أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الثامن (214..244)

الشهر الثامن من يوميات المقتلة


214- غزة ( ٢١٤ ) : اليوم الأول من الشهر الثامن: شايلوك الجديد "الرطل كاملا"

ذهبت، على ما يبدو، الأمنيات كلها في مهب الريح. وافقت حماس على المقترحات المصرية "الورقة المصرية المعدلة"، ولم توافق إسرائيل ، فمجلس أركان حربها المصغر قرر بالإجماع بدء معركة رفح، وفي الساعات الأخيرة من اليوم الأخير من الشهر السابع بدأ الاجتياح، وكان الطيران الإسرائيلي ، منذ ساعات الصباح، أسقط على أحياء محددة من رفح، حددها للاجتياح، المنشورات التي تطلب من سكانها النزوح إلى المواصي.
شبه بعض أهل مخيم النصيرات المفاوضات بين حماس والدولة العبرية بجاهة العرس. وافق أهل العروس ووضعوا شروطهم وهم ينتظرون موافقة أهل العريس عليها، والأخيرون لم يوافقوا فتركوا لعريسهم أن يأخذ عروسه بالقوة - أن يغتصبها.
هل سيوزع معدو الحلوى حلواهم ؟ والمعركة لما تنته وإعلان النصر لم يتحقق وستتأخر حركة حماس في إهدائه للزعماء العرب كلهم.
هل حقا ستهدي الحركة نصرها للزعامة العربية؟
من حق المقاومة أن تكرر لازمة قصيدة محمود درويش "نزل على بحر" وهي:
" لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد"
فقد صمدت وقاومت واستبسلت وقالت لحرب الأيام الستة :
- لم يعد لك ، في مخيلة الصهيوني ، حضور . صرت نسيا منسيا .
ومنذ صباح اليوم الأخير من الشهر السابع للمقتلة وحرب الإبادة وأنا أكرر:
- شايلوك يريد رطل اللحم كاملا.
والهجرة، لأهل غزة ممن لجأوا إلى رفح ، هجرة أخرى، ولسان حالهم:
"ماذا تبقى من بقايانا لنرحل من جديد؟"
و
"ونريد أن نحيا قليلا، لا لشيء
بل لنرحل من جديد"
و
"نريد أن نحيا قليلا كي نعود لأي شيء"
و
"لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد".
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
الثلاثاء ٧ / ٥ / ٢٠٢٤

***

215- غزة ( ٢١٥ ) : هل كتب محمود درويش "مديح الظل العالي" في حرب ٢٠٢٣؟

في العاشرة صباحا قرأت في صفحة جبر جميل شعث الآتي:
" من نزوح إلى نزوح
هذا مكان النزوح الثالث، شرق رفح، الذي سنجبر على مغادرته اليوم... ولكن إلى أين؟
لا نعرف".
وبعد أربع ساعات قرأت في صفحة Rezek Muzaanin الآتي:
"في رحلة نزوح جديدة
هذه المرة في اتجاه دير البلح.
هل تكون مقدمة للعودة إلى غزة الحبيبة وشمالها أم أن لأقدارنا ما تقتضيه؟"
وأما في صفحة د. هيا فريج التي لم تترك شمال غزة ومصرة على البقاء حتى انتهاء الحرب وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون، فقد أدرجت لها صورة وكتبت:
"مش ناويين على هدنة!
بدي أفيز " أي أن تحصل على تأشيرة الخروج / الدخول.
وأما أنا المقيم في نابلس / الضفة الغربية فوجدتني أكرر أسطرا شعرية لمحمود درويش، منها ما ورد في قصيدة "مديح الظل العالي" (١٩٨٢) ومنها ما ورد في قصيدة "نزل على بحر" (١٩٨٤)، وقد تساءلت:
- هل كتب الشاعر قصيدته في أيامنا هذه عن الحرب الدائرة حاليا في غزة؟
"هي هجرة أخرى، فلا تذهب تماما
.....
.....
هي هجرة أخرى إلى ما لست أعرف...
ألف سهم شد خاصرتي ليدفعني أماما
لا شيء يكسرنا
....
...
هي هجرة أخرى...
فلا تكتب وصيتك الأخيرة والسلاما."
و
"أين نذهب
حين نذهب؟ أين نرجع حين نرجع؟ يا إلهي
ماذا تبقى من رياضة روحنا ؟ ماذا تبقى من جهات؟
ماذا تبقى من حدود الأرض ؟ هل من صخرة أخرى
نقدم فوقها قربان رحلتك الجديد؟
ماذا تبقى من بقايانا لنرحل من جديد؟
هل تعود أصول (سيزيف) إلى قبيلة فلسطينية؟
ويبدو أن النص الذي كتبه غسان كنفاني وينطبق أكثر من غيره على الفلسطينيين هو مسرحية "الباب"!
رد الطابة يا رداد. صار أهل غزة طابة يتلاعب بها أحفاد شعب الله المختار !!!
هل تعد المقاومة عملا ما يقلب الطاولة وفجأة نصحو ونستمع إلى خبر عن انتهاء الحرب وعودة اللاجئين الغزيين إلى أماكنهم الأولى الأصلية؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٥ / ٢٠٢٤

***

216- غزة ( ٢١٦ ) : أصوات من الداخل

أتابع صفحات معينة تصدر في غزة لأقرأ الصورة من مصادر مختلفة.
كتائب المقاومة تبث مشاهد توثق فيها ، بالصورة والصوت، بطولات مقاتليها.
والجمعيات والمؤسسات الأهلية والناشطون الاجتماعيون يصورون مقاطع فيديو لواقع الحياة اليومية،
والناطق الرسمي باسم وزارة الصحة يحصى عدد الشهداء والجرحى والمفقودين،
والكتاب يكتبون عما آلوا إليه ويتحدثون عمن صمد وبقي في قلب الدرع وعمن غادر وهرب،
وعبود بطاح يقدم مشاهد كوميدية في برنامجه (آيس كريم كافيه)، وقد فقدت بريقها منذ شهرها الأول - لي على الأقل،
والمشاهد هي هي:
- الدمار في كل مكان
- الخيام في رفح وغيرها
- مدارس إيواء اللاجئين الفلسطينيين تكتظ باللائذين إليها.
- وسائل النقل القديمة والحديثة جنبا إلى جنب، الكارة / العربة التي يجرها حمار أو بغل إلى جانب السيارة
- الناس المرمية جثثها في الشوارع
- بياعو الفلافل والحلوى
- الصغار يغنون ويرقصون ويسبحون على شاطيء البحر
- الجنود الإسرائيليون القساة الذين يقتلون بلا رحمة
- إلخ... إلخ... إلخ...
وهناك أصوات أخذت تهاجم المقاومة وتلعن وتشتم وتخون وتكتب عن سنوات الحصار و... و... .
وبعض الناس ملوا وسئموا وصارت دعواتهم كلها أن يهبط عليهم من السماء فرج قريب واختصرت كتاباتهم بعبارات:
يا رب
فرجك
قربت
هانت
الهدنة قريبة
وهلم جرا.
احتمل اللاجئون برد الشتاء وها هم يستعدون لحر الصيف.
غزة على صفيح ساخن. هل يريد الغزيون العودة إلى ما قبل ٧ أكتوبر؟
شخصيا لم أقرأ فيما ينشر من بنود الهدن المقترحة أي شيء عن الأقصى والقدس والاستيطان في الضفة الغربية ورفع الحصار عن غزة رفعا كاملا.
عندما هزم جمال عبد الناصر في حزيران ٦٧ أكثرت دار الإذاعة الإسرائيلية من بث أغنية "أبو سمرة زعلان"، ويا خوفي أن تصبح أغنية أم كلثوم التي منها:
"وعاوزنا نرجع زي زمان.
- قل للزمان ارجع يا زمان".
يا خوفي أن تصبح الأغنية الأكثر شهرة وبثا!!
ثمة أصوات من داخل غزة صارت ترتفع وتحن إلى ما قبل ٢٠٠٧!!
الله المستعان به ولعله يمد المقاومين بجنود لا نراها ! لعله!
العلم الإسرائيلي حل ، في رفح، محل العلم الفلسطيني، وهناك أخبار أن المعبر ستسلمه إسرائيل إلى شركة أمريكية.
أين أنت يا معين بسيسو لتهتف:
"لا توطين ولا إسكان
يا عملاء الأمريكان"
هل كان لمصر دور فيما يجري؟
كان إميل حبيبي يردد ويكتب إن طاقة الفرج لإخراج إسرائيل من مآزقها غالبا ما كانت عربية.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٥ / ٢٠٢٤

***

217- غزة ( ٢١٧ ) : الهجرات التي لا تنتهي

ينهي محمود درويش قصيدة "الخروج من ساحل المتوسط" بالمقطع رقم - ٩ -ونصه:
" في غزة اختلف الزمان مع المكان
وباعة الأسماك باعوا فرصة الأمل الوحيد ليغسلوا
قدمي
أين المجدلية؟
ذابت أصابعها مع الصابون
وانهمرت كتابات كتابات
وكان الجند ينتصرون ينتصرون
كانوا يقرأون صلاتها
ويفتشون أظافر القدمين والكفين عن فرح فدائي،
وكانوا يلحقون حياتها
بدموع هاجر، كانت الصحراء جالسة على جلدي
وأول دمعة في الأرض كانت دمعة عربية
هل تذكرون دموع هاجر - أول امرأة بكت في
هجرة لا تنتهي؟
يا هاجر، احتفلي بهجرتي الجديدة من ضلوع القبر
حتى آخر الكون أنهض
، بسكين الشهداء، أضلاعي الطليقة
ثم أمتشق القبور وساحل المتوسط
احتفلي بهجرتي الجديدة".
كما لو أن محمود درويش يكتب المقطع السابق اليوم، فأشرطة الفيديو التي تبث قادمة من رفح تركز على الهجرة الجديدة - أي من الجنوب نحو الوسط، وعما قريب ، إن شاء الله ، نحو الشمال.
آخر نص قرأته أرسله إلي الصديق Abdelrahman Barqawi وهو للكاتبة نعمة حسن تأتي فيه على إصرارها على البقاء مع أطفالها في الخيمة في رفح، علما بأن من حولها قد غادروا حتى بدت المنطقة شبه مهجورة. البقالة أغلقت وبائع المياه المعدنية غادر و... و... و
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة؟
إلى أين نذهب بعد السماء الأخيرة؟
و
يا هاجر احتفلي بهجرتي الجديدة
من ضلوع القبر حتى آخر الكون.
وبين زمن كتابة القصيدة ١٩٧٤ وهجرة هاجر الفلسطينية الجديدة خمسون عاما.
في "دفاتر فلسطينية" لمعين بسيسو، وفي "سنوات العذاب" لهارون هاشم رشيد قرأنا عن كنس المحتلين في العام ١٩٥٦ بعد احتلال دام ستة أشهر ، فمن سيكتب عن الكنس الجديد؟
هل نحلم؟
عادت أخبار المعارك كما كانت في بداية الحرب .
الله المستعان به ،
وبه يستعين أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) كما سمعت للتو في خطاب له.
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٥ / ٢٠٢٤

