ما يلفت الانتباه بين الأديب التركي ناظم حكمت(1902 –1963م) والأديب العربي الأردني غالب هلسا(1932- 1989) هذا التقارب العجيب الذي يكمن بينهما في تجربتهما الفكرية والأدبية، وتجربة السجن والمنفى، ونهايتهما بعيدًا عن وطنهما.
لقد اعتنق ناظم حكمت وغالب هلسا الفكر الماركسي، ونالا جراء ذلك صنوف العذاب والنفي؛ ففي تاريخ ناظم حكمت أنّه التحق بالحزب الشيوعي التركي، وعارض نظام أتاتورك، وقبض عليه عام 1938م ووضع في السجن، وبعد ثلاثة عشر عامًا يضطر البرلمان التركي إلى سن قانون يتضمن العفو العام عن السجناء تحت ضغط كثير من الشخصيات العالمية، من بينهم: برتراند راسل، وجان بول سارتر، وبابلو بيكاسو، وبرتولت بريشت وغيرهم، فيخرج من السجن ليهرب إلى الاتحاد السوفييتي، وتسحب منه الجنسية التركية بقرار من مجلس الوزراء التركي، ويبقى في الاتحاد السوفيتي حتى يتوفى في موسكو عام 1963 بالسكتة القلبية، ويدفن فيها بعيدًا عن وطنه.
أما غالب هلسا فقد التحق بالحزب الشيوعيّ الأردنيّ. في مطلع عام 1950، وفي العام نفسه يسافر إلى بيروت ليدرس بالجامعة الأمريكيّة. وفي بيروت يلتحق بالحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، ويمسك به رجال الشرطة، وهو يلصق منشورات على أحد الجدران، ويقتادونه إلى السجن، فيعود بعد سنة إلى الأردن، ويشارك في نشاطات الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، ثم يعتقل، ويزجّ في سجن عمّان المركزيّ، ثم ينقل إلى سجن الجفر، ويمضي فيه سنة كاملة. وبعد الإفراج عنه يتمكن عام 1954 من الوصول إلى بغداد، وينضم إلى الحزب الشيوعيّ العراقيّ، وينتهي به الأمر إلى الاعتقال، ثم الطرد إلى الحدود الأردنيّة. وفي عام 1956 يغادر إلى القاهرة، وفيها يتعرّض إلى السجن، فيوضع عام 1966في سجن القلعة، ويستمرّ تعذيبه الشديد ستّة وثلاثين يومًا، ثم ينُقل إلى سجن مزرعة طُرّة، ويفرج عنه بعد ستة شهور إثر مطالبة الفيلسوف جان بول سارتر بإطلاق سراح المثقّفين المعتقلين دون سبب، لكنه يعتقل عام 1976 بسبب ندوة عن "المخطّط الأمريكيّ في المنطقة العربيّة" ويطُرد من مصر ليتوجَّه إلى بغداد، وفيها تشتدّ المضايقة عليه ضمن الحملة القاسية على الشيوعيّين عام 1978 فيغادر العراق إلى بيروت. وفي بيروت ينضمّ إلى المقاومة الفلسطينيّة، وبعد انهزامها أمام إسرائيل يرحّل مع المقاتلين الفلسطينيّين إلى عدن، ثم يجيء منها إلى دمشق في نهاية عام 1982م.
وتكون نهاية غالب هلسا مشابهة لنهاية ناظم حكمت فيُصاب بنوبة قلبيّة حادّة في اليوم الثامن عشر من كانون الثاني عام 1989، فيُنقل إلى مشفى الأسد في دمشق، ولكنّه يُتوفّى في ذلك اليوم نفسه الذي وُلد فيه من عام 1932، ولكنه يسمح له بأن يعود ميتًا إلى وطنه. بعد ثلاثة وثلاثين عامًا من فراقه ليدفن في مقبرة أمّ الحيران بعمان.
