طقوس قرائية.. حوار مع الروائية المصرية عواطف أحمد البتانوني - إعداد: د. عبدالواحد العلمي

تقديم وتعريف بالمؤلفة:

أولاً: أود أن أحيي تحية مباركة طيبة الدكتور عبدالواحد العلمي... وأشكره على المجهود المشكور فى فتح باب المعرفة للأجيال الصاعدة التى تفتقر لغذاء الروح.. القراءة والكتابة، ومن خلاله جريدة "الشمال" المغربية التي تمد جسور التواصل بين جناحي الوطن العربي ، وتربط الأواصر بين الأدباء في المغرب والمشرق.

ثانياً : أقدم للقارئ الكريم نبذة عن حياتي الأدبية
التحقت بكلية الفنون الجميلة . كان حلمي أن أصير فنانة في أي فن من الفنون لكنني عشقت معها القراءة والكتابة.. صدر لى من دار الهلال العريقة روايتان "ثقوب فى جدار الزمن"( 2007 ) ثم "عنيدة" (أبريل 2021) . نشرت بعض القصص القصيرة فى مجلة "حواء" وجريدة "الأخبار".
ربما لأنني تزوجت مبكرا، وكنت زوجة سعيدة لرجل فاضل ورزقنا الله البنات والبنين، وتفرغنا لتربيتهم تربية طيبة لم أجد عندي وقتا كثيرا للإنتاج الأدبي أو على الأصح لمتابعة المجلات والجرائد بإنتاجي من أفكار وقصص قصيرة وشيء من الشعر الحر، ولكنني كنت أرسم وأتابع المعارض الفنية وأرتاد المكتبات، وأقتنى كثيراً من الكتب والمجلات. وعندما وجدت نفس مع نفسي لست مكلفة بشيء يذكر. فكرت فى كتابة الرواية الطويلة، ليس فقط حباً في الكتابة، لكن لنقلِ مفردات حياةٍ ثريةٍ حافلةٍ فى ربوع مصر، وفى حياة الأسرة والمجتمع المصري.
وحتى لا أطيل، أجيب عن الأسئلة موضوع الحوار:

> كيف نقرأ ؟
>> من وجهة نظري، نبدأ ـ لو سمحت لي ـ كيف نسمع.. وكيف ننظر؟
قدم سبحانه السمعَ دائماً ثم البصرَ، ثم الفؤادَ.. فإذا عملت هذه الحواس مجتمعة، تأتي القراءةُ والكتابةُ سلسة منقادة. عندما تسمع حفيف الأغصان يداعبها النسيم وتسمع البلابل وشدوها وزقزقة العصافير، وتسمع همس السكون وتسمع التسابيحَ والأذكار، وتسمع الزفراتِ والآهات، وتسمعُ الضحكاتِ وهمسَ المحبين، البراءة تناغى وتلاغي الطفل الوليد، تسمع نداء الباعة المنغم، وتسمع ضجيج الحياة من حولك تولد الأفكار.. وعندما تنظر لكل تلك الأحوال والأمور تولد الفكرة وترسم العيون كل صور الخيال، وتترجم الحواس السمع والبصر إلى نهر متدفق من الكلمات والتعبيرات الجمالية.
لماذا نقرأ ثم لماذا نكتب؟
الكتابة موهبة من الرحمن لاشك فى ذلك، أما القراءة فهى أولا للتعلم، ثم للمعرفة، ثم للاستمتاع، ثم لمتابعة كل جديد فى العالم، فإذا دخلت بحب عالم القراءة.. فلن تستطيع الفكاك منه، فقد يصبح جزءً من يومك وليلك، وإثراءً لشخصيتك.

> ماذا تقرئين وماذا تكتبين؟
>> لو أنك اعتدت دخول المكتبات، وعشقت هذا العالم البديع لوجدت نفسك كأنك تدخل حديقة أزهار وورود وصبار له أشواك، العُشبْ الأخضر الندي. وقتها سوف تعرف ماذا تقرأ، فسوف تجد نفسك تتجول فى الحديقة بين كل هذه المفاتن وتأخذ أنفاسا من هنا وهناك، وتمتع حواسك بكل ما تعطى الأزاهير والمخلوقات، وهنا تصبح أسير الهوى.

> أين نقرأ؟
>> الإجابة المختصرة فى كل مكان تتآلف معه وتجد فيه السكينة والهدوء. جرب قدسية المكتبات وأريج الكتب، وروعة تكويناتها على الرفوف والمناضد، سوف تُرغمك نفسك على الدخول فى خشوع غريب حتى تكاد تحبس أنفاسك.. أنت فى حضرة عشرات الآلاف من العباقرة من كتاب.. أدباء.. مفكرين.. باحثين.. مصورين. الكل يرحب بك، كل كتاب تلمسه وتتأمل غلافه وتقرأ أسطراً فيه. يبتسم سعادة ويقول لك : أهلا.. استمر.. ثم القراءة في الفراش، في المركبات، في الفوتيه المريح بجوار البحر أو حمام السباحة.

> متى تقرئين؟
>> لا تستطيع أن تحدد لكل شخص وقتاً أو مكاناً للقراءة، فبعضهم يحتاج لهدوء تام، والبعض يقرأ وسط الناس لا يبالى، والبعض يقرأ فى الفراش ليساعده ذلك على النوم، والبعض يقرأ فى القطار أو أى وسيلة مواصلات ليقطع الملل.

> لمن تقرئين؟
>> أعتقد أن لكل مرحلة عمرية قراءة.. لو تحدثت عن نفسي، كانت أول قراءاتي كتيب اسمه "الشعر الرومانسى..". كنت فى العاشرة ولكنه فتح حواسي العاطفية البريئة؛ الكتاب الثاني كان رواية "النظارة السوداء" لإحسان عبد القدوس. فتحت مسامي مبكرا على معرفة العاطفة الجياشة بين الرجل والمرأة ؛ الكتاب الثالث فى مرحلة الشباب كان "أنا حرة" لإحسان عبد القدوس أيضاً.. فكان الدخول لعالم المشاعر البشرية بكل تناقضاتها الحسية والجسدية والعاطفية والنفسية والروحية، ثم توالت القراءة: كتب دينية؛ فلسفية للدكتور مصطفى محمود؛ "العبقريات" للعقاد ؛ " رباعيات" صلاح جاهين.. سياسة.. أدب.. رحلات أنيس منصور، ثم عالم نجيب محفوظ الصاخب الزاخر بالشخصيات المصرية البسيطة والحرافيش وأبطال الحارة..
وإذا جاز أن نقول إلى متى نقرأ؟
أقول لك إلى آخر ومضة فى المصباح.
سألتني عن سبب التباعد الزمنى بين الروايتين: " ثقوب في جدار الزمن" ( 2007 ) و" عنيدة " ( أبريل 2021 ) وجوابي : إنه فقط تباعد في النشر، لأنني لست خبيرة في دور النشر، وعندي ثقة فى نفسي وحب لكتبي أو لرواياتي على الأصح، فلو أرسلت لدار نشر ولم ترد، لا أكرر الطلب.. وكانت دار الهلال تطلب منى كثيرا أن أختصر الرواية ( عنيدة )، فكان ذلك يشبهُ عملية بتر لا أحبها، وللعلم لقد فقدت رواية "عنيدة" الكثير من صفحاتها، ومازال ذلك يسبب وجعاً لى.
أما الرواية الأولى فهي ثلاثية تتألف من ثلاثة أجزاء : الجزء الأول بعنوان: " غسيل الذهب " ، ص: 7 . والجزء الثاني بعنوان : " عيون القمر " ، ص : 119 . أما الجزء الثالث ، فبعنوان : " حياة الشوك "، ص : 253 . والرواية تقع في 441 صفحة من القطع المتوسط. وهي ترصد حقبة من حياة المجتمع المصري في الريف من بداية القرن الماضي ( القرن العشرين ) إلى سنة 1952 سنة قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر ، مسجلةً أحداثاً واقعيةً ، وأحداثاً أخرى مما كانت تعرفه القرية المصرية التي تعاني من الإهمال والتهميش.. وأما " عنيدة " ، فتتحدث عن أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة في مدينة طنطا . وتزخر الرواية بوصف تقاليد مصرية بعضها إيجابي ، وبعضها سلبي يدخل في إطار الشعوذة والاعتقادات الخرافية وغير ذلك مما سيجده القارىء الكريم من أحداث أترك له مجال اكتشافها لدى قراءة الرواية. والروايتان صادرتان عن سلسلة روايات الهلال العريقة كما تم التنويه إلى ذلك آنفاً.

> هل لديك أعمال أخرى تنتظر الطبع والنشر ؟
>> عندي مجموعة كبيرة من القصص القصيرة والمتوسطة والأفكار لا أعرف ماذا أفعل بها
العمر يجرى، وهى تطل علي بعتاب المحبين. ومن كتاباتي التي دونتها منذ فترة، وأحتفظ بها بين أوراقي الخواطر التالية:

- هل جربت الإبحار في الأوراق
صفراء بيضاء منمنمة مصورة ...
أحدثكم عن نفسي

حصار
لقد أبحرت يوما فأصبحت أسيرتها.
عند النوم أجدها بين جفوني، عند اليقظة أجدها تبتسم لي بجوار فراشي..في مطبخي..في حمامي..في صالوني..في حقيبتي..في كل أركان بيتي..ألصقها بصدري فتجري في شراييني.

- وجع
ضاع عمري وسط هذه الأمواج، أغوص وأطفو، أسافر وأعود، أبكي وأضحك، وضاع بريق العيون، أفنيت مدادا وأوراقاً، وماذا بعد في هذا الزمن الضنين؟

- عشق
سؤال بلا إجابة، فالعشق قدر، والعاشق مسلوب الإرادة، يستعذب الوجع، ويستعذب الحيرة، ويستعذب الفناء في المحبوب.

- مرايا
محاطة أنا بالمرايا في بيتي..كلها أجمعت أن الخريف جاء منذ زمن وأوشكَ علي الأفول.
قال لي: " أصبح الوقت ثمينا، أبحر الآن في بحار النور والقراءات الدينية وتزود للرحلة. "

- نداء
تمتد يدي لكتب التفسير، تناديني رواياتي تقول في انكسار، لماذا تهملينني؟ هل ترتكبين جرما؟ أَمسَحُ غلافَها من بين دموعي وأضمها في حنان.

- أَرق
أتقلب يمينا فأقرأ أورادي، أتقلب شِمالا، فأردد مقطعاً من أشعاري ، فإذا احتواني النومُ أراني في تيه، أصعد جبالا واهبطُ ودياناً وأتيه بين الدروب.

- دموع
أقوم للصلاة أغتسل، أبكي، أبتهل، أستغفر..وأعزم ألا أضيع ما بقي من عمري.

- استسلام
عندما يشرق النهار تتألق شخوص الروايات حولي، تلقي علي تحية الصباح، أستسلم لضعفي، لقدري، لعشقي .. وابدأ رسم أفكاري من جديد، فأشعر أنني ما زلت أعيش

- استغفار
اللهمَّ إنْ كانَ هذا ذنباً فاغفره لي
فأنا إنسان ..

- أماني
أتمني أن يكون في ربوع الجنة مكتبات أهيم بين صفحاتها في خلود لا نهاية له.






تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...