مصطفى معروفي - الثقافة بوصفها ضرورة

الثقافة غذاء للعقل ،تنميه وتعمل على توسيع أفقه،هذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان،فكل عقل بلا ثقافة يظل عقلا يشكو من الفاقة والعوز.
لكن إذا كنا مرة بعد مرة نتساءل عن الجدوى من الثقافة وعن النتيجة التي يمكن أن يحصل عليها المرء وهو يجهد نفسه ويبذل كل ما في وسعه في سبيل الحصول على زاد ثقافي ،فإن الإجابة عن هذا التساؤل تكون كالتالي:الثقافة تحمل نتيجتها معها،بمعنى أن الجزاء نحصل عليه أثناء عملية التثقيف وبعدها،وهوذلك الإحساس المعنوي الذي ينتابنا كلما حصلنا على أفكار ومعلومات جديدة ،إنه إحساس بالمتعة لا يعرفه إلا من أوتي قدرة على التذوق والفهم ،و من يشكل له التثقيف هما ملازما له في كل الأحوال.
إن الذين ينظرون إلى الثقافة من زاوية مادية صرفة لهم نظر قاصر،وأستسمح عن وصفي إياهم بهذا الوصف ،لأنهم نفعيون بكل ما تحمل كلمة نفعية من معان ودلالات قدحية.إنني لا أغفل ولا أهمل الجانب المادي – أقصد الجانب المالي بالضبط- ودوره في الحياة،فهو يكاد يكون كل شئ في واقعنا الحالي ،بيد أن هناك طرقا أخرى تؤدي إلى المال ، وقد تكون الثقافة إحدى هذه الطرق.
العصر الحاضر هو عصر الماديات بامتياز،وهوالعصر الذي تلقت فيه القيم الأخلاقية والإجتماعية النبيلة ضربات قاسية وموجعة ،سببها الجشع والاستغلال السئ للمعطيات التقنية ـ حتى لا أقول المعطيات العلمية ـ أي أن سبب تلك الضربات الخالية من الرحمة في المحصلة النهائية هو الحيف والغبن الماديان اللذان يلحقان فئة من الناس دون أخرى.
إن هذا الطغيان المادي أثر بشكل سلبي على الإنسان ، وبالتالي قام بزحزحة قيمه النبيلة من مكانها قصد تعطيلها أخيرا،فبسبب عذا الطغيان المادي بات المرء ينظر إلى الثقافة وإلى التثقيف كلون من الترف العقلي أو كمضيعة للوقت لا طائل من ورائه،في مقابل ذلك بات ينظر إلى التهافت على المال وتكديسه نظرة تقديسية ،ذلك أن المال لا الثقافة هو الذي يستطيع وحده أن يكتري منزلا ويشتري سيارة وأن يدفع في فاتورة الماء والكهرباء..الخ..الخ..وإذا فما الفائدة من الجري واللهاث وراء الثقافة ؟
هذه النظرة بكل ما تحمله من تنقيص وازدراء للثقافة ليست عامة ،وبالتالي لا يمكن أن نسحبها على الجميع ،فثم فئة أخرى لها وجهة نظر أخرى في الموضوع مخالفة ،بحيث إنها ترى في الثقافة ضرورة لا غنى للمرء عنها ،وهي تغتنم كل الفرص المواتية من أجل تحسين مستواها الثقافي ،فهي تقرأ وتكتب ،وتحضر الندوات والمحاضرات ،وتزور المعارض والمتاحف وتشاهد الأفلام والمسرحيات وتسمع الأغاني الجميلة الجيدة، وتساهم في كل نقاش جاد وهادف إلى آخر ذلك ،مما يساهم في تنمية الوعي ورقيه.وهي إذ تفعل ذلك يزداد فهمها وتعطشها لكل ما هو ثقافي حتى يصير لديها هذا الأخير هما يوميا وهاجسا مصاحبا على مدار الساعة.مثل هذه الفئة هي التي حفظت لنا التراث الحضاري عبر القرون والأجيال،ولولاها لكنا نعيش الآن في ظلام دامس .
إن الذين يقللون من أهمية الثقافة لا يعرفون للثقافة معنى ،بل أكاد أقول لا يعرفون للحضارة وللإنسان قيمة ،ولذا نطلب منهم أن يلجوا أبواب الثقافة وسيتأكدون بأنفسهم أن نظرتهم التبخيسية لها هي نظرة غير صائبة،وأنا ضامن لهم أنهم إذا دخلوا باب الثقافة سيحبون المكوث والبقاء هناك ،لأن فردوسها يغري بذلك .
في النهاية أزعم أن الحياة بلا ثقافة هي حياة لا تستحق أن تعاش ،فمن سيتفضل ويثبت لي عكس هذا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...