هذه المرة لم تكن حروباً أو زلازل أو أعاصير أو حرائق، تلك التي أشغلت البشرية كلّها، وأرغمت العالم على الاستنفار، وغرست في أوصاله الهلع، وأورثته التخبط، ولم تكن المأساة متموضعة في بقعة جغرافية دون سواها، بل تمدّد هاجس فايروس كورونا غير المرئي في طول العالم وعرضه، وفرض تحديات غير مسبوقة، ووقائع جديدة في كل مكان.
من كان يتوقع مثلاً أن تتكبد دول كبرى كل تلك الخسائر الاقتصادية، وأن تنهار السياحة على مستوى العالم كل هذا الانهيار، وأن ينحبس الناس في بلادهم، بعد أن كان السفر بالنسبة لكثيرين حلما، وأن تتوقف مناشط إنسانية عالمية ومحلية كثيرة، وتتوقف حركة التعليم في مناطق عديدة، وأن يغدو سوق المنظفات الأكثر رواجا، متفوقاً على الطعام والوقود وما سواهما؟
وكان طبيعياً أن يكون التخبط من نصيب البلاد الفقيرة مالاً وعلما، وأن تبدو في مواجهة الفيروس مكبلة وبلا حيلة، وأن تظهر عجزاً وفشلاً في تحديد الإجراءات المناسبة على صعيد احتواء المرض، وفرض إجراءات الوقاية منه، وما يترتب على ذلك من إجراءات على صعيد الحياة العامة وإدارة الأزمة داخل المجتمع.
ولعلّ دول العالم الثالث تحديداً بدت "كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح"، وقد انسحب غرامها بالشعارات الرنانة على تعاملها مع الوباء، حيث ظهر أن ادعاءاتها حول استعداداتها لمواجهته لا تتوافق مع ما لديها حقيقة، فكانت العشوائية وغياب المصداقية حاضرتين في تعاملها مع المرض، ولعلها نتيجة طبيعية لدى دول وأنظمة تنفق على قطاعات الأمن والمخابرات وتأمين رأس الحاكم أضعاف ما تخصصه للقطاعات الحيوية فيها كالصحة والتعليم والزراعة.
على الجانب الآخر للأزمة، فالتأمل في حال العالم بعد (كورونا) ينبغي أن يعيدنا إلى فهم جوهر تكويننا، وإلى إدراك قصورنا البشري، ومحدودية آفاق العلم حتى لو بلغت مراتب من السمو والتقدم إلى درجة الظنّ بأنه ما عاد هناك ما يمكن أن يُعجز العقل العلمي البشري ويحول بينه وبين مواجهة أي كارثة أو بلاء، أو الاعتقاد بأن الثراء والنهوض الاقتصادي على مستوى الأفراد والدول سيظل ماضياً في حالة صعود.
نحن محتاجون - إلى جانب كل إجراءات الوقاية والبحث عن مواطن العلاج ودرء الخطر - إلى الاعتصام بحبل الله، وتذكّر قدرته وبطشه إلى جانب عفوه ورحمته، وأنّ "فوق كلّ ذي علم عليم"، واستحضار سننه تعالى في الأمم الماضية، فهذا ليس دروشة ولا هروباً من الواقع، إنما إعادة ضبط لبوصلة المسير وسط هذا التيه، مع ما يمليه علينا من نهوض بواجبات كثيرة تخلّينا عنها جماعاتٍ وأفرادا، كواجب إشاعة الفضيلة بكل معانيها في المجتمعات، وإنكار الرذائل المستشرية، بدلاً من الاعتياد عليها وتبريرها، بدعوى الحرية، أو اتقاءً لشبهة التطرف.
لقد كشف الهلع العالمي من الفايروس فيما كشفه مدى هشاشة الإنسان أمام هاجس الموت، ومع التأكيد على أن الإنسان مكلف بحفظ النفس من الهلاك، وعلى كون ذلك من مقاصد الشريعة، فإن اكتشاف الإنسان في نفسه أنه غير مستعد لحتمية الأجل، لعدم تزوده بما يجعله مطمئناً إلى حسن عمله، كفيل بإحالتنا إلى إعادة النظر في كل ما قصرنا فيه، وكل جوانب ظلمنا لأنفسنا، وذهولنا عن المعاني الأخروية، بينما نحن منغمسون في مغالبة مشقات الحياة إلى آخر حدّ، راجين منها سعادة مطلقة أو خلوداً متوهّما.
