تنبع الأهمية الكبرى لثورة الثلاثين من يونيو من أنها قامت من أجل ازاحة واحد من أخطر التهديدات التى واجهتها مصر على مدار تاريخها الطويل، ألا وهو خطر الردة الحضارية، والانفصال عن الزمن، والعودة الى الوراء، لآلاف السنين. وهو ذلك التهديد الذى مثلته قوى الاسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين. ولا يقل عن ذلك فى الأهمية التهديد الخطير للأمن القومى المصرى الذى مثله استيلاء هذه الجماعة على حكم البلاد، لصالح مخطط تقوده الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، ويجرى تنفيذه برعاية قطرية وتركية، من أجل تفتيت التراب الوطنى وتهديد كيان الدولة المصرية. باغراقها فى لجة التناحر الطائفى والصراع الدينى والانفلات الأمنى. ربما، بهدف الوصول بها الى النموذج ذاته الذى تحقق بكل أسف فى عدد من البلدان المجاورة.
لقد حاول الغرب الامبريالى استخدام نظام الاخوان ليكون بمثابة "الاسفنجة" التى يتم من خلالها امتصاص عناصر قوى التطرف والارهاب من شتى بقاع الأرض لتتمركز داخل بلادنا، ليعيثوا فيها الفساد، ويشيعوا فيها التخلف والجهل، ويغرقوها فى الدماء والانقسام والتفتت. وبذلك يكون الغرب قد حقق هدفا مزدوجا: الأول هو تدمير بلداننا، والثانى حماية أمن شعوبه وبلدانه، بأن أصبحوا بمنأى عن خطر هذه العناصر.
بما يؤدى، فى المحصلة النهائية، الى الضمان التام لأمن اسرائيل وأن تصبح هى القوة الأعظم فى المنطقة، بعد أن يتم اضعاف، ان لم يكن تدمير كل الدول والجيوش المحيطة بها (وبخاصة الدولة والجيش فى مصر) التى تمثل خطرا (ولو محتملا) من الناحية الاستراتيجية، علي الكيان الصهيونى. وذلك فى مقابل اعتراف الغرب بالاخوان، والتمكين لهم، سياسيا، بتنصيبهم حكاما لأكبر دولة عربية وتطويعهم لخدمة المخططات الأمريكية – الصهيونية، ولقد كانوا على أتم استعداد لذلك.
فالاخوان هم الذين صموا آذانهم ولم يدلوا بأى تعليق على قرار أوباما باعتبار القدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وهم الذين خرسوا ازاء الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى عام 2012. بعد أن كانوا يخدعوننا بشعاراتهم: "خيبر يا يهود"، و"عالقدس رايحين شهداء بالملايين". والأخطر أنهم قد أظهروا كامل الاستعداد للتنازل عن التراب الوطنى، لتوسيع قطاع غزة، واستيعاب اللاجئين الفلسطينيين فى شبه جزيرة سيناء. وشرعوا فى تنفيذ المشروع القطرى المشبوه، الخاص بمنطقة قناة السويس. فى محاولة (محتملة) لفصلها عن الجسد الجغرافى والسيادة الوطنية المصرية. فضلا عن تساهلهم فى موضوع منح اقليم حلايب وشلاتين الى السودان.
ان عملية انشاء دول تقوم على أسس دينية، فى منطقة الشرق الأوسط، انما تهدف، بالأساس، الى التمهيد والتمكين لاعلان اسرائيل دولة يهودية لكل يهود العالم، على النحو الذى يبدو معه ذلك الأمر منطقيا وطبيعيا. فدولة العدو الصهيونى تقوم على أساس دينى، وتقع وسط دول (ينبغى أن يتم تفكيكها واعادة انشائها) على أسس دينية.
