الهايكو لون من الشعر ظهر في اليابان في القرن السابع عشر على يد الشاعر الياباني ماتسو باشو (1644-1694م) وقصيدة الهايكو تتكون من بيت واحد، يحتوي سبعة عشر مقطعًا صوتيًا، تتوزع على ثلاثة أسطر خمسة سبعة خمسة.
وتعود جذور قصيدة الهايكو إلى شعر التانكا Tanka والرينجاRenga . والتانكا قصيدة قصيرة تتكون من واحد وثلاثين مقطعًا كل مقطع من خمسة أبيات، والرينجا قصيدة طويلة يشترك فيها أكثر من شاعر، وتثير أحاسيس القارئ بمقابلة عنصرين من الطبيعة وحياة الإنسان، ولا تستعين بالتشبيه والاستعارة.
شعر الهايكو رمز للثقافة اليابانية وروحها، وبه يعبر عن جمال الطبيعة، وما يمور في حياة اليابان الروحية والعقلية تجاوبًا مع عقيدة الزن البوذية، التي تقوم على التأمل والاستغراق في التفكير للوصول إلى حالة من اليقظة والاستنارة.
بدأت قصيدة الهايكو في القرنين التاسع عشر والعشرين تنتشر في أنحاء العالم بفضل ترجمات الأدب الياباني إلى اللغات العالمية، خاصة الإنجليزية والفرنسية، وشُرع في محاكاتها وتطويرها خاصة بما يتصل بالمقاطع الصوتية اليابانية؛ لتتجانس مع الخصائص الصوتية في اللغات الأخرى. حتى ظهرت في القرن العشرين بأمريكا وبريطانيا المدرسة الشعرية الصورية imagism التي استفادت من قصيدة الهايكو. وكان من روادها الشاعر إزرا باوند.
أما في البلاد العربية فظهرت القصيدة الهايكوية في منتصف القرن العشرين عن طريق ترجمة نصوص منها إلى اللغة العربية. وتمكن الشاعر العراقي سعد جاسم من خلال الاطلاع على ترجمات لدراسات وأبحاث من الأدب الياباني من أن يكون أول من نظم قصائد تحت مسمى الهايكو ونشرها، كما ظهر في مجموعته الشعرية الأولى "موسيقى الكائن" 1995م، ومجموعته الثانية "طواويس الخراب" 2001م.
إن القول بريادة الشاعر العراقي سعد جاسم في استخدام مصطلح هايكو لا يطمس دعوة طه حسين في أربعينيات القرن الماضي في مقدمة كتابه "جنة الشوك" 1945م إلى الاهتمام بنوع من النصوص القصيرة تدعى " الأبيجراما"، وقدم طه حسين الأبيجراما بأنها لون أدبي يقوم على التكثيف البلاغي، والمفارقة. وجاء الدكتور الشاعر والناقد عز الدين إسماعيل في ثمانينيات القرن الماضي ليقدم هذا اللون من الأدب شعرًا بخلاف طه حسين في ديوانه " دمعة للأسى - دمعة للفرح". والمعروف أن " الأبيجراما" فن ظهر باليونان في القرن الخامس ق.م. وكلمة الأبيجراما(Epigramma) كلمة يونانية تعني النقش (Inscription)، ويعرّف الناقد الإنجليزي كوليردج النص الأبيجرامي بأنه:" كيان مكتمل وصغير ، جسده الإيجاز والمفارقة روحه"، وهذا ما يجعله قريبًا من شعر الهايكو الياباني، أو شعر التوقيعة الذي ظهر في الشعر العربي الحديث بأسماء مختلفة: الومضة، اللقطة، الشذرة، القصيدة الخاطرة، قصيدة البيت الواحد، القصيدة القصيرة، القصيدة القصيرة جدًا، المقطعَّة، قصيدة الإيقونة، الأنقوشة، اللافتة، قصيدة الفلاش، قصيدة الخبر، البرقية، السونيتة، الهايكو..إلخ.
ومع تعدد المصطلحات نجدنا أمام تجارب شعرية مختلفة لما يسمى شعر الهايكو العربي، ونضرب المثل على ذلك بتجربتين شعريتين، يشترك صاحباهما في أنهما من شعراء قصيدة الهايكو، ويعليان من شأن هذا الشعر في مؤلفاتهما: الأولى تجربة الشاعر والناقد العراقي عذاب الركابي، والثانية تجربة الشاعر والمترجم السوري محمد عضيمة. وعذاب الركابي شاعر له باع طويل في الشعر، وقد أنجز قبل تجاربه مع شعر الهايكو عشر دواوين من شعر التفعيلة وقصيدة النثر. وكانت تجربته الأولى مع شعر الهايكو في ديوانه "ما يقوله الربيع" 2005، ثم الثانية في ديوانه" رسائل المطر " 2012وهي أكثر نضجًا من الأولى، وكانت تجربته الثالثة في ديوانه" العصافير ليست من سلالات الرياح" 2014 الذي يتحدث في مقدمته عن الهايكو، ويرى أنه سيصبح من مرجعيات الشعر العربي، وأن قصيدة الهايكو ذات لغة خاصة ومتفردة، وتخلو من التخيل والذاتية، وتتلخص فيها عناصر كيمياء الطبيعة؛ لهذا فهي تحتاج إلى شاعر ذي ثقافة واسعة وصبر.
