فنون بصرية سعيد فرحاوي - شعرية تداخل وتمازج الكتابة بالتشكيل عند نجلاء لحبيبي.

المرسل :
نجلاء لحبيبي؛ فنانة تشكيلية من مدينة اسفي. هي مدينة بمواصفات خاصة؛ مدينة الفن والثقافة والسياسة والتاريخ السياسي العريق؛ مدينة انجبت خربوشة والقايد عيسى بن عمر؛ كما انجبت عيوط الحصبة بايقاعات رفيعة؛ اغنت الاغنية الشعبية وجعلت منها علامة لا يمكن العبور قربها بدون ان تشدك صيحاتها الغارقة في تعرية الواقع بكل تعفناته ؛ كما عرف بالملحون في ازكى نغماته؛ مدينة تتكلم بجمال الموسيقى القادرة على تكليم الروح واستنطاق المسكوت عنه ؛ تنطق بصوت الوترة والطعريجة والصوت المبحوح المنغرس في جوف حزين؛ . نجلاء فنانة تكتب اللون على القماش لتخرج من الصياحات النسائية التي تتألم في صمت. ربما ذلك ماكشفت عنه عدة مرات في حواراتها الاذاعية؛ واحيانا اخرى في كلماتها الشعرية. امراة مختلفة؛ تسعى التحرر؛ تؤمن بأن المراة قادرة ان تكون حسب الصيغة التي تشاؤها في مجتمع ذكوري تربع على عرش جسدها الطازج والجميل؛ توقف اندفاعاته اللامنتناهية بكل اللغات التي تشبع هيجانه الشبقي الغارق في سيكوباتولوجية قاهرة ؛ يريد منها إنسانا خلق للمطبخ والابناء و المساررة؛ مع فنانة متحررة اسمها نجلاء لحبيبي تتغير الوجهة وتتكسر المعادلة الظالمة؛ يتغير الفهم التقليدي للجسد؛ ليصبح شكلا آخر مختلف ومغاير كليا عن ذاك الذي رسمه التاريخ البئيس مدة طويلة من الزمن. جل لوحاتها تصب في هذا المجال؛ كما ان جل كلامها يعكس هذه الرؤية؛ فنصبح بذلك امام فنانة تنسجم في كل ماتخرجه من هيجانها الابداعي ؛ ليتحرك هنا مدادا وهناك الوانا؛ كلها خصائص تجعل من التصور منسجما وواضحا اساسه امراة فنانة قوية في طرحها؛ هاربة من عتبات السجن الرمزي الحارق. اسئلة نود ان نجد لها تفسيرات في كتابة امراة قادمة بخطى واضحة ؛ تبحث لنفسها عن موقع في عالم الانسان الهادف ؛ الحالم؛ الراغب في تطلعات كلها اشراقات بفهم خاص ومنفرد.
اسئلة تحدد المسافات في فن ينبني على النفي بالصيغة الفلسفية التي تفكك كل شيء غير صالح لتعيد ترميمه وجمعه على قماش يسيل دما من قلب مجروح؛ وحالم في نفس الوقت.
العنوان:
اختارت عنوان لوحتها ( كتابي عزتي)؛ ؛ هو عنوان دال يفيد مدى ايمان الفنانة نجلاء بقيمة الكتاب؛ او تحدد ميزة العلم في مسارها كامراة لها تطلعات واضحة لن يتحقق مبتغاها إلا بقوة علمية ومعرفية. مما جعل الاختيار واضحا ومتجليا في نقطة رئيسية؛ قد اعتبرها رسالة موجهة الى المراة عامة والعربية خاصة موضوعها ان التحرر و الاستقلال وفرض الذات يلزم الثورة العقلية والمعرفية؛ التي بدونها ستظل غارقة في وحل الجهل؛ وفي قمامة التخلف؛ الذي سيجعل منها كائنا مسجونا في استيلاب ذكوري لا منتهي:
الابعاد النسقية والسيميائية في لوحة نجلاء لحبيبي:
على المستوى الخارجي او الظاهري؛ يبدو ان علو الايادي وانتشاؤها في لحظات مثيرة؛ جعلت فيها الورود غطاء تشكل فهما ظاهريا عاديا ؛ لا يستدعي آية وقفات بلاغية تلزم القارئ إتعاب ذماغه وهو يغوص و يجول في عوالم لوحة قادمة من مدينة تحترم طقوس تحققها المليئة بالدهشة والمفاجآت؛ لكن المعنى التضميني يعيدنا إلى الخطاب الذي تريد المبدعة جعله اساس الوانها في توهجاب وجود تتسكع فيه بطريقتها؛ فكرة جد مضمرة؛ منها تقصد شخصا محددا كمرجعية في رؤيتها الى العالم. انطلقت من لغة اللون لتخاطب النساء ؛ ذلك بان يتسلحن بكل ماهو مجد؛؛ تناولت الكتاب والعلم والمعرفة؛ لايمانها القوي انهم الحل الانسب لتحرر هادف وتاريخي. اما لغة الالوان فاختارت سيميائيا الالوان المتقاربة كالبرتقالي بدلالته الايجابية.؛ الي جانب البني الخفيف القريب الى الابيض؛ قرب بعض الشذرات الزرقاء الخفيفة؛ شكلت جميعها كوكبة من الالوان المتقاربة في بعدها الايجابي؛ لصنع الفرح والبهجة برؤية تخفي خطابا مرسلا الى طرف يهمها؛ برغبة البحث عن التحرر المطلق في مسار ممتد على طول تحولاتها التشكيلية والشعرية.