***

218- غزة ( ٢١٨ ) : الآن وقد دخل البرابرة. وماذا بعد؟

في شريط فيديو، قبل أن يدخلوا إلى رفح، روت أم طارق حكايتها:
- أنا اسمي أم طارق. أعيل ستة أطفال وزوجي المريض نفسيا وهذا الطفل الذي نجا ومات والداه تحت الأنقاض وليس هناك من يرعاه، فتبنيته. يوميا ألف على البيوت والخيام أجمع الخبز الناشف الذي يتخلص منه أصحابه، ثم أفتته وأذهب إلى السوق أبيع الشوال بثلاثين أربعين خمسين شيكلا، فيشتريه أصحاب الدواب علفا لدوابهم.
لقد زارني في الخيمة أناس عديدون ليتبنوا الطفل فيسهموا في النفقات، ولكنهم لم يعودوا. (والدة الطفل كانت جارة لأم طارق)
هل كان الطفل يفهم شيئا مما تقوله أمه بالتبني، أمه التي ستربيه، والحمد لله أنها ليست قادمة من بولندا مثل (ميريام) زوجة (ايفرات كوشين) في رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا" ١٩٦٩ .
كان الطفل يحضن أمه ويعطيها خده لتبوسه، وكان يمرح ويقفز ويلهو. أين بقية أبناء أم طارق وأين زوجها؟ ربما في الخيمة المجاورة!
ماذا ستفعل أم طارق بعد أن جاء البرابرة؟
هل ستظل في رفح أم ستغادر إلى المواصي أو خان يونس المدمرة والمسواة بالأرض؟
عندما أصغيت، في هذا الصباح، إلى محمد الأسطل مراسل راديو "أجيال" تساءلت إن كانت القيامة في المواصي قامت . الناس على شط البحر يفرون من خيامهم ليتبردوا في مياهه، ولا مياه صالحة للشرب، واكتظاظ البشر لا يتصور . يقول محمد:
- إن الكلمات كلها تعجز عن وصف الحالة. شيء لا يتخيل ولا يصدق.
بعض أهل غزة ما زالوا يتساءلون إن كان ما يمرون به هو حقيقة أم كابوس، ولعلنا لم ننس بعد الطفلة الجريحة التي أنقذت من تحت الأنقاض ووجدت نفسها في المشفى ، فتساءلت:
- عمو أنا في حلم ولا عن جد.
كان الأب الروحي للحركة الصهيونية (ثيودور هرتسل) يحلم بأن الدولة التي سينشئها خلال عشرين عاما ستضاهي حي الريفيرا في باريس وستفوق صناعتها الصناعة الألمانية وستصل قطاراتها إلى بيروت ودمشق ودولا عربية أخرى، وأغلب الظن أنه لم يسمع بدولة الإمارات العربية المتحدة، فلم يكن النفط جعل منها ذات شأن.
صدقت نبوءات (هرتسل) فقد جعل من يافا وحيفا وقرى عربية عديدة أماكن لا تصلح للعيش وأتبع بها يالو وعمواس وبيت نوبا، والآن يلحق قطاع غزة وجنين ومخيمها ومخيمات طولكرم بها، وبدلا من أن تصل إليها الكهرباء والقطارات و.. وصلت إليها الدبابات.
كان أبو سعد في رواية غسان كنفاني "أم سعد" يجلس على المقاهي وكانت أم سعد تخدم في البيوت، وها هو أبو طارق لا يختلف عن أبو سعد، وها هي أم طارق تواصل دور أم سعد.
هل نصدق فراشاتنا أم نستجيب لمحمود درويش في قوله:
"نخاف على حلم، لا تصدق فراشاتنا،
.....
.....
نخاف عليك ومنك نخاف. اتضحنا معا، لا تصدق إذن صبر زوجاتنا،
سينسجن ثوبين، ثم يبعن عظام الحبيب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا
نخاف على الحلم منه ومنا، ونحلم يا حلمنا. لا تصدق كثيرا فراشاتنا،".
الأوضاع أكثر من مأساوية.
كان الله في عون أهل غزة!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٥ / ٢٠٢٤

***

219- غزة ( ٢١٩ ) : أهل غزة : " تضيق بنا الأرض"

وأنا أتابع صفحة مخيم النصيرات و النصيرات أتوقف عند العبارات القصيرة التي يدونها أسامة أبو عاصي Osama Abu Asi الذي ينتظر الفرج غير مؤمن على ما يبدو بما كتبه ( صموئيل بيكيت ) في مسرحيته " في انتظار غودو " .
" لا بد من أن يأتي الخلاص " . لا بد من أن يأتي فرج ما " ، علما بأنه كتب اليوم أنه آخر ٢١٨ يوما لم يعش ٢١٦ منها .
صارت عباراته كلها تصدر عن صدر مكلوم يتطلع إلى فرج ما ، طاقة ما من السماء ، فقد بلغت القلوب الحناجر ، وعبر اليوم عن ضيقه ، وتذكر آيات قرآنية ورد فيها هذا الدال (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ... )
ولم يورد بيت الشنفرى الشاعر الجاهلي الصعلوك :
" لعمرك ما بالأرض ضيق على امريء
سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل "
قبل أن يكتب محمود درويش قصيدته " تضيق بنا الأرض " في ١٩٨٤ كتب قصيدة " رحلة المتنبي إلى مصر " التي عبر فيها عن تجربة شخصية فردية :
" هل غادر الشعراء مصر ؟ ولن يعودوا
إن أرض الله ضيقة ، وأضيق من مضائقها الصعود
على بساط الرمل "
ولكنه ، وقد غادرت الثورة الفلسطينية بيروت في آب ١٩٨٢ ، عبر عن ضيق الأرض بالفلسطينيين الخارجين ، وها هي الأرض تضيق ب ٢ ، ٢ مليون فلسطيني في غزة ، لا ببضعة مئات الآلاف كما كان الأمر في بيروت في حينه .
هل تنطق القصيدة بلسان أهل بيروت سابقا أم بلسان أهل غزة حاليا أم بلسان أهل الضفة الغربية مستقبلا ؟
" تضيق بنا الأرض تحشرنا في الممر الأخير ، فنخلع أعضاءنا كي نمر
وتعصرنا الأرض ، يا ليتنا قمحها كي نموت ونحيا ، ويا ليتها أمنا
لترحمنا أمنا .
...
إلى أين نذهب بعد السماء الأخيرة ؟ أين تنام النباتات بعد الهواء الأخير ؟
...
هنا سنموت هنا في الممر الأخير . هنا أو هنا سوف يغرس زيتونه .. دمنا "
ليس وراء أهل غزة إلا بيوت مهدمة وليس حولهم إلا الخراب وليس أمامهم إلا البحر ، ولا جدار يتكئون عليه ، ومنذ بدأ هجوم رفح ، قبل ثلاثة أيام ، لايجد قسم من الناس خيمة ، وإن وجدوها ، لا يجدون متسعا من الأرض لنصبها
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟ أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة ؟ أين تنام النباتات بعد الهواء الأخير ؟
أهل غزة في ورطة ، ولعل الفرج قريب !
ضاقت استحكمت حلقاتها ، ونحن نظنها لا تفرج ، ولكن " ليس آت ببعيد ، بل قريب ما سيأتي " .
إن أشد ساعات الليل حلكة وسوادا هي أقربها للفجر .
لعل وعسى !!
ولا تلوموا مواطنا من غزة ، وما زال فيها ، عما يصدر عنه . ليست اليد وحدها في النار . عالمهم كله في بيت النار .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٥ / ٢٠٢٤

***

220- غزة ( ٢٢٠ ) : الخيار النووي لإنهاء الحرب : أمريكا هي الطاعون

خطر ببالي في الأيام القليلة الماضية أن أتوقف عن كتابة يوميات مقتلة غزة وإبادتها وإهلاكها .
قلت:
- لعل توقفي عن الكتابة يكون بشارة خير ، فتتوقف الحرب ويعم السلام الذي قتل " على ربى وطني ، وفي وديانه " كما كتب سميح القاسم في ستينيات القرن ٢٠ . هل تذكرون قوله :
" ليغن غيري للسلام
ليغن غيري للمودة والوئام ،
فعلى ربى وطني ،
وفي وديانه ،
قتل السلام " .
ولم يثبت سميح على رأيه هذا ، فقد عاد وغنى للسلام ، وحذف هذا المقطع من طبعة أعماله الكاملة أو الناجزة كما أحب هو أن ينعتها .
السناتور الأمريكي الجمهوري ( ليندسي غراهام ) ، وهو أصغر مني بعام ، إذ ولد في ٩ تموز ١٩٥٥ ، اقترح ان تنهي الولايات المتحدة الحرب ، لا بفرض حل الدولتين ، وإنما بإلقاء قنبلتين نوويتين ؛ واحدة على غزة والثانية على إيران ، ويا دار ما دخلك شر . لقد فعلتها بلاده من قبل في الحرب العالمية الثانية في ( ناغازاكي ) و ( هيروشيما ) . ( Gaza shoud be nuked by occupation )
هل غاب عن ذهنه ما قام به الرجل الأبيض - أي أجداده - بالرجل الأحمر ؟
يبدو أن أن سي ( ليندسي ) يفضل بيع الجملة لا المفرق .
اليوم تتم الحرب يومها ال ٢٢٠ ، وقد اشتدت المعارك في جباليا من جديد ، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يريد إنجاز مهمة الإبادة والمحو لا التهجير ، فالذين هاجروا إلى رفح ، باعتبارها منطقة آمنة ، أجبروا على مغادرتها .
بم صدر محمود درويش قصيدته " خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض "؟
" هل قلت : موتى ؟
لا موت هناك ..
هناك ، فقط ، تبديل عوالم "
( سياتل ، زعيم دوامش ) .
ويبدو أن الأمر في نظر سي ليندسي غراهام ليس سوى تبديل يهود بعرب فلسطينيين ، ف " لن يفهم السيد الأبيض الكلمات العتيقة "!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

221- غزة ( ٢٢١ ) : ولنا هدف واحد : أن نكون ( محمود درويش)

أصحو وأتابع ما انتهى إليه الأمس . الأجواء لا صافية تماما ولا شتائية أيضا . بين بين . واليوم كما الأمس . موت وتدمير ومقاومة وإبادة . الجثث في الشوارع والجرحى على قارعة الطريق وفي طائرات الهيلوكبتر وأبو يائير يلقي خطابه في عيدهم نكبتنا ونكبتنا عيدهم ، والعام 76 ينتهي أو يبدأ ( 1984 - 2022 ) والنكبة مستمرة ولا حلول في الأفق .
الأجواء خماسينية والدبابات في أزقة مخيم جباليا والمواجهات - يقال - وجها لوجه .
وما زال أبو يائير يصر : إنها حرب وجودية . لم يختلف الخطاب منذ 220 يوما .
أسير في شوارع نابلس . المدينة هادئة تماما وفواكه الصيف المسمنة على العربات والمشترون قليلون ، فلا فائض في الرواتب التي تنحف كل شهر شيئا فشيئا . 100 بالمائة . 80 بالمائة . 50 بالمائة ، ف ( سموتريش ) يحتفظ بأموال المقاصة والخزينة فارغة والسبع عجاف ، فماذا يفعل وزير المالية ؟ .
اشتعل أمس شمال قطاع غزة وتواصل اللهيب في رفح ، والهائمون على وجوههم يسألون عن خيمة أو عن مساحة أرض لنصب خيمة ، ولا تعدم كريما يوفر المساحة لمن يسأل وآخر يكتب : " تحذير : يرجى عدم نصب خيام هنا " .
أتابع صفحة " رفح : منطقة رفح تل السلطان أهالي حي تل السلطان { محافظة رفح } 🇵🇸 و صفحة مخيم النصيرات و النصيرات وصفحات أخرى تهاجم وتشكو .
هل أتابع أخبار مؤتمر القمة أم أقرأ قصيدة مظفر النواب " قمم . قمم " ؟
عدد القتلى بالعشرات .
هل السؤال :
- نكون أو لا نكون ؟
وفي " حالة حصار " 2003 كتب محمود درويش :
" واقفون هنا . قاعدون هنا . دائمون هنا .
خالدون هنا . ولنا هدف واحد واحد :
أن نكون .
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء :
على صورة العلم الوطني
[ ستحسن صنعا لو اخترت يا
شعبي الحي رمز الحمار البسيط ]
وفي مخيم جباليا ما زال قسم من المواطنين يردد :
" واقفون هنا . قاعدون هنا . دائمون هنا "
ولهؤلاء المجد كل المجد والتقدير كل التقدير والتحية كل التحية والاحترام كل الاحترام .
عندما عممت مقال الكاتبة العراقية إنعام كجه جي ( اسمي تايلور ) أول أمس سألتني عن السبب ، فأجبتها إنني في 3 آذار 2024 كتبت مقالا تحت عنوان " العالم بعيدا عن غزة والضفة الغربية " .
عالم ليس لنا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

222- غزة ( ٢٢٢ ) : من دفاتر الشعر الجاهلي... ذكرى مختلفة تماما للنكبة 76

تزداد الحرب اتقادا وتتضاعف الخسائر والكل يشكو . ذهب تذاكي بعض مؤيدي اتفاقية أوسلو سدى . هل تتذكرون الرأي :
- ما لنا لنا ولكم ، وما لنا لنا وما لكم لكم وما لكم لنا ولكم و ...
هل هذا ما عناه محمود درويش في " سيناريو جاهز " :
" ولم نتحاور ،
تذكرت فقه الحوارات
في العبث المشترك
عندما قال لي سابقا :
كل ما صار لي هو لي
وما هو لك
هو لي ولك !
ومع الوقت ، والوقت رمل ورغوة صابونة
كسر الصمت ما بيننا والملل
قال لي : ما العمل ؟
هرب الوقت منا
وشذ المصير عن القاعدة
ههنا قاتل وقتيل ينامان في حفرة واحدة
... وعلى شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو
إلى آخره !! " .
غالبا ما يراودني السؤال :
- ما نماذج الشعر الجاهلي التي أراد الشاعر أن يعلمها لأعدائه ؟
في الحرب كتب زهير بن أبي سلمى :
" وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضر إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها
وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها
قرى بالعراق من قفير ودرهم "
ولقد بعثوها ذميمة فازدادت اتقادا وضراما واكتووا أيضا بنارها ، فحسب إحصائيات تكرر أمس وأول أمس الرقم ٧ ، وأقر الإسرائيليون بقتيل و ٩٥ جريحا ، وما بعد ٧ أكتوبر ليس كما قبله .
المعارك تزداد عنفا والمواجهات صار يقال عنها : وجها لوجه ، والمقاومون يغنون أغنية الثورة القديمة :
" طالع لك يا عدوي طالع
من كل بيت وحارة وشارع "
وأهل جباليا صامدون يرفضون الهجرة والرحيل .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٥ / ٢٠٢٤

***

223- غزة ( ٢٢٣ ) : غزة قبل وغزة بعد :

اليوم انعقد مؤتمر القمة العربية ، ومنذ ستة عقود وهو ينعقد . ما بقي من لاءات الخرطوم ١٩٦٨ أية " لا " ، وصارت اللاءات كلها نعم وتحققت على أرض الواقع ؛ تفاوض قسم من العرب مع إسرائيل وتصالحوا معها ، بعد أن خاضوا حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، وسالموها ، ولم يستعيدوا مناطق الاحتلال الثاني التي خسروها في حرب حزيران ١٩٦٧ .
اليوم يلقي القادة العرب كلماتهم المعدة سلفا ، واليوم يزداد القتال في قطاع غزة ضراوة . هل نستعيد ما قاله مظفر النواب " قمم قمم " ؟
هل نستعيد بعض مقاطع من قصيدة أمل دنقل " لا تصالح " ، بخاصة المقطع الذي يأتي على الشيوخ الشروخ الذين استطابوا الثريد ؟
قبل أيام كتبت أن المقاومة الفلسطينية ستهدي نصرها للزعماء العرب ، وقد ورد هذا على لسان قائد حمساوي ، فهل ما زال عند رأيه ؟
قبل أشهر تقريبا عرضت أشرطة فيديو لمدن قطاع غزة قبل تدميرها وبعده ، وقليلة هي الصور التي عرضت لأشخاص : ما كانوا عليه وما صاروا إليه ، وأمس نظرت في الصورة الأخيرة للكاتب الغزي طلعت قديح وقارنتها بالصورة التي كان عليها قبل ٧ أكتوبر . كان بضا ممتلئا وصار ذابلا نحيفا فعلت به الحرب ما فعلت . وكان من قبل عرض أكثر من شريط لمنزله . أيضا قبل وبعد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
إن أصيب الغزيون بالجنون فقولوا :
لا غالب إلا الله وهو المستعان .
هل نواسيهم أم نواسي أنفسنا ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٥ / ٢٠٢٤

***

224- غزة ( ٢٢٤ ) : من تل الزعتر إلى جباليا ، ومن قبل ومن بعد

أنفقنا عمرنا نتابع نشرات الأخبار وآخر أخبار المعارك في جبهات القتال ، وأنفق الإسرائيليون أعمارهم في الدبابات والطائرات والخنادق وأقبية السجون أيضا يحققون مع الفلسطينيين يلاحقونهم ويقصون أثرهم ويفتخرون بإنجازات تشبه إنجازات من لاحقوهم في ألمانيا وفي معسكرات الإبادة وفي .. .
انتهت فترة الحكم النازي ولم تدم أكثر من ثلاثة عشر عاما وطالت فترة الاحتلال الإسرائيلي لستة وسبعين عاما ولما تنته و ... .
ببساطة فلقد لاحقنا الملاحقون قبلنا سبعة أضعاف ملاحقة النازيين لهم ولما ييأسوا .
ما زالت المعارك في غزة في عنفوانها ، وأمس وصباح اليوم وجدتني أردد مقاطع من قصيدة محمود درويش " أحمد الزعتر " :
" ... وله انحناءات الخريف
له وصايا البرتقال
له القصائد في النزيف
له تجاعيد الجبال
له الهتاف
له الزفاف
له المجلات الملونة
المراثي المطمئنة
ملصقات الحائط
العلم
التقدم
فرقة الإنشاد
مرسوم الحداد
وكل شيء كل شيء كل شيء
حين يعلن وجهه للذاهبين إلى ملامح وجهه
يا أحمد المجهول !
كيف سكنتنا عشرين عاما واختفيت
وظل وجهك غامضا مثل الظهيرة
يا أحمد السري مثل النار والغابات
أشهر وجهك الشعبي فينا
واقرأ وصيتك الأخيرة ؟ "
والسؤال نفسه :
هل قال شاعرنا الوطني قصيدته في مخيم تل الزعتر أم في مخيم جباليا وقطاع غزة ؟
أغلب الظن أن الإسرائيليين يزدادون حماقة والفلسطينيين يزدادون شراسة في الدفاع عن حقهم .
ما أراني أكتب إلا معادا مكرورا وأعدل في متون الآخرين وأضيف هامشا في سرد الحكاية .
صارت الحكاية مملة وكذلك الكتابة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٥ / ٢٠٢٤

***

225- غزة ( ٢٢٥ ) : خزق وخوزق [خزقه و خوزقه]

العبارة اللافتة أمس ، وقد ترددت على الألسن وفي صفحات التواصل الاجتماعي ، هي عبارة المقاوم الفلسطيني الذي اصطاد جنود جيش الاحتلال في غزة :
- والله يا ولاد تخزقوا شفتهم بعيني . تخزقوا .
والعبارة للفلسطينيين وأبناء بلاد الشام عبارة مألوفة هي ومثيلتها " خردقوا / خردقتهم / تخردقوا " ومثلها " نخلوا / نخلتهم / تنخلوا " ومثلها " مزعوا / مزعتهم / تمزعوا " .
أدرج علاء الفزاع ، وهو معارض أردني يقدم حلقات يتابع فيها الحرب في غزة ، العبارة في حلقته أمس فسأل مواطن جزائري عن معناها ، وقد أوضح له بعض المتابعين ماذا تعني . أحدهم قال إنها تعني أنه أحدث ثقوبا في جسده ، وآخر قال إنها تعني الخازوق - والخازوق هو مسمار أو سيف يعاقب به عدو الحاكم ، وهي مفردة ذات دلالة تاريخية تعود إلى عصور سابقة ، وتعني نوعا من أنواع التعذيب والقتل ، وقراء رواية إميل حبيبي " المتشائل " يعرفونها ، وإن استخدمها بمعنى غير معناها الحرفي " الجلوس على الخازوق " - أي الرضا بما أنا فيه " ورضيت بخازوقي " . وأما علاء حليحل في روايته " اورفوار عكا " فقد استخدمها بمعناها التاريخي المعروف وأطنب في الوصف ، وأما مظفر النواب في قصيدته " تل الزعتر " : " خوزق . خوزق . خوزق . هذا ملك يستأنس بالخازوق " فقد استخدمها بالمعنيين ؛ الحقيقي والمجازي .
" خزقتهم " تعني أن الرصاص اخترق أجسادهم - أي نفذ منها ، فوقعوا صرعى ، وفي الشعر الجاهلي قال قيس بن الخطيم :
" طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر
لها نفذ ، لولا الشعاع ، أضاءها "
أي طعنه بالرمح طعنة اخترق السهم فيها جسد المطعون لدرجة أنك ، لولا الشعاع ، لرأيت خلالها الضوء .
جيش الاحتلال لم يكتف بإحداث ثقوب في مباني بيوت قطاع غزة ، لأنه سواها بالأرض ، ولم يخزق أجساد المقاتلين الفلسطينيين ، بل نخلها ونخل أيضا أجساد المدنيين ، وقتل المدنيين بلا رحمة . لقد هرس البيوت هرسا وقطع أوصال أجساد البشر و ... والله غالب على أمره ، ولا حول ولا قوة إلا به .
" خزقتهم . شفتهم بعيني . شفتهم بعيني " قال المقاوم ، وأما أنا فسمعت العبارة وحال ضعف النظر دون الرؤية ، ومساء أمس أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على حارة الدمج في مخيم جنين فارتقى شهداء منهم إسلام خمايسي . هل بدأت معركة تسوية المباني في الضفة الغربية بالأرض ؟
الله المستعان !
صباح الخير يا غزة ويا جنين
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٥ / ٢٠٢٤

***

226- غزة ( ٢٢٦ ) : وردة بيضاء من أجل ديفيد :

