الرواية المحصَّنة، كما أرى، هي الرواية التي غدت مترفعة عن الذم وكشف ما فيها من عيوب، ولا يقترب منها النقاد والباحثون إلا بالمدح والإشادة بموضوعها وأسلوبها وتقنياتها، وبما فيها من أفكار وغرائب؛ فهي النموذج الذي يُقتدى في الفن الروائي، والتي صار مؤلفها محط الإعلام ورجال الصحافة، والمدعو دائمًا إلى المنتديات والمقابلات التلفزيونية والمؤتمرات التي تقام للرواية، فصاحبها غدا المنظر للرواية وتجربته فريدة في هذا العالم التخييلي.
هي رواية محصنة لأنها حظيت بالاهتمام من جهة أو أكثر من الجهات الثقافية الرسمية أو الخاصة، أو لأنها نالت جائزة من جوائز الرواية المهمة، أو أن مؤتمرًا عُقد هنا وهناك سلط عليها الضوء، أو أن قسم آداب في إحدى الجامعات قررها لتدرس فيه، أو كلف أحد طلاب الدراسات العليا بجعلها موضوع رسالته أو أطروحته.
هكذا هي رواية محصنة لا أحد يجرؤ على الكتابة عنها كتابة لا تَرضى عنها الجهات التي وقفت إلى جانبها، وأي كتابة بخلاف ذلك هي كتابة ضعيفة وركيكة لا يُلتفت إليها، ومشكوك في نوايا صاحبها ومقدرته؛ لأنه طعن في مجموعة من اللجان والنقاد الذين كانوا وراء ظهورها وفوزها بالجوائز. ولا عجب أن نفاجأ بدراسات وقراءات تمدح بعض الروايات، بعد أن كانت في غياهب النسيان والإهمال، فور انتهاء مراسم حصولها على الحصانة الروائية، كأن تنال جائزة من جوائز الرواية على سبيل المثال.
إننا حين ننتقد هذه الظاهرة لا يعني أننا ننتقص من الروايات التي تحظى بالاهتمام والجوائز، بل ننتقد هذا الواقع الذي يجعل النقد مسلمًا بأحكام تلك المؤسسات التي وضعت تلك الروايات في دائرة الضوء؛ فليس صحيحًا، على سبيل المثال، أن كل رواية نالت جائزة هي رواية متميزة وناجحة خالية من العيوب، فلحظنا روايات عادية تفوز بمثل هذه الجوائز بل وأحيانًا ضعيفة وأقل من عادية. ولاحظنا أن مواقف النقاد من هذه الروايات إما مواقف مادحة، أو مترددة وخائفة من إصدار حكم سليم، وإما لامبالية أو صامتة. فبعض النقاد يخشون من عدم رضى تلك المؤسسات التي تمنح التحصين عما قد يُبدونه من نقد؛ فهم قد يحتاجون إليها بأن يأتي دورهم في نيل جوائزها، أو ربما لعدم ثقتهم بما سيقولونه في الرواية، وكأن لسان حالهم يتساءل إن كانوا سيأتون بأفضل مما قالته لجان التحكيم، أو إن كانوا هم أفضل وأذكى من أعضاء تلك اللجان.
إن الحقيقة، التي ربما لا يختلف عليها أحد، هي أن الأعمال الأدبية والفنية والرواية بوجه خاص تمتاز بافتقادها إلى الكمال. من هنا نقول بعدم وجود ما يسمى الحصانة الروائية، فلا رواية كاملة، وكل رواية تحتمل عدة قراءات وآراء، ويختلف تقييمها باختلاف الأذواق من عصر إلى آخر، ولا يوجد القول الفصل في مجال النقد، فكثير من الروايات المحصنة التي صدرت في العقود الماضية لم يعد يُهتم بها إلا لدواعي التوثيق التاريخي.
إننا إزاء الروايات المحصنة نحتاج إلى نقاد يفكون الحصن عنها، ويمتازون بالجرأة النقدية والفكرية كي يظهروا لنا نقدًا موضوعيًا لهذا النوع من الروايات. كما نتمنى أن تتولى المؤسسات التي وراء هذه المواقف التحصينية أن تسمح لمثل هذه الآراء النقدية أن تتلى في مؤتمراتهم وندواتهم، ونتمنى أن تُظهر لجان التحكيم مسوغات اختيار هذه الروايات بدقة ووضوح وبمنطق نقدي محكم وسليم.