على ضوء هذه الرؤيا سنرافق هذه الفنانة في إبداعها المتنوع ؛ الذي يجمع الحرف باللون ليكتب ملامح إنسان من طين منفرد. تقول لحبيبي في إحدى كتاباتها :
هل تسالوني من أكون !!!!
تاتي اللوحة لتجيب عن سؤالها الماكر؛ فنجدها امراة بأياد مرتفعة؛ بعلو كلي تخرج الكلمات بإيقون الصورة الرمز؛ فتخرج الامواج الحرة من جوف امراة تخلت عن كل شيء؛ فقط لتلبس الورد الذي غطى نصف جسدها السفلي؛ فنصبح بذلك امام صوت ناطق يتكلم باللون البرتقالي الذي وضعته على جسدها ليدل على الرشاقة والنشاط والسرور؛ وهي سمات الانسان المتحرر ؛ المنتشي بنعومة جديدة؛ نفس اللون اختارته لسريرها ليزيد من تعميق هذا ا لانشراح؛ فتخرجنا الى دلالة واضحة تحدد مطلق التفاؤل والمحبة والنعومة والحياة.
إن تشريح سر العلاقة بين اللوحة بالكلمة بالفنانة المبدعة نجلاء لحبيبي وهي تحبو نحو غد بمواصفات تسعف تشبتها بالقادم الجميل تجرنا الى فهم ذلك المركب المتعدد الذي يشكل كلية او يبني مرجعية عامة؛ من خلالها نفهم كل ماغاب في كل ميدان فني ليحضر في ميدان آخر؛ لأن المبدعة غالبا ماتتدخل لتضيف بلون الكلمات ماوجدته معحزا بسيمياء الايقون او الصورة؛ مما يجعلها تتدخل تارة بإضافات؛ اعتبرها شفرات شارحة مفسرة؛ او تشكل ميتانص موازي يسعف في إغناء تعميق رؤيتها للحياة من خلال الفن؛ لهذا تعود الينا مبتسمة رافعة يديها معا لتجعل كل شيء في الحباة اساسه العقل و العلم و المعرفة؛ وهي كلها مجاري تجعل الإنسان يعود إلى رشده؛ الذي غاب عنه في الواقع لتعوضه او تسترجعه في اللوحة والكلمة؛ مايفسر ذلك هو قولها:.
حين اكون او لا أكون .. حين ينبض الشريان ..بالحقيقة ... برموز لم أصنعها بل أبدعتها الطبيعة .. كيان موجود ... لأن القدر يبرع في إتخاد القرار... حين يتفنن في صنع الواقع الراسخ في عمق الوجود...
ليس كل شؤال له جواب... !!!
الحياة كلها عناق افادته لون اللوحة وطبيعة تمركز الكائن الذي شاءته منبسطا على سرير الحلم؛ في صورة إنسان رافعا يديه ؛ منفتحا على جنون كتاب ينقل الحب والعشق؛ ويرسم وجدان إنسان عاشق وراغب في القادم الافضل؛ لهذا فالكينونة حسب نجلاء ماهي سوى نبض الشريان؛ حركات قلب متوهج بالحب والود؛ يرغب في رسم وجه الحقيقة والصدق؛ يبدع الوجود في وجه طببعة صريحة وواضحة؛ فيجعل منها كيانا موجودا بقوة الارادة الراغبة في قدر بلا حدود؛ بلا ملامح؛ بلا وطن؛ اي تضعنا امام قدر القرار النهائي الذي يحمل ورقة الفن في قلب مبدعة عاشقة؛ حالمة؛ تصنع الواقع في عمق ذات غير مرتبكة. إنها صورة نجلاء ذات الوجه الواحد ااذي يحمل القلوب بتركيز؛ تدري انه ازلي و حقيقي. فتجعلنا امام اليقين الذي قالت عنه :
وليس ذالك معنا انه مستحيل ... حين يكون إسمه سؤال وجواب...!!!!
حين أكون أو لا أكون...
فتتحرك رياح الوجود برمته في صمت هائج يحدد كينونة مؤمنة؛ وراغبة؛ مطمئنة؛ راضية بصفاء الروح وبعمق الوجدان وبنقاء العمق الذي يشكل اساس منطلقها في كل ماتكتب و ترسم. تعود لتزيد من تعميق الرؤية:
حين يكون قراءة التسائل الملغم بالشفرات ... ليس سوى عمقا في تحليل منطق واضح مكتوب على ورقة بيضاء...