من هم الحيوانات البشرية ؟
في اليوم ٢٢٦ من مقتلة غزة وإبادتها وإهلاكها جوعا وحصارا وفتكا أتذكر عنوان مجموعة القاص غريب عسقلاني " وردة بيضاء من أجل ديفيد " التي كتبها في انتفاضة ١٩٨٧ ؛ الانتفاضة الأولى ، وكتب فيها عن نماذج يهودية إنسانية .
الإسرائيليون نعتنا قسم منهم في بداية حرب ٧ أكتوبر ، بأننا حيوانات بشرية ، وبعد مرور ٢٢٦ يوما على دمار قطاع غزة وقتل ما يزيد عن ٣٥ الف فلسطيني أكثرهم من الأطفال والنساء وكبار السن وجرح أكثر من ثمانين ألفا نقرأ في يوميات الكاتب خضر محجز الآتي :
https://www.facebook.com/profile.php?id=100073799810654&__cft__[0]=AZWGM-Qu0Yqa3ApzxB3ScXwq1nTq8SEleIIQzMfXEtvpoWrMsOoxJZU_DeuRRUIAhatEbVXQ9otSRnvvUi8m-QOHVUHnsFLtSxzxNkpAwLEinqnYPkKNBJiI5CuD9Yq_rXQRz-i28tUsM0llR4Ley0FaaSacL6ld5F_xkqHAuTZHWTwgpN8STZIc80QNo6qiV40&__tn__=<,P-y-R
خضر محجز
·
يوميات الحب والحرب92:
الخير والشر وراء العناوين:
عشتُ ما عشتُ، وسأموتُ حين أموت، ولا أنسى مشاهد من الخير ينكرها من لا يعرفون كوامن الخير في نفوس البشر:
1: المثال الأول:
"سعاديا" اليهودي المروكي في "موشاف يد رمبم" الذي عملت عنده في الحقل صبياً في شهور العطلة المدرسية.
سعاديا رأى أولاد العرب في الموشاف ينفقون ما يكسبون على الهمالة، فادخر لي نقودي، ومنعني من الوصول إليها، وضحى في سبيل ذلك بأن أعتبره سارقاً لجهدي.
حين انقضت العطلة، حملني في سيارته وكثير من منتوجات حقله، ثم أنزلني في الجواريش عند موقف سيارات العرب، وقبلني ودموعه على خديه، ثم نقدني كامل نقودي، ولم يخصم منها ما أخذته منه من سلفيات، وحملني الهدايا، وأوصاني بالعودة كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك.
سعاديا هذا كان قد فقد رفيق سلاحه في حرب 1967 ولكنه لم ينس الرحمة.
سعاديا هذا خير من مسلم يطحن رأس عدوه بالفأس، تحت عين الكاميرا، ثم يزعم إن الله أمره بهذا.
2: مثال آخر:
السجان اليهودي في مسلخ سجن غزة المركزي في العام 1989 يستخرجني من الزنزانة، فأشعر بالأمل في الانتقال من كاف سمولة الذي هو شديد الحرارة عديم التهوية إلى الزنازين الأقل سوءاً.. لكنه إذ يرفع الكيس من رأسي، وأرى في عينيه نظرة الرحمة والحنان، أدرك أنه مأمور بسوقي مرة أخرى إلى التحقيق، لوجود اعترافات جديدة من الآخرين تقتضي إعادة التعذيب.
3: المثال الثالث:
السجانة اليهودية المروكية "إذنه" في سجن غزة المركزي في عام 1992، حيث كنت موقوفاً للإبعاد..
"إذنه" تتناول طفلي "عمرو" وليد يومه الذي جاءت به أمه بعد ساعة من ولادته، لأودعه قبل الرحيل.
"إذنه" تتناول الطفل فتقبله وتحضنه، وتضمه إلى صدرها، وتتنشق عبيره، وتفك حفاظاته، وتتأمله بحب، وهي تقول لأمه: هذا مولود اليوم. واضح أنك احضرته ليودعه أبوه.
إنني لا أكره كهؤلاء، بل أحبهم وأحب من هو مثلهم ـ وهم كثير ـ ولو قابلتهم في الحرب، لما آذيتهم ولو قتلوني.
سيقول المتدينون الخاطئون إنني أحمق. ولكني سعيد بحمقي.
نسيت أن أقول إن عمراً استشهد، ولكن ذلك لا يغير من حبي لأذنه وسعاديا والسجان اليهودي الملتاعة عيناه.

***

227- غزة ( ٢٢٧ ) : ماذا تقول المنجمة ليلى عبد اللطيف؟

في الظهيرة وأنا وزميلي نجلس معا في محل ابن أخيه قدم بقال يعرفنا والحديث ذو شجون .
عندما أتينا على خبر تحطم طائرة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته ومجموعة ممن كانوا ، على متن الطائرة معهما ، قال البقال:
- اليهود يريدون أن يقولوا لكل من يقف ضد دولة إسرائيل: هذا هو مصيركم.
ومنذ مساء الأمس، عندما أعلن الخبر، وقسم من المتابعين يتساءل إن كان الموساد الإسرائيلي وراء تفجير الطائرة.
في ساعات المساء، في البقالة، اشتريت علبتي تونة، ولم أتكلم مع البقال أو مع أي من الموجودين، ولكني استمعت إلى الحوار الآتي بين مزود البقال ببعض البضائع والبقال نفسه:
- ماذا قالت ليلى عبد اللطيف عن طائرة الرئيس الإيراني؟
- أمس أرسل إلي صديق رسالة (مسج). لقد قالت ليلى إن الطائرة انفجرت.
وأخذ ينظر في هاتفه ليري البقال الرسالة / المسج .
عندما غادرت البقالة فكرت :
- ماذا قالت المنجمة عن الحرب الدائرة حاليا ؟ هل تنبأت بهذا الذي يجري ؟ هل أخبرت ، قبل بدء الحرب ، عن كل ما جرى فيها ؟
وقلت :
- علي أن أشاهد ليلى تتكلم . ماذا قالت ؟ هل صدقت نبوءاتها؟ أم هل أن علي أن أردد بيت الشاعر العباسي " أبو تمام " في معركة عمورية:
" تخرصا وأكاذيبا منمقة ، ليست بنبع ، إذا عدت ، ولا غرب"
- أي ليست ذات قيمة؟
وأخذت أتابع أخبار الحرب. حرائق في جباليا. المعارك تزداد ضراوة في شمال قطاع غزة وجنوبه. قنص وقنص مضاد ، وحرب الشوارع والأزقة في أوجها، وأهل جباليا ما زالوا صامدين فيها لا ترهبهم الطائرات وقذائفها وقذائف الدبابات، والمحكمة الجنائية تتخذ قرارات ضد (بنيامين نتنياهو) و(يوآف غالانت) وأيضا ضد قيادة المقاومة، والمقاومة ترى في القرار قرارا يساوي بين الضحية والجلاد.
لا بديل عن تفكك الدولة الإسرائيلية لتصبح فلسطين دولة لمن يعيش على أرضها، ولا حل دون عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وما دون ذلك إطالة أمد الصراع.
الحياة في مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها تسير كالمعتاد "سيري فعين الله ترعاك" .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٠ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

228- غزة ( ٢٢٨ ) : غزة في زمني الحرب والاشتباك

في الخامسة مساء خرجت من الشقة أتمشى، وفجأة وجدتني أكرر سطر محمود درويش:
" وغزة لا تبيع البرتقال لأنه دمها المعلب"
وأعقب عليه بعبارة ، وسؤال وجهته مرة لجارنا المحامي الغزاوي المرحوم أبو نزار:
"هذا إن بقي في غزة برتقال .
هل بقيت يا "أبو نزار" في غزة بيارات برتقال؟"
عندما كتب درويش قصيدته في العام ١٩٧٣ كان قطاع غزة يصدر البرتقال إلى بقية مدن فلسطين، وكان عدد سكانها يصل بالكاد إلى ثلاثمائة ألف فلسطيني، وعندما سألت "أبو نزار" بلغ العدد مليونين. ازداد البشر واتسع العمران وتضاءلت مساحات الأراضي وقلت البيارات ، والآن وأنا أكتب سوى جيش الاحتلال الإسرائيلي المباني بالأرض وجرف الأراضي الزراعية واستمتع بعض جنوده ببعض حبات برتقال.
وأنا عائد إلى الشقة تصفحت موقع مخيم النصيرات وقرأت ما كتبه Osama Abu Asi عن عقوق الوالدين مجسدا في حكاية رجل طرد أمه وأخواته من بيته ، فهمن يبحثن عن مأوى يؤويهن .
ليس ثمة هدنة منذ أشهر ، فالحرب سجال وذهبت أمنيات أسامة ابو عاصي مع الريح .
غير مرة كتبت عن قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم " أو " زمن الاشتباك " وتمييزه بين الحرب والاشتباك .
الحرب لما تنته وقد أتت على الأخضر واليابس والبشر ودمرت كل ما بناه الغزيون منذ عقود.
عندما تنتهي الحرب سيتواصل زمن الاشتباك وقد يستمر عقودا.
الإسرائيليون والعالم تحدثوا مطولا وخططوا كثيرا لليوم التالي للحرب ، ولم يفكر أحد، في هذه الدنيا الرثة، في حياة أهل غزة في زمن الاشتباك.
هل بدأت الحرب في الضفة الغربية تتدحرج؟
اليوم ارتقى سبعة شهداء أكثرهم لا ينتمي لفصيل مقاوم ولا يحمل السلاح . اليوم ارتقى الطبيب الاختصاصي وتلميذ المدرسة والباحث عن فرصة عمل و... و.. ولا أحد يعرف ما سيلم بنا، على الرغم من أنني شخصيا أردد:
- إننا ذاهبون إلى جنوب أفريقيا. شاء من شاء وأبى من أبى و"اللي مش عاجبه يشرب من البحر الميت"، ويبدو أنني بعد عشرين عاما من وفاة الرئيس الفلسطيني الذي خرب بيتنا ب "أوسلو"، حتى يصبح رئيسا يمشي على السجاد الأحمر ، يبدو أنني صرت عرفاتيا! يبدو!
مساء الخير يا غزة وجنين
خربشات عادل الاسطة
٢١ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

229- غزة ( ٢٢٩ ) : طوفان شمال غزة: السفينة تغرق رويدا رويدا

عرفتنا الحرب بمجموعة من كتاب غزة لم تكن أسماؤها مألوفة لدينا ؛ إما لقلة اطلاعنا أو لأن نقاد جيلي توقفوا أمام أسماء بعينها حجبت نصوصها نصوص الجيل الجديد ، مكتفين بما ألفوا غير ميالين للكشف . كأنما الأسماء الجديدة كتب عليها أن توجد معها نقادها.
في الحرب تابعت صفحات كاتبات وكتاب عديدين لم أقرأ لهم من قبل. يسري الغول ومحمود جودة ود.آلاء القطراوي ود. هيا فريج ونعمة حسن وكتابات آخرين قرأت بعض نتاجهم.
بقي يسري الغول في مكانه ولم ينزح ومثله هيا فريج فكتبا عن صمودهما، وغادر محمود جودة ونزحت نعمة حسن وأما مأساة آلاء القطراوي بفقدها أبناءها وبناتها الأربعة فقد أدخلت قصائد الرثاء التي قالتها فيهم الحزن إلى قلوبنا، حتى أن بعض قرائها نعتها بأنها خنساء فلسطين الجديدة، فخنساء فلسطين القديمة هي فدوى طوقان.
منذ خمسة أيام لم أعد أقرأ ل هيا فريج، ما دفعني لأكتب لها على صفحتها أسأل عن أخبارها.
مما كتبته هيا :
"ما زلت في مخيم جباليا... واللي كاتبه ربنا بده يصير"
١٤ / ٥ / ٢٠٢٤
" مع شديد أسفي لما سأقوله ، وأعلم أن الأمر مؤلم لي ولكم ، فكلنا بين نازح ومشرد ومصاب وشهيد ومعتقل .. لكن من الواضح أن لا عودة للنازحين ، وكل منا سيبقى في مأواه أو في خيمته أو ما تبقى من منزله أو سيهاجر في رحلة إلى المجهول بعد أن تستنفد كل أسباب البقاء..
ضيع الله من ضيعنا ، وشتت الله من شتتنا"
١٠ / ٥ / ٢٠٢٤
" شرق غزة وغربها وشمالها وجنوبها ، جميعها مناطق رخوة حسب الدويري وجماعته "
٨ / ٥ / ٢٠٢٤
" مش ناويين على هدنة . بدي أفيز " أي تأشيرة سفر
٨ / ٥ / ٢٠٢٤
" يا رب يا رب يا رب
الدبابات وصلت معبر رفح "
٧ / ٥ / ٢٠٢٤ .
الحرب بعثرت أصدقاء والحرب أودت بأصدقاء والحرب خلقت صداقات ولو وهمية والحرب ... !!
أمس كتبت : يبدو أن الحرب بدأت تتدحرج في الضفة الغربية ، وفي صبيحة هذا اليوم أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن دولته قررت إلغاء فك الارتباط في شمال الضفة الغربية . هل ستطلب منا إسرائيل ، نحن المقيمين في شمال الضفة الغربية ، أن ننزح إلى وسط الضفة الغربية وجنوبها حتى تقضي على قوات حماس والجهاد الإسلامي ثم ... ثم ... ثم ... .
" يا هذا البدوي الضالع بالهجرات تزود قبل الربع الخالي بقطرة ماء " واليوم هو الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر العراقي مظفر النواب .
مساء الخير يا غزة وجنين ومخيمها
خربشات عادل الاسطة
الأربعاء ٢٢ / ٥ / ٢٠٢٤

