أمل الكردفاني- البحث عن بديل للدموقراطية؟

أنهكت الدموقراطية المدن اليونانية القديمة، وحملت نظرية جمهورية افلاطون البائسة الفشل في أحشائها. ورغم الدعاية الواسعة الغربية للدموقراطية مثل دعاية كورونا، فإن الدموقراطية حقيقة، لم توجد أبداً حتى اليوم.
إنها رابعة الغول والعنقاء والخل الوفي.
أستخدمت أمريكا الدموقراطية لهزيمة أعدائها من الدول الأخرى نفسياً، رغم أن أمريكا نفسها تعرف أن الدموقراطية لو طُبقت تطبيقاً حقيقياً في أمريكا نفسها، لتفرقت أمريكا شذر مذر، أو سيطرت عليها أحزاب اليسار في دولة غالبيتها من العمال، وقلة ضئيلة من الرأسماليين يسيطرون على كل الثروات وبالتالي يسيطرون على العملية الانتخابية، بل ويمثلون سنداً لدموقراطيات أوروبا التي يمكنها أن تنهار بسرعة بدون الحماية الأمريكية.
دموقراطية بلا سيطرة مركزية كتشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور في إيران، وبلا سيطرة مركزية من الرأسمالية كما في أمريكا، يعني بلا شك انعدام وجود خطوط حمراء للدولة، ويعني تفككها، ويعني تدخلات خارجية عبر دعومات استخباراتية لأحزاب ضعيفة في الداخل.
فكرة الأحزاب نفسها أثبتت فشلها، لا يظن البعض أن فشل الأحزاب فقط في أفريقيا والدول النامية، بل حتى حزبا أمريكا فاشلان. لقد كشفت انتصارات ترامب داخل الحزب الجمهوري وانتصاراته في الانتخابات الرئاسية كم الهشاشة في حزبين لديهما أسرارهما الداخلية، التي يعزب عن شخص ضعيف كشخصي كشفها.
بشكل عام انتهى عصر الأحزاب لعدة أسباب؛ من ضمنها:
١- انهيار الآيدولوجيات والسرديات الكبرى.
٢- التوجهات البراغماتية.
٣- اتساع النظم الفردانية.
يبدو لي أن الأحزاب كمؤسسات سياسية (مصطنعة) لم تعد قادرة على منافسة المؤسسات السياسية الطبيعية (القبيلة، العشيرة، الأسر الممتدة).
لذلك فارتداد الأفراد لمؤسساتهم الصناعية طلباً للحماية، لن يحدث فقط في الدول الأفريقية النامية، بل سيحدث حتى في أوروبا الغربية كاسبانيا وألمانيا وإن كان ذلك بعد وقت ليس بالقريب.
المؤسسات السياسية الطبيعية، لا تحتاج لفسفة تتطلب التجديد باستمرار، ولا تتطلب الحجاج مع ما ينافسها من آيدولوجيات وفلسفات (باتت محل سخرية اليوم). بل على العكس، إن اللُّحمة داخل أفراد تلك المؤسسات الطبيعية، لُحمة معنوية قوية، كما أنها دائما ما تبحث عن مصالحها الحقيقية وليس مجرد انتصار لنظريات ترفية.
مع اتساع التوجه الليبرالي الفردي، سيبحث الأفراد عن الحماية من الرأسمالية التوتاليتارية ليس عبر الأحزاب التي تسيطر عليها تلك الرأسمالية، بل عبر اللجوء إلى المؤسسات السياسية الطبيعية (القبيلة، العشيرة، الأسر الممتدة، ويمكن ان تنضم لهم الجهويات كنطاق أوسع).
وفي ظل تنامي الوعي وزيادة نسبة المتعلمين، سيحدث عكس ما هو متوقع، إذ ستكون مفاهيم البشر مفاهيم براغماتية أداتية، لا تحاول تحقيق انتصارات ترفية لنظرية أو فلسفة ما، بل لتحقيق أكبر فوائد (مادية) وهنا سيحاول الافراد العودة لحاضناتهم الطبيعية (المنطقة التي تشغلها القبيلة والعشيرة والأسرة الممتدة) لتطالب بتلك الفوائد (طعام وشراب وتعليم وعلاج وأمن وثقافة...الخ) سواء عبر حمل السلاح أو عبر مشاركة تلك المؤسسات في الحكم.
سيعود العالم بأكمله بعد قرن أو أكثر عودة كاملة للمؤسسات الطبيعية، لأنها الأقوى والأصدق تمثيلاً لمصالح الفرد. وسينتهي عهد الأحزاب المصطنعة، وستكون أفريقيا أول القارات تطبيقا للدموقراطية الإثنية الجديدة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...