طارق حرب - مدح بغداد في معجم البلدان لياقوت الحموي

في سلسلة التراث البغدادي كانت لنا محاضرة عما ورد في كتاب معجم البلدان من مدح لبغداد لكاتبه ياقوت الحموي وهو أبو عبدالله شهاب الدين الرومي البغدادي المولود عام 574 هج سنة 1179 م والمتفوي عام 626 سنة 1228 وياقوت الحموي من مشاهير الرحاله والجغرافيين نشأ في بغداد منذ أن كان عمره خمس أعوام وكان مملوكاً وفي سن الثلاثين أرسله مولاه في تجارة الى احدى الجزائر وبعدها بدأ برحلة طويلة الى الشام والمشرق الاسلامي وعاد بعدها الى حلب ثم توجه الى مصر لهذا فأن وصفه بغداد من الأوصاف المهمه لأنه اعتمد على مصادر بلدانيه وتاريخيه وعلى مشاهدات خططيه وقد أحسن في وصف بغداد وذكر الكثير مما ورد في مدح بغداد ننقل شيئا منه :-
يقول ومن عجيب ذلك ما ذكره أبو سهل بن نوبخت قال؛ أمرني الخليفه المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع ففعلت فاذا الطالع في الشمس وهي في القوس فخبرته بما تدل النجوم عليها من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس الى ما فيها وأخبرت المنصور انه يوجد في أدلة النجوم انه لا يموت في بغداد خليفه أبداً حتف أنفه وأورد الحموي قول عماره بن بلال الخطفي:-
أعانيت في طول من الأرض أو عرض
كبغداد من دار بها مسكن الخفض
صفا العيش في بغداد وأخضر عوده
وعيش سواها غير خفض ولا غض
وينقل عن ابن مجاهد المقري انه رأى المازني البصري أحد القراء السبعه في النوم وأخبره ان من أقام ببغداد على السنه والجماعه ومات نقل من جنة الى جنه وان الامام الشافعي سأل يونس بن عبد الاعلى عن دخوله بغداد ولما أجابه بالنفي أي بعدم دخوله بغداد فقال له الشافعي ما رأيت الدنيا ولا الناس
ويذكر الحموي انه وجد على حائط بجزيرة قبرص مكتوبا :-
فهل نحو بغداد مزار فيلتقي
مشوق ويحظى بالزيارة زائر
الى الله أشكو لا الى الناس انه
على كشف ما ألقى من الهم قادر
وان القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر المالكي عندما غادر بغداد الى مصر خرج البغداديون يودعونه وجعلوا ينوجعون لفراقه فقال؛-
سلام على بغداد من كل منزل
وحق لها مني السلام المضاعف
فوالله ما فارقتها عن قلى لها
واني بشظى جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي برحبها
ولم تكن الارزاق فيها تساعف
ومما أورده كذلك الحموي في مدح بغداد نقله عن بعض الفضلاء ان بغداد جنة الارض ومدينة السلام وقبة الاسلام ومجمع الرافدين وغرة البلاد وعين العراق ودار الخلافه ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف وبها أرباب الغايات من كل فن وآحاد الدهر في كل نوع يقول فيها أبو اسحاق الزجاج :- بغداد حاضرة الدنيا وما عداها باديه وأبو الفرج الببغا يقول؛- هي مدينة السلام بل مدينة الاسلام وان هواءها أغدى من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء وان نسيمها أرقي من كل نسيم وكان ابن العميد ذو الكفايتين الوزير الاديب الفاضل البليغ اذا طرأ عليه أحد منتحلي العلوم والاداب وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد فإن فطن بخواصها وتنبه على محاسنها وأثنى عليها جعل ذلك مقدمة فضله وعنوان عقله ثم سأله عن الجاحظ فإن وجد أثرا لمطالعة كتبه والاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وبعض القيام بمسائله قضى له بأنه غرة شامخه في أهل العلم والاداب وان وجده ذاماً لبغداد غافلا عما يحب أن يكون موسوماً به من الانتساب الى المعرف التي يختص بها الجاحظ لم ينفعه بعد ذلك شيء من المحاسن وقال الصاحب عن بغداد عندما سأله ابن العميد :- بغداد في البلاد كالاستاذ في العباد وقال بن زريق الكاتب الكوفي:-
سافرت أبغي لبغداد وساكنها
مثلا قد أخترت شيئا دونه الياس
هيهات بغداد والدنيا بأجمعها
عندي وسكان بغداد هم الناس
ووجد أحدهم مكتوباً بطريق مكه على بعض الاميال من بغداد؛/
أيا بغداد يا أسفي عليك
متى يقضي الرجوع لنا اليك
قنعنا سالمين بكل خير
وينعم عيشنا في جانبيك
وعن الشيخ أبا اسحاق الفيروآباذي المعروف بالشيرازي الفقيه المتوفي ببغداد عام 476 هج؛- من دخل بغداد وهو ذو عقل صحيح وطبع معتدل مات بها أو مات بحسرتها أي حباً ببغداد وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:-
مامثل بغداد في الدنيا ولا الدين
على تقلبها في كل ما حين
ما بين قطربل فالكرخ نرجسه
تندى ومنبت خيري ونسرين
وقال شاعر:-
بغداد يا دار الملوك ومجتنى
صنوف المنى يا مستقر المنابر
وياجنة الدنيا ويا مجتنى الغنى
ومنبسط الامال عند المتاجر
وقال آخر:-
فهل نحو بغداد مزار فيلتقي
مشوق ويحظى بالزيارة زائر
وقال طاهر بن المظفر الخازن؛-
سقى الله صوب الغاديات محلة
ببغداد بين الخلد والكرخ والجسر
وقال أبو بكر الخطيب البغدادي؛ أنشدني أبو محمد الباقي؛-
دخلنا كارهين لها فلما
ألفناها خرجنا مكرهينا
ويذكر القاضي الاقضى الماوردي عن أخيه من البصره انه كتب اليه يقول:
طيب الهواء ببغداد يشوفني
قدما اليها وان عاقت معاذير .

طارق حرب خبير قانوني ومحام



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...