يعتبر الكثيرون من الناس والدارسين الادبيين ايضًا، التلقائية في التعبير والكتابة الابداعية من انجع الوسائل في التواصل شفويًا وكتابيًا بين بني البشر، وذلك لما في التلقائية من مباشرة، صدق يصل حد التودد وعفوية محببة لدى جميع بني البشر كما تقول الحكايات والاساطير ايضًا. في اطار التلقائية تذكرت هذه الايام امرين احدهما يتعلق بالكاتب الايطالي جوفاني بوكاتشيو (1313-1375)، والآخر يتعلق بالكاتب الصديق الراحل حامل الالقاب الجامعية الوفيرة فاروق مواسي (1941 - 26 حزيران 2020)، اما الأمر الاول هو حكاية كتابة بوكاتشيو لمؤلفه الخالد الديكا ميرون، الذي يعتبره البعض الف ليلة وليلة الايطالية، واما الامر الآخر هو ذكرى فاروقنا العزيز في حياته ومماته، التي صادفت قبل نحو الاسبوعين.
فيما يتعلق بصاحب والديكا ميرون بوكاتشيو، نقول إن بعض المصادر الادبية ذكرت أن وراء كتابته لها قصة طريفة مفادها أن بوكاتشيو قضى ردحًا من عمره يريد ان يكتب ما يبقى ويرفع ذكره في عالم الادب دون ان يلتفت إليه الكثيرون، إلى أن حانت ساعة القدر( ساعات القدر عنوان كتاب طريف جدًا للكاتب النمساوي ستيفان تسفايج)، كان ذلك بعد توجه محرر احدى مجلات تلك الفترة الى بوكاتشيو وطلبه منه ان يكتب لمجلته قصصًا مسلية ومثيرة. تقول الحكاية إن بوكاتشيو انكب يكتب ما طلبه منه محرر المجلة بكل ما لديه من تلقائية، وان كتابته تواصلت مدة سنوات، لينتهي الأمر إلى أن معظم ما كتبه بوكاتشيو او كله، تم نسيانه وبقيت حكايات الديكا ميرون هي الاصل والاساس فيما انتجه من كتابات ابداعية.
نستخلص من هذه القصة كما هو واضح أن الكتابة التلقائية قد تعود على البعض بالكثير من الفائدة، لا سيما اذا كان هذا البعض متصفًا بالجدية والصرامة الذاتية في كتابته لما ينتجه من ابداع ادبي. خلال توقفي عند الذكرى السنوية الاولى للفاروق تذكرت بوكاتشيو وحكايته الطريفة هذه، ذلك ان فقيدنا كتب وانتج في المجال الادبي، دراسة وابداعًا، قصصيًا وشعريًا، طوال ايام حياته وقد كانت له مساهمات جدية في مجالي الدراسة والمقالة الادبية، غطت مساحات واسعة من حياتنا الادبية غير قليلة. شاسعة.. مترامية الاطراف، واقر بكثير من المحبة انه خص كتاباتي شعرًا وقصة بأكثر من دراسة ومقالة، وانا لا يمكن ان انسى بأية حال مقالته الرائعة عن قصتي القصيرة "جسد بين الغيوم" ( بإمكان الاخوة القراء الاطلاع عليها عبر ابحار سريع في الشبكة العنكبوتية العالمية غوغل)، كما لا انسى غيرها من مثيلات لها. بالعودة إلى التلقائية اقول إن حياتنا الادبية شهدت في اوائل التسعينيات هزة تشبه الهزة الادبية التي يقال ان صدور مسرحية هرناني للكاتب الفرنسي الخالد فيكتور هيجو احدثتها في الادب الفرنسي. هذه الهزة المحلية احدثها كاتب مجهول يظهر اسمه احمد منير لأول مرة في صحيفة " الاتحاد" العريقة ضمن سلسلة من المقالات تحمل عنوانا طريفًا هو " مداعبة / معاتبة"، ويتطرق بكثير من العمق الذي لا يخلو من توجهات شخصية تدل على انه يعرف من يكتب عنهم من كتابنا وشعرائنا تمام المعرفة وبعمق. يومها ابتدأ هذا الكاتب المثير بنشر مقالة اسبوعية غلب عليها طابع التلقائية في الكتابة ممثلة بالطرافة، السخرية والسرعة التي تصل حد التسرع في الكتابة، ونزل قصفا مدفعيًا يشبه قصف مدافع نافارون في الرواية المشهورة للكاتب الإسكتلندي ألاستير ماك لين، وبعدها في الفيلم السينمائي المأخوذ عنها، يوجه قذائفه المدفعية الثقيلة الى شعرائنا وكتابنا واحدًا تلو الآخر، ومما يذكر انه تطرق في الحلقة الثانية من هذه المداعبات إلى شخصية الكاتب فاروق مواسي فكتب عنه يقول: " صديقنا فاروق مواسي ، وسنغيظه أولًا لأننا لم نسبّق اسمه باللقب الاكاديمي، يحاول ان يلم من كل علم بطرف ، فهو يريد ان يكون الشاعر والناقد والباحث والقاص واللغوي والمربي و ... ناسيًا ان التخصص ضرورة ملحّة لمن يريد ان يتقدم في ميدان ما ، فلماذا نجده في كل عرس له قرص ؟ ألا يخاف ان يخرج من المولد بلا حمص ، وشأنه يكون كشأن الباحث عن جلده". لقد كتب احمد منير عن معظم ناشطينا من كتاب وشعراء في الساحة الادبية، فكتب عن كل من سميح القاسم ، جورج نجيب خليل ، فدوى طوقان ، شفيق حبيب ، تركي عامر ، أحمد حسين ، ميشيل حداد ، حنا أبو حنا ، نبيه القاسم ، محمد علي طه ، كما كتب عن ذاته كما سلف. ويذكر كاتب هذه السطور ان قصف احمد منير طاله ايضا فكتب عنه ينتقده لغزارة انتاجه القصصي، وسخر منه ما شاءت له سخريته وتلقائيته.
هذا الوضع مع احمد منير الهب الساحة الادبية وبات بإمكانك ان تتصور بقليل من التخييل كتابنا كل بطريقته ودربه يسعى صبيحة كل يوم جمعة للحصور على نسخته من صحيفة الاتحاد، اما الدافع فهو: هل سأكون الضحية الجديدة لأحمد منير؟ وكيف سأتلقى قصفه واتصور ان عددًا من شعرائنا وقصاصينا تحديدًا كانوا يفكرون في كيفية الرد على ما سيقوله احمد منير عنهم قبل ان يقرأوه، اما من كتب عنهم فقد بادر بعضٌ منهم إلى الرد على قصفه بقصف مماثل، فكتبوا المقالات ودبجوها بما يليق بشخوصهم الكريمة، وقد كدنا نقرأ مقالة مضادة يقوم بنشرها من طالهم القصف الرهيب_ قصف احمد منير. فيما بادر عدد من ضحاياه وحتى من اولئك المرشحين الذين يعرفون انهم موضوعون في قائمته السوداء، للبحث والاستقصاء عن المدعو احمد منير؟.. هكذا بات ذلك الكاتب المعروف وغير المعروف في الآن ذاته، مصدر قلق يومي لدى الجميع تقريبًا، حتى ان الشاعر المرحوم محمد حمزة غنايم كتب في رده على قصف احمد منير يقول انه سيأكل قبعته اذا لم يكن احمد منير هو صاحب مدافع المعاتبات والمداعبات الفتاكة القتالة . اما محرر الاتحاد في حينها الكاتب الشاعر سالم جبران فقد رفض الادلاء بالاسم الحقيقي للمدعو احمد منير مصرًا على انه وعد ولا بد من ان ينفذ. اضف الى هذا ان للمهنة – مهنة الصحافة- اسرارها وخفاياها، بل وامانتها مع من تتعامل معهم. وحتى عندما سئل سالم عما اذا كان المقصود فاروق مواسي انكر بشدة وقال لا.. لا اعرف.. ليس فاروقا بأية حال. البحث عمن يكون احمد منير من كتابِنا وأدبائنا تواصل عبر فترة من الزمن ليست وجيزة ولم ينتهِ الا بعد ان انكر فاروق مواسي التهمة التي توجه بها اصحابها من الحانقين الغاضبين صوبه.. في النهاية تبين ان احمد منير هو الاسم الحقيقي المسجل لفاروق مواسي في بطاقة هويته. هكذا انتهت تلك القصة المثيرة في ادبنا المحلي. وهكذا كانت.. تمت واختتمت.. بتلقائية تامة وكاملة متكاملة.