من الملاحظ رغم هذا الفهم لشعر الهايكو وخصائصه إلا أن الشاعر الركابي لم يكن وفيًا لهذا الشعر؛ فجاءت قصائده بخلاف الهايكو الياباني تحاور الطبيعة وتؤنسنها، وتغرق في الذاتية، والبلاغة العربية. إنها وفية للتراث العربي وإن تأثرت بأسلوب فصيدة الهايكو الياباني. فهي تجربة خاصة بدرجة كبيرة ضمن سياق ثقافي عربي.
يقول من ديوانه "ما يقوله الربيع":
في ديوانه "شارع الألبسة الجاهزة" يحاول عضيمة من خلال الاهتمام بمفردات الحياة، وما يحيط بنا من أشياء وناس إنزال الشعر إلى مرتبة متدنية، تبعده عن التراث. تحت عنوان " قميص رابعة" يقول:"
في زمن آخر وعندما أتقي الله
من جديد
سأشعل الاضواء في جسدي النبيل.
وفي موضع آخر من الديوان يعود إلى لغة الإيحاء واللغة البليغة بعيدًا عن تأثيرات الهايكو وتنظيراته. يقول:
البلاد، بلادي
استنادًا إلى ما سبق نرى أن مصطلح الهايكو دخيل على ثقافتنا وتراثنا الشعري، ومن الإجحاف أن نطلقه على قصائد من الشعر العربي، إنه مصطلح لا يرقى في شعرنا العربي أن يكون نوعًا أدبيًا، وأن الألوان السابقة في القصيدة العربية بما فيها قصيدة الهايكو ما هي إلا تنويعات أسلوبية وتقنية ضمن الشكل العام للقصيدة العربية القصيرة التي عرفت في تراثنا الشعري العربي، والتي هي امتداد لقصيدة بيت الشعر الواحد التي عرفتها الذائقة الشعرية العربية منذ العصر الجاهلي حتى الآن.
وتعود جذور قصيدة الهايكو إلى شعر التانكا Tanka والرينجاRenga . والتانكا قصيدة قصيرة تتكون من واحد وثلاثين مقطعًا كل مقطع من خمسة أبيات، والرينجا قصيدة طويلة يشترك فيها أكثر من شاعر، وتثير أحاسيس القارئ بمقابلة عنصرين من الطبيعة وحياة الإنسان، ولا تستعين بالتشبيه والاستعارة.
شعر الهايكو رمز للثقافة اليابانية وروحها، وبه يعبر عن جمال الطبيعة، وما يمور في حياة اليابان الروحية والعقلية تجاوبًا مع عقيدة الزن البوذية، التي تقوم على التأمل والاستغراق في التفكير للوصول إلى حالة من اليقظة والاستنارة.
بدأت قصيدة الهايكو في القرنين التاسع عشر والعشرين تنتشر في أنحاء العالم بفضل ترجمات الأدب الياباني إلى اللغات العالمية، خاصة الإنجليزية والفرنسية، وشُرع في محاكاتها وتطويرها خاصة بما يتصل بالمقاطع الصوتية اليابانية؛ لتتجانس مع الخصائص الصوتية في اللغات الأخرى. حتى ظهرت في القرن العشرين بأمريكا وبريطانيا المدرسة الشعرية الصورية imagism التي استفادت من قصيدة الهايكو. وكان من روادها الشاعر إزرا باوند.
أما في البلاد العربية فظهرت القصيدة الهايكوية في منتصف القرن العشرين عن طريق ترجمة نصوص منها إلى اللغة العربية. وتمكن الشاعر العراقي سعد جاسم من خلال الاطلاع على ترجمات لدراسات وأبحاث من الأدب الياباني من أن يكون أول من نظم قصائد تحت مسمى الهايكو ونشرها، كما ظهر في مجموعته الشعرية الأولى "موسيقى الكائن" 1995م، ومجموعته الثانية "طواويس الخراب" 2001م.
