تتملك كثيرًا من الأدباء أوهام ربما لا يدرون عنها، أو يدرون، ولكن يصعب عليهم الفكاك منها، أو ربما يخلقونها ويستمرئون تغلغلها في عقولهم؛ لأنها تحقق لهم فوائد جمة؛ فهي توقد قريحتهم، وتلهب مشاعرهم، وتقوي رغبتهم وقدرتهم على الكتابة والإبداع، فالأوهام، قد تدفع الإنسان للعمل بجد، وتساعده على الحياة وتقبّل صعوباتها. وكثير من الناس يعيشون على الأوهام، وعندما تتكشف لهم الحقيقة يغرقون في صدمة نفسية قد تؤدي بهم إلى الموت، فكان من الأفضل أن يبقوا في أوهامهم. إن الحقيقة مميتة إذا أدركناها بعد وهم عميق ممتد.
يدرك الشعراء العشاق هذه الحقيقة أكثر من غيرهم؛ فعلى سبيل المثال، كانت الأوهام العاطفية المبنية على الحلم بلقاء الحبيبة، أو مجرد رؤيتها أو الاقتراب منها تحقق للشعراء العذريين المتعة، والقدرة على الإبداع الشعري، والاستمرار في الحياة. لهذا كانوا يحرصون على بقاء أوهامهم. على هذا نفهم ما جاء في أغنية الفنانة فيروز: "تعا ولا تجي، وكزوب عليِّي. الكِزْبِة مشْ خطيِّة. وعِدْني إنُّو رحْ تِجِي. وتعا. ولا تجي."
من الأوهام التي يحافظ عليها كثير من الأدباء اعتقادهم بقدرة الأدب على التأثير في الواقع وتغييره، وذلك بتغيير أفكار الناس، وبالتالي تعديل سلوكهم، فهم يرون بأنهم في أشعارهم ورواياتهم يطرحون عوالم بديلة عن هذا العالم الذي يعايشونه، عوالم تخلو من الفساد، فيها يتحقق العدل، ويشيع السلم، وتُنبذ الكراهية والحقد، وينعم الناس ببيئة نقية. لكن عندما تتكشف لهم الحقائق، وتأتي الوقائع بخلاف ما كانوا يتوقعون تقع الصدمة، وقد رأينا بعض الأدباء يُقدمون على الانتحار، كما فعل تيسير السبول الشاعر والروائي الأردني، وخليل حاوي الشاعر اللبناني: الأول بسبب هزيمة العرب أمام الدولة الصهيونية في حزيران عام 1967م، والثاني بسبب اجتياح القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982م.
ومن الأوهام التي تترسخ في إذهان بعض الأدباء أن إبداعهم سابق عصره، ومتفوق على إبداع الآخرين، وأنهم وصلوا إلى عوالم لم يصل إليها أحد قبلهم، لهذا فهم ينتقصون من جهود غيرهم، ويرى الواحد منهم أن أعظم أدباء العصر لن يبلغوا شأنه، وأن أعظم النقاد لن يتوصلوا إلى فهم مراميه، فلا عجب أن يتهم النقاد ممن تناولوا أدبه بالقصور، وعدم الفهم، ولسانه كما يردد أبو الطيب المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرًا به الماء الزلالا
من الأوهام الأخرى التي تسيطر على بعض الأدباء أن أدبهم كله متميز ومتفوق، ولا وجود لتفاوت في قيمته وجماله، وأن على المتلقي أن يهتم به؛ فهو يستحق أن يُنتبه إليه، وينال الجوائز. يغيب عن هؤلاء أن كبار الأدباء أنتجوا أعمالًا ضعيفة، وأن بعضم كانوا غير راضين عنها، ويتمنون لو أنهم لم ينتجوها.
وتبلغ الأوهام عند بعض الأدباء حدًا من النرجسية بالاعتقاد أنهم المرجعية الأولى لكثير مما يُطرح من معان وأفكار؛ لهذا فلا غرابه أن يتهموا غيرهم، دون سند قوي، بالسرقة، أو التأثر الشديد بأدبهم، بل حتى بالاعتياش عليه.
كانت تلك بعض الأوهام التي تعشعش في عقول كثير من الأدباء، فتبعدهم عن التشخيص السليم للواقع، وتُحدّ من تجويد أعمالهم، وتبعد أدبهم عن إثراء الروح وتغذية الوجدان، والمساهمة في إعلاء الحق وبيان الحقيقة، وإضاءة طرق العدل. لا شك أن إزالة هذه الأوهام تتطلب الثقة بالنفس، وكثرة التجربة، ورقي الوعي، وقوة الثقافة، وشعف المعرفة.