ناجي ظاهر
www.facebook.com
فيما يتعلق بصاحب والديكا ميرون بوكاتشيو، نقول إن بعض المصادر الادبية ذكرت أن وراء كتابته لها قصة طريفة مفادها أن بوكاتشيو قضى ردحًا من عمره يريد ان يكتب ما يبقى ويرفع ذكره في عالم الادب دون ان يلتفت إليه الكثيرون، إلى أن حانت ساعة القدر( ساعات القدر عنوان كتاب طريف جدًا للكاتب النمساوي ستيفان تسفايج)، كان ذلك بعد توجه محرر احدى مجلات تلك الفترة الى بوكاتشيو وطلبه منه ان يكتب لمجلته قصصًا مسلية ومثيرة. تقول الحكاية إن بوكاتشيو انكب يكتب ما طلبه منه محرر المجلة بكل ما لديه من تلقائية، وان كتابته تواصلت مدة سنوات، لينتهي الأمر إلى أن معظم ما كتبه بوكاتشيو او كله، تم نسيانه وبقيت حكايات الديكا ميرون هي الاصل والاساس فيما انتجه من كتابات ابداعية.
نستخلص من هذه القصة كما هو واضح أن الكتابة التلقائية قد تعود على البعض بالكثير من الفائدة، لا سيما اذا كان هذا البعض متصفًا بالجدية والصرامة الذاتية في كتابته لما ينتجه من ابداع ادبي. خلال توقفي عند الذكرى السنوية الاولى للفاروق تذكرت بوكاتشيو وحكايته الطريفة هذه، ذلك ان فقيدنا كتب وانتج في المجال الادبي، دراسة وابداعًا، قصصيًا وشعريًا، طوال ايام حياته وقد كانت له مساهمات جدية في مجالي الدراسة والمقالة الادبية، غطت مساحات واسعة من حياتنا الادبية غير قليلة. شاسعة.. مترامية الاطراف، واقر بكثير من المحبة انه خص كتاباتي شعرًا وقصة بأكثر من دراسة ومقالة، وانا لا يمكن ان انسى بأية حال مقالته الرائعة عن قصتي القصيرة "جسد بين الغيوم" ( بإمكان الاخوة القراء الاطلاع عليها عبر ابحار سريع في الشبكة العنكبوتية العالمية غوغل)، كما لا انسى غيرها من مثيلات لها. بالعودة إلى التلقائية اقول إن حياتنا الادبية شهدت في اوائل التسعينيات هزة تشبه الهزة الادبية التي يقال ان صدور مسرحية هرناني للكاتب الفرنسي الخالد فيكتور هيجو احدثتها في الادب الفرنسي. هذه الهزة المحلية احدثها كاتب مجهول يظهر اسمه احمد منير لأول مرة في صحيفة " الاتحاد" العريقة ضمن سلسلة من المقالات تحمل عنوانا طريفًا هو " مداعبة / معاتبة"، ويتطرق بكثير من العمق الذي لا يخلو من توجهات شخصية تدل على انه يعرف من يكتب عنهم من كتابنا وشعرائنا تمام المعرفة وبعمق. يومها ابتدأ هذا الكاتب المثير بنشر مقالة اسبوعية غلب عليها طابع التلقائية في الكتابة ممثلة بالطرافة، السخرية والسرعة التي تصل حد التسرع في الكتابة، ونزل قصفا مدفعيًا يشبه قصف مدافع نافارون في الرواية المشهورة للكاتب الإسكتلندي ألاستير ماك لين، وبعدها في الفيلم السينمائي المأخوذ عنها، يوجه قذائفه المدفعية الثقيلة الى شعرائنا وكتابنا واحدًا تلو الآخر، ومما يذكر انه تطرق في الحلقة الثانية من هذه المداعبات إلى شخصية الكاتب فاروق مواسي فكتب عنه يقول: " صديقنا فاروق مواسي ، وسنغيظه أولًا لأننا لم نسبّق اسمه باللقب الاكاديمي، يحاول ان يلم من كل علم بطرف ، فهو يريد ان يكون الشاعر والناقد والباحث والقاص واللغوي والمربي و ... ناسيًا ان التخصص ضرورة ملحّة لمن يريد ان يتقدم في ميدان ما ، فلماذا نجده في كل عرس له قرص ؟ ألا يخاف ان يخرج من المولد بلا حمص ، وشأنه يكون كشأن الباحث عن جلده". لقد كتب احمد منير عن معظم ناشطينا من كتاب وشعراء في الساحة الادبية، فكتب عن كل من سميح القاسم ، جورج نجيب خليل ، فدوى طوقان ، شفيق حبيب ، تركي عامر ، أحمد حسين ، ميشيل حداد ، حنا أبو حنا ، نبيه القاسم ، محمد علي طه ، كما كتب عن ذاته كما سلف. ويذكر كاتب هذه السطور ان قصف احمد منير طاله ايضا فكتب عنه ينتقده لغزارة انتاجه القصصي، وسخر منه ما شاءت له سخريته وتلقائيته.
هذا الوضع مع احمد منير الهب الساحة الادبية وبات بإمكانك ان تتصور بقليل من التخييل كتابنا كل بطريقته ودربه يسعى صبيحة كل يوم جمعة للحصور على نسخته من صحيفة الاتحاد، اما الدافع فهو: هل سأكون الضحية الجديدة لأحمد منير؟ وكيف سأتلقى قصفه واتصور ان عددًا من شعرائنا وقصاصينا تحديدًا كانوا يفكرون في كيفية الرد على ما سيقوله احمد منير عنهم قبل ان يقرأوه، اما من كتب عنهم فقد بادر بعضٌ منهم إلى الرد على قصفه بقصف مماثل، فكتبوا المقالات ودبجوها بما يليق بشخوصهم الكريمة، وقد كدنا نقرأ مقالة مضادة يقوم بنشرها من طالهم القصف الرهيب_ قصف احمد منير. فيما بادر عدد من ضحاياه وحتى من اولئك المرشحين الذين يعرفون انهم موضوعون في قائمته السوداء، للبحث والاستقصاء عن المدعو احمد منير؟.. هكذا بات ذلك الكاتب المعروف وغير المعروف في الآن ذاته، مصدر قلق يومي لدى الجميع تقريبًا، حتى ان الشاعر المرحوم محمد حمزة غنايم كتب في رده على قصف احمد منير يقول انه سيأكل قبعته اذا لم يكن احمد منير هو صاحب مدافع المعاتبات والمداعبات الفتاكة القتالة . اما محرر الاتحاد في حينها الكاتب الشاعر سالم جبران فقد رفض الادلاء بالاسم الحقيقي للمدعو احمد منير مصرًا على انه وعد ولا بد من ان ينفذ. اضف الى هذا ان للمهنة – مهنة الصحافة- اسرارها وخفاياها، بل وامانتها مع من تتعامل معهم. وحتى عندما سئل سالم عما اذا كان المقصود فاروق مواسي انكر بشدة وقال لا.. لا اعرف.. ليس فاروقا بأية حال. البحث عمن يكون احمد منير من كتابِنا وأدبائنا تواصل عبر فترة من الزمن ليست وجيزة ولم ينتهِ الا بعد ان انكر فاروق مواسي التهمة التي توجه بها اصحابها من الحانقين الغاضبين صوبه.. في النهاية تبين ان احمد منير هو الاسم الحقيقي المسجل لفاروق مواسي في بطاقة هويته. هكذا انتهت تلك القصة المثيرة في ادبنا المحلي. وهكذا كانت.. تمت واختتمت.. بتلقائية تامة وكاملة متكاملة.
ناجي ظاهر
ناجي ظاهر
ناجي ظاهر is on Facebook. Join Facebook to connect with ناجي ظاهر and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.