من أوجه التشابه بين ناظم حكمت وغالب هلسا موقف السلطة السياسية منهما بعد الموت؛ فقد أعادت السلطة التركية عام 2009م، أي بعد حوالي ستة وأربعين عامًا من وفاته الجنسية التركية بقرار من مجلس الوزراء التركي، وسمحت لكتبه بالتداول بين الناس. كذلك حدث لغالب هلسا، فبعد وفاته أفرج عن رواياته، وسمح لها بأن توزع في وطنه الأردن، كما أن السلطة السياسية اعتذرت إليه، وأبدت ندمها على موقفها السابق منه حين قامت وزارة الثقافة بدعم نشر أعماله الروائية، لتصدر عن دار أزمنة عام 2003م، كما منحته الدولة جائزتها التقديرية عام 2007م.
ومن أوجه التشابه بين الرجلين أيضًا ذلك الحنين إلى الوطن في أعمالهما الأدبية، وتعبيرهما عن معاناتهما في السجن ومعاناة الناس خارجه، وتوقهما إلى الحرية والعدل، كما نلاحظ هذا في المجموعة الشعرية لناظم حكمت" أغنيات المنفى" وروايته" العيش شيء رائع يا عزيزي". وكذلك غالب هلسا فلا تخلو من تجربة السجن والحياة الحزبية وذكر الأردن أي رواية من رواياته السبع: "الخماسين"، و"الضحك"، و"البكاء على الأطلال"، و"سلطانة"، و"السؤال"، و"ثلاثة وجوه لبغداد"، و"الروائيون".
في النهاية نقول إن هذا التقارب بين الأديبين: ناظم حكمت، وغالب هلسا في الحياة الفكرية والأدبية، وتجارب السجن والمنفى، وموقف السلطة منهما يصلح ليكون ميدانًا للدراسات المقارنة، فضلًا عن ذلك، ربما نتعلم من تلك الحياة التي عايشها كل منهما أنّ معاداة الأدباء والمفكرين وظلمهم أثناء حياتهم إهانة للحياة نفسها، ولن تصمد أمام نواميس الحق والعدل وتحولات الزمان والناس؛ فمن الأجدى أن تحفظ لهم كرامتهم وهم أحياء؛ فلا قيمة لأمة لا تقدر أدباءها ومفكريها؛ فهم وحدهم الضمانة القوية لبقائها وتقدمها.
لقد اعتنق ناظم حكمت وغالب هلسا الفكر الماركسي، ونالا جراء ذلك صنوف العذاب والنفي؛ ففي تاريخ ناظم حكمت أنّه التحق بالحزب الشيوعي التركي، وعارض نظام أتاتورك، وقبض عليه عام 1938م ووضع في السجن، وبعد ثلاثة عشر عامًا يضطر البرلمان التركي إلى سن قانون يتضمن العفو العام عن السجناء تحت ضغط كثير من الشخصيات العالمية، من بينهم: برتراند راسل، وجان بول سارتر، وبابلو بيكاسو، وبرتولت بريشت وغيرهم، فيخرج من السجن ليهرب إلى الاتحاد السوفييتي، وتسحب منه الجنسية التركية بقرار من مجلس الوزراء التركي، ويبقى في الاتحاد السوفيتي حتى يتوفى في موسكو عام 1963 بالسكتة القلبية، ويدفن فيها بعيدًا عن وطنه.
أما غالب هلسا فقد التحق بالحزب الشيوعيّ الأردنيّ. في مطلع عام 1950، وفي العام نفسه يسافر إلى بيروت ليدرس بالجامعة الأمريكيّة. وفي بيروت يلتحق بالحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، ويمسك به رجال الشرطة، وهو يلصق منشورات على أحد الجدران، ويقتادونه إلى السجن، فيعود بعد سنة إلى الأردن، ويشارك في نشاطات الحزب الشيوعيّ الأردنيّ، ثم يعتقل، ويزجّ في سجن عمّان المركزيّ، ثم ينقل إلى سجن الجفر، ويمضي فيه سنة كاملة. وبعد الإفراج عنه يتمكن عام 1954 من الوصول إلى بغداد، وينضم إلى الحزب الشيوعيّ العراقيّ، وينتهي به الأمر إلى الاعتقال، ثم الطرد إلى الحدود الأردنيّة. وفي عام 1956 يغادر إلى القاهرة، وفيها يتعرّض إلى السجن، فيوضع عام 1966في سجن القلعة، ويستمرّ تعذيبه الشديد ستّة وثلاثين يومًا، ثم ينُقل إلى سجن مزرعة طُرّة، ويفرج عنه بعد ستة شهور إثر مطالبة الفيلسوف جان بول سارتر بإطلاق سراح المثقّفين المعتقلين دون سبب، لكنه يعتقل عام 1976 بسبب ندوة عن "المخطّط الأمريكيّ في المنطقة العربيّة" ويطُرد من مصر ليتوجَّه إلى بغداد، وفيها تشتدّ المضايقة عليه ضمن الحملة القاسية على الشيوعيّين عام 1978 فيغادر العراق إلى بيروت. وفي بيروت ينضمّ إلى المقاومة الفلسطينيّة، وبعد انهزامها أمام إسرائيل يرحّل مع المقاتلين الفلسطينيّين إلى عدن، ثم يجيء منها إلى دمشق في نهاية عام 1982م.
وتكون نهاية غالب هلسا مشابهة لنهاية ناظم حكمت فيُصاب بنوبة قلبيّة حادّة في اليوم الثامن عشر من كانون الثاني عام 1989، فيُنقل إلى مشفى الأسد في دمشق، ولكنّه يُتوفّى في ذلك اليوم نفسه الذي وُلد فيه من عام 1932، ولكنه يسمح له بأن يعود ميتًا إلى وطنه. بعد ثلاثة وثلاثين عامًا من فراقه ليدفن في مقبرة أمّ الحيران بعمان.
من أوجه التشابه بين ناظم حكمت وغالب هلسا موقف السلطة السياسية منهما بعد الموت؛ فقد أعادت السلطة التركية عام 2009م، أي بعد حوالي ستة وأربعين عامًا من وفاته الجنسية التركية بقرار من مجلس الوزراء التركي، وسمحت لكتبه بالتداول بين الناس. كذلك حدث لغالب هلسا، فبعد وفاته أفرج عن رواياته، وسمح لها بأن توزع في وطنه الأردن، كما أن السلطة السياسية اعتذرت إليه، وأبدت ندمها على موقفها السابق منه حين قامت وزارة الثقافة بدعم نشر أعماله الروائية، لتصدر عن دار أزمنة عام 2003م، كما منحته الدولة جائزتها التقديرية عام 2007م.
ومن أوجه التشابه بين الرجلين أيضًا ذلك الحنين إلى الوطن في أعمالهما الأدبية، وتعبيرهما عن معاناتهما في السجن ومعاناة الناس خارجه، وتوقهما إلى الحرية والعدل، كما نلاحظ هذا في المجموعة الشعرية لناظم حكمت" أغنيات المنفى" وروايته" العيش شيء رائع يا عزيزي". وكذلك غالب هلسا فلا تخلو من تجربة السجن والحياة الحزبية وذكر الأردن أي رواية من رواياته السبع: "الخماسين"، و"الضحك"، و"البكاء على الأطلال"، و"سلطانة"، و"السؤال"، و"ثلاثة وجوه لبغداد"، و"الروائيون".
في النهاية نقول إن هذا التقارب بين الأديبين: ناظم حكمت، وغالب هلسا في الحياة الفكرية والأدبية، وتجارب السجن والمنفى، وموقف السلطة منهما يصلح ليكون ميدانًا للدراسات المقارنة، فضلًا عن ذلك، ربما نتعلم من تلك الحياة التي عايشها كل منهما أنّ معاداة الأدباء والمفكرين وظلمهم أثناء حياتهم إهانة للحياة نفسها، ولن تصمد أمام نواميس الحق والعدل وتحولات الزمان والناس؛ فمن الأجدى أن تحفظ لهم كرامتهم وهم أحياء؛ فلا قيمة لأمة لا تقدر أدباءها ومفكريها؛ فهم وحدهم الضمانة القوية لبقائها وتقدمها.