د. مصطفى أحمد علي - من ذاكرة المدن: فورت لامي..

"الله يخلي نسارى
جابوا لينا تيارة
الله يخلي هاكومة
جابوا لينا سابونة"

من أهازيج ال "لامي فورتان":(الفورتلاميين)، أبناء فورت لامي ( قلعة لامي)، أو انجمينا عندما أنشأها الفرنسيون على أشلاء جيش رابح فضل الله، وأطلقوا عليها اسما يخلّد ذكرى قائدهم لامي.
كانت العربية الهجين لغة التفاهم بين أفراد ذلك الجيش المنهزم، المكون من قبائل بحر الغزال ودار فرتيت وامتداداتها الغربية في كريج وقلا وسارا وإيرينقا وبنضلا. مشهد ملحمي، شديد الشبه، وقريب، من حيث المكان والزمان والملابسات والمضامين، من مشهد انهيار الدولة المهدية قبل أقلّ من سنتين، في أم درمان على يد كتشنر، وما أعقب ذلك من استباحة المدينة وإجراء جراحة اجتماعية وثقافية بعيدة الغور في ديموغرافيتها وجغرافيتها ومجتمعها، سجلت بعض ملامحه، وصمتت عن غالبه، صحائف التاريخ.
فورتلامي، مدينة عذراء، لم تعرف الدولة ولم يسبق لها وجود ديموغرافي ثقافي سياسي. تختلف في ذلك عن أم درمان، وتقترب، هوناً ما، من جوبا: كلتاهما، جوبا ووفرت لامي صاغ لهجته العربية في معسكرات الجنود البازنقر والجهادية السود، في تحرر كامل عن قواعد العربية وفصاحتها ونحوها وصرفها، وعن قيود الأعراف والتقاليد والمواريث العريقة، ولسان حالهم قول المجذوب، رحمه الله:
وليتي في الجنوب ولي رباب
تميد به خطاي وتستقيم
أجشمه فيجفل وهو يشكو
كما يشكو من الحُمَةِ السقيم
وفي حقوي من خرز حزام
وفي صدغي من ودع نظيم
وأجترع "المريسة" في الحواني
وأهذر، لا ألام ولا ألوم
طليقاً لا تقيدني قريش
بأنساب الكرام ولا تميم
وأصرع في الطريق وفي عيوني
ضباب السكر والطرب الغشوم..
كانت فورت لامي، في تطلع إلى مستقبل آخر في ظل الحضارة الأوربية الظافرة، وانفتاح لا تقييده قيود نحو الآخر والمختلف، وهل كانت إلا مزيجا من كل ما هو آخر وكل ما هو مختلف: جلابة من وادي النيل، وفقهاء وعلماء من بورنو ووداي، وجنود من باقرمي وكوتوكو وسارا، وقوافل من فزان وصكتو وشنقيط، ونصارى من فرنسا، هم عمود الواقع الجديد وذروة سنامه...ظلت فورت لامي، تحيط بها المياه، تستلقي على الضفة اليمنى لنهر شاري، تستقبل نسمات بحيرة تشاد، تسخر من نفسها ومن أحيائها، تطلق عليها الأسماء جزافا: أنبستنا، كليب مات، قاردوليه سالتيه Saleté، قاردوليه القذرة! تسترخي هوناً ما، تحتفي بلهجتها العربية الهجين التي اصطنعتها من ملاحم المشاهد واحتدام المعارك وفوهات البنادق وصليل السيوف ومدارج التاريخ وعبق الغابة المدارية... وتمخضت عن"آراب هنا تشاد"،وصاغت منها أهازيج من شتى الألوان والعبارات المختلفة المؤتلفة، تتغني مرةً، بأفضال الحكم الجديد:
الله يخلي نسارى
جابوا لينا تيارة
الله يخلي هاكومة
جابوا لينا سابونة
وتسخر مرّاتٍ ومرّاتٍ من سادتها الجدد:
نسارى قال كي:
أنينا سالتيه (Saleté).
دونما اكتراث!!

د. مصطفى أحمد علي،
الرباط، يوليو ٢٠٢١م.



https://www.facebook.com/mustafa.a.ali.92/posts/10223508121224537

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...