المستشار بهاء المري - حكايات من محاكم الجنايات: على هامِش قصاص

- حكايات من محاكم الجنايات:
- على هامِش قصاص


وجدَت في قريب زوجها ضالَّتها، الأنيس والجليس، في أجواءٍ أوشكَتْ فيها عُرَى الزوجية على الانفصام.
الظروفُ مُهيأة لاستمرار العلاقة الآثمة، زوجٌ يَقضِى يَومَهُ خارج بَيتهِ سَعيًا على قُوتِه وقُوت أولاده، وزوجة غَيَّبت نفسها عنه ونَسَجَت لنفسها الأعذار، وعَشيقٌ عاطلٌ بلا عَمَل.
تَنمُو سَريعًا مَشاعر الخيانة، يَصير البَيتُ في غياب صاحِبه مَرتعًا للرذيلة، لم يَقنَعَا بما تَحقَّق، الزَّوجُ عَقبةً كَؤود في طريقهما، لابُدَّ من قَتلِه.
شهرٌ كاملٌ يُفكِّران: نقتُلهُ بالسُّم، لا، إنَّ السُّمَّ سَيتركُ أثرًا، يَصدمه العَشيقُ بسيارة، لا، لا، قد يَراه الناس في الطريق، وهم يعلمون أنه من أقاربه.
في لحظةٍ وهي تُشاهد التلفاز تَنفرج أسارير وجهها، تَبتسم ابتسامة مُنتصر، تمسك بهاتفها النقال، تَستدعيه فورًا للحضور، يأتي على عَجَلٍ، قالت: وجَدتُها، "فوطةٌ مُبلَّلة" كما رأيتُ في فيلم "ريَّا وسكينة".
تَرُوقُ للعَشيق الفكرة، تَحِين منه ابتسامة ونَظرة خَبيثة، يَسألها متى سَيعُود، تَفهم المَغزَى، تَبتسِم بمثل ذات الخُبث، تُغادره من دون إجابة، تَعُودُ بعد دقائق كعروس ليلة زفافها، يَهُبُّ واقفًا فاتحًا أحضانه، يُطوِّقها بذراعيه، يُمارسانِ الرَّذيلة حتى يَعود الزوج.
يدُقُّ الضَّحية جرس الباب، يهرع العَشيق إلى دولاب الملابس في غرفة النوم، تفتح هي الباب وهي بكامل زينتها السابقة، يَفرُك الزوج عينيه، يسألها مُستغربًا مُتهكمًا: مَن أنتِ؟ تضحك بخُبث، تُداعبه، تُلاطفه، يَشتهيها كزوجة، يقضي منها وطَرًا، يَغلبه النُعاس، تَستدعى العَشيق من الدولاب - كالخطة المرسومة - عَبْر "رَنَّة" على هاتفه النقَّال، يخرج بالفوطة المُبلَّلة، يَعتليانِ السرير، يُجهزان على الزوج، يُقاوم، تُمسِك بخِصيَتيه بقوة، تَشِل حركته، يَكتُمان بالفوطة المبلَّلة أنفاسه، تَصعَد الروح إلى بارئها.
يلتقطان أنفاسهما، تَنظر في عينيه، يُبادلها النظرة الماكرة، تُطوِّقه بذراعيها، تَتحرَّك رغبتهما من جديد، يُغادران إلى حُجرة أخرى، يَمارسانِ الرذيلة قبل أن ينصرف.
يَشيعُ النبأ في الصباح، تبذُل الشرطة جهودها، يَعترفان في تحقيقات النيابة العامة، يُحالاَن للمحاكمة، يَحتل المُحامون الصفوف الثلاثة الأُوَل، تنشغل باقي الصفوف بالأهالي والصَحافيين، تلتصق أجساد الحُضور ببعضها، تُخيِّم على الأجواء حرارة الأنفاس، يُخفِّف الحاجب حِدتها بتشغيل مَرواح السقف في عِزّ الشتاء.
ينتصبان في قفص الاتهام، يَسألهما القاضي؛ يعترفان: قتلناه لنَتزوج، تبدأ الإجراءات، يَنبري أحد المحامين الكبار للدفاع عنهما، يَستأجل للاستعداد، يَطلب منه القاضي المرافعة، يَتَملمَل، يرفض القاضي الأجل: المتهمان مُعترفان، ناقِش اعترافهما يا أستاذ، يرفض، يَسُوق حِججًا أخرى، يرفض القاضي الحِجج، يدفع المحامي بجنون العَشيقَين، يُثبَت الدَّفع في محضر الجلسة، ويُصر القاضي على المرافعة.
يَستشعر الحاضرون مَغزَى ما يَحدث، تَسرى في القاعة هَمهمة رافضة، تَنبعث أصوات مَكتومة تُعرب عن ضَجَر، يَدُق القاضي المنصة بمؤخرة قلمه الرصاص، يَعود الصَمتُ إلى القاعة.
يَصمُت الأستاذ، ينظر إليه القاضي مُحدِّقًا للحظات، تمرُّ اللحظات رتيبة، أعين الناس مُصوَّبة إليه كالشَرر، يبدو الحَنق على الوجوه، القاضي يُكرِّر الطلب، يَتفتق ذهن الأستاذ عن حيلة جديدة، ضَم حرز الملابس الداخلية للمتهمة، يُبدِّد القاضي مَأربه، يُثبت في محضر الجلسة طرْحه للحرز كدليل ثبوت، يَحتدّ المحامي، يُهدِّئهُ القاضي، يُعيد تَوجيهه إلى الموضوعية، يُصمِّم على المراوغة، تعود الهَمهمة، تنقلبُ إلى زَمجرة مكتومة، يَدُق القاضي في هذه المرَّة على المنصة بيده، يعود الصمت، لا يَمتثل المحامي، يُجادل من جديد، يَرفع القاضي الجلسة، يدخل القضاة غرفة المداولة، يَتبعهم أمين السِّر، يُبلغهم أنَّ الأستاذ طريح الأرض يَضربه الأهالي!.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...