لعل ما يحسن التنبيه إليه هو أن المؤسسات التي تقف وراء الروايات المحصنة ستقل أهميتها مع الزمن، وتفقد مصداقيتها؛ لأنها لم تؤد واجباتها على أكمل وجه، كما أن النقاد سيتلاشى دورهم، ويقل تأثيرهم في الحياة الثقافية والفكرية، وستصاب الحركة النقدية بالجمود والتأخر. من أجل ذلك لابد من رفض الحصانة الروائية، وفتح نوافذ النقد على مختلف الآراء والأفكار.
هي رواية محصنة لأنها حظيت بالاهتمام من جهة أو أكثر من الجهات الثقافية الرسمية أو الخاصة، أو لأنها نالت جائزة من جوائز الرواية المهمة، أو أن مؤتمرًا عُقد هنا وهناك سلط عليها الضوء، أو أن قسم آداب في إحدى الجامعات قررها لتدرس فيه، أو كلف أحد طلاب الدراسات العليا بجعلها موضوع رسالته أو أطروحته.
هكذا هي رواية محصنة لا أحد يجرؤ على الكتابة عنها كتابة لا تَرضى عنها الجهات التي وقفت إلى جانبها، وأي كتابة بخلاف ذلك هي كتابة ضعيفة وركيكة لا يُلتفت إليها، ومشكوك في نوايا صاحبها ومقدرته؛ لأنه طعن في مجموعة من اللجان والنقاد الذين كانوا وراء ظهورها وفوزها بالجوائز. ولا عجب أن نفاجأ بدراسات وقراءات تمدح بعض الروايات، بعد أن كانت في غياهب النسيان والإهمال، فور انتهاء مراسم حصولها على الحصانة الروائية، كأن تنال جائزة من جوائز الرواية على سبيل المثال.
إننا حين ننتقد هذه الظاهرة لا يعني أننا ننتقص من الروايات التي تحظى بالاهتمام والجوائز، بل ننتقد هذا الواقع الذي يجعل النقد مسلمًا بأحكام تلك المؤسسات التي وضعت تلك الروايات في دائرة الضوء؛ فليس صحيحًا، على سبيل المثال، أن كل رواية نالت جائزة هي رواية متميزة وناجحة خالية من العيوب، فلحظنا روايات عادية تفوز بمثل هذه الجوائز بل وأحيانًا ضعيفة وأقل من عادية. ولاحظنا أن مواقف النقاد من هذه الروايات إما مواقف مادحة، أو مترددة وخائفة من إصدار حكم سليم، وإما لامبالية أو صامتة. فبعض النقاد يخشون من عدم رضى تلك المؤسسات التي تمنح التحصين عما قد يُبدونه من نقد؛ فهم قد يحتاجون إليها بأن يأتي دورهم في نيل جوائزها، أو ربما لعدم ثقتهم بما سيقولونه في الرواية، وكأن لسان حالهم يتساءل إن كانوا سيأتون بأفضل مما قالته لجان التحكيم، أو إن كانوا هم أفضل وأذكى من أعضاء تلك اللجان.
إن الحقيقة، التي ربما لا يختلف عليها أحد، هي أن الأعمال الأدبية والفنية والرواية بوجه خاص تمتاز بافتقادها إلى الكمال. من هنا نقول بعدم وجود ما يسمى الحصانة الروائية، فلا رواية كاملة، وكل رواية تحتمل عدة قراءات وآراء، ويختلف تقييمها باختلاف الأذواق من عصر إلى آخر، ولا يوجد القول الفصل في مجال النقد، فكثير من الروايات المحصنة التي صدرت في العقود الماضية لم يعد يُهتم بها إلا لدواعي التوثيق التاريخي.
إننا إزاء الروايات المحصنة نحتاج إلى نقاد يفكون الحصن عنها، ويمتازون بالجرأة النقدية والفكرية كي يظهروا لنا نقدًا موضوعيًا لهذا النوع من الروايات. كما نتمنى أن تتولى المؤسسات التي وراء هذه المواقف التحصينية أن تسمح لمثل هذه الآراء النقدية أن تتلى في مؤتمراتهم وندواتهم، ونتمنى أن تُظهر لجان التحكيم مسوغات اختيار هذه الروايات بدقة ووضوح وبمنطق نقدي محكم وسليم.
لعل ما يحسن التنبيه إليه هو أن المؤسسات التي تقف وراء الروايات المحصنة ستقل أهميتها مع الزمن، وتفقد مصداقيتها؛ لأنها لم تؤد واجباتها على أكمل وجه، كما أن النقاد سيتلاشى دورهم، ويقل تأثيرهم في الحياة الثقافية والفكرية، وستصاب الحركة النقدية بالجمود والتأخر. من أجل ذلك لابد من رفض الحصانة الروائية، وفتح نوافذ النقد على مختلف الآراء والأفكار.