لم يكن نقد نيتشه للمسيحية، وماركس للدين برمته قضية ثانوية في فلسفة الرجلين، أو فلنقل رؤيتهما للعالم. ظلت مرتكزات العبودية قائمة: العمل كنشاط جوهري للعبد. الدين كمحفز جوهري للإستسلام للعبودية، الولادة كدافع جوهري للبقاء والاستمرار في العبودية.
إن هذه المرتكزات دُعمت حتى اليوم، العمل الذي تحول لقضية مقدسة، والدين الذي تم تدجينه، والولادة التي يتم تعظيمها. كلها تفضي إلى تخفيض التفكُّر العميق في عيش الحياة كما يجب. الحياة التي من المفترض أن تكون ثرية بالسلام النفسي والطمأنينة والرضى، حيث يتم تجاهل هذا العمق لحساب التملك الخاص (حروب الرأسمالية) والعام (حروب التمدد). الإعلانات التجارية لا تفضي فقط إلى عرض السلع بل تُشعر الفرد بالنقص لكي يحصل على الكمال بإمتلاكها، إنها تعلن بأن عليك أن تمتلك سلعة، الرعاة التجاريون للأنشطة الرياضية والفنية، يطلبون منك أن تفكر فيهم كقوة، وهي قوة تكمن في النقود، وبذلك تبدو ضآلتك أمامها. إنك كائن تافه ما دمت لست معهم.
النعال فوق الرقاب:
هذا نظام كوني، هكذا يضعون الفرد أمام حقيقة كاذبة، فالكون ليس منظماً بل غارقٌ في الفوضى، وهذه الفوضى رغم أتساعها لكنها محكومة بحدود قدرة أي نظام، ومن هنا تبدو كما لو كانت هناك أنساق. هذا على مستوى قانون الطبيعة Law of nature، غير أن هذه الفوضى أكثر وضوحاً عندما ننتقل إلى القانون الطبيعي natural law، هكذا يحاولون تسميته، أي وضعه في داخل ماعون المدنية، أو باعتبار الإنسان كائن سياسي. وهذه أكبر معضلات فلاسفة القانون الطبيعي. لتلتئم أثلام المدنية الغائرة فلا بد من مرتكزاتها الثلاثة التي تشكل عبوديتها، (العمل، الدين، الولادة). هكذا نعتقد أن هناك نظاماً ما يحكمنا، ونعتقد -بناءً على اعتقادنا السابق- أنه نظام مقدس. وعندما يرفض باكونين السلطة فهو يمجدها لأنه يعترف بها في سياق الرفض.
لم يكن هناك أصدق من نيتشه، وأقل منه قليلاً ماركس، وأكثر منهما جميعاً شوبنهاور، ولكنهم جميعاً انساقوا مع الوهم التاريخي المسمى بالنظام، لأنهم -وكغيرهم- يبحثون عن النظام كما بحث الصينيون عن إكسير الشباب. أنتجوا جميعا فلسفتهم، وأنتج الصينيون الكيمياء بسبب البحث عن النظام الذي تكمن فيه القوة، في الواقع، ظلت القوة دائماً كامنة في الفوضى التي اختفت تحت رداء محدودية القدرة الحيوية vital capacity.
الإمتلاء repletion:
المرتكزات الثلاثة للعبودية، منحت مفهوما نفسياً زائفا للإمتلاء (تخمة، إشباع)، لقد تم تقعيد (التفاهة)، ثم نشرها لتملأ الأفق. وكفل التقدم الميكانيكي والتكنولوجي، تعزيز الشعور بكونها حقيقة. وهكذا حويثت التفاهة مع التمْدِين urbanizing، ونالت بالتالي قداستها المطلقة. لم يعد بإمكاننا إعادة تعريف الإمتلاء خارج مرتكزات العبودية الثلاثة هذي. حتى أن تصوُّرَنا -خارج هذا الصندوق- أصبح مستحيلاً. لأننا لا يمكن أن نتخيل امتلاءً داخل الفوضى. ولا يمكننا تخيل فوضى تستغرق تلك الأنظمة البدائية التي لا نعرف غيرها. لقد أضحت إلهً منزهاً وكل تساؤل حول جوهره توقيفي. لذلك تحملت الهويات أكثر مما تحتمل، وخيضت حروب من أجلها، اللغة تعرضت لجريمة التقنين، ففقدت أصالتها الفوضوية التي أنتجها الفضول والتواصل، وهكذا علقت كل مجموعة بشرية علماً ملوناً وجعلته رمزاً لا يجب تدنيسه.(يتبع)
إن هذه المرتكزات دُعمت حتى اليوم، العمل الذي تحول لقضية مقدسة، والدين الذي تم تدجينه، والولادة التي يتم تعظيمها. كلها تفضي إلى تخفيض التفكُّر العميق في عيش الحياة كما يجب. الحياة التي من المفترض أن تكون ثرية بالسلام النفسي والطمأنينة والرضى، حيث يتم تجاهل هذا العمق لحساب التملك الخاص (حروب الرأسمالية) والعام (حروب التمدد). الإعلانات التجارية لا تفضي فقط إلى عرض السلع بل تُشعر الفرد بالنقص لكي يحصل على الكمال بإمتلاكها، إنها تعلن بأن عليك أن تمتلك سلعة، الرعاة التجاريون للأنشطة الرياضية والفنية، يطلبون منك أن تفكر فيهم كقوة، وهي قوة تكمن في النقود، وبذلك تبدو ضآلتك أمامها. إنك كائن تافه ما دمت لست معهم.
هذا نظام كوني، هكذا يضعون الفرد أمام حقيقة كاذبة، فالكون ليس منظماً بل غارقٌ في الفوضى، وهذه الفوضى رغم أتساعها لكنها محكومة بحدود قدرة أي نظام، ومن هنا تبدو كما لو كانت هناك أنساق. هذا على مستوى قانون الطبيعة Law of nature، غير أن هذه الفوضى أكثر وضوحاً عندما ننتقل إلى القانون الطبيعي natural law، هكذا يحاولون تسميته، أي وضعه في داخل ماعون المدنية، أو باعتبار الإنسان كائن سياسي. وهذه أكبر معضلات فلاسفة القانون الطبيعي. لتلتئم أثلام المدنية الغائرة فلا بد من مرتكزاتها الثلاثة التي تشكل عبوديتها، (العمل، الدين، الولادة). هكذا نعتقد أن هناك نظاماً ما يحكمنا، ونعتقد -بناءً على اعتقادنا السابق- أنه نظام مقدس. وعندما يرفض باكونين السلطة فهو يمجدها لأنه يعترف بها في سياق الرفض.
لم يكن هناك أصدق من نيتشه، وأقل منه قليلاً ماركس، وأكثر منهما جميعاً شوبنهاور، ولكنهم جميعاً انساقوا مع الوهم التاريخي المسمى بالنظام، لأنهم -وكغيرهم- يبحثون عن النظام كما بحث الصينيون عن إكسير الشباب. أنتجوا جميعا فلسفتهم، وأنتج الصينيون الكيمياء بسبب البحث عن النظام الذي تكمن فيه القوة، في الواقع، ظلت القوة دائماً كامنة في الفوضى التي اختفت تحت رداء محدودية القدرة الحيوية vital capacity.
الإمتلاء repletion:
المرتكزات الثلاثة للعبودية، منحت مفهوما نفسياً زائفا للإمتلاء (تخمة، إشباع)، لقد تم تقعيد (التفاهة)، ثم نشرها لتملأ الأفق. وكفل التقدم الميكانيكي والتكنولوجي، تعزيز الشعور بكونها حقيقة. وهكذا حويثت التفاهة مع التمْدِين urbanizing، ونالت بالتالي قداستها المطلقة. لم يعد بإمكاننا إعادة تعريف الإمتلاء خارج مرتكزات العبودية الثلاثة هذي. حتى أن تصوُّرَنا -خارج هذا الصندوق- أصبح مستحيلاً. لأننا لا يمكن أن نتخيل امتلاءً داخل الفوضى. ولا يمكننا تخيل فوضى تستغرق تلك الأنظمة البدائية التي لا نعرف غيرها. لقد أضحت إلهً منزهاً وكل تساؤل حول جوهره توقيفي. لذلك تحملت الهويات أكثر مما تحتمل، وخيضت حروب من أجلها، اللغة تعرضت لجريمة التقنين، ففقدت أصالتها الفوضوية التي أنتجها الفضول والتواصل، وهكذا علقت كل مجموعة بشرية علماً ملوناً وجعلته رمزاً لا يجب تدنيسه.(يتبع)