إن القول بريادة الشاعر العراقي سعد جاسم في استخدام مصطلح هايكو لا يطمس دعوة طه حسين في أربعينيات القرن الماضي في مقدمة كتابه "جنة الشوك" 1945م إلى الاهتمام بنوع من النصوص القصيرة تدعى " الأبيجراما"، وقدم طه حسين الأبيجراما بأنها لون أدبي يقوم على التكثيف البلاغي، والمفارقة. وجاء الدكتور الشاعر والناقد عز الدين إسماعيل في ثمانينيات القرن الماضي ليقدم هذا اللون من الأدب شعرًا بخلاف طه حسين في ديوانه " دمعة للأسى - دمعة للفرح". والمعروف أن " الأبيجراما" فن ظهر باليونان في القرن الخامس ق.م. وكلمة الأبيجراما(Epigramma) كلمة يونانية تعني النقش (Inscription)، ويعرّف الناقد الإنجليزي كوليردج النص الأبيجرامي بأنه:" كيان مكتمل وصغير ، جسده الإيجاز والمفارقة روحه"، وهذا ما يجعله قريبًا من شعر الهايكو الياباني، أو شعر التوقيعة الذي ظهر في الشعر العربي الحديث بأسماء مختلفة: الومضة، اللقطة، الشذرة، القصيدة الخاطرة، قصيدة البيت الواحد، القصيدة القصيرة، القصيدة القصيرة جدًا، المقطعَّة، قصيدة الإيقونة، الأنقوشة، اللافتة، قصيدة الفلاش، قصيدة الخبر، البرقية، السونيتة، الهايكو..إلخ.
ومع تعدد المصطلحات نجدنا أمام تجارب شعرية مختلفة لما يسمى شعر الهايكو العربي، ونضرب المثل على ذلك بتجربتين شعريتين، يشترك صاحباهما في أنهما من شعراء قصيدة الهايكو، ويعليان من شأن هذا الشعر في مؤلفاتهما: الأولى تجربة الشاعر والناقد العراقي عذاب الركابي، والثانية تجربة الشاعر والمترجم السوري محمد عضيمة. وعذاب الركابي شاعر له باع طويل في الشعر، وقد أنجز قبل تجاربه مع شعر الهايكو عشر دواوين من شعر التفعيلة وقصيدة النثر. وكانت تجربته الأولى مع شعر الهايكو في ديوانه "ما يقوله الربيع" 2005، ثم الثانية في ديوانه" رسائل المطر " 2012وهي أكثر نضجًا من الأولى، وكانت تجربته الثالثة في ديوانه" العصافير ليست من سلالات الرياح" 2014 الذي يتحدث في مقدمته عن الهايكو، ويرى أنه سيصبح من مرجعيات الشعر العربي، وأن قصيدة الهايكو ذات لغة خاصة ومتفردة، وتخلو من التخيل والذاتية، وتتلخص فيها عناصر كيمياء الطبيعة؛ لهذا فهي تحتاج إلى شاعر ذي ثقافة واسعة وصبر.
من الملاحظ رغم هذا الفهم لشعر الهايكو وخصائصه إلا أن الشاعر الركابي لم يكن وفيًا لهذا الشعر؛ فجاءت قصائده بخلاف الهايكو الياباني تحاور الطبيعة وتؤنسنها، وتغرق في الذاتية، والبلاغة العربية. إنها وفية للتراث العربي وإن تأثرت بأسلوب فصيدة الهايكو الياباني. فهي تجربة خاصة بدرجة كبيرة ضمن سياق ثقافي عربي.
يقول من ديوانه "ما يقوله الربيع":
- لا تحضرُ
الزنبقة ُ
مجلسَ الشمس ِ الّتي
تغتابُ العصافير !!
. يمتحنُ
العصفورُ حُنجرتهُ،
بأغنيةٍ قديمةٍ،
على شبّاك ِعاشقْ!! - ويقول من ديوانه" العصافير ليست من سلالة الريح" ماضيًا في التوحد مع الطبيعة ومناجيًا عناصرها:
- تغضب العصافيرُ
عند ذِكر حسناتِ
الرياحِ
ولا تميل إلي صداقتِها
- العصافيرُ والبلابلُ
متفقانِ
على أنَّ صداقة
العواصفِ
كذب ..
ووهم ..!
في ديوانه "شارع الألبسة الجاهزة" يحاول عضيمة من خلال الاهتمام بمفردات الحياة، وما يحيط بنا من أشياء وناس إنزال الشعر إلى مرتبة متدنية، تبعده عن التراث. تحت عنوان " قميص رابعة" يقول:"
في زمن آخر وعندما أتقي الله
من جديد
سأشعل الاضواء في جسدي النبيل.
وفي موضع آخر من الديوان يعود إلى لغة الإيحاء واللغة البليغة بعيدًا عن تأثيرات الهايكو وتنظيراته. يقول:
البلاد، بلادي
- البلاد الغنية بالذعر، والذعر
- من كل يراع
- تتكي، تتكي مثل ماذا، مثل ماذا من وراء الحجاب.
استنادًا إلى ما سبق نرى أن مصطلح الهايكو دخيل على ثقافتنا وتراثنا الشعري، ومن الإجحاف أن نطلقه على قصائد من الشعر العربي، إنه مصطلح لا يرقى في شعرنا العربي أن يكون نوعًا أدبيًا، وأن الألوان السابقة في القصيدة العربية بما فيها قصيدة الهايكو ما هي إلا تنويعات أسلوبية وتقنية ضمن الشكل العام للقصيدة العربية القصيرة التي عرفت في تراثنا الشعري العربي، والتي هي امتداد لقصيدة بيت الشعر الواحد التي عرفتها الذائقة الشعرية العربية منذ العصر الجاهلي حتى الآن.