فضلا عن النتائج المهمة التى تستتبع ذلك، من حتمية دخول هذه الدول، فى أتون صراع طائفى ودينى، داخلى، بين المكونات الطائفية الفسيفسائية لهذه البلدان. فيحل الصراع الاسلامى – المسيحى، والصراع السنى – الشيعى .. وهلم جرا, محل الصراع العربى الاسرائيلى. ولقد رأينا بوادر ذلك واضحة وماثلة للعيان فى مصر حيث تعاظم مسلسل الاعتداء على الكنائس، وتمت محاصرة الكاتدرائية المرقسية للاقباط الأرثوذكس بالعباسية، واطلاق قنابل المولوتوف والأعيرة النارية عليها، وقد تم ذلك لأول مرة فى التاريخ، منذ قدوم العرب المسلمين الى مصر، فى القرن السابع الميلادى. مما يدل على مدى القصدية فى تدمير وحدة النسيج الوطنى المصرى. كما تمت ، ولأول مرة فى التاريخ، كذلك، مهاجمة أبناء الطائفة الشيعية، فى قرية أبو النمرس، وتم قتل وسحل أربعة من أبنائها والتمثيل بجثثهم، على نحو لايقل بشاعة عن ممارسات داعش التى خبرتها بلدان منطقتنا لاحقا. فضلا عن انتشار جماعات "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، فى المدن والقرى، وما صاحب ذلك من اشتباكات وجرائم قتل فى السويس وغيرها. وظهور انواع من القتل الوحشى خارج القانون، الذى يعقبه تعليق الجثث على أعمدة الانارة. هكذا بدأ سيناريو البربرية والتوحش المنفلت من عقال القانون والمجافى لكل القيم الحضاترية الانسانية فى احترام حرمة الدم وحق الاختلاف. بحيث أنه قد بات واضحا لكل ذى لب أن الهدف الحقيقى من وجود الاخوان فى سدة السلطة هو ان نقضى بأنفسنا على أنفسنا وأن يرتد بأسنا الى نحورنا بدلا من نحور أعدائنا الحقيقيين.
هذا المصير التعس هو ما كان مقدرا علينا أن نصل اليه وأن نتذوق ويلات تداعياته وتدحرجاته. ولكن وعى ويقظة الشعب المصرى ونخبه وقواه الحية، أفسد كل هذه المخططات. فجاءت ثورة الشعب المصرى، العارمة، فى الثلاثين من يونيو، وتم اقصاء الرئيس (المنتدب) من جماعة الاخوان، فى الثالث من يوليو، لتطيح بكل هذه المخططات الجهنمية، بل ولتطيح ب(الأداة المنفذة) جماعة الاخوان وحلفائها من باقى قوى الاسلام السياسى، وربما الى الأبد ، بعد عقود من نشرهم للفكر الرجعى وممارستهم الارهاب والافساد السياسى والمجتمعى. ولتضع دوائر صنع القرار الأمريكية والصهيونية، التى كانت تستخدمهم وتعول على همجيتهم، فى وضع الأزمة الحقيقية.
وبثورة الثلاثين من يونيو التى جاءت على العكس من كل رغبات القوى الامبريالية، أضحت مصر على مقربة من الافلات من قبضة الهيمنة الأمريكية الغربية، بعد قرابة أربعين عاما من التبعية والتذلل. ولعل هذا ما يفسر الحركة المحمومة لقادة الغرب فى رحلاتهم المتكررة الى مصر، فى ذلك الوقت (ما بعد يونيو 2013)، وضغوطهم المتواصلة عليها من أجل اطلاق سراح الرئيس المعزول وقادة الجماعة، المعتقلين على ذمة قضايا تمس الأمن القومى للبلاد، والدفع باتجاه الوصول الى صيغ للمصالحة، مع قادة هذه الجماعة، بما يضمن استمرارهم فى الحياة السياسية المصرية. وكذلك، لضمان امكانية مواصلة الخطة ذاتها، فى التفكيك والتفتيت. أو على الأقل، فى استثمار وضعهم القانونى، بغية ابتزاز القيادة المصرية الجديدة، والعمل على تطويعها للقيام بالمهام السابقة ذاتها.
طبيعة التناقض ابان تلك الفترة وأطرافه
ان التناقض فى تلك المرحلة، اذن، لم يكن مجرد تناقض بين قوى شعبية وطنية وجماعة رجعية، وصلت الى السلطة ، وجرى اقصاؤها، بواسطة ثورة شعبية أيدها الجيش. وانما يتبدى التناقض، فى مستواه الأعمق، قائما بين الشعب المصرى، بمختلف طوائفه وطبقاته وقواه السياسية المدنية الديمقراطية، من ناحية، والقوى الاستعمارية الغربية وعملائها وصنائعها من قوى الاسلام السياسى، من ناحية أخرى.
وهنا كان على الشعب المصرى أن يقول كلمته الباترة الحاسمة، فكانت ثورة الشعب المصرى، فى الثلاثين من يونيو، بكل تلك العرامة الشعبية الشاملة لكل قوى وفئات وطبقات وطوائف المجتمع المصرى. على النحو الذى جعل كثيرا من المراقبين يضعونها فى مصاف الثورات الشعبية الكبرى (من حيث كم الجماهير الثائرة) كالثورة الفرنسية والروسية. حتى أنه بعض التقديرات وصل عدد المشاركين فى الثورة الى عشرات الملايين (33 مليون)، من مختلف فئات وطبقات وأطياف وأعمار الشعب المصرى الى الشارع فى وقت واحد، (ناهيك عن التفاصيل المتمثلة فى عمليات التبديل والانصراف والحضور، التى تتم على مدار الأيام والأوقات).بحيث مثلت هذه الثورة أكبر اجماع شعبى وطنى على ضرورة ازالة حكم هذه الجماعة الارهابية. فكانت هذه الثورة بمثابة تحول تاريخى انعطافى هائل ومفاجئ، مما كان يراد بنا الى ما نريده نحن. مما كان يراد بنا من دمار وتفكك وانهيار حضارى وضياع هويتنا المصرية الوديعة المنتجة للخير والمحبة للفرح، واحلال هوية ظلامية دموية تقدس القبح والجهل والتخلف وتعود بنا الى العصور الوسطى. الى ما نريده نحن من تقدم وحرية واستكمال وتأكيد الاستقلال الوطنى عن كل اشكال التبعية والاذعان للقوى الاستعمارية، والانطلاق نحو التقدم والتنمية لنعوض ما فاتنا فى سباق الارتقاء.
الجيش ينتصر للارادة الشعبية
لقد علمنا التاريخ أن الثورات المنتصرة يتعين عليها أن تحوذ على عنصرين: الأول هو الحركة الاحتجاجية السياسية المنظمة للجماهير الشعبية, أما الثانى فهو القوة التنفيذية، المتمثلة فى "جيش الثورة" وقواها المسلحة المنظمة، التى تحول شعارات الثورة وأهدافها، الى واقع ملموس. فتجهز على رموز وعناصر النظام القديم، وترسى الأسس المادية والشروط الأمنية اللازمة لقيام النظام الجديد. ولقد توفر للثورة المصرية عنصرها الأول بجدارة ملحوظة، حيث وصلت العرامة الثورية للجماهير المحتشدة الى معدلات غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى، كما أسلفت. الأمر الذى ينفى أية محاول للتشكيك فى كون ماحدث فى الثلاثين من يونيو حتى السادس والعشرين من يوليو، انما هو ثورة شعبية كبرى تماثل، ان لم تتفوق على أكبر الثورات فى العالم، من حيث الاحتشاد الجماهيرى. بيد أن هذه الثورة قد افتقدت الى العنصر الثانى المتمثل فى القوة التنفيذية أو (جيش الثورة)، فتعين عليها أن تستعيض عن ذلك بالجيش الوطنى المصرى. الذى أبدى انحيازه الواضح للخيار الشعبى، لاعتبارات تقع فى صميم مهمته الوطنية، ألا وهى الحفاظ على الأمن القومى للبلاد وحماية الدولة ومؤسساتها، وهى المهمة التى ماكان لأحد أن يقوم بها الا هذا الجيش، الذى يشهد تاريخه المشرف الطويل على جدارته بهذه المكانة الجليلة فى الوجدان الشعبى المصرى. ومن هنا تبنت قيادة الجيش مطالب الشعب، الذى هو مصدر الشرعية الوحيد، والقادر وحده على منح السلطة أو نزعها، فى انهاء حكم ذلك النظام الكارثى الاخوانى على حاضر ومستقبل المصريين.
