تَسلَّل عطرُها في هدوءٍ ليُعلن عن مجيئها، كوشوشةٍ قديمةٍ يعرفها القلب قبل الأنف. توقّفت أنفاس القاعة. تحوّلت الأعين عن المحاضر الماتع، واشرأبَّت الأعناق إليها في شَغف، كأنها الحلم حين يمشي على أطراف الوقت.
تهادَت بين الصفوف في شموخ لا يطلب اعترافًا، لا تعبأ بهمهمة الانبهار ولا...
"أحيانًا نُقيمُ فيمَن نُحبُّ كما يُقيمُ الغريبُ في نُزُلٍ مؤقَّتٍ... يَغادِرُهُ وهو يحمِلُ معهُ شُعاعَ نافذةٍ لا بَيتًا."
(١) الـمَرفأُ الذي غاب:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أويتُ إليكِ كما تأوي الأرواحُ إلى أصلها
باحثًا عن دِفءِ المَعنى في جَسدٍ من رحمةٍ ونور....
في زحام الحياة اليومية، تمر الأخبار كالعواصف العابرة. نتابعها سريعًا، ثم نغلق الشاشات، ونمضي. لكن بعض الأخبار ليست كغيرها، وبعض الجرائم لا يجب أن تُنسى، لأنها لا تقتل إنسانًا واحدًا فقط، بل تُصيب الضمير الجمعي برصاصة، وتنذر بفقدان ما تبقى من إنسانيتنا.
حادثة "صبي المقهى والشاب الآخر"...
الموتُ لحظة جليلة، ومَشهدٌ تهتز له النفوس، وتتصدع أمامه القلوب. هو انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء، ومن دنيا العمل إلى دار الجزاء، حيث لا ينفع مالٌ ولا جاه، وإنما ينفع ما قدَّم الإنسان من عمل صالح.
ولذا كان من تمام الأخلاق ومن لياقة الأدب مع الميت ومع شعيرة الموت أن يُشيَّع...
ها أنتِ - أيتها الغامضةُ -
تُحكِمينَ الطَّوقَ من حَولي
كأنكِ قدَرٌ يتنزَّلُ بلا إنذار
فأغدو مُحاصَرًا بسُلطانكِ
مُرتهنٌ بسَطوةِ حضورك.
حصارٌ في النهار...
ليس قيدًا، بل طوفانُ صُورٍ مسحورٍ
أراكِ فيه كلوحةٍ أسطوريةٍ
معلقةٍ على جُدران الطريق
منثورةً على زجاج النوافذ
وتطلُّ من وجوهِ العابرينَ...
ألقَيتِ إليَّ حُبَّكِ...
كما يُلقَى قمرٌ في بئرٍ مظلم
فتكسَّرت دوائر النور
على سطح مشاعري الراكدة.
أيْقظتِ قلبي من سُباته
وانتفضَ من تحت ركام السنين.
كنتُ أعيش في محارة النسيان
أتغذّى على فُتات الذكريات...
حتى أتيتِ…
فأحرقَت أنفاسكِ الماضي
وجعلتِ القلب بين أصابعكِ طينًا طيّعًا
تبنين فيه...
غَدوتُ مُمتلئًا بكِ.
أستنشقُ حضوركِ في كل نَفَس.
أشعرُ بكِ نَسمةً نديةً تنسابُ في رئتيَّ
وأكتمُ أنفاسي كي تستوطني صدري.
انسابي في عروقي.
وازرعِي ظلالكِ في بساتين الذاكرة.
تَجلِّي في دهاليز القلب
واتخذي من نِنِّ العين مَسكنِكْ.
إنِّي أدمنتُكِِ
وسأظلُّ مُترعًا بسُكركِ.
ابقي معي
واجعلي...
ليست رواية الأم (1906) مجرد عمل روائي عابر، بل وثيقة إنسانية وفكرية صاغها مكسيم جوركي بمداد من الوجع والأمل، ليؤسس بها نمطًا جديدًا من الأدب، يُعرَف بالأدب الواقعي. وفي هذا النص البديع، تتجاوز الرواية سرد حكاية فردية لتكون بمثابة سردية شاملة لصراع الطبقات، ولميلاد الوعي الثوري من رحم...
في أحد أروقة العالم الرقمي، سقط رجلٌ أربعيني في شِباك امرأة احترفت الخداع. ُاستدرجته بحساب مزيف وصور مغرية، حتى جردته من أمواله، وكادت تُجرده من كرامته.
لم يكن السلاح سكينًا ولا مسدسًا، بل كانت الكاميرا، والهاتف، وكلمات مُنمقة تُخفي خلفها نوايا سوداء. جريمة إلكترونية كاملة الأركان،...
حين يشتدُّ وجيبُ الحنين، لا يجد القلب مَفرًا من الرحيل إلى خزائن الذكرى، كما لو أنه يبحث عن وجهٍ مألوفٍ وسط الزحام.
هكذا فعلَ، حين امتدت يده المرتجفة تنبشُ دفاتر عُمره، المصفوفة على رفٍ منسيٍّ، في لحظةٍ من سكون الغروب.
فتحَ أحدها بعفوية، فإذا به يعودُ دون أن يدري، إلى فصلٍٍ من...
ليست رواية الأم (1906) مجرد عمل روائي عابر، بل وثيقة إنسانية وفكرية صاغها مكسيم جوركي بمداد من الوجع والأمل، ليؤسس بها نمطًا جديدًا من الأدب، يُعرَف بالأدب الواقعي. وفي هذا النص البديع، تتجاوز الرواية سرد حكاية فردية لتكون بمثابة سردية شاملة لصراع الطبقات، ولميلاد الوعي الثوري من رحم...
منذ فجر التاريخ، ارتبطت فكرة البطولة في الوعي الجمعي بالدفاع عن الأرض والعقيدة. غير أن التاريخ، حين يُقرأ بعين العقل لا بعاطفة الشعارات، يكشف أن كثيرًا من الجرائم ارتُكبت باسم الوطن والدين، وأن القاتل كثيرًا ما تحوّل – بفعل التضليل – إلى "فدائي" أو "شهيد"، بينما هو في حقيقته مجرد أداة لتنظيم...
في بيتٍ بلا دفء، ولا رحمة، تعيش الطفلة بسنت وأخواتها تحت بطش والدٍ عنيف، بعد أن تركتهم أمهم هربًا من قسوته. يمارس عليهن العنف الجسدي والنفسي بوحشية، حتى بلغ الأمر حدّ قتل إحداهن - بَسَنت - تحت وطأة التعذيب.
في زوايا هذا العالم، ما زال هناك أطفالٌ يخوضون معارك يومية من أجل البقاء، لا...
في الفضاء الصامت لقاعات المحاكم، حيث يتحدَّث القانون بلغةٍ صارمةٍ، تَتسرَّب من بين الكلمات نَبرة خفية... إنها نغمة الضمير الإنساني.
هنا، لا يقف القاضي كصوتٍ للقانون فحَسب، بل كراوٍٍ لتراجيديا بشَرية لا تخلو من الألم. وحين يكتُب حكمه، يتحول إلى كاتب أدبي خاص: يروي وقائعَ، يصفُ...
أمَا تَساءلتَ يومًا، أيها العاشقُ بصمتٍ عميق، كيف يُولد الحب فينا، ثم يُدفن بأيدينا؟ كأننا نغرسُ وردةً في قلب صخر، ثم نلومها حين لا تتفتح.
أما شعرتَ - حين يمرُ قلبان ببعضهما - أن هناك شيئًا يُشبه المعجزة... لا يُرى، لا يُلمس، لكنه يُحدِث رجفةً صامتةً في عمق الروح؟
يا أنتَ... يا...