د. نجـلاء نصـير - المجتمع بين سندان الإرهاب ومطرقة التكفير.. قراءة في رواية "أنا خير منه" للمستشار بهاء المري.

إن "العلاقة بين الأدب والمجتمع قديمة قدم المحاكاة الأفلاطونية، وفكرة الواقعي والمحتمل الأرسطية، ولكنها دخلت في القرن العشرين آفاقًا جديدة، جعلتها مدار بحث كثير من المهتمين بالأدب ودراسته، من الذين لم يرضهم.

ما قيل في هذا المضمار منذ أفلاطون حتى أساطين النقد الاجتماعي.
والذين لم تقنعهم تلك التبسيطات التي سادت هذا الميدان، حتى وقت ليس ببعيد. كما جلبت إلى هذا المجال في نفس الوقت كوكبة من علماء الاجتماع، والمتخصصين في مجال الدراسات الاجتماعية النوعية بصورة بدا معها أن هناك نقطة التقاء تنطوي على محاولة جادة للوصول إلى فهم أعمق وأخصب لمظاهره الأدبية المعقدة، وكل أبعادها الدينية والمجتمعية وبتفاعلها الخلاق مع المجتمع الذي تنتمي إليه في شتى تجلياته ونشاطاته ومؤسساته"(1).
فالشكلانيون الروس في أوائل القرن العشرين بدأوا "كما فعل سوسير في دراسته اللغة بعزل الجوهر نفسه وتخليص موضوع دراستهم الخاص في مختلف الموضوعات والمناهج الأخرى، وذلك من خلال دراسة منظمة لما يدعوه جاكبسون بالأدبية (Literaurnost) أي العناصر المميزة للأدب نفسه وهذه حقًا عملية جدلية، لأنها لا تفترض وجود نوع من المضمون المُملى سلفًا، بل تستهدف التعرف من خلال التجريب والبحث عن العناصر المُهيمنة أو السائدة، التي يقترحها العمل الفني على الباحث، إنها عملية تعريف وتحديد لا تكتمل بنجاح إلا بارتباطها بغيرها من عناصر العمل وعناصر المرحلة نفسها"(2).
فضلًا عن ذلك، يعد كتاب مدام دوستايل المنشور سنة 1800م بعنوان "الأدب في علاقاته بالمؤسسات الاجتماعية "أول محاولة فرنسية لجمع مفهومي الأدب والمجتمع في دراسة واحدة منهجية، تحدد مدام دوستايل موقفها في المدخل بقولها: "لقد عزمتُ على أن أنظر في مدى تأثير الأدب في الدي والعادات والقوانين" (*) (3).
وجدير بالذكر أن النقد الحديث قد أولى العتبات اهتمامًا جمًا، ومن لا يجيد طرق عتبات النص لا يمكنه سبر أغواره.
فالغلاف الذي يعد العتبة الأولى التي تقع عليها عين المتلقي يعد بمثابة ا اللبنة الأولى لجسر التلقي جمع الغلاف بين اللون الرمادي والأسود والأحمر على الجزء العلوي من الغلاف لوحة مقطوعة لكلب أسود تنثال من بين أنيابه الدماء التي تتماهى مع الضمير (أنا) الذي جاء بفونت كبير وباللون الأسود يفصل الضمير حاجز الدم ثم (خير منه) وهذه اللوحة تتماهى مع الحلم الذي كانت تراه زينب بصورة شبه متكررة، وينقبض قلبها، كما يتماهى مع الإرهاب الأسود، وشخصية مصعب المتطرفة كما سنرى في الرواية. وجاء اسم الروائي باللون الأحمر لجذب انتباه المتلقي، وعلى الدفة الثانية والتي جاءت باللون الأسود مقطع من الرواية ص21 أجابه ولاتزال عيناه تنظران إلى الأفق البعيد: (لا يا ولدي، ولكني انظر إلى هذه الأرض الطيبة هل تشم رائحتها العطرة؟).
الإهداء: جاء الإهداء موشح بالسلام (إلى مَن يبذرون الحب في الأرض فتجني البشرية ثمار السلام) الإهداء إلى الأحفاد والأسباط. (ص 5).
كلمة (ص 7) تطرح للمتلقي وجهة نظر الروائي، والحكمة من خلق الكون كما أرادها رب العالمين وكيف خرج إبليس من رحمة الخالق بسبب الأنا العليا والتكبر والغرور الذي تتبناه الجماعات التكفيرية الإرهابية.
