لطيفة زهرة المخلوفي - الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي.. الحلقة التاسعة.

الحلقة التاسعة


في ختام بسطنا لتتبع "رحاب منى شاكر" لأشكال وتمظهرات الحريم في كتابات المرنيسي، تستفهم عن الأسباب التي دفعت دفعت المرنيسي إلى بذل كل هذه الكلمات في سبيل وصف ظاهرة الحريم وفهمها.
لتجيب أنها حاولت عبر هذا النموذج التبسيطي النفاذ إلى لب المشكلة القائمة بين الرجال والنساء، ألا وهي الفصل بكل أنواعه بين الجنسين والذي يميز العالم الإسلامي أكثر من غيره. فالحريم نموذج تحليلي محلي قدمته المرنيسي لنا لنضع معاملاتنا وسلوكياتنا وعواطفنا وأخلاقياتنا تحت المجهر، ونكشف عن خوف الرجال من النساء والذي يدفعهم إلى حصرهن في المكان، وإيجاد شتى الرموز والطرق للحد من نفوذهن وتمكين القبضة عليهن. وبهذا ندرك أن اضطهاد المرأة بكل أشكاله نابع عن بنية تحتية عميقة اسمها الحريم، وتقصد هنا رحاب منى شاكر بالاضطهاد كل ما نخبره من حَجب المرأة إلى الحد من حرية حركتها، من تزويجها الباكر إلى تطليقها التعسفي، ومن الشتيمة الجنسية إلى رجمها بالحجارة، ومن منعها عن التعليم والعمل إلى تحريم ممارسة السياسة عليها، ومن حصرها في دورها البيولوجي إلى مصادرة جنسانيتها إلخ. وتؤكد أنه لن يتم التخلص من كل هذا البُغض حيال النساء في المجتمع الا بالوعي بأبعاد المشكلة الكبيرة وتجذرها، ولفت الانتباه لتغلغلها العميق في لغتنا ومشاعرنا ومعاملاتنا. من لا يرى الحريم في التفاصيل، لن يتمكن من الخروج منه وهدمه.
وحول الحلول التي قدمتها المرنيسي، تؤكد الدارسة رحاب منى شاكر غياب الوصفة السحرية للتخلص من كل أنواع الحريم دفعة واحدة. ولكن المرنيسي كانت بعملها الفكري نموذجا يحتذى به، فهي لم تكن كسولة، ولم تخف من المحرمات، وتجرأت في مرحلة ما على الغوص في أصعب المواضيع وأكثرها حساسية. وأعادت بعض شغل الأئمة والعلماء المسلمين من منظار امرأة تتوق للحرية ومؤمنة بكيانها الأنثوي وقدراتها. كما نبشت في سير بعض الشخصيات النسائية التاريخية وأعادت صياغتها. آمنت المرنيسي بالكتابة إلى أبعد الحدود، وأرادت للمرأة أن تخرج من طور الشفوية الذي تحبس نفسها فيه منذ عصور، لتتسلق القلم، مودّعة الصمت / الحجاب.
بالإضافة إلى اسهامها النظري، قدمت المرنيسي بعض الدراسات الميدانية التي جعلتها تعي وضع النساء في بلادنا بشكل جيد، وتكتشف مدى أهمية العمل والتعليم بالنسبة لتمكين المرأة. وسبق وتطرقنا إلى موضوعة العمل في فقرة الحريم الاقتصادي كما صاغته رحاب منى شاكر. أما بالنسبة للتعليم، فالمرنيسي لديها الثقة الكاملة أنه سوف يعمل على تقويض أسس الحريم. وهي لا تقصد طبعا أن تتوفر بعض الفرص التعليمية الممتازة لنساء النخبة، لأن هذا لن يزيد الطينة إلا بلة، وسوف تنقسم النساء فيما بينها إلى نخبة متعلمة وخادمات أميات. فالرجال لن يساعدوا النساء، وستضطر المتعلمات إلى الاعتماد على نساء الطبقة الدنيا لإتمام أعمال المنزل، ريثما يرجعن من أشغالهن المهنية والثقافية منهكات.
ما تطمح إليه المرنيسي فعلا هو أن ينتشر التعليم في كل أنحاء المجتمع وطبقاته، بين الأغنياء والفقراء، الصغار والكبار، الذكور والإناث، وأن يحصل الجميع على تكوين مهني يؤهلهم للعمل المثمر والعيش الكريم. حين نتعرف على نسبة الأمية بين النساء القرويات في بلدها الأم المغرب، لن نستغرب اهتمام المرنيسي الكبير بتعليم المرأة والقضاء على الجهل بشكل عام.
وفي هذا السياق تورد "رحاب منى شاكر" اقتباس مقتطف من كتاب شهرزاد ليست مغربية (ص 77) :
"فكرة تعلم النساء كانت مدنسة لدى كثير من العلماء. وهم محقون في ردة فعلهم، لأنها فكرة انفجارية تدمر الهندسة الجنسية التي تقسم المكان إلى داخل وخارج، إلى أمكنة للنساء وأمكنة للرجال؛ هندسة تعرّف الذكورة على أنها نبذ للأنوثة ومحو لها. لذا يُفترَض بالذكورة لكي تؤكد على نفسها من الآن فصاعداً أن تمتلك معايير مختلفة عن النبذ والسلبية وغياب النساء. كان هذا انهيار المدينة التي هندسها الأجداد، حيث النساء أفاع سامة يجب وضعها بعيدا في الأمكنة "الحرام" القاتمة والصامتة ليستتب النظام. وتصدّع هذه الهندسة التي تضفي صفة الجنس على المكان وترفض لقاء الذكوري بالأنثوي سيتم بفضل التعليم".









تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...