من كان يتوقع مثلاً أن تتكبد دول كبرى كل تلك الخسائر الاقتصادية، وأن تنهار السياحة على مستوى العالم كل هذا الانهيار، وأن ينحبس الناس في بلادهم، بعد أن كان السفر بالنسبة لكثيرين حلما، وأن تتوقف مناشط إنسانية عالمية ومحلية كثيرة، وتتوقف حركة التعليم في مناطق عديدة، وأن يغدو سوق المنظفات الأكثر رواجا، متفوقاً على الطعام والوقود وما سواهما؟
وكان طبيعياً أن يكون التخبط من نصيب البلاد الفقيرة مالاً وعلما، وأن تبدو في مواجهة الفيروس مكبلة وبلا حيلة، وأن تظهر عجزاً وفشلاً في تحديد الإجراءات المناسبة على صعيد احتواء المرض، وفرض إجراءات الوقاية منه، وما يترتب على ذلك من إجراءات على صعيد الحياة العامة وإدارة الأزمة داخل المجتمع.
ولعلّ دول العالم الثالث تحديداً بدت "كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح"، وقد انسحب غرامها بالشعارات الرنانة على تعاملها مع الوباء، حيث ظهر أن ادعاءاتها حول استعداداتها لمواجهته لا تتوافق مع ما لديها حقيقة، فكانت العشوائية وغياب المصداقية حاضرتين في تعاملها مع المرض، ولعلها نتيجة طبيعية لدى دول وأنظمة تنفق على قطاعات الأمن والمخابرات وتأمين رأس الحاكم أضعاف ما تخصصه للقطاعات الحيوية فيها كالصحة والتعليم والزراعة.
على الجانب الآخر للأزمة، فالتأمل في حال العالم بعد (كورونا) ينبغي أن يعيدنا إلى فهم جوهر تكويننا، وإلى إدراك قصورنا البشري، ومحدودية آفاق العلم حتى لو بلغت مراتب من السمو والتقدم إلى درجة الظنّ بأنه ما عاد هناك ما يمكن أن يُعجز العقل العلمي البشري ويحول بينه وبين مواجهة أي كارثة أو بلاء، أو الاعتقاد بأن الثراء والنهوض الاقتصادي على مستوى الأفراد والدول سيظل ماضياً في حالة صعود.
نحن محتاجون - إلى جانب كل إجراءات الوقاية والبحث عن مواطن العلاج ودرء الخطر - إلى الاعتصام بحبل الله، وتذكّر قدرته وبطشه إلى جانب عفوه ورحمته، وأنّ "فوق كلّ ذي علم عليم"، واستحضار سننه تعالى في الأمم الماضية، فهذا ليس دروشة ولا هروباً من الواقع، إنما إعادة ضبط لبوصلة المسير وسط هذا التيه، مع ما يمليه علينا من نهوض بواجبات كثيرة تخلّينا عنها جماعاتٍ وأفرادا، كواجب إشاعة الفضيلة بكل معانيها في المجتمعات، وإنكار الرذائل المستشرية، بدلاً من الاعتياد عليها وتبريرها، بدعوى الحرية، أو اتقاءً لشبهة التطرف.
لقد كشف الهلع العالمي من الفايروس فيما كشفه مدى هشاشة الإنسان أمام هاجس الموت، ومع التأكيد على أن الإنسان مكلف بحفظ النفس من الهلاك، وعلى كون ذلك من مقاصد الشريعة، فإن اكتشاف الإنسان في نفسه أنه غير مستعد لحتمية الأجل، لعدم تزوده بما يجعله مطمئناً إلى حسن عمله، كفيل بإحالتنا إلى إعادة النظر في كل ما قصرنا فيه، وكل جوانب ظلمنا لأنفسنا، وذهولنا عن المعاني الأخروية، بينما نحن منغمسون في مغالبة مشقات الحياة إلى آخر حدّ، راجين منها سعادة مطلقة أو خلوداً متوهّما.