وهذه الكلمة تشير لشخصية المؤلف وعمله بالسلك القضائي الذي جعله شاهد عيان على قضايا الإرهاب وجرم الجماعات التكفيرية الداعشية، فضلًا عن ذلك، جاء مفتتح الرواية بالكابوس الذي رأته زينب البدري الأخت الكبرى لحمزة البدري (ص 9).
الكابوس الذي يتماهى مع صورة الغلاف، وكأن الروائي يضع يد المتلقي على رمزية بؤرة العمل السردي، فالغلاف يشير للصراع بين الثنائية الضدية، الصراع الأزلي بين الخير والشر، بين الإنسان والشيطان، بين النور والظلام، بين صحيح الدين والتطرف.
جاءت الرواية في ست وثلاثين لوحة، نشر مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر 2021 م في مائتي وثلاث وعشرين صفحة.
الرواية تعقد موازنة بين من تربوا على صحيح الدين، مثل أبناء الحاج البدري العمدة الذي حصل على الثانوية الأزهرية وعمل بها كمعلم، وهو المتفتح البعيد عن العادات والتقاليد المورثة كالثأر وحرمان المرأة من الميراث، وتحرر من عادات إخوته حين طلبوا منه أن يتزوج على زوجته لتنجب له الولد، رفض الانسياق وراء رغبتهم جملة وتفصيلًا.
وتلعب المفارقة دورا هاما، حين نجد هذا الرجل المعتدل الوسطي الدين المثقف، يموت قتيلًا ضحية شاب متهور في جلسة صلح بين عائلتين لوقف شلال دم الثأر، ويأمر أهله أن يوقفوا نزيف الدم وألا يأخذوا بثأره، لكن العادات والتقاليد جعلت حمزة بطل الرواية ضحية جديدة من ضحايا العادات والتقاليد حين خيَّر عمه زينب في أن يثأر لأخيه أم ينتظر حمزة حتى يثأر لوالده.
وتعد زينب من الشخصيات الرئيسية في الرواية، فقد لعبت دورًا هاما في تربية حمزة على الوسطية وأكملت مسيرة والدها وحافظت على أخيها، كما أوصتها به والدتها، فقد أجلت حياتها من أجل حمزة، فقد قررت الفرار من أسيوط إلى الإسكندرية عند عمها رأفت وخالها الأنصاري، وقررت الاستقلال في شقة مستقلة لتحافظ على حمزة من نيران الثأر.
وحين عينت بمدرسة سيدي جابر للغات معلمة تاريخ، ونشب حريق في متجر المدرسة "وبدأت الأدخنة تخرج من نافذة الغرفة .." (ص 58) وكيف قامت بإطفاء الحريق بشجاعة.
لعبت الرمزية دورًا هاما في الرواية، وتتجلى رمزية الانتماء في حوار البدري مع ابنه حمزة (ص22) ولكني أنظر إلى هذه الأرض الطيبة، هل تشم رائحتها العطرة؟ هي جزء منا ونحن جزء منها يا حمزة، فمنها خلقنا وإليها نعود، وهي كالعرض ندافع عنها بأرواحنا.. وكذلك الإنسان يا ولدي، من رأى نفسه فوق التراب فقد ضل، ومن تواضع لله رفعه ..".
هذا المقطع جاء على الدفة الثانية من غلاف الرواية في رمزية للانتماء وقيمته، فالذي ينتمي للأرض ينتمي للوطن ويدرك قيمته، كما يتجلى للمتلقي أسباب تجذر الوطنية والوسطية في نفس حمزة بطل الرواية الذي له من اسمه نصيب مما يحمد للروائي حُسن اختياره لسيمائية الأسماء التي تماهت مع البناء الخارجي والداخلي للشخصيات، فحمزة: اسم علم مذكر وهو من أسماء الأسد، ويدل على القوة والقيادة، ولنا في أسد الله حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه أسوة حسنة.
على النقيض تأتي شخصية مصعب: جار حمزة، يسكن في العمارة القريبة من منزل عم حنفي محل سكن حمزة في الإسكندرية، الشيخ مكايد: والد مصعب من محافظة المنوفية، عمل في حقل التدريس في السعودية، وزوجته عملت في مدرسة للبنات بعقد خاص، تعلم مصعب هناك وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، حتى أتم الشهادة الإعدادية ومن ثم عادت به أمه إلى مصر ليكمل تعليمه الثانوي والجامعي.
