بهاء المري - مصطبة الفيس بوك

شَبَبنا في طفولتنا وصِبانا في الريف والصعيد على مُفرداتٍ لا يَعلمها ويَعرف مدلولها إلا ابن هذه المناطق، وبالتالي كان لا يعرفها ابن المدينة الذي وُلـِدَ وتَـربَّى فيها وليس النازح إليها للإقامة. عرفنا الساقية والطنبور والنورَج والشادوف (والمصطبة).
(والمصطبة): مكان للجلوس عبارة عن بناء من الطوب بارتفاع يُمَكِّن الشخص من الجلوس كأنه يجلس على مِقعد ما، وتمتد طولا حسَب ما يسمح به المكان الذي أقيمت فيه. وعادة ما تكون أمام المنازل على قارعة الطرق أو أمام المساجد.
وكان لا يرتادها في العصاري أو في ليالي الصيف إلا مَن لا عمَلَ له، خاوي الفكر، ضَحل العقل، ولا يدور من كلام بين رُوَّادها إلا النميمة والحديث فيما لا يأتي بنفع عليهم ولا على غيرهم. ومن هنا عَلَّمَ أهل البيوت المحترمة أولادهم أن (المصطبة) ليست المكان المناسب لمن يريد احترام نفسه، إلا في حالة ضرورة أو ظرف قهري كانتظار تشييع جنازة أو حضور مناسبة ما.
تطورت (المصطبة) ككل شيء وأصبح لها مكانا على الفيس بوك، أو قُل على مواقع التراشُق الاجتماعي وما يسمَّى (جُروبات) وراح السُفهاء من النمَّامين التافهين يرتادونها كدأب بعض أهل الريف ويلوكون الناس بألسنتهم نَميمةً وتجريحًا والخَوض فيما لا نَفعَ فيه ولا خير.
ولكن أن يجعل قاض أو محام أو مُفكر أو أديب أو أستاذ لنفسه مكانا على (مصطبة) الفيس بوك، فذلك قمة الانحدار الخُلُقي والهاوية في قاع أسوأ ما تخلَّف عن التكنولوجيا.
لا بأس من ارتياد (مصطبة) الفيس بوك لحالة ضرورة، كمناقشة أمر هام أو طَرْحٌ فيه صالح المجموع، وليس للنَّيل من الغير لأحقادٍ دفينة وأمراض نفسية خبيثة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى