سعيد فرحاوي - محمد صابالا: عندما تتحول الدردبة الكناوية بوحا في محلات زجلية.

الزجال محمد صابالا يتكلم. بلسان العبد؛ يصبحان معا (العبد والزجال) ذاتا واحدة. في البداية يشير ؛ من خلال العنوان ان موضوع كتابته هي أشواك العبيد؛ وهي بلغة الايحاء المباشر كل ما له صلة بعذاب هذا النوع البشري؛ طبعا سماها أشواك لأنها تعبر عن كينونة مجروحة متعبة في تاريخ الكل يعرف حيثياته. بعدها يتحول بضمير المتكلم (ضربت)؛ لتصبح الذات. المتلاحمة هي البات؛ بإشارة. استحضرت معها السنتير؛ ليصبح المجال مفتوحا على عالم اكناوة وموسيقى ذات دلالة محددة بطقوسها وبدردبتها ومحلاتها وملوكها و بخورها ونوع محدد من ثوبها. اي سنصبح أمام عدة علامات موضوعها محدد جدا بكل ما له معنى بالكلمة. إذن الشاعر/العبد انطلق مرتبطا بسنتير يتكلم عن أشواك منغرسة في نفس مجروحة؛ يتكلم بضربة لا تشبه الضربات المعروفة؛ لأن ضربة السنتير هي صيحة تفجر المسكوت عنه في عمق العبد المتشرد المحروق في زمن أسود.

أشواك لعبيد.

ضْربْت السنتير
بعد الضربة ماذا حصل؟
طلعوا نغمات

تصبح العلاقة بين النغمة والضربة علاقة تحكمها صيرورة طويلة تتحكم فيها عدة عناصر؛ يبتدأ العمق الوجداني الملتحم بين الزجال والعبد في تشكيل إحدى تجلياتها؛ فهي نغمة سنتير يتحرك ويتكلم بلسان إنسان مدفون في صرخة إنسانية؛ حولها السنتير من كلمة او موسيقى إلى نفس بشرية قادرة ان تخرج من صاحبها لتجذب وتتجاذب دلالة على الرفض المطلق في الزمن الأسود؛ تعبيرا يفجر المكنونات الصامتة والمتكلمة؛ التي ظلت فترة طويلة تحرك الوجدان الذي سماه الشاعر أشواك العبد المملوك الخاضع. فتتحرك الطقوس معلنة عن سياقات خاصة بهذه الضربة/ الصيحة؛ وبهذه الصرخة/ الجذبة؛ بشروط خاصة؛ اول مجرياتها :

حطيت المجمر
الزغاريد بدات

المجمر هو دلالة على النار التي تتحرك في الذات المجروحة؛ هي لغة تعبيرية. عن طقس وجودي يعبر عن حالة نفسية يحياها الإنسان وهو يخرح الجرح من الذات ليفجرها بدلالة الاختراق؛ طبعا مجمر ونار ثم زغاريد تتعالى للتعبير عن الفرح المزيف؛ هي زغازيد الرفض؛ وصرخات هائجة. ثائرة تجر معها اصوات الألم الطويل الذي عانى منه العبد الفارح بجرحه وبعذابه. فتتحول الجذبة إلى ماسماه الزجال ب :

نزل الساكن

الساكن هنا هو خروج الذات من. وعيها لتصبح جنونا وحمقا؛ تتحول إلى حالة إنسانية غير عادية تعبر عن السخط الذي عاشته في زمن كله أشواك وأوحال واختناقات. فترتفع أصوات موسيقى بحديد يتكلم عن ضجيج الذات سمته الموسيقى الكنارية ب :

القراقب دوات

طببعي جدا ان تخرج الذات من حالها العادي فتتعالى وتنزاح من الوجدان الطبيعي لتصبح في شعور سماه الزجال :

شوّْك راسي

وشوك راسي في ثقافتنا الشعبية لها عدة دلالات؛ منها عندما يصبح الانسان في حالة خارج السيطرة؛ كما تعني ان العمق البشري لم يعد في وضع طبيعي؛ والنتيجة هو ان الرأس سيصبح في وضع غير متحكم فيه. في البداية وضعنا الزحال العبد في حالة نفسية؛ بعدها يخرجنا من الارتباك النفسي ليصبح الوضع غير متحكم فيه ماديا :