ان موقف الجيش من الثورة، اذن، انما هو موقف المساند والمستدعَى، وليس موقف المملِى والمبادر. ومن ثم، فان تسمية ما حدث بأنه "انقلاب عسكرى"، لهو أمر مجاف، بالكلية، للحقيقة والواقع. والتسمية الحقيقية له، هى انه "ثورة شعبية" كبرى بكل ماتحمله الكلمات من معان، وقد ساندها الجيش، الذى هو جيش الشعب المتكون، فى جميع رتبه من ضباط وصف وجنود، من أبناء الشعب، كل الشعب، بمختلف شرائحه ومناطقه وطوائفه، دون استثناء.
www.facebook.com
لقد حاول الغرب الامبريالى استخدام نظام الاخوان ليكون بمثابة "الاسفنجة" التى يتم من خلالها امتصاص عناصر قوى التطرف والارهاب من شتى بقاع الأرض لتتمركز داخل بلادنا، ليعيثوا فيها الفساد، ويشيعوا فيها التخلف والجهل، ويغرقوها فى الدماء والانقسام والتفتت. وبذلك يكون الغرب قد حقق هدفا مزدوجا: الأول هو تدمير بلداننا، والثانى حماية أمن شعوبه وبلدانه، بأن أصبحوا بمنأى عن خطر هذه العناصر.
بما يؤدى، فى المحصلة النهائية، الى الضمان التام لأمن اسرائيل وأن تصبح هى القوة الأعظم فى المنطقة، بعد أن يتم اضعاف، ان لم يكن تدمير كل الدول والجيوش المحيطة بها (وبخاصة الدولة والجيش فى مصر) التى تمثل خطرا (ولو محتملا) من الناحية الاستراتيجية، علي الكيان الصهيونى. وذلك فى مقابل اعتراف الغرب بالاخوان، والتمكين لهم، سياسيا، بتنصيبهم حكاما لأكبر دولة عربية وتطويعهم لخدمة المخططات الأمريكية – الصهيونية، ولقد كانوا على أتم استعداد لذلك.
فالاخوان هم الذين صموا آذانهم ولم يدلوا بأى تعليق على قرار أوباما باعتبار القدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وهم الذين خرسوا ازاء الانتهاكات الصهيونية للمسجد الأقصى عام 2012. بعد أن كانوا يخدعوننا بشعاراتهم: "خيبر يا يهود"، و"عالقدس رايحين شهداء بالملايين". والأخطر أنهم قد أظهروا كامل الاستعداد للتنازل عن التراب الوطنى، لتوسيع قطاع غزة، واستيعاب اللاجئين الفلسطينيين فى شبه جزيرة سيناء. وشرعوا فى تنفيذ المشروع القطرى المشبوه، الخاص بمنطقة قناة السويس. فى محاولة (محتملة) لفصلها عن الجسد الجغرافى والسيادة الوطنية المصرية. فضلا عن تساهلهم فى موضوع منح اقليم حلايب وشلاتين الى السودان.
ان عملية انشاء دول تقوم على أسس دينية، فى منطقة الشرق الأوسط، انما تهدف، بالأساس، الى التمهيد والتمكين لاعلان اسرائيل دولة يهودية لكل يهود العالم، على النحو الذى يبدو معه ذلك الأمر منطقيا وطبيعيا. فدولة العدو الصهيونى تقوم على أساس دينى، وتقع وسط دول (ينبغى أن يتم تفكيكها واعادة انشائها) على أسس دينية.
