بهاء المري - دُنيا..

لم يُصدِّق الرجل الستيني أنه سيعود إلى البيت ولا يجد زوجته فيه، قضَى ليلته بعد انتهاء العَزاء في بَيْت ابنه الوحيد وبين أحفاده ثم رفضَ البقاء فيه.
كان واهمًا أنَّه سيستمر في كابوسه ولن يتزوج بعدها أبدا وسيكفيه طيفها.
صمتٌ مُوحِشٌ يلفُّ البَيْت، يَقْطعهُ أحيانًا ثورته في الخادمة كما اعتاد طوال حياته، ثلاثينية كفَلها من إحدى دور الأيتام قبل أن يُرزق بولده. كانت زوجته تحبها فقرر أن يُبقيها وفاءً لها.
يصحو من نومهِ في القيلولة متوتِّرًا، يجوبُ البيْتَ لا لشيءٍ إلا ليُبدِّد هذا التَّوتُّر، يلمَحُها تُنظِّف بقميصٍ خفيفٍ يكشف عن صدر نافر وأجزاء أخرى من جسمها. وقفَ مبْهوتًا يُسائل نفسه: هل هذه هي دُنيا؟ كيف لم أرَ ما رأيتُ من قَبْل؟
قاوَمَ ما تحرَّكَ في نفسه بغَضْبَةِ افتعلها مُنتقدا ملابسها، قالت إنها الملابس ذاتها التي اعتادت لبسها من قبل. ثم دلف إلى غرفته.
بدأتْ أشغالها، حان وقت تجهيز غرفته، كان مُسْتلقيا على ظهره شاردًا ينظرُ في السَّقف إلى لا شيء وإلى كل شيء.
فُوجئ بها أمامه، صدرُها مرَّة أخرى كأنه يُطارده، شعرَ بحُمَّى الشَّوق تعصِفُ برأسه، هَبَّ من سريره واقفًا، راحَتْ عيناهُ في رحلةٍ طويلة عَبْرَ دَهاليز جِسمها.
ناداها لتقترب، تَسمَّرتْ، راحت تُلمْلمُ ما يُمكن جَمعهُ من أطراف القميص دون جدوَى، كلما جذبَتْ منه جزءًا لتَسْترَ به مَوضِعًا؛ كشَفَتْ عن غيره أكثرَ إثارة.
كالمَحْموم دعاها إلى فِراشِه، بدلال تبسَّمَت، بسَطَ إليها يدَاهُ لتقتربْ، اتَّسَعتْ ابتسامتها، اقتربَ منها، لاذت بالأرض جالسة، غاب عقله، اقترب أكثر، أمسكَ بيدها ليوقفها، أطرقَتْ، احتضَنها، قهقهتْ. بين أحضانه أدت ما كان مَطلوبًا منها؛ غادرت في هدوء لاستكمال أعمالها.
يَفيق من شروده، يُناديها، يتفرَّسُها من جديد، ترمُقهُ بلحظها مُتدللة. يخاطبها: سأُحضر المأذون في المساء لأتزوجك.
تنظر إلى صورة زوجته المعلقة في غرفة نومه. يتجهَّم وجهُها، تصيح غاضبة وهي تُغادر: لا!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى