لا أعرف بالتحديد مصدر هذا البيان الفصيح في كتاب الشاعر الكردي مروان علي "كيف تصبح كردياً في خمسة أيام" والذي دفعني لقراءة الكتاب عشر مرات متتاليات، وأسأل لماذا جاء الكتاب نحيفاً في مئة صفحة فقط؟ وحقيقة، كنتُ أتمنى من كل قلبك وعمق وجدانك ألا يكف هذا الساحر عن سرد حكاياته، لأنها دائمًا ما تزخر بالبهجة والشجن والموسيقى والغموض والألوان والنكهات، على قصرها، ودائمًا ما يختلط فيها الواقع بالخيال دون افتعال، بل ودون أن يكاد القارئ يشعر بالخيط الرفيع الفاصل بين ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، دائمًا ما تأتي حكاياته ملحمية كالأساطير القديمة، مختصرة، حكيمة، ودائمًا ما تدور أحداثها في عوالم ساحرة وغامضة تشتعل في خلفيتها حروب وثورات لا تنتهي ربما كجزء من ثقافة وتاريخ تلك المنطقة من العالم "كردستان".
بحركة بسيطة استعار مروان علي خمسةِ أيام من الأسبوع، وعمل مكاشفة شفافة وجريئة لتفاصيل حياة بأكملها، فالفصول الخمسة، أو الأيام الخمسة التي نقرأ صفحاتها من دفاتره الخاصة. يقول أحدهم: "في كتاب مروان علي نلتقي بأشخاص وأماكن وحكايات تُشكّل ذاكرة لا تتوارى، خلف صنعة الكتابة، بقدر ما تنحاز إلى البوح المفعم بكل ما هو حميمي وصادق وإن بدا في الكثير من الأحيان على شكل قصائد من سطرين أو ثلاثة. لكنَّ المفاجأة تكمن في الوصفة التي يقدمها الشاعر للقراء حتى يصبحوا أكراداً في خمسةِ أيام، فهي ليست وصفاً سطحياً لعنوان يبدو كشعار، بل توظيف أدبي للحظة استعادة مضنية لصور وعذابات وحنين قاتل الى أرض الوطن"
يقول مروان علي: في الصف الثاني، وفي كتاب القراءة، تعلّمتُ أوّل جملة: علم "بلادي" مرفوع. ومنذ ذلك الوقت، وأنا أبحث عن هذه "البلاد".
تأتينا شخصيات مروان علي فريدة ومبتكرة، قلما تجد ما يشبهها في أدب الشعوب الأخرى، هذه الحكايات التي يقصّها من النوع الذي تشعر بافتقاد شخصياته بعد الانتهاء من قراءته وكأنهم أشخاص فعليون عشت معهم تلك الأحداث. أعرف بأن شخصياتك حقيقية يا مروان، ولكن من بساطتها وعفويتها، تحسبها قادمة من عالم الأسطورة.
يقول مروان علي: قرب الجامع الذي يتوسّط كرصور، نزل النقيب علاوي من سيارة الجيب تويوتا، وخاطبنا قائلاً: "أيّها الشعب العربي العظيم!" لم نفهم شيئاً، فنحن لا نعرف لغة غير الكردية. صفّقنا بحرارة. أما هو، فهجم على "حميس" لحم الغنم المطبوخ مع دهن الخروف يأكله مع أرغفة خبز الصاج. ودون أن يغسل يديه، انطلق بسيارة الجيب نحو عامودا. ركضنا نحن الأطفال خلف سيارة الجيب، بينما كان الكبار يشعرون بالفخر من اهتام القيادة الحكيمة بهم.
ينسج مروان علي كتابه على هذا المنوال، ويقدم ما هو ضروري فقط، لنفهم ونعيش معه في بلدته "كرصور" المسيجة بحقول القمح الفسيحة على تخوم مدينة "قامشلو" في الجزيرة السورية، عاداتهم، حكاياتهم، حكمتهم، أغانيهم، طعامهم، مواقدهم، ملاحمهم، شجاعتهم، جبنهم، مهارة حرفيهم، ضيوفهم. وقد كنتُ ضيفك يا مروان ذات يوم من عيد النيروز أقف على ضفة نهر "جقجق" أتأمل مياهه الجارية لمستقر لها عند منعطف على أطراف مدينة "قامشلو" عند محطة القطار على ما أحسب، غسلتُ وجهي من تلك المياه الجارية، عندما كان للمياه ذلك التدفق الذي يروي عروق الشجر والبشر في ثمانينات القرن العشرين.