فضلا عن النتائج المهمة التى تستتبع ذلك، من حتمية دخول هذه الدول، فى أتون صراع طائفى ودينى، داخلى، بين المكونات الطائفية الفسيفسائية لهذه البلدان. فيحل الصراع الاسلامى – المسيحى، والصراع السنى – الشيعى .. وهلم جرا, محل الصراع العربى الاسرائيلى. ولقد رأينا بوادر ذلك واضحة وماثلة للعيان فى مصر حيث تعاظم مسلسل الاعتداء على الكنائس، وتمت محاصرة الكاتدرائية المرقسية للاقباط الأرثوذكس بالعباسية، واطلاق قنابل المولوتوف والأعيرة النارية عليها، وقد تم ذلك لأول مرة فى التاريخ، منذ قدوم العرب المسلمين الى مصر، فى القرن السابع الميلادى. مما يدل على مدى القصدية فى تدمير وحدة النسيج الوطنى المصرى. كما تمت ، ولأول مرة فى التاريخ، كذلك، مهاجمة أبناء الطائفة الشيعية، فى قرية أبو النمرس، وتم قتل وسحل أربعة من أبنائها والتمثيل بجثثهم، على نحو لايقل بشاعة عن ممارسات داعش التى خبرتها بلدان منطقتنا لاحقا. فضلا عن انتشار جماعات "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، فى المدن والقرى، وما صاحب ذلك من اشتباكات وجرائم قتل فى السويس وغيرها. وظهور انواع من القتل الوحشى خارج القانون، الذى يعقبه تعليق الجثث على أعمدة الانارة. هكذا بدأ سيناريو البربرية والتوحش المنفلت من عقال القانون والمجافى لكل القيم الحضاترية الانسانية فى احترام حرمة الدم وحق الاختلاف. بحيث أنه قد بات واضحا لكل ذى لب أن الهدف الحقيقى من وجود الاخوان فى سدة السلطة هو ان نقضى بأنفسنا على أنفسنا وأن يرتد بأسنا الى نحورنا بدلا من نحور أعدائنا الحقيقيين.
هذا المصير التعس هو ما كان مقدرا علينا أن نصل اليه وأن نتذوق ويلات تداعياته وتدحرجاته. ولكن وعى ويقظة الشعب المصرى ونخبه وقواه الحية، أفسد كل هذه المخططات. فجاءت ثورة الشعب المصرى، العارمة، فى الثلاثين من يونيو، وتم اقصاء الرئيس (المنتدب) من جماعة الاخوان، فى الثالث من يوليو، لتطيح بكل هذه المخططات الجهنمية، بل ولتطيح ب(الأداة المنفذة) جماعة الاخوان وحلفائها من باقى قوى الاسلام السياسى، وربما الى الأبد ، بعد عقود من نشرهم للفكر الرجعى وممارستهم الارهاب والافساد السياسى والمجتمعى. ولتضع دوائر صنع القرار الأمريكية والصهيونية، التى كانت تستخدمهم وتعول على همجيتهم، فى وضع الأزمة الحقيقية.
وبثورة الثلاثين من يونيو التى جاءت على العكس من كل رغبات القوى الامبريالية، أضحت مصر على مقربة من الافلات من قبضة الهيمنة الأمريكية الغربية، بعد قرابة أربعين عاما من التبعية والتذلل. ولعل هذا ما يفسر الحركة المحمومة لقادة الغرب فى رحلاتهم المتكررة الى مصر، فى ذلك الوقت (ما بعد يونيو 2013)، وضغوطهم المتواصلة عليها من أجل اطلاق سراح الرئيس المعزول وقادة الجماعة، المعتقلين على ذمة قضايا تمس الأمن القومى للبلاد، والدفع باتجاه الوصول الى صيغ للمصالحة، مع قادة هذه الجماعة، بما يضمن استمرارهم فى الحياة السياسية المصرية. وكذلك، لضمان امكانية مواصلة الخطة ذاتها، فى التفكيك والتفتيت. أو على الأقل، فى استثمار وضعهم القانونى، بغية ابتزاز القيادة المصرية الجديدة، والعمل على تطويعها للقيام بالمهام السابقة ذاتها.
طبيعة التناقض ابان تلك الفترة وأطرافه
ان التناقض فى تلك المرحلة، اذن، لم يكن مجرد تناقض بين قوى شعبية وطنية وجماعة رجعية، وصلت الى السلطة ، وجرى اقصاؤها، بواسطة ثورة شعبية أيدها الجيش. وانما يتبدى التناقض، فى مستواه الأعمق، قائما بين الشعب المصرى، بمختلف طوائفه وطبقاته وقواه السياسية المدنية الديمقراطية، من ناحية، والقوى الاستعمارية الغربية وعملائها وصنائعها من قوى الاسلام السياسى، من ناحية أخرى.
وهنا كان على الشعب المصرى أن يقول كلمته الباترة الحاسمة، فكانت ثورة الشعب المصرى، فى الثلاثين من يونيو، بكل تلك العرامة الشعبية الشاملة لكل قوى وفئات وطبقات وطوائف المجتمع المصرى. على النحو الذى جعل كثيرا من المراقبين يضعونها فى مصاف الثورات الشعبية الكبرى (من حيث كم الجماهير الثائرة) كالثورة الفرنسية والروسية. حتى أنه بعض التقديرات وصل عدد المشاركين فى الثورة الى عشرات الملايين (33 مليون)، من مختلف فئات وطبقات وأطياف وأعمار الشعب المصرى الى الشارع فى وقت واحد، (ناهيك عن التفاصيل المتمثلة فى عمليات التبديل والانصراف والحضور، التى تتم على مدار الأيام والأوقات).بحيث مثلت هذه الثورة أكبر اجماع شعبى وطنى على ضرورة ازالة حكم هذه الجماعة الارهابية. فكانت هذه الثورة بمثابة تحول تاريخى انعطافى هائل ومفاجئ، مما كان يراد بنا الى ما نريده نحن. مما كان يراد بنا من دمار وتفكك وانهيار حضارى وضياع هويتنا المصرية الوديعة المنتجة للخير والمحبة للفرح، واحلال هوية ظلامية دموية تقدس القبح والجهل والتخلف وتعود بنا الى العصور الوسطى. الى ما نريده نحن من تقدم وحرية واستكمال وتأكيد الاستقلال الوطنى عن كل اشكال التبعية والاذعان للقوى الاستعمارية، والانطلاق نحو التقدم والتنمية لنعوض ما فاتنا فى سباق الارتقاء.
الجيش ينتصر للارادة الشعبية
لقد علمنا التاريخ أن الثورات المنتصرة يتعين عليها أن تحوذ على عنصرين: الأول هو الحركة الاحتجاجية السياسية المنظمة للجماهير الشعبية, أما الثانى فهو القوة التنفيذية، المتمثلة فى "جيش الثورة" وقواها المسلحة المنظمة، التى تحول شعارات الثورة وأهدافها، الى واقع ملموس. فتجهز على رموز وعناصر النظام القديم، وترسى الأسس المادية والشروط الأمنية اللازمة لقيام النظام الجديد. ولقد توفر للثورة المصرية عنصرها الأول بجدارة ملحوظة، حيث وصلت العرامة الثورية للجماهير المحتشدة الى معدلات غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى، كما أسلفت. الأمر الذى ينفى أية محاول للتشكيك فى كون ماحدث فى الثلاثين من يونيو حتى السادس والعشرين من يوليو، انما هو ثورة شعبية كبرى تماثل، ان لم تتفوق على أكبر الثورات فى العالم، من حيث الاحتشاد الجماهيرى. بيد أن هذه الثورة قد افتقدت الى العنصر الثانى المتمثل فى القوة التنفيذية أو (جيش الثورة)، فتعين عليها أن تستعيض عن ذلك بالجيش الوطنى المصرى. الذى أبدى انحيازه الواضح للخيار الشعبى، لاعتبارات تقع فى صميم مهمته الوطنية، ألا وهى الحفاظ على الأمن القومى للبلاد وحماية الدولة ومؤسساتها، وهى المهمة التى ماكان لأحد أن يقوم بها الا هذا الجيش، الذى يشهد تاريخه المشرف الطويل على جدارته بهذه المكانة الجليلة فى الوجدان الشعبى المصرى. ومن هنا تبنت قيادة الجيش مطالب الشعب، الذى هو مصدر الشرعية الوحيد، والقادر وحده على منح السلطة أو نزعها، فى انهاء حكم ذلك النظام الكارثى الاخوانى على حاضر ومستقبل المصريين.
ان موقف الجيش من الثورة، اذن، انما هو موقف المساند والمستدعَى، وليس موقف المملِى والمبادر. ومن ثم، فان تسمية ما حدث بأنه "انقلاب عسكرى"، لهو أمر مجاف، بالكلية، للحقيقة والواقع. والتسمية الحقيقية له، هى انه "ثورة شعبية" كبرى بكل ماتحمله الكلمات من معان، وقد ساندها الجيش، الذى هو جيش الشعب المتكون، فى جميع رتبه من ضباط وصف وجنود، من أبناء الشعب، كل الشعب، بمختلف شرائحه ومناطقه وطوائفه، دون استثناء.
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.