أمل الكردفاني- الحجاب وعلم الإجرام

إثر الأزمات الاقتصادية التي لحقت بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وفي مطلع الثمانينات، بدأت التحولات في نظريات علم الإجرام. كان علم الإجرام يسعى مع علم الإجتماع لإيجاد أسباب اجتماعية للجريمة، مثلت دراسات قديمة باكورة علم الإجرام الاجتماعي، أي الذي ينظر للجريمة كظاهرة اجتماعية، تقول دراسات حديثة أن ذلك كان محل انتقاد من قبل الاقتصاديين، الذين فضلوا ما يسمى بنظريات الواقعية الصحيحة، والتي تنطلق عبر الفرد، ومن ثم ليس لمحاولة منع الجاني من ارتكاب الجريمة ولكن لتقفيل البيئة من حوله كي لا يجد الفرصة لاقترافها، وظهرت نظريات فرعية مثل النظرية العقلانية ونظرية النشاط الروتيني. باختصار يمكن تشبيه كل تلك النظريات بالإتجاه القرآني او الإسلامي أو الأصولي الذي يُسمى بسد الذرائع. أي تصميم المجتمع بحيث يغلق الفرص على المجرم. سنجد أن القرآن استخدم ذلك في آية الحجاب
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (59)).
كما وجد في آيات أخرى.

يمكننا استقطاع جزء من الآية وهو (لا يؤذين)، لمقاربتها مع نظريات علم الإجرام الواقعية المعاصرة. وقيلت تفسيرات مختلفة من ضمنها أن الأَمَة كانت لا تغطي جسدها إلا من السرة فأسفل، خلافاً للحُرة. لكن هذا ليس مربط الفرس، بل حديثنا ينصب على كون الحجاب سداً للذريعة أمام المجرم.
العديد من فقهاء القانون في بريطانيا -على وجه التحديد- انتقدوا النظريات الحديثة في علم الإجرام لأنها تنتهك حرية الأفراد بسبب إجرام المجرمين. غير أن البعض الآخر يرى أن هذه التوجهات تخدم اقتصاد المكافحة الجنائية عبر ما أسمي بعلم الإجرام الإداري، فبدلاً عن ملاحقة المجرمين ودراسة دوافعهم وتكوينهم العقلي والنفسي ووضعهم الاقتصادي ودراسة المجتمع من حيث الفقر، فإن على النظرية أن تتوجه مباشرة إلى الجريمة كحقيقة وتبدأ في محاصرة مثيراتها، ليس على الدولة أن تحسن اقتصاد المجتمع ولا ان تنتشله من الفقر بفهم إجتماعي بل بفهم وقائي.
بالتأكيد سيجعلنا هذا نفهم أمرين، الأول هو أن توجهات علم الإجرام الحديث هي توجهات اقتصادية ليبرالية، والثاني هو أن الرسول ص، استخدم ذات التوجهات الحالية في علم الإجرام، لأنها الأقل تكلفة، حيث كانت دولة الإسلام متحررة اقتصادياً وقد جاء في الأثر أن الرسول ص قال بأن المسعر هو الله عندما طلبوا منه تحديد أسعار السلع عندما ارتفعت الأسعار.
(قال النَّاسُ يا رسولَ اللَّهِ ، غلا السِّعرُ فسعِّر لَنا ، قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : إنَّ اللَّهَ هوَ المسعِّرُ القابضُ الباسطُ الرَّازقُ ، وإنِّي لأرجو أن ألقَى اللَّهَ وليسَ أحدٌ منكُم يطالبُني بمَظلمةٍ في دمٍ ولا مالٍ)

[الراوي : أنس بن مالك
المحدث : ابن دقيق العيد
المصدر : الاقتراح
الصفحة أو الرقم: 113
خلاصة حكم المحدث : صحيح]

لذلك حرم البعض تسعير السلع وأحل البعض ذلك للضرورة وبشرط العدالة.
على ذلك لم تكن مسألة الجريمة خاضعة لمفهوم مؤسسي في دولة الإسلام، بل كانت خاضعة للرقابة الاجتماعية وسد الذرائع. فالمرأة يجب أن تتحجب لمنعها من الأذى أي لسد منافذ الجريمة عبر توجيه ضوابط معينة للضحية المحتملة. تماماً كغلق باب المنزل، أو تشبيك جدرانه بالشوك الحديدي.
إذاً؛ يمكننا النظر إلى الحجاب كتحوط أو وقاية، وإن كان ذلك لم يمنع انتقاد البعض لتحويله إلى فريضة واجبة، وبالتالي انتهاكه لحرية المرأة في ارتداء ما تشاء ورد آخرين رافضين لاعتباره مجرد تحوط أو وقاية لإخراجه من باب الواجب.
هذا هو نفسه الجدل الذي لا زال قائماً في أوروبا حول التوجهات الحديثة في علم الإجرام، أي ما بين مكافحة الجريمة عبر المجرم أو الوقاية منها عبر تقييد حرية الضحية.
وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...