أنت مع مروان علي كأنك في خمارة صيفية توزعت طاولات مشروبها تحت شجر توت حديقتها -وهذه ليست شتيمة- تشرب، تُغنى، ترقص، تفعل ما بدا لك. أمامك كؤوس نبيذ مترعة، عُتِّق في جرار فخار صُنعت من طمي نهر جقجق والخابور والفرات ودجلة-تطلب نبيذاً لأن لسعة برد ما زالت في الأجواء- وكنا نظن بأننا نسينا تلك الجرار مطمورة في مكان ما، أو قل سهونا عنها، ولكن ها هي تعود إلى الوجود وقد زاد طيب شذى نبيذها وفاح عطرها المسكر وفُضح أمرنا مع فضِّ رتاج فم أولها. وفي الذاكرة التي تعبت من حمل الأحداث، نحسب أننا نسينا أيام ولدنات الطفولة، ولكن حين فضضنا ختم أفواه تلك الجرار، فاحت في الأجواء تلك الرائحة الزكية لنبيذ من عنب جبال كردستان:
يقول مروان علي: في أول يوم ذهبتُ للمدرسة، التفتُّ إلى أخي راكان الذي كان يجلس خلفي. وقلتُ له بالكردية: أز بريجي مَهْ "أنا جوعان" متى سنعود إلى البيت؟ ولم أر بعدها شيئاً، صفعة كبيرة كجبل، وقوية كانفجار نووي، صاح بعدها المُدرّس: أحكي عربي وْلَكْ. بكيتُ، بكى أخي أيضاً، بكت الطاولة، بكى أصبع الطباشير الأبيض، بكت السبورة، بكت أمي، بكت الشجرات، بكت الحجارة البعيدة، بكت السروة في الظل، بكى النرجس في الساحات. وحده أبي، أخذني في حضنه بعد أن أخبرته بالحكاية، أشعل لفافة تبغ، وقال: سيأتي يوم، ويتعلّم أطفالنا بلغتهم في المدارس، وفي دروس الموسيقى سيحفظون أغنيات "محمّد شيخو" وقصائد الشاعر الكردي جكر خوين.
يا لتلك الأنظمة الشمولية ماذا تفعل بأهلها يا مروان، تكتم أنفاسهم بثقل محرماتها، ما يُضيرها لو تكلم أهل المناطق الكردية بلغتهم، وعجنوا طحينهم بماء آبارهم وينابيعهم وأنهارهم ليأكلوا خبزاً طازجاً من تنور أمهاتهم. فكرة واحدة لا خلاف عليها الحكم الشمولي هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فساداً، لأنه نظام يستخدم السلطة استخداماً فاسداً، فيُنتج الفساد العام (كو-را-بشن) Corruption كما يسيء استخدام العنف ضد الموجودات البشرية والحيوانية والنباتية وحتى الجمادات التي تخضع له.
لا حظ أرسطو بحق أنه: لا يوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم، إذا كان في استطاعته أن يهرب منه. فالإنسان الحر لا يتحمل مثل هذه الأشكال التعسفية من الحكم، إلا مرغماً، أي إذا سُدتْ أمامه كل أبواب الانعتاق. لذلك فإن عبارة أرسطو تُعبّر بدقة عن أولئك الذين يعشقون الحرية، ويمقتون العبودية، وينظرون إلى الطُّغيان على أنه تدمير للإنسان لأنه يُحيل البشر إلى عظام نخرة. والمستبد يرغب في أن تكون رعيته كالغنم دوراً وطاعة، وكالكلاب تذللاً وتملقاً، والمثل الصيني يقول: "ليس أمام الغنم اختيار عندما تكون بين براثن الأسد" ولا شك أن الاستبداد يهدم إنسانية الإنسان، والطُّغيان يُحيل البشر إلى عبيد، وإذا تحوَّل الناس إلى عبيد أو حيوانات مذعورة فقدوا قيمهم، فلا إخلاص، ولا ضمير، ولا وجدان، ولا أمانة، ولا صدق، ولا شجاعة، بل كذب، ونفاق، وتملق، ورياء، وتذلل ومداهنة ومحاولة للوصول إلى الأغراض والغايات من أحط السبل وأقذرها.