***

230- غزة ( ٢٣٠ ) : ماذا بقي من قطاع غزة ؟

أتذكر أنني في العام ١٩٩٣ ، عندما كتبت نص " ليل الضفة الطويل " ، أتذكر أنني غبطت أهل قطاع غزة لأنهم يمتلكون بحرا نفتقد نحن في الضفة الغربية مثله ، فحتى البحر الميت لا يتيسر الوصول إليه بسهولة تيسر وصول أهل القطاع لشاطيء البحر المتوسط .
وإن لم تخني الذاكرة فإن كتاب قطاع غزة وجدوا في البحر والشاليهات التي أقيمت على شواطئه متنفسا ، حتى أن أحد مثقفيها الأثرياء ، وهو عبد الكريم السبعاوي ، عاد من استراليا ليستقر فيها ، فأنشأ كازينو أمه الكتاب بسرور ، واستقبلهم هو فيه بحفاوة ثم .. ثم للأسف عاد الكاتب من حيث أتى ، وربما حضر البحر في أدبياتهم حضورا لافتا . أذكر أن القاص المرحوم زكي العيلة ألف كتابا عن تراث البحر - أي أغاني صياديه و ... و ... .
الآن في هذا الصيف القائظ يهرب الناس من خيامهم إلى شط البحر يتبردون في مياهه وقد يغوصون فيها ، ومنهم من لقي حتفه في البحر يوم سبح ليحصل على طرود المساعدات . يومها صار البحر قاتلا إضافيا كأن لا يكفي أهل القطاع اجتماع أمريكا وبريطانيا وألمانيا ودول أخرى عليهم.
آخر شريط فيديو شاهدته ، ثم أدرجته على صفحتي ، هو لطفل غزي يغطس في الماء بفرح ويقول:
- لم يبق لنا من غزة شيء إلا البحر .
ويعرب الطفل عن خوفه من الزنانات والكواد كابتر الإسرائيلية ، فقد تهاجم الناس وتقتل عددا منهم .
وأنا أكتب تذكرت ما كتبه الشاعر العراقي سعدي يوسف في سبعينيات القرن العشرين :
" للبحر أنت تعود مرتبكا
والعمر تنشره وتطويه
لو كنت تعرف كل ما فيه
لمشيت فوق مياهه ملكا " .
هل يكرر أطفال غزة ، وهم على شاطيء البحر ، سطر محمود درويش في " جدارية " :
" هذا البحر لي " .
بلغ عدد شهداء مدينة جنين ومخيمها ، أمس ، ١٢ شهيدا ، وربما أكثر.
مساء الخير يا غزة وجنين
خربشات عادل الاسطة
٢٣ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

231- غزة ( ٢٣١ ) : اليوم التالي للحرب

إن انتهت الحرب ، ويبدو هذا ، بعد قرار محكمة العدل الدولية ،
ممكنا ، فإن زمن الاشتباك في غزة سيتواصل .
من قصة غسان كنفاني " الصغير يذهب إلى المخيم " عرفت الفرق بين مفهومي الحرب والاشتباك وكتبت عنهما مرارا.
تنتهي الحرب لحين . تكون هناك هدنة ، ويتواصل اشتباك الناس مع الحياة .
سيتفقد الناس بيوتهم ويقفون على أطلالها ، وسيتذكرون الشهداء ، وسيعودون الجرحى ، وسيعيش أطفال في مراكز رعاية الأيتام ، وقد يبحث الأرمل عن زوجة ، وقد تحظى أرملة بزوج أو أهل يهتمون بشأنها ، وقد تنفق زوجة شهيد العمر تربي أبناءها ويمضي عمرها بين البحث عن عمل أو مساعدات أو ... أو ... أو ... .
سيعيش الغزيون حياة قاسية صعبة وينفقون زهرة شبابهم يكدون ويعيدون البناء ويعمرون . سيكررون تجربة الأجداد والآباء و ... و ... و ... .
في اليوم التالي للحرب تتواصل معركتهم الطويلة المريرة القاسية ، ولا أقول تبدأ ، فهي بدأت منذ حلوا على هذه الدنيا ، ومنذ صاروا لاجئين ومحتلين ، ومنذ زرع الاستيطان الصهيوني في أرضهم .
اليوم وأنا أتحدث مع سائد نجم Saed Najem عن رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " وعن خربشاتي عن المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة وجدتني ، كما هي خربشاتي ومقالاتي ، أنتقل من زمن إلى زمن ومن مخيم فلسطيني في غزة والضفة الغربية إلى مخيم فلسطيني في لبنان وسورية والأردن ، فما حدث في خمسينيات وستينيات القرن العشرين تكرر في سبعينيات وثمانينيات القرن نفسه وما زال يتكرر والحكاية طويلة .
إن ما نعيشه عاشه من سبقنا ، وما نكتبه كتبه الأدباء الفلسطينيون الذين كتبوا منذ خمسينيات القرن العشرين.
يتحدثون عن اليوم التالي للحرب ولا يكترثون لزمن الاشتباك الذي لما ينته .
هل ستكون هذه الحرب آخر الحروب أم سنكرر قول الكاتب الإسرائيلي ( حانوخ ليفين ) :
- أنا وأنت والحرب القادمة !
لا أحد يعرف ، وغالبا ما أكرر سطر محمود درويش في " جدارية " :
- لست النبي لأدعي وحيا ، وأعلن أن هاويتي صعود .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٤ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

232- غزة ( ٢٣٢ ) : كل ما تجلبه الريح ستذروه العواصف

رحم الله الشاعر توفيق زياد الذي قال :
" كل ما تجلبه الريح ستذروه العواصف "
وها هو الميناء الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية على شاطيء غزة تجرفه الأمواج ، كأنما أراد شاطيء غزة أن يشارك في الرفض والمقاومة .
أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد جزءا من الميناء على يقترب من شاطيء أسدود تذكرت غزوة الخندق وتساءلت إن كان الله أرسل ريحا صرصرا تقتلع ما جلبته أميركا ، والصحيح أنني لم أتمالك نفسي من الضحك.
هل انجراف جزء من الميناء شارة لانتهاء الحرب ؟
نحن لا تحركنا عقولنا وحسب ، فلمشاعرنا وأمانينا وأحلامنا ورغباتنا وتطلعاتنا و ... و ... نصيب أيضا في الأمر.
عندما صحا أهل غزة في العام ١٩٥٦ على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منها أصيب كثيرون منهم بالدهشة وانتابهم الفرح ، وقد صور هذا الشاعر هارون هاشم رشيد في روايته التي كتبها بعد خمسة عشر عاما " سنوات العذاب " .
ما حدث للميناء أنساني ما ألم بمن تبقى من أهل جباليا فيها ، فبعد انقطاع د. هيا فريج مدة أربعة أيام عن الكتابة ، بسبب شدة المعارك ، عادت لتخبرنا أنها وأهلها ما زالوا على قيد الحياة ، ولكنهم اضطروا ، بعد ٢٣١ يوما من الصمود ورفض الهجرة عانوا خلالها الجوع والعطش والرعب والقلق وعدم الاستقرار ، اضطروا إلى أن يغادروا المخيم .
أنهت هيا فريج فقرتها القصيرة بتكرار دعواها :
" اللهم شتت من شتتنا وضيع من ضيعنا "
والمعنى في بطن الشاعر ، وهنا في عقل كاتبة العبارة صاحبة الدعاء .
منذ ١٩٤٨ والإسرائيليون يشتتوننا ، فنهيم في بلاد الله الواسعة .
النكبة مستمرة والمقاومة متواصلة . هل أكرر عبارة كاتب فلسطيني :
- أبدا على هذا الطريق
أم أكرر قول مريد البرغوثي :
" طال الشتات وعافت خطونا المدن
وأنت تمعن بعدا أيها الوطن
يقول من لم يجرب ما نكابده :
كأن أجملهم بالموت قد فتنوا "
ولهيا فريج أقول :
" ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها "
وكتب الله لكم النجاة والسلامة .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٥ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

233- غزة ( ٢٣٣ ) : روح السخرية في غزة تبعث من جديد

في الأيام الثلاثة الأولى لحرب ٧ أكتوبر ظهرت السخرية في تعليقات أبناء غزة على ما جرى ، ومع دك الطائرات الإسرائيلية منازل المواطنين والمباني الحكومية اختفت تماما . صار الموت زؤاما أسود والقتلى بالمئات والجرحى بالآلاف .
فجر هذا اليوم ، لحظة أعلن الملثم أبو عبيدة خبر استدراج مقاتلي القسام لمجموعة جنود إلى فوهة نفق وقتل قسم منهم وجرح بعضهم وأسر آخرين عادت روح السخرية إلى بعض مواطني غزة . تصفحت صفحة مخيم النصيرات ( نبض النصيرات ) التي يكتب فيها أسامة أبو عاصي وقرأت ما كتب :
" حد يفسر لنا جملة :
للحديث بقية " . ( حد = أحد ما ) .
" مصادر غزاوية : ارتفاع سعر شبشب النابولي على مستوى العالم خلال دقائق "
" شحطوكم بالشباشب يا هلسات " .( شحط = جر ) .
" نتنياهو بعد خبر الأسرى قال لسارة مرته :
روحي أنت طالق طالق طالق بالثلاثة وملكيش رجعة " . ( مرته = امرأته . زوجته ) .
" الجيش أعلن أنه فك أسر ست فط ..ا ..ي.. س . ( أي جثث ) .
شباب جباليا يسكتو . طبعا : لاء . ( يسكتو = هل يسكتون ؟)
راحوا جابوا بدالهم عالسريع هههههههه .
هات فاضي وخود مليان ." ( خود = خذ ) .
" غالانت : زي مبقلك . دمرنا الأنفاق في الشمال ، وقضينا ع المقاومة . ( زي مبقلك = مثل ما أقول لك ) .
أبو عبييدة : اشحطوهم شحط "
" بن غفير اجتمع مع نتنياهو وقلوا :
- احنا بعثناك على غزة عشان تحرر ولادنا . بشوف ولادنا راحوا وما رجعوا . "
" بن غفير طلق مرته بعد خبر الأسرى "
" جابوا لنا ضيوف جداد .
لعيونك يا أبو عبييدة راح أوزع كاريلا و رويال " ( لا أعرف ما الكاريلا ، وأما الرويال فهو صنف دخان / سجائر ) .
" حتى الزنانة بعد إعلان أبو عبييدة بتقزدر ( بتكزدر ) بدها تشوف إيش في " ( بتقزدر = تتمشى ببطء ) .
وعندما أبدى قاريء رأيه ذاهبا إلى أنه ضد العملية عقب عليه بعبارة :
- روح تشطف ونام .
المقاومون يقاومون مرتدين الشباشب وجيش الاحتلال يقاتل بملابسه وكامل عتاده وربما يرتدي الستر الواقية.
واليوم عادت الحرب إلى بداياتها ، فبعد توقف إطلاق الصواريخ لمسافات بعيدة ، رشقت المقاومة تل أبيب بعدد منها ومن رفح .
هل ستعجل عملية أمس بإنهاء الحرب أم ستزيدها اشتعالا ؟
مساء الخير يا غزة
٢٦ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

234- غزة ( ٢٣٤ ) : مجزرة في رفح . هي محرقة

في الثالثة من فجر ٢٧ / ٥ / ٢٠٢٤ أصحو من النوم وأقلب صفحات التواصل الاجتماعي . أقرأ خبرا مضى على كتابته خمس ساعات :
" بلغ عدد أقمار رفح 60 حتى الآن "
أقلب الصفحات فأرى السواد . شريط فيديو يحتوي على مشاهد صادمة لا يسمح لك بمشاهدته إلا إن وافقت . " الفيديو يحتوي على مشاهد صادمة " ، وماذا يمكن أن تكون ؟
جيش الاحتلال الإسرائيلي يحرق منطقة البركسات التي فيها خيام نازحين . الحرائق تشتعل في الخيام وجثث المحروقين تسحب . كانت المرأة تهييء الفراش لنوم أطفالها فاحترقوا ومات طفلها ، والرجل التفت إلى قدمه وقد طارت . وبعض الرجال والشباب ينقذون من تبقى حيا مشوها .
" الله يرحمه " قال رجل حين شاهد آخر يسحب جثة رجل ارتقى .
مساء أمس كتبت عن عودة روح السخرية إلى كتابات بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي ، وكان السبب عملية مخيم جباليا ، وصباح اليوم أقرأ لساخر أمس كتابة حزينة يتمنى فيها من الله أن يعجل بالقيامة ، وينشد صاروخا مدمرا لا يبقي ولا يذر ، ويشتم العالم العربي الصامت مقتبسا سطرين من أغنية جوليا بطرس " وين الملايين " . هل هناك نخوة عرفها العرب . ماتت فينا النخوة . تقول كلمات الأغنية وتقول أيضا إن العرب نسوا أنهم إخوة . أحلام وأمنيات ورغبات وما شابه .
فجر اليوم أصحو على صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر . يتلو آيات قرآنية ، ثم يسبح لله .
هل أخطأ مظفر النواب حين قال :
" إن كنيسة شربل تحرق أطفالا ؟"
إن حرق خيام النازحين الفلسطينيين في رفح تم بموافقة ( جو بايدن ) الرئيس الأمريكي الصهيوني .
ويبدو أن تضمين الكتابة أسطرا شعرية من قصيدة النواب " تل الزعتر " لا يكفي .
النار تشتعل في الخيام والجثث تحرق . لقد جعلوا من خيام النازحين غرف نار أشبه بغرف الغاز التي أعدها النازي ( أدولف هتلر ) لحرق أجدادهم .
" متى تقوم القيامة ؟ " تساءل مواطن غزاوي .
رحم الله الشاعر يوسف الخطيب ابن دورا الذي كتب " رأيت الله في غزة ؟ " .
هل أقتبس في هذه الساعة ما أورده غسان كنفاني في إحدى قصصه القصيرة التي صورت خروج والده من عكا في العام ١٩٤٨ ؟
اللحظة غير مناسبة للاقتباس ، فمؤذن الفجر يؤذن للصلاة وأنا أخربش ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
صباح الخير يا رفح إن كان هناك خير . لقد فقدت الكلمات مضامينها وصارت خواء مثل أرواحنا ، والنكبة مستمرة من أيار ١٩٤٨ إلى أيار ٢٠٢٤ ، والقادم أخطر .
خربشات عادل الاسطة
فجر ٢٧ / ٥ / ٢٠٢٤

***

235- غزة ( ٢٣٥ ) : خربة خزعة في غزة ورفح

هل أخطأ رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) عندما قال في بداية الحرب إنه يخوض حرب وجود ، وإنه تلميذ ( جابوتنسكي ) ؟
اليوم كرر في خطابه أمام الكنيست أنه يعرف ماذا يفعل ، فالحرب له هي حرب وجود وهو لا يفرط في قضية مصير الدولة .
هل ما يجري الآن في غزة يختلف عما جرى في العام ١٩٤٨ ؟ وهل ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي الآن هناك بعيد عما ارتكبته العصابات الصهيونية قبل أن تتحول إلى جيش ؟
كم قرية فلسطينية سوتها العصابات الصهيونية بالأرض ؟ وكم مائة ألف فلسطيني هجرت ؟
وأنا أتابع ما تبثه الفضائيات وأشاهد الصور وأشرطة الفيديو التي تلتقط من أرض غزة ، وأقارنه بما كتبه الكاتب الإسرائيلي ( يزهار سميلانسكي ) في قصته " خربة خزعة " ( ١٩٤٩ ) أردد :
- كأننا لا رحنا ولا جينا ( جئنا ) : الطرد و التهجير و القتل و نسف البيوت وعدم السماح بالعودة لمن أرادها .
حتى لو لم تبادر حماس بالهجوم ، فإن ما لنا هو بنظر الصهيونية لهم ، والبلاد الخربة التي صحرها العرب ستكون جميلة .
عندما قرأت رواية عدنية شبلي " تفصيل ثانوي " قلت إنني أقرأ شيئا قرأته من قبل .
في بداية الحرب نعتنا وزير الدفاع الإسرائيلي ( يوآف غالانت ) بأننا حيونات بشرية . نحن في قصة سميلانسكي لسنا أكثر من حيوانات بشرية .
منذ ستة وسبعين عاما والحرب تتواصل ، ولا تفسير آخر لهذه الإبادة والمهلكة والمقتلة في غزة . إننا في نظرهم حيوانات يصطادونها اصطيادا . هكذا فعلوا في ١٩٤٨ وهكذا يفعلون الآن ، والفعل " يصطادون " استخدم في " خربة خزعة " .
في بداية الحرب كتبت في يومياتي عن الشاعر ( رئوبين ) وقصيدته التي كتبها في ثلاثينيات القرن العشرين ، وفيها نعتنا بأننا حيوانات .
والحكاية هي الحكاية .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٨ / ٥ / ٢٠٢٤ .


***

236- غزة ( ٢٣٦ ) : نسخة مكبرة من خربة خزعة ١٩٤٩ :

هل يختلف ما يجري الآن في قطاع غزة عما جرى في بعض القرى العربية في فلسطين في العام ١٩٤٨ ؟
العقلية الصهيونية هي نفسها وأسلحتها بعد ستة وسبعين عاما أشد فتكا .
يكتب توفيق فياض عن قصة ( يزهار سميلانسكي ) " خربة خزعة " التي نقلها إلى العربية :
" فالقائد الذي سلب وحرق ودمر وهجر القرية خاضع للانطباع بأنه سيسقط فعلته على الآخرين ، وأفراد المجموعة التي تنفذ العملية تعمل من خلال صلاحية الإطار بحجمه الكامل ، واعتقال أهل القرية على أيدي المجموعات الثلاث العسكرية المنقسمة في البداية ضمن صلاحيات كل مجموعة ، ثم نقلهم وتركيزهم في مكان تركيز واحد ، لتنفيذ التهجير في إطار المجموعة الأم ، حيث الصلاحية الأكبر توسع قاعدة الأنا الجماعية..."
" جمع جميع السكان ... تحميلهم في الشاحنات وشحنهم خارج خطوطنا . نسف البيوت الحجرية وحرق جميع البيوت الطينية . أسر جميع الشباب والمشتبه بهم وتطهير المنطقة من قوات معادية ."
ومنذ ٨ أكتوبر ونحن نقرأ عن :
تهجير السكان وتجميعهم في مناطق محددة وأسر الشباب واعتقالهم ونسف البيوت وتدميرها على رؤوس سكانها ، و ... .
كأننا لا رحنا ولا جينا ( جئنا ) .
اليوم قرأت في صفحة الكاتب شجاع الصفدي فقرة قصيرة يبدي رأيه في هذا ، ويرى أن نكبة ٢٠٢٤ الحالية أكبر من نكبة ١٩٤٨ . لو كان الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين على قيد الحياة لربما سمى هذه النكبة " أم النكبات " على غرار " أم المعارك " .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٢٩ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

237- غزة ( ٢٣٧ ) : واحد وثمانون ألف جريح وأكثر

ستنتهي الحرب يوما ما . سيفتقد كثيرون موتاهم وسيعاني كثيرون : الجرحى وأهلهم .
سيفتقد كثيرون أعضاءهم : أقدامهم . أيديهم . نظرهم وقسم قد يفتقد رجولته فيكون مثل " أبو الخيزران " في رواية غسان كنفاني " رجال في الشمس " . هل سيتعرف أهل فلسطين لاحقا على كثر مثله ؟ وهل ستغدو الشخصية الروائية حقيقية نشاهدها ونصغي إليها لا أن نقرأ عنها فقط ؟
ليس هذا ما دفعني للكتابة . ما دفعني للكتابة هو إيمان أهل غزة وتقبلهم ما يجري بأنه ابتلاء وتساؤلي أمس إن كان هناك من يخرج عن طوره فيسائل الله عما يجري ، بل ويسأله عن صمته .
في مواطن عديدة نقرأ على لسان " أبو الخيزران " أسئلة وجودية .
لنصغ إلى " أبو الخيزران " :
- يا إلهي العزيز العلي القدير ، كيف يمكن لقمة هضبة ما أن تعي كل هذه المشاعر التي تموج في شرايينه وتصب لهبها على جلده الملوث بالوحل عرقا مالحا ؟ يا إلهي العلي الذي لم يكن معي أبدا . أيمكن أن تكون هنا هذه المرة ؟ هذه المرة فقط ؟"
- " أزيز عريض ترسله العجلات كأنها تسلخ الاسفلت سلخا من تحتها ، أكان من الضروري أن تتفلسف يا أبا باقر ؟ أكان من الضروري أن تقيء كل قاذوراتك على وجهي وعلى وجوههم ؟ يا لعنة الإله العلي القدير عليك ، يا لعنة الإله الذي لا يوجد قط في أي مكان تنصب عليك يا أبا باقر ! وعليك يا حاج رضا يا كذاب ! راقصة ؟ كواكب ؟ يا لعنة الله عليكم كلكم " .
إن الكلام السابق صادر في لحظة تأزم مر بها وعاشها أبو الخيزران وأيضا بسبب ما ألم به في حرب العام ١٩٤٨ التي شارك فيها وفقد بسببها ذكورته .
غزة ولادة ومن المؤكد أننا ننتظر روائيا يعبر عن مأساة غزة ومذبحتها ومهلكتها وحرب إبادتها . ولكن هل سيتقبل المجتمع الغزي المتدين جرأة ذلك الكاتب أم أنه سيلفظه كما فعلت حركة حماس قبل سنوات مع اسم غسان كنفاني ، فنزعته عن المدرسة التي حملته .
ليس كل ما سبق هو المهم . المهم أن تحقق غزة الفوز بالهاتريك المنتظر - أي كنس المحتلين .
- هل أحلم ؟
- ربما
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

238- غزة ( ٢٣٨ ) : آخر الأخبار : قصف غزة بقنابل ارتجاجية

آخر الأخبار تقول إنه تم قصف مدينة غزة بقنابل ارتجاجية .
في حرب العام ١٩٨٢ تم قصف مدينة بيروت بقنابل فراغية ، فهدمت البنايات أيضا على من فيها . قنبلة وتسقط البناية المكونة من عدة طوابق .
ما الأسلحة التي ستجربها أيضا إسرائيل ؟
مرة قال مواطن غزاوي :
- اقصفونا بقنبلة نووية وريحونا مرة واحدة .
هل أخطأ محمود درويش في قصيدته " مديح الظل العالي " حين ربط بين ما جرى في بيروت وهيروشيما.
" والموت يأتينا بكل سلاحه البري والبحري والجوي
هيروشيما هيروشيما " .
" حرب وجود " يعني حرب إبادة ومحو ، وفي الصباح أرسل إلي صديق شريط فيديو ل ( نيكي هيلي Niki Haley) الأمريكية تكتب على القذائف الصاروخية :
" اقضوا عليهم "
وأرسل إلي صديق آخر شريطا لناشط اجتماعي يقابل طفلة معها أخوها تتحدث فيه عن حياتها في الخيام . الفتاة تسعى لرزق أهلها بشبشب تالف وتشتهي أكل الدجاج ولا دجاج . ثمانية عشر فردا في الخيمة في ظل هذا الحر اللاهب و ... و ... صارت الكتابة تتشابه والأيام تتشابه حوادثها ، وما أحزنني قبل أيام هو رد النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) :
- قد تفلت من عقاب محكمة العدل الدولية ومن عقاب محكمة الجنايات الدولية ، ولكن كيف ستفلت من عقاب رب العالمين ( إن بطش ربك لشديد ) .
لقد أدركت ذل العجز .
ولا حول ولا قوة إلا بالله !
هل ستشتعل الحرب في الشمال ؟
" اقضوا عليهم " تكتب ( نيكي هيلي ) و ( رونالد ترامب ) الرئيس الأمريكي الأسبق الأرعن والمرشح للرئاسة القادمة و
" أمريكا هي الطاعون
والطاعون أمريكا
لأمريكا سنحفر ظلنا
ونشخ مزيكا ".
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ٥ / ٢٠٢٤

***

239- غزة ( ٢٣٩ ) : الموت ، مثل الخيول الأصيلة حين تهان، وجعا وقهرا

أرسل إلي صديق ما كتبه المراسل التلفزيوني ابن غزة يوسف فارس عن الموت ، هناك ، فقعا وقهرا وطقا ووجعا.
أتى الكاتب على موت الخيول الأصيلة التي أهينت في الحرب ؛ الخيول التي كان أصحابها ، قبل الحرب ، يهتمون بها ويحترمونها ويقدرونها ثم سرقت من اسطبلاتها في شمال قطاع غزة وصار من لا يقدر قيمتها ولا يجيد سوسها يستخدمها للنقل ف " فقعت " و " طقت " وماتت قهرا .
وأتى بعد ذلك على ظاهرة لافتة انتشرت بين النازحين من ساكني الخيام وهي الموت المفاجيء لعديدين منهم دون أن يكونوا مصابين بأمراض مزمنة أو عضوية . فجأة تسمع عن موتهم . يموتون قهرا وكمدا وحزنا . لقد كانوا منعمين ثم فجأة صاروا لاجئين يبحثون عن طعام . لم يستسيغوا ما آلوا إليه فطقوا . فقعوا وماتوا غم .
عندما قرأت الكتابة تذكرت قصيدة محمود درويش " لا أعرف الشخص الغريب " من ديوان " كزهر اللوز أو أبعد " ، وتحديدا العبارة :
" فإن أسباب الوفاة كثيرة من بينها وجع الحياة " .
ووجدتني أكرر العبارة كدورة أسطوانة .
" فإن أسباب الوفاة كثيرة من بينها وجع الحياة " .
أوجعتهم ظروفهم الجديدة التي لم يألفوها ، فطقوا ، مثل الخيول الأصيلة ، وماتوا .
ويبدو أن قسما منا ، أمام عجزنا وقلة حيلتنا ، سيموت قهرا أيضا .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١ / ٦ / ٢٠٢٤

***

240- غزة ( ٢٤٠ ) : خربة خزعة وخربة غزة : ( مقالي اليوم الأحد في جريدة الأيام الفلسطينية ٢ / ٦ / ٢٠٢٤ )
تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : خربة خزعة وخربة غزة ... ومحرقة رفح

في ليل الأحد ٢٦ / ٥ / ٢٠٢٤ تساقطت القذائف على خيام النازحين في بركسات الوكالة غرب رفح . كانت مواطنة تهييء الفراش لأطفالها فوجدت رجلها قد طارت . قطع رأس طفل عن جسده فانشغل الأب بالبحث عن الرأس ، وسحب الأحياء أجساد من ارتقى ، وبلغ عدد القتلى العشرات ، وحين تصفحت بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي قرأت أسطرا تمنى فيها كاتبوها أن يعجل الله يوم القيامة ، وتساءلوا إن كان ما ورد في أغنية جوليا بطرس " وين الملايين " صحيحا . هل العرب حقا إخوة ؟ وإن كانوا كذلك ، فأين النخوة التي يتغنون بها ؟ ( ماتت قلوب الناس ماتت بنا الرحمة . يمكن نسينا فيوم إنو العرب إخوة ) .
تساؤل النشيطين قرأنا ، من قبل ، مثله في " مديح الظل العالي " لمحمود درويش وفي كتابه " في وصف حالتنا " ، وفي قصيدة مريد البرغوثي " طال الشتات " التي منها :
فلما استنجز الموعود وعدا
تصايحت الملوك بأن فداكا
أغاثوه بمرثية وندب
وبئست تلك من غوث وذاكا
ودمع الحاكمين له لغات
وأفصحها يريد لنا الهلاكا "
وأيضا في مطولة سميح القاسم " خذلتني الصحاري " والاستشهادات والاقتباسات والإحالات كثيرة جدا .
مجزرة رفح تمت بعد يوم من خطاب الناطق باسم حماس أبو عبييدة ، حيث أعلن عن قتل جنود إسرائيليين وجرح وأسر آخرين ، وذلك في مخيم جباليا ، وأنهى كلامه بعبارة " وللحديث بقية " . وكان لخطابه فعل السحر في غزة والضفة الغربية والشتات الفلسطيني . لقد انتشرت عباراته في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الألسن انتشار النار في الهشيم ، بل ولقد خرجت مسيرات يحتفل المشاركون فيها بالحدث . ولم يقتصر الأمر على هذا ، فروح السخرية التي ألمت بقسم منا في يومي الحرب الأولين : ٧ و ٨ أكتوبر ٢٠٢٣ ، واختفت بعد ذلك - لأن الطائرات الإسرائيلية بدأت تغير وتدمر وتقتل بالمئات وتجرح بالآلاف ، وبذلك لم يعد هناك مجال لسخرية - فروح السخرية عادت من جديد ، ولكنها لم تتواصل ، إذ عجلت محرقة رفح باختفائها ، بل إن أحد الساخرين هو من تمنى أن يعجل الله بالقيامة ، كأن يسقط صاروخا ما لا يبقي ولا يذر .
القتلى والجرحى في المجزرة هم نازحون ، من شمال غزة ووسطها ، إلى رفح التي قالت عنها إسرائيل ، في بداية الحرب ، إنها منطقة آمنة . لقد نزح النازحون بعد أن طلبت منهم إسرائيل أن يغادروا بيوتهم ، حرصا على حياتهم ، لتقوم بتصفية المقاتلين الفلسطينيين الذين شاركوا في أحداث ٧ أكتوبر .
ما ألم بالنازحين في أعادني إلى رواية ( يزهار سميلانسكي ) " خربة خزعة " ( ١٩٤٩ ) وإلى ما كتبه عنها مترجمها من العبرية القاص توفيق فياض ابن قرية المقيبلة والمقيم حاليا في تونس ، بعد إبعاده في العام ١٩٧٤ في عملية تبادل أسرى إثر حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣ .
" كأننا لا رحنا ولا جينا " كما يقول المثل الذي سمعته من إميل حبيبي الذي نعت العرب بأنهم ذوو ذاكرة عذراء . هل يمكن القول ، قياسا على المثل والوصف ، بأن الحركة الصهيونية تكرر ما قامت به في العام ١٩٤٨ وبأن الإسرائيليين لم يتعلموا ، أو أنهم لا يريدون أن يتعلموا ، على الرغم من أن مياها كثيرة جرت في نهر العالم؟
الفكر الصهيوني هو الفكر الصهيوني وما مارسوه من قبل يصرون على ممارسته ، مع أن امبرطوريات عظمى تلاشت وصغرت ( بريطانيا وفرنسا ) وعوالم تفككت ( الاتحاد السوفيتي ) وقوانين عنصرية لم يعد لها وجود ( جنوب أفريقيا ) .
وأنت تتابع ما يجري الآن في قطاع غزة تشعر أن قصة ( سيميلانسكي ) أصبحت على أرض الواقع خماسية مثل خماسية " مدن الملح " ، بل وتشعر أنك تشاهد مسلسلا لا فيلما قصيرا . هذا من حيث القتل والتهجير والقتل والتدمير والحرق ، مع فارق جوهري أساس يتمثل في تغير صورة الفلسطيني تغيرا كليا ، فالصورة التي ظهرت له في الرواية ما عاد لها وجود إطلاقا . لقد اختفت تماما لتحل محلها صورة المقاوم الشجاع الذي يشعر عدوه الغازي أنه ليس في نزهة ، كما كان في حرب ١٩٤٨ وحرب ١٩٦٧ .
في " خربة خزعة " تظهر الصورة الآتية للفلسطيني ، على لسان الجندي غابي ، مقابل صورة الإسرائيلي :
" كان شبابنا يقاتلون كمن لا أعرف ماذا ، وهؤلاء يهربون . إنهم لا يحاولون حتى القتال "
ويجيبه شموليك عامل اللاسلكي :
" دعنا من هؤلاء الأعراب - إنهم ليسوا رجالا " .
والعرب ، كما يرد على لسان الجندي السارد :
" قذرون " وذوو نفوس قاحلة. " أصبحوا مقيتين مقيتين إلى حد الغضب ، فما الذي نريده منهم . أي دخل لنا . لشبابنا وايامنا العابرة ، بقراهم المقملة المبققة المقفرة الخائفة... "
" يهربون... حتى ولا طلقة واحدة ، أنذال ... " .
ومن المؤكد أن الصورة السابقة لم يبق منها في هذه الحرب أية بقية إلا إذا واصل الكتاب الإسرائيليون نهج الأدباء الصهيونيين الأوائل الذين كذبوا وكذبوا وكذبوا حين رفعوا شعار " أرض بلا شعب " وصدقوه ، ثم جوبهوا على مدار ستة وسبعين عاما مجابهة لم تتوقف إلا لتتواصل ، ولكنهم خلالها لم يعرفوا شكيمة الفلسطيني وقوته وبطولته إلا في مجابهات عديدة قليلة أهمها حرب حزيران ١٩٨٢ في بيروت وحرب ٧ أكتوبر الدائرة حاليا في غزة .
في غير مقابلة معي عن يومياتي التي أكتبها منذ أكتوبر ٢٠٢٣ سئلت عن كتابي " الفلسطيني في الرواية العربية " وتأثير هذه الحرب على صورته في قادم الأيام . وكانت إجابتي تقول إن صورة الفلسطيني المقاوم البطل التي برزت له بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ، حيث تحول إلى أسطورة ، هي الصورة التي سترسم له في الأدبيات القادمة ، وقد بدأت تظهر في كثير من المقالات وليس أولها أو آخرها المقال الذي كتبه في بداية الحرب الكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي يخاطب فيه العرب أن يغلقوا مدارسهم وجامعاتهم ويرسلوا أبناءهم إلى غزة ليتعلموا معنى البطولة والحياة هناك .
( الاثنين ٢٧ / ٥ / ٢٠٢٤ )
( مقال الأحد ٢ / حزيران / ٢٠٢٤ لجريدة الأيام الفلسطينية )

***

241- غزة ( ٢٤١ ) : غزة تعلمنا الصبر وتقريع الذات

صار ما يجري في غزة ، أمام أي مطالب خاصة أو رغبات فردية ، يعلمنا الصبر والقدرة على الاحتمال وتقريع الذات .
صرنا نكرر كلام اللامبالي في قصيدة محمود درويش " اللامبالي " من ديوانه " أثر الفراشة " :
"
لا يبالي بشيء . إذا قطعوا الماء
عن بيته قال : لا بأس ! ان الشتاء
قريب . وإن أوقفوا ساعة الكهرباء
تثاءب : لا بأس فالشمس تكفي
وإن هددوه بتخفيض راتبه قال : لا
بأس ! سوف أصوم عن الخمر
والتبغ شهرا ، وإن أخذوه إلى السجن
قال : ولا بأس ، اخلو قليلا إلى النفس
في صحبة الذكريات
وإن أعادوه إلى بيته قال :
لا بأس ! فالببت بيتي
....
.... "
لم يعد للحياة طعم وينطبق على حياتنا عبارة نرددها كثيرا في الحديث عن سيارة قديمة شبه خربة " سيري فعين الله ترعاك ، في النزول ما أحسنك وفي الطلوع ما آخراك " .
هل نحن غير مبالين أم الأصح " ما باليد حيلة " ؟
في هذا المساء شهيد في مخيم بلاطة ، وأما عدد الشهداء في غزة وإعداد الجرحى فهي في ارتفاع وازدياد .
الله المستعان .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
الاثنين ٣ / ٦ / ٢٠٢٤ .

