بات من المعروف أهمية عتبة العنوان في الرواية من بين العتبات التي تظهر في محيطها النصي، مثل صورة الغلاف والإهداء والاقتباسات والحواشي والشروحات وغيرها. وبعيدًا عن تنظيرات الناقد الفرنسي جيرار جينيت(1930-2018) الذي يعد من أهم النقاد الذين اهتموا بالعنونة، كما يوضح عبد الحق بلعابد في كتابه "عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص" فإن العنوان في الرواية، كما أرى، هو الرواية مضغوطة في كلمات، وأن كل ما يقوم به الناقد والمتلقي ما هو إلا دوران حول العنوان، وتفكيك له، ولهذا يحسن أن تكون عناصره متناسبة مع أحداث الرواية وحركة شخوصها.
ونحن إزاء رواية" ديما الرجبي "ضجيج الفراق" (عمان: دار ورد،2020) التي نهضت بها ديما بعد ثلاث روايات: "الأنثى والعقاب" 2013، "سقراط والمرأة" 201، "ظل الذاكرة" 2016 نتساءل عن مدى تناسب عنوانها مع أحداث الرواية، ونجاحه في التعبير عن أحاسيس الشخصيات وأفكارها.
من الواضح أن العنوان" ضجيج الفراق" جاء على شكل تركيب إضافي، مضاف ومضاف إليه من الناحية النحوية وعلى صورة تشبيه بليغ من الناحية البلاغية: المشبه " الفراق" والمشبه به "الضجيج". وتشير كلمة "ضجيج" في المعاجم اللغوية إلى أنها بمعنى "الجلبة" و"الضوضاء" و"الانزعاح" و"الصياح". فالمعنى الذي يقدمه العنوان في الظاهر هو أن الفراق الذي تتحدث عنه الرواية، وإن كان له ضجيج فإنه لا يؤثر كثيرًا في الشخصيات والأحداث، كما لا يستمر هذا التأثير طويلًا. إنه مجرد ضجيج.
فهل الفراق الذي تحقق في الرواية يحمل صفات الضجيج؟ إن قراءة الرواية كاملة تبين أنها تتناول عدة أنواع من الفراق: فراق فلسطين/خان يونس فبطلة الرواية تفارق وطنها وتأتي نازحة إلى الأردن، ثم فراق زوجها الأول معاذ بطلاقها منه بعد أن تزوجته دون موافقة والدها، ثم فراق الأردن هذا الوطن الثاني الذي أصبح عزيزًا على قلبها، والسفر إلى تركيا والعمل فيها، ثم فراق عشيقها يزن الفتى اليمني الذي تعرفت إليه في تركيا. هذه الأنواع من الفراق هل تكفي كلمة ضجيج لوصف أي نوع منها؟ نرى أن هذا الوصف يتناقض مع ما تقوله الرواية عن كل نوع من الفراق، فنقرأ مثلا عن فراق خان يونس بأنه" لم يكن قرارًا سهلًا"(ص17) لدى بطلة الرواية، وبعد طلاقها من زوجها معاذ نقرأ عن حياتها بأنها "تأزمت وتشابكت" (ص21)، ونقرأ عن فشل علاقتها بيزن الشخصية الثانية في الرواية، وهي العلاقة التي تدور عليها معظم الأحداث الروائية:" تجاوزي يزن لم يكن سهلًا، ولا أنكر أن ضجيج الفراق كان أشد أصناف العذاب تنكيلًا، لن أغفر له ما صنعه بحقي، ولن أغفر لنفسي ما فعلته بها، سيلاحقه ذنبي حتى تفيض أرواحنا"(ص172).
استنادًا إلى ما سبق فإن مفردة "ضجيج" لم تكن مناسبة لوصف أي نوع من الفراق في رواية ديما الرجبي؛ فكل نوع منه سواء أكان فراق المكان أم فراق الأهل والأحباب هو فراق باعث للألم والوجع واللوعة، ومثير للحزن الذي لا يفارق النفس بسهولة. وهذا ما تعترف به الرواية على ألسنة شخوصها. لكن وجه الغرابة أن هذا الاعتراف لم يعبر عنه العنوان بدقة. ربما كنا نقبل بوصف الفراق بالضجيج لو كان الوصف عابرًا في الرواية، ولكنا نتردد في قبوله؛ لأنه جاء في العنوان الذي يمتد ما فيه من رؤى ومعان إلى النص الروائي كله؛ فيؤثر تأثيرًا واضحًا في بنية الرواية وحركة شخوصها، من هنا كان سر إضجاجنا من استخدام كلمة الضجيج في عنوان الرواية.
ونحن إزاء رواية" ديما الرجبي "ضجيج الفراق" (عمان: دار ورد،2020) التي نهضت بها ديما بعد ثلاث روايات: "الأنثى والعقاب" 2013، "سقراط والمرأة" 201، "ظل الذاكرة" 2016 نتساءل عن مدى تناسب عنوانها مع أحداث الرواية، ونجاحه في التعبير عن أحاسيس الشخصيات وأفكارها.
من الواضح أن العنوان" ضجيج الفراق" جاء على شكل تركيب إضافي، مضاف ومضاف إليه من الناحية النحوية وعلى صورة تشبيه بليغ من الناحية البلاغية: المشبه " الفراق" والمشبه به "الضجيج". وتشير كلمة "ضجيج" في المعاجم اللغوية إلى أنها بمعنى "الجلبة" و"الضوضاء" و"الانزعاح" و"الصياح". فالمعنى الذي يقدمه العنوان في الظاهر هو أن الفراق الذي تتحدث عنه الرواية، وإن كان له ضجيج فإنه لا يؤثر كثيرًا في الشخصيات والأحداث، كما لا يستمر هذا التأثير طويلًا. إنه مجرد ضجيج.
فهل الفراق الذي تحقق في الرواية يحمل صفات الضجيج؟ إن قراءة الرواية كاملة تبين أنها تتناول عدة أنواع من الفراق: فراق فلسطين/خان يونس فبطلة الرواية تفارق وطنها وتأتي نازحة إلى الأردن، ثم فراق زوجها الأول معاذ بطلاقها منه بعد أن تزوجته دون موافقة والدها، ثم فراق الأردن هذا الوطن الثاني الذي أصبح عزيزًا على قلبها، والسفر إلى تركيا والعمل فيها، ثم فراق عشيقها يزن الفتى اليمني الذي تعرفت إليه في تركيا. هذه الأنواع من الفراق هل تكفي كلمة ضجيج لوصف أي نوع منها؟ نرى أن هذا الوصف يتناقض مع ما تقوله الرواية عن كل نوع من الفراق، فنقرأ مثلا عن فراق خان يونس بأنه" لم يكن قرارًا سهلًا"(ص17) لدى بطلة الرواية، وبعد طلاقها من زوجها معاذ نقرأ عن حياتها بأنها "تأزمت وتشابكت" (ص21)، ونقرأ عن فشل علاقتها بيزن الشخصية الثانية في الرواية، وهي العلاقة التي تدور عليها معظم الأحداث الروائية:" تجاوزي يزن لم يكن سهلًا، ولا أنكر أن ضجيج الفراق كان أشد أصناف العذاب تنكيلًا، لن أغفر له ما صنعه بحقي، ولن أغفر لنفسي ما فعلته بها، سيلاحقه ذنبي حتى تفيض أرواحنا"(ص172).
استنادًا إلى ما سبق فإن مفردة "ضجيج" لم تكن مناسبة لوصف أي نوع من الفراق في رواية ديما الرجبي؛ فكل نوع منه سواء أكان فراق المكان أم فراق الأهل والأحباب هو فراق باعث للألم والوجع واللوعة، ومثير للحزن الذي لا يفارق النفس بسهولة. وهذا ما تعترف به الرواية على ألسنة شخوصها. لكن وجه الغرابة أن هذا الاعتراف لم يعبر عنه العنوان بدقة. ربما كنا نقبل بوصف الفراق بالضجيج لو كان الوصف عابرًا في الرواية، ولكنا نتردد في قبوله؛ لأنه جاء في العنوان الذي يمتد ما فيه من رؤى ومعان إلى النص الروائي كله؛ فيؤثر تأثيرًا واضحًا في بنية الرواية وحركة شخوصها، من هنا كان سر إضجاجنا من استخدام كلمة الضجيج في عنوان الرواية.