وهكذا يتحول المجتمع في ظل الحكم الشمولي إلى عيون وجواسيس يرقب بعضها بعضاً، ويُرشد بعضها عن البعض. وليس بخاف ما نراه في الكثير من المجتمعات العربية من أخ يُرشد عن أخيه، وجار يكتب تقارير عن جاره، ومرؤوس يكتب زيفاً عن رئيسه. ومهما أنجز الحكم الشمولي من أعمال، ومهما قام من بناء ورقي جميل في ظاهره، فلا قيمة لأعماله، إذا يكفيه أنه دمَّر الإنسان.
يقول مروان علي: في عيد النيروز، صفع أحد رجال الأمن صبيّة كرديّة، هجم عليه شابٌ كرديّ من أصحاب الدّراجات النّاريّة، هجمت علينا دوريات المخابرات. هجمنا عليهم: طلابُ المدارس والنساء والأطفال. جاءت دورية أخرى. ركضنا بعيداً بين حقول القمح في أطراف قرية "كرصور". القيادات الكردية ركبت سيّاراتها، وهربت. وقتها أحببتُ أصحاب الدّراجات النّاريّة وكرهتُ القيادات!
ولو فكرنا في الأمر لوجدنا أن الحكم الشمولي هو السبب الحقيقي وراء تخلفنا الفكري والعلمي والاقتصادي، وأن الاستبداد هو المصدر الأساسي لكل رذائل مجتمعاتنا الخلقية منها والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن المواطن إذا فقد حريته، أعني وعيه الذاتي أو شخصيته المستقلة، وأصبح مدمجاً مع غيره في كتلة واحدة لا تمايز فيها كما هو الحال في قطيع الغنم، فقد ضاعت آدميته في اللحظة نفسها، وقُتل فيه الخلق والابداع وانعدم الابتكار، بل يصبح المبدع إن وجد، منحرفاً والمبتكر شاذاً وخارجاً عن الجماعة. ومن ينظر في تكوين الحكم الشمولي ويسبر أغوار هذه النفوس الآثمة يجد خواء يسده البطش. حقيرة يا مروان هي هذه النفوس التي تبطش بالأشياء والأحياء بطش الصبيان.
تحميل كتاب مروان علي كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟:
مع الشاعر الكردي مروان علي:
بحركة بسيطة استعار مروان علي خمسةِ أيام من الأسبوع، وعمل مكاشفة شفافة وجريئة لتفاصيل حياة بأكملها، فالفصول الخمسة، أو الأيام الخمسة التي نقرأ صفحاتها من دفاتره الخاصة. يقول أحدهم: "في كتاب مروان علي نلتقي بأشخاص وأماكن وحكايات تُشكّل ذاكرة لا تتوارى، خلف صنعة الكتابة، بقدر ما تنحاز إلى البوح المفعم بكل ما هو حميمي وصادق وإن بدا في الكثير من الأحيان على شكل قصائد من سطرين أو ثلاثة. لكنَّ المفاجأة تكمن في الوصفة التي يقدمها الشاعر للقراء حتى يصبحوا أكراداً في خمسةِ أيام، فهي ليست وصفاً سطحياً لعنوان يبدو كشعار، بل توظيف أدبي للحظة استعادة مضنية لصور وعذابات وحنين قاتل الى أرض الوطن"
يقول مروان علي: في الصف الثاني، وفي كتاب القراءة، تعلّمتُ أوّل جملة: علم "بلادي" مرفوع. ومنذ ذلك الوقت، وأنا أبحث عن هذه "البلاد".
تأتينا شخصيات مروان علي فريدة ومبتكرة، قلما تجد ما يشبهها في أدب الشعوب الأخرى، هذه الحكايات التي يقصّها من النوع الذي تشعر بافتقاد شخصياته بعد الانتهاء من قراءته وكأنهم أشخاص فعليون عشت معهم تلك الأحداث. أعرف بأن شخصياتك حقيقية يا مروان، ولكن من بساطتها وعفويتها، تحسبها قادمة من عالم الأسطورة.
يقول مروان علي: قرب الجامع الذي يتوسّط كرصور، نزل النقيب علاوي من سيارة الجيب تويوتا، وخاطبنا قائلاً: "أيّها الشعب العربي العظيم!" لم نفهم شيئاً، فنحن لا نعرف لغة غير الكردية. صفّقنا بحرارة. أما هو، فهجم على "حميس" لحم الغنم المطبوخ مع دهن الخروف يأكله مع أرغفة خبز الصاج. ودون أن يغسل يديه، انطلق بسيارة الجيب نحو عامودا. ركضنا نحن الأطفال خلف سيارة الجيب، بينما كان الكبار يشعرون بالفخر من اهتام القيادة الحكيمة بهم.
ينسج مروان علي كتابه على هذا المنوال، ويقدم ما هو ضروري فقط، لنفهم ونعيش معه في بلدته "كرصور" المسيجة بحقول القمح الفسيحة على تخوم مدينة "قامشلو" في الجزيرة السورية، عاداتهم، حكاياتهم، حكمتهم، أغانيهم، طعامهم، مواقدهم، ملاحمهم، شجاعتهم، جبنهم، مهارة حرفيهم، ضيوفهم. وقد كنتُ ضيفك يا مروان ذات يوم من عيد النيروز أقف على ضفة نهر "جقجق" أتأمل مياهه الجارية لمستقر لها عند منعطف على أطراف مدينة "قامشلو" عند محطة القطار على ما أحسب، غسلتُ وجهي من تلك المياه الجارية، عندما كان للمياه ذلك التدفق الذي يروي عروق الشجر والبشر في ثمانينات القرن العشرين.
أنت مع مروان علي كأنك في خمارة صيفية توزعت طاولات مشروبها تحت شجر توت حديقتها -وهذه ليست شتيمة- تشرب، تُغنى، ترقص، تفعل ما بدا لك. أمامك كؤوس نبيذ مترعة، عُتِّق في جرار فخار صُنعت من طمي نهر جقجق والخابور والفرات ودجلة-تطلب نبيذاً لأن لسعة برد ما زالت في الأجواء- وكنا نظن بأننا نسينا تلك الجرار مطمورة في مكان ما، أو قل سهونا عنها، ولكن ها هي تعود إلى الوجود وقد زاد طيب شذى نبيذها وفاح عطرها المسكر وفُضح أمرنا مع فضِّ رتاج فم أولها. وفي الذاكرة التي تعبت من حمل الأحداث، نحسب أننا نسينا أيام ولدنات الطفولة، ولكن حين فضضنا ختم أفواه تلك الجرار، فاحت في الأجواء تلك الرائحة الزكية لنبيذ من عنب جبال كردستان:
يقول مروان علي: في أول يوم ذهبتُ للمدرسة، التفتُّ إلى أخي راكان الذي كان يجلس خلفي. وقلتُ له بالكردية: أز بريجي مَهْ "أنا جوعان" متى سنعود إلى البيت؟ ولم أر بعدها شيئاً، صفعة كبيرة كجبل، وقوية كانفجار نووي، صاح بعدها المُدرّس: أحكي عربي وْلَكْ. بكيتُ، بكى أخي أيضاً، بكت الطاولة، بكى أصبع الطباشير الأبيض، بكت السبورة، بكت أمي، بكت الشجرات، بكت الحجارة البعيدة، بكت السروة في الظل، بكى النرجس في الساحات. وحده أبي، أخذني في حضنه بعد أن أخبرته بالحكاية، أشعل لفافة تبغ، وقال: سيأتي يوم، ويتعلّم أطفالنا بلغتهم في المدارس، وفي دروس الموسيقى سيحفظون أغنيات "محمّد شيخو" وقصائد الشاعر الكردي جكر خوين.
