رواية "صديقي ماسود" تأتي ضمن مشروع عبدالله السلايمة في رصد وتصوير بيئة البادية في سيناء، خلال الفترة من ستينيات القرن الماضي، وإلى اللحظة الراهنة، رصدًا يعمل على أبراز التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طالت هذه البيئة.
والسلايمة ينطلق في مشروعه هذا من واقع كونه واحدًا من أبناء هذه البيئة، بل وواحدًا ممن عاين وعاني من هذه التحولات. ولذلك فمن يقرأ تجربته، سواء منها رواياته، أو مجموعاته القصصية المتعددة، فسوف يلاحظ أن شخصية البطل فيها تتخذ ملامح شبه ثابتة؛ يستمدها السلايمة من واقع معرفته بالبيئة، ومن خياله الذي يعيد صياغة سمات الشخصية، بما يلائم موضوع روايته.
ومع ملاحظة عقدة الصراع الأساسية في كل أعمال السلايمة، حيث الصراع بين شخصية الابن والأب، ومع ملاحظة أن هذا الصراع اتخذ محورا متدرجًا ومتصاعدًا، يمكن القول إن السلايمة في هذه الرواية: صديقي ماسود، وصل إلى نهاية هذه العقدة، وأحكم دائرتها الرئيسية.
وهي الدائرة التي يمكن القول بتأمل تفاصيلها، أن شخصية الأب فيها تمثل محور التحدي بالنسبة للشخصية الرئيسة، أي شخصية الابن، فالأب في هذه الدائرة يمثل قسوة البيئة الصحراوية، وقسوة الظرف الاجتماعي بعادات البيئة وبقانونها العرفي السائد.
ولذلك، فتمرد الابن على هذا المحور في دائرة صراعه الفني، يدخل ضمن دائرة الصراع الوجودي، حيث يسعى الإنسان إلى التحرر من قبضة الماضي، في الوقت الذي يحرص على التمسك بآثار هذا الماضي، باعتبارها الضمانة لقوة مواجهته لتحديات الحاضر.
ومن ثم، يمكن القول: إن شخصية الأب في هذه الدائرة ( الوجودية ) تمثل البيئة القاسية، وتمثل الماضي الحاضر بقبضة تقاليده وعاداته، رغم ما طالها من تحولات طيلة نحو من نصف قرن.
كما تمثل شخصية البطل – شخصية الابن – التطلع إلى المستقبل، ومحاولة تحقيق الوجود الفعلي في عالم الصراع المتغير. ولعل هذا التناقض بين الرغبة في التحرر وعدم القدرة على الإفلات التام من أسر الماضي، هو المسؤول عن إحداث التوتر وإشاعته في أعمال السلايمة، وهو المسؤول أيضا عن إشاعة النوستالجيا التي لا تخفى آثارها على القارئ الخبير.
ويزيد من حدة التوتر في أعمال السلايمة، وفي هذه الرواية خاصة الطرف الثالث في هذه المعادلة الوجودية؛ أي الأنثى بما تلعبه من أدوار في تحريك الأحداث وصناعتها. فالملاحظ أن شخصية الأنثى في أعمال السلايمة تنقسم قسمين: قسم الأم، وهو قسم عجيب، لأنه يشمل زوجة الأب، ويجعلها بديلاً صالحًا للأم الأصلية، على خلاف الصورة التقليدية لزوجة الأب في ثقافتنا.
والقسم الثاني – قسم الحبيبة. وهو أيضا قسم عجيب، لأنه ينقسم على نفسه، فيأتي في نسختين: نسخة عربية، ونسخة أجنبية، كما في هذه الرواية. أو يكون بدويًا خالصة، ينتمي إلى بيئة البطل وقبيلته، في مقابل الحضرية التي تنتمي إلى بيئة خارج دائرة القبيلة.
ومن هذه الدائرة الثلاثية؛ الدائرة التي تتشقق في نفسها إلى دوائر صغرى، ينشأ التوتر الفني في الرواية، خاصة مع تداخل دوائر التوتر تلك بالوصف المقصود المتكرر لبعض الأماكن ولبعض الأدوات مما يميز البيئة الصحراوية، خاصة في سيناء.
والحق أن الرواية مليئة بالعناصر الفنية التي تغري القارئ المدقق بالتوقف عند تفاصيلها، كالوقوف مثالا عند العنوان الغريب الذي اختاره السلايمة لروايته: صديقي ماسود، فهو عنوان يحتاج إلى تفسير، كذلك الوقوف عند ما يميز السلايمة في بناء أعماله الروائية، حيث يقبض بيد من حديد على شخصياته، وعلى تحولاتها، حتى يضمن أن تكون حركاتها وسكناتها ماضية في الطريق الذي رسمه للتعبير عن فكرته.
وبالتالي، فقد نلحظ بيسر أن الراوي – وآه من راوي السلايمة!! – راو عليم، يعرف ما لا تعرفه شخصياته عن نفسها. وهذا قد يفسر من بعض الوجوه انقسام الراوي على نفسه، فهو أحد أبطال الرواية من وجوه عدة، وهو الخصم الخفي الذي يدون ما يحدث في محيط عالمه الروائي. ولهذا فقد يرى البعض أن هذه الرواية تنتمي إلى فن السيرة الذاتية من بعض الوجوه أيضا.
ولهذا السبب نفسه، تبقى عدة أسئلة، تحتاج إلى إجابات، ولا أحسبنا نصل إلى إجابة ناجزة، فما تثيره الرواية من أسئلة أكثر مما تقدم من إجابات. ولعل هذه واحدة من مميزات فن الرواية عند السلايمة، فمهما اتفقت معه أو اختلفت، فإنك لا تستطيع إلا أن تكبر إصراره على مواجهة الماضي، وتحمل أخطار ردود فعل الحاضر.
لكن أياك أن تنسى أن هذه رواية، وأن عالمها مهما تشابه مع واقعنا، إلا أن ما تقدمه هو ( رواية – بمعنى الخبر )، نقلتها لنا عين خبيرة بما ترويه، لكنها انتقت منه ما يكشف عن الداخل والخارج معا، فأبقت لنا من حيرة السؤال، وحيرة الإجابة ما يغري ويستحق أن نعاود القراءة.
www.facebook.com
والسلايمة ينطلق في مشروعه هذا من واقع كونه واحدًا من أبناء هذه البيئة، بل وواحدًا ممن عاين وعاني من هذه التحولات. ولذلك فمن يقرأ تجربته، سواء منها رواياته، أو مجموعاته القصصية المتعددة، فسوف يلاحظ أن شخصية البطل فيها تتخذ ملامح شبه ثابتة؛ يستمدها السلايمة من واقع معرفته بالبيئة، ومن خياله الذي يعيد صياغة سمات الشخصية، بما يلائم موضوع روايته.
ومع ملاحظة عقدة الصراع الأساسية في كل أعمال السلايمة، حيث الصراع بين شخصية الابن والأب، ومع ملاحظة أن هذا الصراع اتخذ محورا متدرجًا ومتصاعدًا، يمكن القول إن السلايمة في هذه الرواية: صديقي ماسود، وصل إلى نهاية هذه العقدة، وأحكم دائرتها الرئيسية.
وهي الدائرة التي يمكن القول بتأمل تفاصيلها، أن شخصية الأب فيها تمثل محور التحدي بالنسبة للشخصية الرئيسة، أي شخصية الابن، فالأب في هذه الدائرة يمثل قسوة البيئة الصحراوية، وقسوة الظرف الاجتماعي بعادات البيئة وبقانونها العرفي السائد.
ولذلك، فتمرد الابن على هذا المحور في دائرة صراعه الفني، يدخل ضمن دائرة الصراع الوجودي، حيث يسعى الإنسان إلى التحرر من قبضة الماضي، في الوقت الذي يحرص على التمسك بآثار هذا الماضي، باعتبارها الضمانة لقوة مواجهته لتحديات الحاضر.
ومن ثم، يمكن القول: إن شخصية الأب في هذه الدائرة ( الوجودية ) تمثل البيئة القاسية، وتمثل الماضي الحاضر بقبضة تقاليده وعاداته، رغم ما طالها من تحولات طيلة نحو من نصف قرن.
كما تمثل شخصية البطل – شخصية الابن – التطلع إلى المستقبل، ومحاولة تحقيق الوجود الفعلي في عالم الصراع المتغير. ولعل هذا التناقض بين الرغبة في التحرر وعدم القدرة على الإفلات التام من أسر الماضي، هو المسؤول عن إحداث التوتر وإشاعته في أعمال السلايمة، وهو المسؤول أيضا عن إشاعة النوستالجيا التي لا تخفى آثارها على القارئ الخبير.
ويزيد من حدة التوتر في أعمال السلايمة، وفي هذه الرواية خاصة الطرف الثالث في هذه المعادلة الوجودية؛ أي الأنثى بما تلعبه من أدوار في تحريك الأحداث وصناعتها. فالملاحظ أن شخصية الأنثى في أعمال السلايمة تنقسم قسمين: قسم الأم، وهو قسم عجيب، لأنه يشمل زوجة الأب، ويجعلها بديلاً صالحًا للأم الأصلية، على خلاف الصورة التقليدية لزوجة الأب في ثقافتنا.
والقسم الثاني – قسم الحبيبة. وهو أيضا قسم عجيب، لأنه ينقسم على نفسه، فيأتي في نسختين: نسخة عربية، ونسخة أجنبية، كما في هذه الرواية. أو يكون بدويًا خالصة، ينتمي إلى بيئة البطل وقبيلته، في مقابل الحضرية التي تنتمي إلى بيئة خارج دائرة القبيلة.
ومن هذه الدائرة الثلاثية؛ الدائرة التي تتشقق في نفسها إلى دوائر صغرى، ينشأ التوتر الفني في الرواية، خاصة مع تداخل دوائر التوتر تلك بالوصف المقصود المتكرر لبعض الأماكن ولبعض الأدوات مما يميز البيئة الصحراوية، خاصة في سيناء.
والحق أن الرواية مليئة بالعناصر الفنية التي تغري القارئ المدقق بالتوقف عند تفاصيلها، كالوقوف مثالا عند العنوان الغريب الذي اختاره السلايمة لروايته: صديقي ماسود، فهو عنوان يحتاج إلى تفسير، كذلك الوقوف عند ما يميز السلايمة في بناء أعماله الروائية، حيث يقبض بيد من حديد على شخصياته، وعلى تحولاتها، حتى يضمن أن تكون حركاتها وسكناتها ماضية في الطريق الذي رسمه للتعبير عن فكرته.
وبالتالي، فقد نلحظ بيسر أن الراوي – وآه من راوي السلايمة!! – راو عليم، يعرف ما لا تعرفه شخصياته عن نفسها. وهذا قد يفسر من بعض الوجوه انقسام الراوي على نفسه، فهو أحد أبطال الرواية من وجوه عدة، وهو الخصم الخفي الذي يدون ما يحدث في محيط عالمه الروائي. ولهذا فقد يرى البعض أن هذه الرواية تنتمي إلى فن السيرة الذاتية من بعض الوجوه أيضا.
ولهذا السبب نفسه، تبقى عدة أسئلة، تحتاج إلى إجابات، ولا أحسبنا نصل إلى إجابة ناجزة، فما تثيره الرواية من أسئلة أكثر مما تقدم من إجابات. ولعل هذه واحدة من مميزات فن الرواية عند السلايمة، فمهما اتفقت معه أو اختلفت، فإنك لا تستطيع إلا أن تكبر إصراره على مواجهة الماضي، وتحمل أخطار ردود فعل الحاضر.
لكن أياك أن تنسى أن هذه رواية، وأن عالمها مهما تشابه مع واقعنا، إلا أن ما تقدمه هو ( رواية – بمعنى الخبر )، نقلتها لنا عين خبيرة بما ترويه، لكنها انتقت منه ما يكشف عن الداخل والخارج معا، فأبقت لنا من حيرة السؤال، وحيرة الإجابة ما يغري ويستحق أن نعاود القراءة.
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.