د. محمد عبد الله القواسمة - الرواية في زمن كورونا 19

لا شك أن جائحة كورونا 19التي اجتاحت العالم كله كان لها تأثير كبير في مناحي الحياة كلها. وكان هذا التأثير قويًا: خرب الاقتصاد، وسجن الإنسان، وأودى بحياة الآلاف من الناس. وسيستمر هذا التأثير حتى بعد انقضاء الجائحة، لقد حفر في الوجدان الجمعي، وتحتاج البشرية إلى سنين حتى يصبح في عداد الذكرى.

لعل أبرز ما نعاينه من تأثير لجائحة كورونا تأثيرها في الأدب الذي هو رفيق الإنسان في حياته، وحامل همومه، والمعبر عن تجاربه وعما في قلبه من عواطف وأحاسيس، وسنلمس هذا التأثير بصورة واضحة في الرواية. فهي الفن السردي الوحيد الذي يستطيع أن يقدم أكبر قطاع من الحياة والمجتمع في عالمه الفني، كما أنه الفن الذي يقترب منه الناس عادة، وبخاصة أيام الحجر المنزلي والحظر الجزئي أو الشامل في حكاياتهم وقصصهم عن هذا المرض الذي عكر عليهم صفو الحياة.

يتراءى لنا أن تأثير كورونا في الرواية سيتمثل في زيادة الروايات التي تتناول موضوع الجائحة؛ فقد وفرت الجائحة عندما فرضت على كثير من الناس الحجر في بيوتهم، وفقدان وظائفهم، وتوقف أعمالهم وقتًا طويلًا لسرد الحكايات وكتابة الروايات حتى ممن لم يفعل ذلك من قبل. فكثيرون يفهمون الرواية بأنها فن سهل، مجرد حكاية كتلك التي تقصها الجدات، أو سرد لتجارب وأحداث مرت بهم، ومن منا لا يرغب في أن يقص حكايته مع الحياة بوصفها حكاية عن حياة فريدة من نوعها.

لا عجب والحالة هذه أن يكتب الرواية من هب ودب، ويقتحم هذا المضمار كثيرون من الأطباء والمهندسين والسياسيين والشعراء والناشرين مندفعين أيضًا بإغراءات الجوائز الروائية.

لن يقتصر تأثير كورونا على زيادة الإبداع الروائي، وكثرة الكتابات فيما يظن بأنها روايات بل سيكون تأثيرها في طبيعة الرواية وتشكلها. فسنعاين روايات على شكل قصص قصيرة ومذكرات وسير ذاتية، وروايات تمتلئ بعوالم الرعب والخوف والمرض، وتبرز روايات تتحدث عن مدن الفساد والخراب الديستوبيا. وسيتجلى في الرواية الكورونية موضوعا الموت والحب؛ فالحديث عن كورونا هو حديث عما تلحقه بالإنسان من ألم وعذاب، وحديث عن الموت والنهاية؛ فلا يوجد إنسان لم يلحق به الألم المادي والنفسي من جراء هذه الجائحة. وكالعادة سيجر الحديث عن الألم والموت الحديث عن الحب بمعناه الشامل: حب المال، حب الشهرة، حب الحياة، والحب في أسمى درجاته حب الإنسان لأخيه الإنسان وحب المرأة للرجل كعلاقة إنسانية سامية. هكذا سنرى روايات في زمن الكورونا يتعانق فيها الحب والموت كما رأينا في الروايات التي تتحدث عن الأوبئة والكوارث. فلا توجد رواية تتحدث عن الموت إلا وتتحدث عن الحب، كما نلاحظ حتى في عناوين روايات مثل: "الحب في زمن الكوليرا"، لماركيز و"جدلية الحب والموت" لسمية عزام و"عدوى الحب والموت" لحسين العموش وغيرها. إن الحديث عن الحب مرتبط بالحديث عن الموت فالظاهرتان من أقوى الظواهر في هذه الحياة وأشدها ارتباطًا بعضهما ببعض. هكذا نهمس لأحبابنا: "أحبك موت"، و"أموت في حبك"، تقبرني..إلخ.

ونتغنى مع الشاعر بشار بن برد:

لو كنت أعلم أن الحب يقتلني أعددت لي قبل أن ألقاك أكفانا

ونتذكر الحبيبة وسط المصيبة والشدة، كما عنترة في قوله:

ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي

إذًا ليس من المفاجأة أن نشهد العام المقبل كثرة الروايات والمحاولات تحت مسمى رواية، وانثيالًا للاشتراك في الجوائز المخصصة للرواية، مثل: جائزة كتارا، ونجيب محفوظ، والطيب صالح، والبوكر العربية والعالمية. وعلى الأغلب كما أرى سيكون موضوعها الموت ونقيضه الحب. وهو الموضوع الذي اجترحه هذا الفيروس اللعين الذي هاجم البشرية وهي سارحة في غيها، وتبجحها بقوتها الإلكترونية الهائلة.

هكذا ستكون الرواية القادمة في زمن كورونا تجربة الإنسان مع الموت والحب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...