شعوري وڭفات

عندما يجد الإنسان نفسه في هذه الحالة(شعوري وكفات)؛ معناه ان الوضع تعدى كل الحدود؛ والذات اصبحت خارج السيطرة؛ و السبب هو سنتير يهيج ويصيح ويتكلم عن. أحوال عبد؛ الذي هو نفسه الزجال؛ عندما اخترقت كل الاجواء؛ فأصبحت الحالة النفسية والمادية تحت سيطرة سنتير هائج في ليلة الحال؛ نزل فيها الساكن.؛ لتصعد الروح وتتوقف النفس. فتتهيأ الاجواء ؛ فيضعنا الزجال في ليلته التي سماها ب:

المحلّة حضرت

عندما نقول محلة نتكلم عن ليلة كناوية وهي ماتسمى بدردبة؛ كل محلة لها ملوكها وبخورها ولون ثوبها؛ مما جعله. يسمي الطقوس الموافقة لهذه المحلة ب :

العوافي شغلات

دلالة على بخور المحلة؛ اما الموسقيى المرفقة بها جعل لها :

ميمونة جدبت
مرجانة ازڭات

هنا نصبح امام ملوك المحلة و ما يصاحبها من بخور ؛ هو ما قال عنه :

بخوري جاوي

هذه الأشارة دالة جدا؛ عندما قال (ملوكي كتبات) حاول الزجال ان يخرج من الطقس الكنوي ليجعل منها محلات زجلية؛ الفرق بين الطقسبن؛ مع كناوة الطقوس ترافق النوسيقى اما في رحلة الزجال تحولت إلى كتابة. ذاك ماجعلع يقول:

ملوكي كتبات.

طبعا ليست كلمات عادية؛ تخرج من سماء الخيال؛ بقدر ما لها صلة بماضي حقيقي؛ محزن ومجروح؛ ماضي العبد؛ الذي كان في بلاد فوجد نفسه في بلاد أخرى؛ يقول:

تفكرت الماضي
طاحوا دمعات
فسوق النخاسة
العبيد سرّات
السفينة حملت
القلوعة طلعات
المجداف عليا
البحور دَّات
الدوخة فالراس

هذه الاسطر تدل جميعها على الرحلة التي يقطعها العبد القادم من الاذغال الافريقية؛ عبر البحر(السفينة. وما يرافقها من دوخة الرأس)؛ ليباع في سوق النخاسة؛ فيصبح بلا روح ولامعنى ؛ مجرد كائن بشري مجرد من. إنسانيته :

الضرب السكات
السلاسل ملوية

إشارات دالة على المحن والعذاب والمتاعب الذي تمر منها رحلة العبد ليتحول من حال فيجد نفسه في حال آخر. يقوم الشاعر بتفصيل معالم هذه المحلة الدامية بالإحالة عليها بعدة إشارة مقلقة؛ كلها تدل على معالم الاشواك التي صاحبت هذا العبد في كل محنه؛ سماها :

المحَنَّة تتركات
مهي محددة بعدة علامات؛ منها:
كتبوا صكي

الصك هنا هي علامة على البيع وتحويله إلى مملوك

العيون بكات
تعبير عن المعمق المجروح.
شراني سيدي
دلالة على العبودية والتملك.
لشلّا خدمات
تعبير على الاستغلال والمحن.
اخصاني سيدي

تحويله من إنسان إلى كائن غير منتج ولا يمكنه ان ينجب.

لڭلسة البنات.
قطْعوا دمي
عروڭي اتجلات
أبْلالْ أسيدي
العيون أعمات

كلها اسطر تدل على انواع الاستغلال؛ كما تشير إلى غياب الرحمة والرأفة بهذا الكائن الذي محنه اخوه الابيض؛ السبب هو انه ضحية لون مختلف. والنتيجة ؛ كما يقول الزجال/ العبد:

الماضي كرهتو
خلّى بصمات
ثقْبوا وذني
ؤ شلّا كيات
الكبل ضبرني
ؤ العنَّاقيّات
الفقر سبابي
الڭلوب قسات

إشارات تتكلم عن ماضي بئيس؛ كما تعبر عن زمن تعيس عاشه هذا النوع من البشر؛ في غياب كل شروط الحياة. مما جعله يعود إلى ألة الرحمة التي اسعفته أن يعيد مجده؛ بصرخة قادرة ان. تفجر هذا الجنون الذي خرج من جرح صرخة آلة تكلمت بغضبها ورفضها لكل هذه الحماقات اللا إنسانية:

اتْضْرِب السنتير
طلعوا نغمات
سكنوا ذاتي
الملوك بغات
ازطم الراغول

يبقى دائما صوت السنتير وصيحته هو الدواء الممكن للخروج من دوامات ماضي مبكي ومألم؛. بنغمة تفرج عن النفس وتعالجها؛ فتسكنها بملوكها (إشارة إلى الارواح المتحركة في عمق هذا العبد الزجال) ؛ فيكشف بعدها عن العالم الكناوي الذي استعاره الزجال ليرى فيه كل حيثيات الزمن الذي مر غير رحيم؛ فحوله زجلا؛ ليلبسه صبغة ممزوجة بين بوحين متلاحمين في ذاتين متمازجتين. بوح اكناوة وبوح الزجل الذي حول الزجال إلى فنان مكنوي؛ ليتمازج العبد في روح الزجال ويصبحان معا يعيشان نفس التعب ونفس المرارة. هذا ما يوضحه هذا المقطع الزجلي:

الڭناوا جات
عْلامي. واڭف
بسبع لوانات
حضروا الخُدّام
شعبانة جات
بلال أسيدي
الڭلوب حسات
الملوك ضمّاني
فجوفي سكنات
تواسط ليلي
الدردبة رشمات

يتحول الزجال إلى الدردبة الكناوية بمحلاتها السبع المعروفة؛ كل محلة لها لونها ولها بخورها؛ ليعيش كل الطقوس بكل ما يرافقها من أشكال اكناوية تحرر النفس وتطهرها؛ منها (الملوك؛ ابلال؛ الخدام)؛ كل ذلك بهدف ان تسكن الذات لتتطهر وتتحرر. فيتحول ليتكلم لنا عن معالم العالم الكناوي بكل مكوناته:

ڭبل الدخلة
طهر الذات
زيد بخوري

كما قلنا سابقا؛ كل محلة لها بخورها:
الكية بردات
أبومبارا

هنا يتحدث لنا عن لحظة من اللحظات التي يتحول فيها الحال الكناوي من محلة إلى أخرى.

العطفة عطفات
واهيا ضُمّأني
الدواية جدبات
آبومبارا

تزداد وتتعالى لحظات هيجان النفس الكناوية وهي تتفاعل مع كل جذبة تحرك الروح والسواكن.

عدابي تنسات
ثوابي بيضة
علامات الشفاء والتطهر.
جيلالة رڭبات
أسيدي حمو
يا احمر الجمرات
الغراب لوني
ميمونة دبحات
العتروس غدايا

كلها طقوس كناوية ؛ بمفاهيم خاصة ؛ تحضر في الليلة الخاصة بالدردبة.

دمو رشمات
صفار البيضة
ميرا حضرات
موسى الازرق
لون بحورات
الملح عذويا
ؤ الڭطرانيات

محددات خاصة تتكلم عن ما يرفضه الكناوي وما يريده وهو يجذب ويسمو بأرواح في عالم الملوك.

اولاد بلحمر
اصحاب الركنات
موالين النوبة
يرجعوا الحياة
يجبروا عظامي
يترحم اللي مات.

غالبا ما يرتبط عالم اكناوة بأولياء الله الصالحين ورجالات البلاد؛ يحتمون بهم؛ ويعتبرونهم اولياءهم؛ يساعدونهم في كل مراحل الشفاء؛ وهي طقوس تدخل في إطار عالمهم المليء بالاعتقادات والوهم الخاص بهم.
خلاصة عامة:
من خلال مرافقتنا لعالم الزجال محمد صابالا نلاحظ كيف استطاع ان يتحول إلى عبد كناوي؛ ليلبس معه جنونه وحمقه؛ يركب معه عوالمه؛ يصبح مثل العبد يعيش نفس الطقوس؛ فيتحول إلى زحال مكنوي مهووس بحالات كلها جذبة وصرخات خاصة؛ يرافقهما سنتير هائج وقراقب ثائرة؛ تتحرك في روحهما ؛ فيتحولان الى عنصرين متحررين من كل متاهات الالم والجرح؛ الذي تركه فيهما ماضي مبكي ومقلق؛ كله عذاب ومرارة.









تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...