إن الأهداف العظيمة والسامية، كما أرى، لا تتحقق على أيدي أدباء واهمين، بل على أيدي أدباء واقعيين في رؤيتهم للأدب والحياة والناس.
يدرك الشعراء العشاق هذه الحقيقة أكثر من غيرهم؛ فعلى سبيل المثال، كانت الأوهام العاطفية المبنية على الحلم بلقاء الحبيبة، أو مجرد رؤيتها أو الاقتراب منها تحقق للشعراء العذريين المتعة، والقدرة على الإبداع الشعري، والاستمرار في الحياة. لهذا كانوا يحرصون على بقاء أوهامهم. على هذا نفهم ما جاء في أغنية الفنانة فيروز: "تعا ولا تجي، وكزوب عليِّي. الكِزْبِة مشْ خطيِّة. وعِدْني إنُّو رحْ تِجِي. وتعا. ولا تجي."
من الأوهام التي يحافظ عليها كثير من الأدباء اعتقادهم بقدرة الأدب على التأثير في الواقع وتغييره، وذلك بتغيير أفكار الناس، وبالتالي تعديل سلوكهم، فهم يرون بأنهم في أشعارهم ورواياتهم يطرحون عوالم بديلة عن هذا العالم الذي يعايشونه، عوالم تخلو من الفساد، فيها يتحقق العدل، ويشيع السلم، وتُنبذ الكراهية والحقد، وينعم الناس ببيئة نقية. لكن عندما تتكشف لهم الحقائق، وتأتي الوقائع بخلاف ما كانوا يتوقعون تقع الصدمة، وقد رأينا بعض الأدباء يُقدمون على الانتحار، كما فعل تيسير السبول الشاعر والروائي الأردني، وخليل حاوي الشاعر اللبناني: الأول بسبب هزيمة العرب أمام الدولة الصهيونية في حزيران عام 1967م، والثاني بسبب اجتياح القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982م.
ومن الأوهام التي تترسخ في إذهان بعض الأدباء أن إبداعهم سابق عصره، ومتفوق على إبداع الآخرين، وأنهم وصلوا إلى عوالم لم يصل إليها أحد قبلهم، لهذا فهم ينتقصون من جهود غيرهم، ويرى الواحد منهم أن أعظم أدباء العصر لن يبلغوا شأنه، وأن أعظم النقاد لن يتوصلوا إلى فهم مراميه، فلا عجب أن يتهم النقاد ممن تناولوا أدبه بالقصور، وعدم الفهم، ولسانه كما يردد أبو الطيب المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرًا به الماء الزلالا
من الأوهام الأخرى التي تسيطر على بعض الأدباء أن أدبهم كله متميز ومتفوق، ولا وجود لتفاوت في قيمته وجماله، وأن على المتلقي أن يهتم به؛ فهو يستحق أن يُنتبه إليه، وينال الجوائز. يغيب عن هؤلاء أن كبار الأدباء أنتجوا أعمالًا ضعيفة، وأن بعضم كانوا غير راضين عنها، ويتمنون لو أنهم لم ينتجوها.
وتبلغ الأوهام عند بعض الأدباء حدًا من النرجسية بالاعتقاد أنهم المرجعية الأولى لكثير مما يُطرح من معان وأفكار؛ لهذا فلا غرابه أن يتهموا غيرهم، دون سند قوي، بالسرقة، أو التأثر الشديد بأدبهم، بل حتى بالاعتياش عليه.
كانت تلك بعض الأوهام التي تعشعش في عقول كثير من الأدباء، فتبعدهم عن التشخيص السليم للواقع، وتُحدّ من تجويد أعمالهم، وتبعد أدبهم عن إثراء الروح وتغذية الوجدان، والمساهمة في إعلاء الحق وبيان الحقيقة، وإضاءة طرق العدل. لا شك أن إزالة هذه الأوهام تتطلب الثقة بالنفس، وكثرة التجربة، ورقي الوعي، وقوة الثقافة، وشعف المعرفة.
إن الأهداف العظيمة والسامية، كما أرى، لا تتحقق على أيدي أدباء واهمين، بل على أيدي أدباء واقعيين في رؤيتهم للأدب والحياة والناس.