البناء الخارجي لشخصية مصعب: "كان مصعب قوي البنية، فارع الطول، يبدو أكبر من عمره، حلو الملامح، دائم الضحك، زرقة عينيه، مع حُمرة تشوب وجهه، جعلته يبدو كأنه من أصول أجنبية، هكذا كان يقول عنه حمزة .. كما يقول إنه على الرغم من مظهره هذا، إلا أنه أحيانًا ما يشعر أن في داخله بركانًا (ص 33).
ولعل انفعال وتشدد مكايد حين نهر مؤذن مسجد القرية - حين كان في زيارة لأخيه عبد ربه في العيد - حين صلى المؤذن وسلم على النبي صلوات الله وسلامه عليه في نهاية الآذان، "وإذا بمكايد ينهره بصوت عال في المسجد، ما قلته في نهاية الأذان بدعة ... (ص 36، 37).
أم مصعب: "شرَدت وتذكرت كم هو لم يشركها في شئونه طوال حياته، وكم انفرد برأيه ولا يسمع لغيره مهما كانت وجهة نظر الآخر صائبة، ولم يستشر أحدًا في شيء حتى هي .. جال بخاطرها يوم أن دعاها إلى الفراش في يوم سفرها إلى مصر بمفردها؛ لحضور عُرس أخيها، استيقظت من نومها متأخرة عن موعد تواجدها بالمطار، وصمم على معاشرتها من دون أن يراعي حالتها المزاجية؛ إذ كانت على موعد مع دورتها الشهرية .. حتى مع أقربائه وأصدقائه كانت تعرف أنه عنيد متعصبا لآرائه، لا يريح أحدًا في حديث متبادل، ولا يتوانى عن مديح نفسه، والتحدث عن ذكائه، وكم حكى لها عن مناوشاته مع المدرسين المصريين المُعارين مثله إلى السعودية، ولم يعد يومًا من عمله، إلا وكان واجمًا مقطب الجبين .. وكيف كان قاسيًا ظالمًا مع ولده في طفولته متوعدًا ومهددًا له .. وكانت تقول لأهلها حينما تشكو فعاله "إن له من اسمه نصيب، أو كأن والده استشرف الغيب وهو يسميه .. (ص 38، 39).
فالصفات السالفة عن البناء الداخلي لشخصية مكايد تؤكد على دوره في تجذر العنف والفكر الداعشي في عقل مصعب.
فضلًا عن ذلك، استطاع الروائي من خلال تكرار الحلم المزعج الذي يقض مضجع زينب ويقلقها على أخيها أن يعزز للمتلقي أن ثمة خطب ما سيحدث لحمزة.
وفي ثنائية ضدية يكشف الروائي للمتلقي الفرق بين أخلاق حمزة وأخلاق مصعب حين "نشبت بين مصعب وأحد التلاميذ مشادة بسبب اللعب، أمسك مصعب بحقيبة التلميذ، وقذف بها في وجهه ،هرع التلميذ إلى حقيبة مصعب؛ ليفعل به كما فعل، صاح فيه مصعب وهو يضحك هازئًا قاصدًا ترويعه:
- سيبها .. سيبها .. الشنطة فيها مصحف .. اشتبكا مع بعضهما، في حين أن مصعب أقوى منه بنية، تدخل حمزة ليذود عن التلميذ؛ فأخطأت لكمة قوية من مصعب وأصابت حمزة (ص 49).
فطبع حمزة يتسم بالعنف والغرور، فمصعب مرآة لأسرته المتشددة، فقد رفض اللعب مع زميله فيكتور لأنه "نصراني كافر" وقال: إن أمه منعته من شراء الفاكهة من بائع مسيحي في سوق زنانيري لأنه نصراني، والنصراني كافر. (ص 49).
لكن على النقيض، "كانت زينب قد حرصت على أن تزرع في حمزة هذه الخصال الطيبة والفهم المعتدل للدين الإسلامي. (ص 51).
فالروائي لا يمارس سلطوية الكاتب على المتلقي، ولكنه بمشهدية رائعة استطاع أن يقدم للمتلقي ثنائية ضدية، جمعت بين الوسطية وتمثلت فيما أرسى العمدة البدري وابنته زينب التي تولت تربية حمزة بعد مقتل والدهما في جلسة صلح بين عائلتين لوقف نزيف الثأر، وبين مصعب ووالده مكايد ووالدته وكيف ورث مصعب من أبيه العنف والغرور والتيار الوهابي الذي حوله لعجينة سهلة التشكل وعقلية سهلة الانقياد والتجنيد من الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الدين قناعًا تمارس من خلاله أفعالها الشيطانية، ولم يكن مصعب الشاب الذي تخرج في كلية العلوم سوى بذرة لأسرة متطرفة أثمرت على يد الجماعات الإرهابية.
فضلًا عن ذلك، عرض الروائي لقضية هامة وهي قضية تجنيد طلاب الجامعة من خلال بعض شباب الجامعة الذين يغوون الشباب بالمال وبمتاع الدنيا، وصور ذلك بمشهدية في (ص 93، 97) في لوحة "في مطروح " من خلال شخصيتن ثانويتن هما ماجد وجاس، فماجد شاب ريفي من أسرة فقيرة أبهره جاسر بشخصيته "وتمنى أن يكون مثله علما ودينا" (ص 91) فشقة جاسر "كأنها قصر من قصور شهريار وحكايات شهرزاد، علامات الثراء الفاحش تزين الجدران" (ص 91).
كما عرض للتدين المزيف متمثلًا في شخصية الأسطى متعب زوج والدة خالد "كيف يكون الاسطى متعب متدينًا يطلق لحيته ولا يتحرج أن يتكلم في الدين، وفيما يصح ولا يصح، وقد رآه على ما رآه عليه منذ سنوات، فإلى هذا الحد يكون الخداع (ص 98). فلم ينس خالد لمتعب أنه كان يمارس الرذيلة مع أحد الفتيات على سرير أمه، وكيف ألجمه الفقر عن البوح لأمه بما رآه، وكان فريسة سائغة في كلية العلوم للجماعة.
وفي لوحة أحداث معسكر باجوش، وصف حمزة المعسكر في حواره مع زينب قائلًا:
- "كأن المعسكر مقصود لإلقاء مثل هذه الدروس يا زينب، وللأسف وجدتُ كثيرًا من الطلبة الجدد مبهورين بما يسمعون تحت ستار الدين.
- ما يحدث مقصود بالفعل لاستقطاب الشباب عن طريق هذه المعسكرات والرحلات المزعومة ...(ص 99).
وحين وقع حمزة في براثن أصدقاء السوء (معتز - لؤي) حين دعاه معتز لحضور حفل عيد ميلاده.
والد معتز "يعمل في هيئة دبلوماسية وكثير السفر، والدته أستاذة جامعية بجامعة القاهرة ... ولذا فهي تسافر ثلاث مرات في الأسبوع وتترك معتز وحده .. وكأني أفيق من كابوس مخيف لألحق ما فاتني من عناية وتوفيق غبت عنهما في براثن المعصية والغفلة، ووجدتني أدفع تلك الفتاة .."ص 129-130-131.
فحمزة لم يجر إلى قاع الرذيلة، بينما مصعب لم يتمكن من التخلص من مشاعر غواية جارته سهام، وقد غضب عليه شيخه جاسر وهذا ما أرق مصعب.
فلم يصور الروائي حمزة بصورة الملاك، ولم يصور حمزة بصورة الشيطان، فحمزة ونشأته المتشددة جعلت من نفسه نفسًا لوامة، جرعته صنوف العذاب بسبب رغبته في جارته المطلقة التي أشعلت قلبه وشغلته عن اجتماع الجماعة.
فضلًا عن ذلك، كانت زينب الملاك الحارس لحمزة، فقد حفظت الأمانة، وكانت المعلم والمرشد الأمين التي رسمت خارطة الطريق لنجاة حمزة من براثن التطرف وحافظت على وسطيته وغرست فيه قيم النبل والوفاء والنجدة، وهي المعلمة التي رفضت الزواج من زميلها بمدرسة سيدي جابر للغات، حتى تطمئن على حمزة الذي باركت حبه لزميلته فيروز، الفتاة التي أحبت حمزة بصدق.
فصوت زينب نجده في الرواية يلعب دور الناصح الأمين، الذي يصحح المفاهيم المغلوطة لا لحمزة فحسب، ولكنها لم تتفق مع زميلاتها المتشددات نبرة الشماتة في كلماتهم حينما حدثت تفجيرات طابا.
كما صور للمتلقي وجهة نظر الجماعة الأحادية الدموية المتطرفة ومحاولتهم اغتيال الدكتور (محمد سعد. (ص 186-187) الذي أسفر "عن قعوده مصابًا بشلل في ساقه اليسرى وتحركه من خلال كرسي متحرك. (ص 201).
فضلًا عن ذلك، ألقى الضوء على عمليات التمويل والمعسكرات السرية التي تهدف إلى إعدادهم بدنيا وتهيئتهم قتاليًا في الجماعة، وعرض ذلك في لوحة سانت كاترين (ص 191). وبعد التحاق حمزة بالجيش ومع أول إجازة تم إعلان خطبته وفيروز وزينب وبكر.
وفي الفصل الأخير أو اللوحة الأخيرة "جلس حمزة جلسة الاستراحة، ثم استأنف خطبته بنقلة أخرى كأنه يخاطب فيها أولئك المتنطعين قائلًا: يا أهل مصر، لا تركنوا لأناس بصريح القرآن سنو الحِراب وحاربوا الله بالعداوة جهرًا، فلابد من صحوة تصحبنا فيها أنوار الحي القيوم ... (ص 209).
ويختم الروائي روايته بمشهدية كأن قلمه عدسة لاقطة، رصدت مشهد استشهاد حمزة بعد أن طلب من زميله مينا الذي شعر بالحمى "على الفور طلب منه حمزة أن يعطيه سلاحه الآلي ليقف مكانه ويذهب هو ليستريح (ص211). "توقف الزمن ما بين الضغط على زر الحزام وحدوث الانفجار للحظات؛ فرأى حمزة صورة زينب وصورة والده وفيروز وعلم مصر والقبة الخضراء الشريفة، ورأى مصعب نساء وأنهارًا وطعامًا وشرابًا وصحراء موحشة .. (ص 212).
زُف حمزة لمثواه الأخير بأسيوط، وخرج أهل البلدة عن بكرة أبيهم يرددون "لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله. (ص 215).
ومجمل القول، إن رواية (أنا خير منه) رصدت للمتلقي أفعال الجماعة الإرهابية المتطرفة وكيفية استقطابها للشباب وتجنيدهم.
نجح الروائي في رسم البناء الداخلي والخارجي للشخصيات، كما اتكأ على الوصف ليقرب المتلقي من الأحداث. كما جاءت اللغة تقريرية، ولكنها لم تخل من الشاعرية أحيانا مثل قوله: "قلبها لوحة رسام تتناثر في أرجائها جميع الألوان - إذ زحفت ظلال الموت إليها - فطوى جوانحه على بأس وحسرة (ص 11-12).
فضلًا عن ذلك، لعبت المشهدية دورًا هامًا في السردية، وهذا يُحمد للمؤلف، كما انطلق من فضاء المكان "أسيوط - الإسكندرية - زنانيري - كليوباترا - الإبراهيمية - شارع فؤاد – مدرسة سيدي جابر للغات - كلية الهندسة - كلية العلوم - مطروح - سانت كاترين - طابا).
زمن أحداث الرواية (1997 - 2005) ومن ثم يمكن القول إن علاقة الزمان بالمكان علاقة تكامل فلا يوجد مكان بلا زمان، فالزمان في الرواية يتقاطع بين الماضي والحاضر، فضلًا عن ذلك، ارتبط الخط الدرامي في الرواية بخلفية الأبطال المكانية، فنشأة حمزة في أسيوط حيث الأصول الصعيدية العريقة، وبين نشأة مصعب في المملكة العربية السعودية، وتشرب والده للفكر الوهابي أثر على خلفيته الفكرية. فالصراع النفسي الذي عاني منه مصعب، جعل منه شخصية ناقمة على المجتمع، وفريسة سهلة المنال للجماعات المتطرفة، وإن كان الروائي أغلق الرواية بالخاتمة المحتومة لحمزة المتطرف، إلا أن صراعنا مع الإرهاب الأسود لن ينتهي، لأنه إرهاب مُمول غاشم لا دين له.







تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...