***

242- غزة ( ٢٤٢ ) : شجاع الصفدي و"خيمة للعزلة" ومخيم النصيرات صفحة مخيم النصيرات ومجاري المياه وصائب عريقات

لأول مرة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ أقرأ نصا يمكن أن تنطبق عليه عبارة " المضحك المبكي " . النص كتبه الكاتب شجاع الصفدي الذي يتجول ما بين خيام النازحين التي يقيم في واحدة منها وما بين الأسواق يتفقد فيها أبناءه الذين كان يفترض أن يتابعوا تعليمهم ويتقدموا للتوجيهية ويدخلوا الجامعات .
النص المضحك مبك في الوقت نفسه ، فنساء غزة منذ ثمانية أشهر لم يعرفن حياة الأنوثة ، وبالتأكيد رجالها ، ولذا فكر مع بعض أصدقائه في الأمر وتوصلوا إلى إقامة خيام للعزلة ، بعيدا عن الأماكن المكتظة التي لا تهييء للإنسان أي فسحة مكانية للعزلة .
الكتابة عن النص لا تغني عن قراءته .
وأنا اتصفح ما يكتبه ابن مخيم النصيرات أسامة أبو عاصي Osama Abu Asi قرأت مناشدته للجهات المسؤولة عن شبكة تصريف المجاري في المخيم . صار المخيم بركة عائمة لمياه الصرف الصحي .
وأنا أقرأ ما كتبه أسامة ربطت بينه وبين ما كتبه شجاع ، فذكرته في تعليق وكتبت عبارة " أي نفس للمرء في عزلة ؟ " ، وتابعت تعليقات أسامة على آخر أخبار المفاوضات ، وتذكرت المرحوم الدكتور صائب عريقات صاحب كتاب " الحياة مفاوضات " وقلت : ينقص الوفد الحمساوي المفاوض المفاوض الفلسطيني الفتحاوي- أي صائب عريقات .
في تعليقات أسامة على ما يجري تقرأ عن آخر أخبار القصف والقتل والصواريخ ومسيرات الكواد كابتر والشهداء والجرحي و ... و ... وتردد : رحم الله صائب عريقات ، فلقد توصل بعد تجربة عقدين من الزمن أن " الحياة مفاوضات " ومنذ ستة وسبعين عاما ونحن والغزاة ومن وراءهم نتفاوض و ... و ... والحياة مفاوضا .
مساء أمس وصباح اليوم شهدت الضفة الغربية ارتقاء شباب ، وليست الأوضاع في الجنوب اللبناني / الشمال الفلسطيني هادئة ، فالحرائق تشتعل ويبدو أن تهديدات الشيخ حسن نصرالله ليست " كلام تهويش " : حيفا مقابل الضاحية وتل أبيب مقابل بيروت . يبدو ، ويبدو أننا نؤرخ حياتنا بالحروب .
دبرها يا مستر ( دل )
دبرها يا مستر ( بايدن ) بركن على إيدك بتحل .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٤ / ٦ / ٢٠٢٤

***

243- غزة ( ٢٤٣ ) : لكي نفهم ما يجري في غزة علينا أن نقرأ معين بسيسو

ثانية أعود إلى معين بسيسو ومسرحيته " شمشون ودليلة " والسبب تكرار ما قاله رئيس الوزراء الإسرائي ( بنيامين نتنياهو ) ، في الأيام الأخيرة ، من أنه يشن حربا وجودية .
قرأ معين بسيسو ، قبل أن يكتب مسرحيته ، مذكرات ( ياعيل دايان ) الحربية التي كتبتها في حزيران ١٩٦٧ إذ كانت مراسلة حربية في جبهة سيناء ، وفيها تكتب ما دار من حوار بينها وبين من رافقتهم من الجنود والضباط الذين رأوا أن ما يعني لغيرهم هزيمة يعني لهم الفناء ، فهم لا يحتملون هزيمة واحدة .
صاغ معين الحوار في مسرحيته على لسان راحيل وشمشون ، ولطالما كررته في كتاباتي ، وتفترض الظروف الحالية تكراره .
تخاطب راحيل شمشون قائلة :
" - شمشون ...
قدرك أن تكسر ...
أو تنكسر "
فيرد عليها :
" لا بد وان نكسر ..."
ووجهة نظر راحيل أن لليهود قدرا آخر غير جميع الناس ، إذ لهم قدر الأجراس ان كفت تقرع ماتت. . أنهم كالمحكوم عليهم بأن يضربوا بأيديهم السكين فلا يجرحون ، فلو سال الدم ماتوا وقاتلهم هو الجرح الأول :
" إما أن نكسر
أو ننكسر " .
هل انكسر الفلسطيني ؟
تنتهي المسرحية بمخاطبة ريم الفلسطينية شمشون قائلة:
"در حول المدفع...
هذا هو طاحونك يا شمشون...
ستظل تدور إلى أن تسقط...
هذا هو قدرك..
هذا هو قدرك.."
ويظل شمشون يدور حول قاعدة المدفع ويلهث حتى تبطيء حركته رويدا رويدا " والأضواء تخفت في اتساق مع حركته الأخيرة " .
ما زالت الحرب مستمرة وها هي تقترب من بداية الشهر التاسع .
من سيرفع هذه المرة الأعلام البيض التي رفعناها نحن في حزيران ١٩٦٧ ؟
مقالي الأحد القادم لجريدة الأيام الفلسطينية عنوانه " حزيران عن حزيران يفرق " .
هل تنبأ معين بسيسو بنتيجة هذه الحرب أم أنني مغرق في التفاؤل ؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٥ حزيران ٢٠٢٤ .

***

244 -أ- غزة ( ٢٤٤ ) : شاتيلا وصبرا في مدرسة السردي في مخيم النصيرات

أمس لم تكن أخبار المعارك لافتة . أخبار عمليات المقاومة شحيحة حتى لتظن أن توقف الحرب بات وشيكا ، وأن هدنة ما تلوح في الأفق على الرغم من تصريحات سامي أبو زهري التي اتضح منها رفض حماس لما ورد في خطاب (جو بايدن).
أمس لم أقرأ عن تدمير دبابات أو جرافات أو تفخيخ بيوت. الخبر الوحيد الذي قرأته عن عمليات قتالية اقتصر على قنص جندي إسرائيلي ، وظل ما حدث في قاعدة إسرائيلية في النقب شبه غامض ، فلم يتضح سبب الانفجار الذي أوقع جرحى بعضهم جراحه
خطيرة.
وعندما نبه صحفي إلى تحركات قوات إسرائيلية تتقدم باتجاه مخيم النصيرات طلب أسامة أبو عاصي من الناس ألا يأخذوا أقواله على محمل الجد ، ولم تمر ساعتان حتى بدأ أسامة نفسه يكتب عن مجزرة ترتكب بحق نازحين يقيمون في مدرسة السردي في المخيم . خمسة صواريخ أصابت ثلاثة صفوف وأعداد المرتقين تتزايد باستمرار . سبعة . عشرة . ثلاثون ولم تنته الإسعافات ولم يخلص العد ، والمشاهد التي تبث تقول إن ثمة مذبحة كبيرة ارتكبت .
هل يعود السبب إلى إعلان حماس رفضها مبادرة بايدن ؟
ومتى احتاجت الدولة العبرية إلى سبب ؟
أردت أن أكتب عن بعوضة محمود درويش وبعوضة د.آلاء القطراوي وبعوض مخيم النصيرات الذي كتب عنه Osama Abu Asi فجاء جيش شعب الله المختار ليفعل فعله ، لا في مص دم النازحين والمقيمين ، بل في إراقته ، وعيد الأضحى يقترب والقرابين فلسطينية .
في أيلول ١٩٨٢ صحونا قبل يوم من أول أيام عيد الأضحى على أخبار مذبحة شاتيلا وصبرا . هل احتفلنا يومها بالعيد ؟
وعندما كتب محمود درويش في " مديح الظل العالي " :
" صبرا هوية عصرنا حتى الأبد "
قلنا :
- لعلها آخر المجازر .
هل خطر ببالنا أنها ( بروفة ) لما سيجري في فطاع غزة في العامين ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ .
المؤذن يؤذن لصلاة الفجر ويتلو آيات من الذكر الحكيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأمس سار المستوطنون بحشود كبيرة في شوارع القدس وأدوا طقوس شعائرهم في البراق / حائط المبكى .
اليوم هو اليوم الأخير من الشهر الثامن لبدء الحرب التي تحولت إلى مقتلة ومهلكة وإبادة وغدا هو اليوم الأول من الشهر التاسع ، فهل ستضع الحرب فيه أوزارها ؟
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٦ / ٦ / ٢٠٢٤

***

244- ب- غزة ( ٢٤٤ ) : ماذا عن الذباب في غزة؟ قرأنا عن البعوض ، وسوف أكتب لاحقا .

محمود درويش :
هل تنبأ الشاعر بما يسود غزة في الأشهر الثمانية الماضية :
{ ذباب أخضر } :
المشهد هو هو ، صيف وعرق ، وخيال
يعجز عن رؤية ما وراء الأفق . واليوم
أفضل من الغد . لكن القتلى هم الذين
يتجددون . يولدون كل يوم . وحين يحاولون
النوم يأخذهم القتل من نعاسهم إلى نوم
بلا أحلام . لا قيمة للعدد . ولا أحد
يطلب عونا من أحد . أصوات تبحث عن
كلمات في البرية ، فيعود الصدى واضحا
جارحا : لا أحد . لكن ثمة من يقول :
" من حق القاتل أن يدافع عن غريزة
القتل " . أما القتلى فيقولون متأخرين :
" من حق الضحية أن تدافع عن حقها في
الصراخ " . يعلو الأذان صاعدا من وقت
الصلاة إلى جنازات متشابهة : توابيت
مرفوعة على عجل ، تدفن على عجل ... إذ لا
وقت لإكمال الطقوس ، فإن قتلى آخرين
قادمون مسرعين، من حارات أخرى. قادمون
فرادى أو جماعات.. أو عائلة واحدة لا
تترك وراءها أيتاما وثكالى. السماء رمادية
رصاصية والبحر رمادي أزرق. أما لون
الدم فقد حجبته عن الكاميرا أسراب من
ذباب أخضر".
ماذا كتب الفرنسي (جان جينيه) في العام ١٩٨٢ عن الذباب صبيحة يوم مجزرة شاتيلا وصبرا يوم ذهب إلى هناك .؟
هل استوحى محمود درويش هذه الكتابة من نص جينيه " أربع ساعات في شاتيلا "؟
اليوم سمعت في الأخبار عن بداية تفشي مرض الكوليرا في غزة .
عادل الاسطة
٦ / ٦ / ٢٠٢٤

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى