من منّا لا يعرف وليام شكسبير(1564- 1616م) أو لم يسمع به؟ شكسبير الشاعر والممثل والمؤلف المسرحي الذي تعدّه بريطانيا أعظم شعرائها، بل هو في الحقيقة من أبرز الكتاب في الأدب العالمي. اشتُهر بأعماله المسرحيّة التي تجاوزت المئة والسبعة والثلاثين عملًا، منها: "هاملت"، و"ماكبث"، و"الملك لير"، و"عطيل"، و"روميو وجوليت"، و"تاجر البندقية" وغيرها. وما زالت مسرحياته تُعرض في معظم مسارح العالم، حتّى قيل: "لا مسرح من دون شكسبير". ولم يكن كاتبًا مسرحيًا فقط بل كان شاعرًا متميزًا أيضًا له عشرات القصائد الغنائية( (sonnets والسردية الطويلة، منها قصيدته المشهورة "فينيوس وأدونيس" التي نظمها عام 1593م، ولتميزه الشعري سمي شاعر إنجلترا الوطني. وقد ترجمت أعماله إلى أكثر من ثمانين لغة.
مع هذه الشهرة الواسعة التي حظي بها شكسبير إلا أنه لم يسلم من الخرافات حول حياته والتشكيك حتى في وجوده، واتهامه بالسطو على مؤلفات الأدباء من معاصريه. ففي رسالة عثر عليها في أرشيف الكاتب البريطاني روبرت غرين (1558-1592)، اتهام له بسرقة أعمال أدبية لكتـّاب من بينهم: فرانسيس بيكون، وكريستوفر مارلو.
وفي عام 2005م رأى الباحثان: برندا جيمس، ووليام روبينشتاين في كتابهما "وصية الحقيقة.. إماطة اللثام عن شكسبير الحقيقي" أن أعمال شكسبير ألّفها هنري نيفيل، وهو رجل سياسي ينتمي إلى أسرة تيودر التي حكمت بريطانيا بين أعوام 1485 و1603م. والذي رجح لديهما هذا الرأي أن شكسبير لم يكن متعلمًا وقليل المعرفة في آداب البلاط، وأن الفترة التي عاش فيها نيفيل هي نفسها التي عاش فيها شكسبير.
وفي عام 2011م عاد التشكيك في هوية شكسبير وأعماله للظهور في فيلم " المجهول" الذي أخرجه الأمريكي رولاند إمريش وكتبه الأديب جون أورلوف. فرأى الفيلم أن المؤلف الفعلي لأهم الأعمال التي نسبت لشكسبير هو معاصره اللورد إدوارد دو فري المعروف بأيرل أوكسفورد السابع عشر الذي قبل أن توقّع أعماله باسم شكسبير؛ لحساسية منصبه بوصفه أحد حاشية الملكة إليزابيث الأولى.
وهذا القول يلتقي مع بعض الأدباء الذين اعتقدوا بأن أعمال شكسبير منحولة مثل مارك توين وهنري جيمس. فعلى سبيل المثال قالوا إن مسرحية "هاملت" سيرة ذاتية مُعدلة لإداورد دو فري نفسه، في مقابل من رأى بأن الفيلسوف فرانسيس بيكون هو من كتب تلك الأعمال؛ لأن المناصب التي كان يشغلها لم تكن تسمح له بأن ينسبها إلى نفسه فنسبها إلى شكسبير.
وذكر رمسيس عوض في كتابه "شكسبير في مصر" أن مؤلف مسرحية "هاملت" هو فرانسيس بيكون وليس شكسبير، وأن أحداثها مستمدة من تاريخ إنجلترا وأسكتلندا؛ فالملكة في المسرحية هي الملكة إليزابيث الأولى والملك المقتول (هاملت الأب) هو إيرل أسسيكس .
ووجه الغرابة أننا نجد بعض الفلاسفة والمفكرين والأدباء من خرج من دائرة التشكيك والاتهام إلى دائرة الانتقاد والتقليل من أهمية الرجل الأدبية والفكرية، فهذا فولتير الفيلسوف والأديب الفرنسي، مع اعترافه بموهبة شكسبير العالية، فإنه ينتقده ويتهمه بعدم الالتزام بالتقاليد الأدبية، وخلط الأمور العظيمة بالتافهة.
أما الأديب الروسي ليو تولستوي فهاجم شكسبير، وقال فيه ما قال مالك في الخمر؛ فوصفه بأنه عبقري مزيف، ورأى أن مسرحية "الملك لير"، وهي أهم مسرحياته، منحولة من مسرحية" الملك لير" لمؤلف مجهول، لقد سرقها شكسبير ثم أفسدها؛ فجاءت ذات حبكة غبية وغامضة ومملة، وأحداث خيالية، ونكات وهذيانات سخيفة، ومفارقات تاريخية، وتقاليد بالية. وفي تقديمه كتاب أرنست كروسبي "شكسبير والطبقات العاملة" يؤكد تولستوي أن شكسبير لم تكن لديه القدرة على تصوير الشخصيات، وخلق الأحداث بتلقائية، ولغته متضخمة سقيمة، وهو يفتقد الحس الجمالي، وآراؤه ضعيفة، وخلص إلى أنه ليس فنانًا.
ونعجب أن برنارد شو الأديب الإيرلندي سلّم بالكثير مما قاله تولستوي بل إنه استصغر أشعاره المرسلة ووصفها بأنها عبث سهل يمكن لأي أديب مبتدئ أن يأتي بمثلها في سهولة ويسر. ورآه شاعرًا ملوكيًّا جميع أبطاله ملوك ولُوردات، وأسلوبه، رغم شعبيته بالنسبة إلى معاصريه، يحتقر الشعب ويصفه بأنه رعاع وغوغاء، وإن كان قد أحدث نهضة مسرحية فنية فإنها لم تكن نهضة أخلاقية أو سياسية.
في الحقيقة أن شكسبير وارث الأدب الغربي وليس مخترعه؛ فكان يستعير الشخصيات والحبكات والأفكار والفلسفات، وأحيانًا يستفيد خاصة في مسرحياته التاريخية من أعمال المؤرخين: بلوتارخ، وهولنشيد، ويعتمد في بناء مسرحياته على أعمال رومانية قديمة لأدباء، أمثال الشاعر أوفيد، وكاتبي المسرح: سينيكا وبلاوتوس، وعلى أجواء المسرحيات الراقية التي كانت تعرضها الفرق المسرحية في لندن.
هذا كله لا ينتقص من إنجازات شكسبير إذا ما نظرنا إلى أعماله في سياقها التاريخي والفني؛ فهو يعدُّ بحق أحد أهم الكتَّاب المسرحيين والشعراء في التاريخ، ومن أبرز الشخصيات الأدبية في عصر النهضة. لقد أدرك أسرار النفس البشرية واستثمرها في مسرحياته بخلق كثير من الأنماط البشرية والشخصيات التي فاق عددها شخصيات روايات بلزاك، وتشارلز ديكنز، وديستوفسكي.
والخلاصة أن شكسبير قدم للحياة فنًّا خالدًا سبر فيه الروح الإنسانية سواء في مسرحياته أم في أشعاره، ولم تنجح المحاولات الكثيرة للنيل من شهرته وتفوقه، وسيظل شخصية ملغزة ومحيرة، وأدبه في ألق دائم ووجود مستمر، وهذه من ميزات الشخصيات العظيمة على مر العصور.
مع هذه الشهرة الواسعة التي حظي بها شكسبير إلا أنه لم يسلم من الخرافات حول حياته والتشكيك حتى في وجوده، واتهامه بالسطو على مؤلفات الأدباء من معاصريه. ففي رسالة عثر عليها في أرشيف الكاتب البريطاني روبرت غرين (1558-1592)، اتهام له بسرقة أعمال أدبية لكتـّاب من بينهم: فرانسيس بيكون، وكريستوفر مارلو.
وفي عام 2005م رأى الباحثان: برندا جيمس، ووليام روبينشتاين في كتابهما "وصية الحقيقة.. إماطة اللثام عن شكسبير الحقيقي" أن أعمال شكسبير ألّفها هنري نيفيل، وهو رجل سياسي ينتمي إلى أسرة تيودر التي حكمت بريطانيا بين أعوام 1485 و1603م. والذي رجح لديهما هذا الرأي أن شكسبير لم يكن متعلمًا وقليل المعرفة في آداب البلاط، وأن الفترة التي عاش فيها نيفيل هي نفسها التي عاش فيها شكسبير.
وفي عام 2011م عاد التشكيك في هوية شكسبير وأعماله للظهور في فيلم " المجهول" الذي أخرجه الأمريكي رولاند إمريش وكتبه الأديب جون أورلوف. فرأى الفيلم أن المؤلف الفعلي لأهم الأعمال التي نسبت لشكسبير هو معاصره اللورد إدوارد دو فري المعروف بأيرل أوكسفورد السابع عشر الذي قبل أن توقّع أعماله باسم شكسبير؛ لحساسية منصبه بوصفه أحد حاشية الملكة إليزابيث الأولى.
وهذا القول يلتقي مع بعض الأدباء الذين اعتقدوا بأن أعمال شكسبير منحولة مثل مارك توين وهنري جيمس. فعلى سبيل المثال قالوا إن مسرحية "هاملت" سيرة ذاتية مُعدلة لإداورد دو فري نفسه، في مقابل من رأى بأن الفيلسوف فرانسيس بيكون هو من كتب تلك الأعمال؛ لأن المناصب التي كان يشغلها لم تكن تسمح له بأن ينسبها إلى نفسه فنسبها إلى شكسبير.
وذكر رمسيس عوض في كتابه "شكسبير في مصر" أن مؤلف مسرحية "هاملت" هو فرانسيس بيكون وليس شكسبير، وأن أحداثها مستمدة من تاريخ إنجلترا وأسكتلندا؛ فالملكة في المسرحية هي الملكة إليزابيث الأولى والملك المقتول (هاملت الأب) هو إيرل أسسيكس .
ووجه الغرابة أننا نجد بعض الفلاسفة والمفكرين والأدباء من خرج من دائرة التشكيك والاتهام إلى دائرة الانتقاد والتقليل من أهمية الرجل الأدبية والفكرية، فهذا فولتير الفيلسوف والأديب الفرنسي، مع اعترافه بموهبة شكسبير العالية، فإنه ينتقده ويتهمه بعدم الالتزام بالتقاليد الأدبية، وخلط الأمور العظيمة بالتافهة.
أما الأديب الروسي ليو تولستوي فهاجم شكسبير، وقال فيه ما قال مالك في الخمر؛ فوصفه بأنه عبقري مزيف، ورأى أن مسرحية "الملك لير"، وهي أهم مسرحياته، منحولة من مسرحية" الملك لير" لمؤلف مجهول، لقد سرقها شكسبير ثم أفسدها؛ فجاءت ذات حبكة غبية وغامضة ومملة، وأحداث خيالية، ونكات وهذيانات سخيفة، ومفارقات تاريخية، وتقاليد بالية. وفي تقديمه كتاب أرنست كروسبي "شكسبير والطبقات العاملة" يؤكد تولستوي أن شكسبير لم تكن لديه القدرة على تصوير الشخصيات، وخلق الأحداث بتلقائية، ولغته متضخمة سقيمة، وهو يفتقد الحس الجمالي، وآراؤه ضعيفة، وخلص إلى أنه ليس فنانًا.
ونعجب أن برنارد شو الأديب الإيرلندي سلّم بالكثير مما قاله تولستوي بل إنه استصغر أشعاره المرسلة ووصفها بأنها عبث سهل يمكن لأي أديب مبتدئ أن يأتي بمثلها في سهولة ويسر. ورآه شاعرًا ملوكيًّا جميع أبطاله ملوك ولُوردات، وأسلوبه، رغم شعبيته بالنسبة إلى معاصريه، يحتقر الشعب ويصفه بأنه رعاع وغوغاء، وإن كان قد أحدث نهضة مسرحية فنية فإنها لم تكن نهضة أخلاقية أو سياسية.
في الحقيقة أن شكسبير وارث الأدب الغربي وليس مخترعه؛ فكان يستعير الشخصيات والحبكات والأفكار والفلسفات، وأحيانًا يستفيد خاصة في مسرحياته التاريخية من أعمال المؤرخين: بلوتارخ، وهولنشيد، ويعتمد في بناء مسرحياته على أعمال رومانية قديمة لأدباء، أمثال الشاعر أوفيد، وكاتبي المسرح: سينيكا وبلاوتوس، وعلى أجواء المسرحيات الراقية التي كانت تعرضها الفرق المسرحية في لندن.
هذا كله لا ينتقص من إنجازات شكسبير إذا ما نظرنا إلى أعماله في سياقها التاريخي والفني؛ فهو يعدُّ بحق أحد أهم الكتَّاب المسرحيين والشعراء في التاريخ، ومن أبرز الشخصيات الأدبية في عصر النهضة. لقد أدرك أسرار النفس البشرية واستثمرها في مسرحياته بخلق كثير من الأنماط البشرية والشخصيات التي فاق عددها شخصيات روايات بلزاك، وتشارلز ديكنز، وديستوفسكي.
والخلاصة أن شكسبير قدم للحياة فنًّا خالدًا سبر فيه الروح الإنسانية سواء في مسرحياته أم في أشعاره، ولم تنجح المحاولات الكثيرة للنيل من شهرته وتفوقه، وسيظل شخصية ملغزة ومحيرة، وأدبه في ألق دائم ووجود مستمر، وهذه من ميزات الشخصيات العظيمة على مر العصور.