يا لتلك الأنظمة الشمولية ماذا تفعل بأهلها يا مروان، تكتم أنفاسهم بثقل محرماتها، ما يُضيرها لو تكلم أهل المناطق الكردية بلغتهم، وعجنوا طحينهم بماء آبارهم وينابيعهم وأنهارهم ليأكلوا خبزاً طازجاً من تنور أمهاتهم. فكرة واحدة لا خلاف عليها الحكم الشمولي هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فساداً، لأنه نظام يستخدم السلطة استخداماً فاسداً، فيُنتج الفساد العام (كو-را-بشن) Corruption كما يسيء استخدام العنف ضد الموجودات البشرية والحيوانية والنباتية وحتى الجمادات التي تخضع له.
لا حظ أرسطو بحق أنه: لا يوجد رجل حر قادر على تحمل مثل هذا الضرب من الحكم، إذا كان في استطاعته أن يهرب منه. فالإنسان الحر لا يتحمل مثل هذه الأشكال التعسفية من الحكم، إلا مرغماً، أي إذا سُدتْ أمامه كل أبواب الانعتاق. لذلك فإن عبارة أرسطو تُعبّر بدقة عن أولئك الذين يعشقون الحرية، ويمقتون العبودية، وينظرون إلى الطُّغيان على أنه تدمير للإنسان لأنه يُحيل البشر إلى عظام نخرة. والمستبد يرغب في أن تكون رعيته كالغنم دوراً وطاعة، وكالكلاب تذللاً وتملقاً، والمثل الصيني يقول: "ليس أمام الغنم اختيار عندما تكون بين براثن الأسد" ولا شك أن الاستبداد يهدم إنسانية الإنسان، والطُّغيان يُحيل البشر إلى عبيد، وإذا تحوَّل الناس إلى عبيد أو حيوانات مذعورة فقدوا قيمهم، فلا إخلاص، ولا ضمير، ولا وجدان، ولا أمانة، ولا صدق، ولا شجاعة، بل كذب، ونفاق، وتملق، ورياء، وتذلل ومداهنة ومحاولة للوصول إلى الأغراض والغايات من أحط السبل وأقذرها.
وهكذا يتحول المجتمع في ظل الحكم الشمولي إلى عيون وجواسيس يرقب بعضها بعضاً، ويُرشد بعضها عن البعض. وليس بخاف ما نراه في الكثير من المجتمعات العربية من أخ يُرشد عن أخيه، وجار يكتب تقارير عن جاره، ومرؤوس يكتب زيفاً عن رئيسه. ومهما أنجز الحكم الشمولي من أعمال، ومهما قام من بناء ورقي جميل في ظاهره، فلا قيمة لأعماله، إذا يكفيه أنه دمَّر الإنسان.
يقول مروان علي: في عيد النيروز، صفع أحد رجال الأمن صبيّة كرديّة، هجم عليه شابٌ كرديّ من أصحاب الدّراجات النّاريّة، هجمت علينا دوريات المخابرات. هجمنا عليهم: طلابُ المدارس والنساء والأطفال. جاءت دورية أخرى. ركضنا بعيداً بين حقول القمح في أطراف قرية "كرصور". القيادات الكردية ركبت سيّاراتها، وهربت. وقتها أحببتُ أصحاب الدّراجات النّاريّة وكرهتُ القيادات!
ولو فكرنا في الأمر لوجدنا أن الحكم الشمولي هو السبب الحقيقي وراء تخلفنا الفكري والعلمي والاقتصادي، وأن الاستبداد هو المصدر الأساسي لكل رذائل مجتمعاتنا الخلقية منها والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن المواطن إذا فقد حريته، أعني وعيه الذاتي أو شخصيته المستقلة، وأصبح مدمجاً مع غيره في كتلة واحدة لا تمايز فيها كما هو الحال في قطيع الغنم، فقد ضاعت آدميته في اللحظة نفسها، وقُتل فيه الخلق والابداع وانعدم الابتكار، بل يصبح المبدع إن وجد، منحرفاً والمبتكر شاذاً وخارجاً عن الجماعة. ومن ينظر في تكوين الحكم الشمولي ويسبر أغوار هذه النفوس الآثمة يجد خواء يسده البطش. حقيرة يا مروان هي هذه النفوس التي تبطش بالأشياء والأحياء بطش الصبيان.
تحميل كتاب مروان علي كيف تصبح كردياً في خمسة أيام؟:
مع الشاعر الكردي مروان علي: