانات.
2 – الشيخ ياسين محمد رشدي ومسجد المواساة
كان السيخ ياسين رشدي ربانا بحريا، ثم تدرج بالوظائف المدنية حتى درجة وكيل وزارة، ثم استقال من وظيفته عام 1983 ليتفرغ للدعوة.
كان يخطب في مسجد المواساة بالحضرة، وأدخل التقنيات الحديثة في المسجد: شاشات تلفزيونية في أماكن كثيرة، وكان على خصومة دائمة مع المتشددين في الإسكندرية، مما أدى إلى أن طعنه مجهول، مما أثر في صحته. بعد أن حقق شهرة كبيرة على مستوى مصر كلها، واستضافته المذيعة كاريمان حمزة في البرامج التلفزيونية، وأشيع عنه في الإسكندرية أنه تزوج من الممثلة مديحة كامل بعد أن اعتزلت التمثيل.
3 - الشيخ المحلاوي ومسجد القائد إبراهيم
لم يكن مسجد القائد إبراهيم هو المسجد الأول في الإسكندرية، فقد سبقته في الأهمية والشهرة الكثير من المساجد، مثل مساجد حي بحري: أبو العباس المرسي والبوصيري وياقوت العرش، لكن حدث حادث جعل الشيخ المحلاوي في مقدمة الدعاة في الإسكندرية، ففي خريف الغضب عام 1981، عندما سجن الرئيس محمد أنور السادات الكثير من طوائف الشعب بحجة معارضتهم لاتفاقية السلام مع إسرائيل، تصدى له الشيخ أحمد المحلاوي في خطبه في مسجد القائد إبراهيم وتم اعتقاله مع من اعتقلوا، وخطب السادات في 5 سبتمبر 1981في جلسه مجلس الشعب والشورى وقال عن الشيخ المحلاوي:
- إنه يتعرض لي ولعائلتي وإنه مرمي في السجن زي الكلب.
فغضب الكثير من الشعب المصري من أجله - خاصة أهالي الإسكندرية- وتم الإفراج عنه، وعاد ليخطب في مسجد القائد إبراهيم، حتى أصدرت وزارة الأوقاف المصرية قرارا بمنعه من الخطابة واعتلاء المنبر في عام1996.
الشيخ المحلاوي بعد ثورة 25 يناير
قي 4 فبراير 2011 قام المحلاوي بأداء خطبة في جامع القائد إبراهيم لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً وكان ذلك في جمعة الرحيل في أعقاب ثورة 25 يناير وظل يحفز المتظاهرين بخطبه الحماسية حتى رحيل مبارك عن الحكم يوم الجمعة 11فبراير2011، وظل مؤيدا للإخوان والسلف على طول الخط، فقد حرض المصلين على الموافقة على الإعلان الدستوري في مارس 2011، ثم حرضهم على اختيارهم في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، وفي انتخابات الرئاسية قال للمصلين:
- أنتم لستم مخيرين، وعليكم أن تنتخبوا مرسي.
في يوم الجمعة 14 ديسمبر 2012 – خطب في مسجد القائد إبراهيم قائلا:
- إن الاعتصامات والمظاهرات اللي فاتت كلفت مصر 100 مليار جنيه وأن الاستفتاء على الدستور بنعم سينهي كل هذه المشاكل وإن شاء الله ستكون النسبة أعلى ما تكون لتأييد ذلك الاستفتاء.
فاعترض البعض على قوله، وكان يجب أن يحرضهم على أداء الاستفتاء، ليختاروا ما يشاءون. وتم احتجاز ثلاثة من المعترضين داخل المسجد، وغضب المعترضون على الدستور وحاصروا المسجد. واستمر الحصار 15ساعة. وأحدث هذا الحادث أثرا كبيرا على مستوى مصر كلها، وتوعد حازم أبو إسماعيل وأعلن عن قدومه للإسكندرية لمعاقبة من جرؤ على محاصرة الشيخ والمسجد، مما أدى إلى غضب الكثير من أهالي الإسكندرية، فقد أستعد بعض الإسكندرانية، للذهاب إلى مسجد القائد إبراهيم لملاقاة أتباع أبو إسماعيل، واتصلت فتاة سكندرية – تليفونيا - بإعلامي شهير، قائلة له:
- إنني أنصح حازم أبو إسماعيل بألا يحضر للإسكندرية لأنه سيجد هجوما شديدا من السكندريين، خاصة سكان الأحياء الشعبية.
وقد أحسن حازم أبو إسماعيل صنعاً بعدم حضوره لأنه كفى المؤمنين شر القتال. وأحتشد مؤيدو الشيخ المحلاوي في الأسبوع التالي 21 ديسمبر، وهتفوا " إلا مشايخنا "
أسباب الأزمة
أعتقد أن المشكلة الآن، ليست في الشيخ المحلاوي وحده، وإنما في الكثير من الدعاة، فهم يدعون للسلف أو الإخوان ويحرضون المصلين على انتخابهم، مما يؤدي إلى اعتراض بعض المصلين، ويحدث الشقاق والخلاف، ففي يوم 9 مارس 2012 هاجم الشيخ المحلاوي الليبراليين والعلمانيين ووصفهم بأنهم أعداء الدين وأنهم فاشلون، مما حدا بأحد المصلين لإبداء اعتراضه على ذلك مطالباً المحلاوي بعدم سب أحد داخل المسجد. فقال الشيخ: لا تقاطعني، وعندما أصر المصلي على رأيه أمر الشيخ أتباعه بطرده من المسجد. وأعلن الداعية عبد الله بدر من أن كثيرا ما يعترضه بعض المصلين، ويخالفه الرأي، وأن هذا لو حدث ثانية، سيأمر رجاله بربط هذا المعترض في الشجر.
ويدافع الشيخ المحلاوي عن موقفه باستخدام المسجد للدعاية لمن يريد، فيقول:
- قد أخطأ من قال: إن المساجد للعبادة فقط، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس حكم البلاد من خلال مسجده. وكان يتم فيه التمريض واستقبال الوفود.
وأعتقد أن هذا حق، في حالة التحريض على مواجهة خطر يتهدد البلاد. أو دعوة للخير، إنما التحريض على الانحياز لفريق دون آخر، لا يعد عملاً قوميا، بل عمل ضد الدين وضد الإسلام.
وهذا يذكرني بما حدث في الستينيات عندما جاء الدكتور حسن مصطفى الذي كان وزيرا للإسكان في عهد جمال عبد الناصر، إلى مسجد الشيخ إبراهيم عبد الباعث، بالإسكندرية، لأداء الصلاة وعمل الدعاية الانتخابية له في انتخابات مجلس الأمة، حيث كان مرشحا عن دائرة محرم بك.
لكن الشيخ إبراهيم عبد الباعث، أمر بفك المنبر، ورفعه من مكانه، ووقف أمام المصلين وخطب فيهم، قال ما معناه إن المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحدا. ثم أقام الصلاة، فاقترب منه الدكتور حسن مصطفى وصافحه، وحمل حذاءه وغادر المسجد دون أن يفعل ما جاء من أجله، وهو عمل الدعاية الانتخابية.

مصطفى نصر



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...