فقد أكون وجود غير الموجود...!!! حين اكون أنا هناك.. في ذلك المكان ..حين يقرءني هؤلاء ...ويتساؤلون من أكون؟؟؟!!! . هل تسالونني ذائما....؟؟؟!!!! هل اكون او لا اكون ؟؟؟!!!!
هنا تخرج بترسانة من التيمات ؛ كلها تصب في موضوع واحد ونهائي؛ يبدأ بقراءتها للتجليات؛ كما يزيد من تعميق فهمها لطبيعة السؤال المطلوب في الزمن الآني؛ كلها تشكل عمق منطلقها الذي هو ورقة بلا روح تعيد صياغتها لتزرع فيها ماتريده ان يكون حسب ظنها؛ واستجابة لانشغالاتها؛ وموضوعا في صياغتها للون والكلمة؛ فتحدد عناصر هذا الوجود الذي تريده خربشات جسد بملامح جد دقيقة؛ اوله خارج الوجود؛ لأنه كما تقول هو وجود خارج الموجود؛ فتضعنا في جنون العدم وفي متاهة الغياب وفي عمق التيه؛ فننسى كل ما قيل سابقا ليعيد التأويل بفكر جديد؛ هتاك تتواجد وتستقر؛ يصبح المكان الملائم لحلمها ولرغباتها؛ فيصبح كل شيء ؛ حسب ظنها موضع السؤال واساس كل المنطلقات. فتظهر مرة لتوضح الرؤية اكثر حين تقول:.
اكون انا حين يرتاح تصوري وتمنحني رعشتي ذالك الأمان ...حين يتساؤلون وهم يجيبون ....فاكون حينها بغير قصد بل بتلقائية العفوية اللامشروطة.... أكون تلك الطفلة الانتى التي رممت جراحها تضاريس الزمان ... فقهقهت وهي تفرط في الحقيقة ... تفرط في ان تكون ..
اي تصبح فنانة تظهر وتختفي بالفطرة وبالسليقة والعفوية؛ فنانة تحيا في التصور المنفتح على الروح الصافية؛ التي اساسها الامان؛ والرعشة؛ خارج القصد؛ تنتعش بتلقائية غير مشروطة؛ اي سيدة تكتب سيرتها ببراءة طفل غير مسؤول في كل سلوكاته؛ مما يجعلها ترسم الوجود خارج الموجود بدون شروط وبلا إملاءات؛ تدع الانامل وحدها تتحرك وتنتشي؛ بعفوية ومزاج طفل عادي؛ لا يعرف القوانين ولا التقريرات؛ لانها تسعى ان تخرج انسيابها وتمظهراتها من عفونة الزمن؛ بحثا عن حقيقة مطلقة؛ عمقها حرية لا متناهية.
اتعرفون متى لا أكون ...؟؟؟؟!!! حين اتجاهل عقد واهية سطحية ... عانقت الافك ... لتصبح ليس سوى اوهام ... اوهام مزيفة كنعتها .. لأخرس التسائل بين ان اكون او لا اكون ....
فلا تسالني من انا .حين يصمت الفضول بوجودي ... وجوابي ... الحاضر ... حيت اكون...
فأكون او لا أكون ...
هي كلها تجليات فكرة ترسم الحرية بآياد متعالية في لوحة؛ قد نسميها؛ لوحة البحث عن المطلق؛ بعفوية الروح التي لا تشترط قانونا لخروجها من الطببعة فتعود إلى واقع النيء البسيط.
خلاصة عامة:
بناء على ماسبق تضعنا نجلاء امام لوحة برموز جد دالة؛ اختارت اللون الدال على الانشراح والتفاؤل؛ فتخرجنا بذلك من المعقد نحو الانفتاح على حياة كلها آمان وحب واطمئنان؛ بأياد مرتفعة تدل على التفوق والاعتراف بقيمة الكتاب المنبسط على مسافة مهمة؛ لتجعل منه قيمة في تصورها؛ زادت من تعميق الصورة برسم وطن من كلمات تشير على الحرية المطلقة والبراءة السائبة؛ وهي علامات دالة تفيد رؤية مبدعة فنانة للعالم والحياة. فنصبح أمام لوحة كلها إحالات جد متماسكة مع كلمات جميلة ومنزاحة؛ مما يجعل من نجلاء لحبيبي تتمم ماتراه هنا ملائما لتصورها بكلمات تزيد من تشريح الرؤية وتقريب الوجهة.وهي ميزة اخرى تنضاف إليها؛ فنصبح أمام فنانة تعي ماتكتب وتدرك ما ترسم؛ فتجعل من تصورها للفن رؤية مركبة من رموز متعددة؛ كل واحد يزيد من تعميق الفهم؛ ويقوي ويعمق ماكان ناقصا هناك؛ اي فنانة مركبة من مستويات فنية متعددة؛ كل واحد يفيد مانسيه الآخر؛ وهي اسلوب خاص يحسب لها؛ في لعبة الوعي بالكتابة والتشكيل.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...