من وقت لآخر، تصدر مذكرات لسياسيين وصحفيين ورجال أعمال وكتّاب وأناس عاديين يتحدثون فيها بضمير المتكلم أو الغائب عن أحداث عايشوها، ووقائع عاينوها، وشخصيات خالطوها، وأماكن زاروها. وهي في الغالب تجارب خاصة، أو تجارب لآخرين، تُقدم بوجهات نظر ذاتية أو موضوعية.
تكتب المذكرات غالبًا لتوضيح الأحداث التي مرت بها الشخصية، أو لتبرير الأخطاء التي وقعت فيها، أو بيان المواقف وشرح الظروف والملابسات التي أحاطت بها. وقد يكتب الكاتب مذكراته ليمجد ذاته، ويُظهر أهميته ودوره في المجتمع والحياة، وربما يكتبها طمعًا في الخلود، أو جذب رضا النفس وراحة الضمير بأنه في النهاية قال ما رآه حقيقة، خاصة أن من يكتبون المذكرات إنما يكتبونها في نهاية العمر، أو مع انتهاء وظائفهم وإحالتهم على التقاعد. ونادرًا ما يضع كاتب المذكرات في أهدافه تقديم النصح والمشورة للقراء؛ فالذي يهمه في الدرجة الأولى هو تقديم نفسه.
لا شك أن الكاتب في بلادنا العربية لا يملك الحرية في أن يكتب ما يشاء وما تتطلبه الحقيقة، فتوجد قيود جمة تكبل من يتصدى لكتابة المذكرات. فعدا عن القيود السياسية والدينية والجنسية توجد قيود العادات والتقاليد، وما استقر في الوعي الجمعي من أفكار ومفاهيم تُحد من الصراحة في القول وقبول الآخر. لتخطي هذه القيود يلجأ الكاتب غالبًا إلى استخدام الرموز لبعض الشخصيات، وإخفاء بعض الأحداث.
ولكن القيود التي تعترض كاتب المذكرات لا تعفيه من أن تكون مذكراته بلا عيوب سواء من النواحي الشكلية أم المعنوية، ولعل أشد ما ينهك المذكرات، ويجعلها عديمة الفائدة ولا قيمة لها لجوء صاحبها إلى الكذب. والمعروف أن الكذب سلوك يمارسه الإنسان لطمس الحقيقة عن الآخرين، وهو يدل على انخفاض القيم الإنسانية. ويصفه الفيلسوف إيمانويل كانط في كتابه " نقد العقل المجرد" بأنه انتهاك كبير للذات؛ فلا يرتضي أي إنسان بأن يوصف بأنه من الكاذبين. ويرى الفيلسوف "فريدريك أ. سيجلر" بأن الكذب النموذجي هو أن يقول الكاتب قولًا زائفًا يعلم بزيفه وتتوافر فيه النية في الخداع.
ومن العيوب الأخرى التي تقترب من الكذب، وتُضعف المذكرات، وتجعلها قليلة القيمة هي أن تتصف بالذاتية المفرطة، أي المبالغة في الحديث عن الذات. ومن العيوب ما يبدو في المذكرات من تناقض في بعض المواقف، كأن يُقدم الكاتب رؤية في موقف معين، ثم يناقضها في موقف آخر. ومن العيوب التي قد يقترفها الكاتب الأخطاء التاريخية، واستخدام الخرافات والمصادفات، فهذه العيوب كلها تبعد الناس عن الحقيقة، وتفقد الكاتب المصداقية.
من الملاحظ أن العيوب السابقة لا تتصل بالكتابة، على أهمية المحافظة على سلامة اللغة والتشويق والتسلسل في الأفكار والدقة في السرد، فكان التركيز على الأسس التي تجعل للمذكرات قيمة وأهمية، وتدفع المجتمع للتخلص من عيوبه، وتجعل صاحبها ذا منزلة عالية تقترب من القديسين والعظماء. يحضرنا هنا من المذكرات الأدبية التي أفادت الناس، وأغنت الحياة الثقافية والأدبية، وأرست صورة نبيلة عن أصحابها أمثال مذكرات: محمد مهدي الجواهري، وأبي القاسم الشابي، وجراهام غرين، وغابرييل غارسيا ماركيز.
في النهاية يحسن بنا أن ندعو الكتاب في مختلف بلادنا العربية إلى أن يكتبوا مذكراتهم، بل وندعو غيرهم من السياسيين والصحفيين والفنانين أن يلجوا هذا النوع من الكتابة، لأنه أحد المكونات المهمة لأدب أمتهم، به تتكشف الحقائق أمام الناس، ويتبين للمجتمع عيوبه، وتغتني الحياة بنواحيها المختلفة، خاصة الأدبية والسياسية والفنية. ولا ننسى بأن المذكرات السياسية تزود المؤرخ بالمعلومات، وتساعده على معرفة خلفيات الأحداث، والاطلاع على آراء صناعها.
تكتب المذكرات غالبًا لتوضيح الأحداث التي مرت بها الشخصية، أو لتبرير الأخطاء التي وقعت فيها، أو بيان المواقف وشرح الظروف والملابسات التي أحاطت بها. وقد يكتب الكاتب مذكراته ليمجد ذاته، ويُظهر أهميته ودوره في المجتمع والحياة، وربما يكتبها طمعًا في الخلود، أو جذب رضا النفس وراحة الضمير بأنه في النهاية قال ما رآه حقيقة، خاصة أن من يكتبون المذكرات إنما يكتبونها في نهاية العمر، أو مع انتهاء وظائفهم وإحالتهم على التقاعد. ونادرًا ما يضع كاتب المذكرات في أهدافه تقديم النصح والمشورة للقراء؛ فالذي يهمه في الدرجة الأولى هو تقديم نفسه.
لا شك أن الكاتب في بلادنا العربية لا يملك الحرية في أن يكتب ما يشاء وما تتطلبه الحقيقة، فتوجد قيود جمة تكبل من يتصدى لكتابة المذكرات. فعدا عن القيود السياسية والدينية والجنسية توجد قيود العادات والتقاليد، وما استقر في الوعي الجمعي من أفكار ومفاهيم تُحد من الصراحة في القول وقبول الآخر. لتخطي هذه القيود يلجأ الكاتب غالبًا إلى استخدام الرموز لبعض الشخصيات، وإخفاء بعض الأحداث.
ولكن القيود التي تعترض كاتب المذكرات لا تعفيه من أن تكون مذكراته بلا عيوب سواء من النواحي الشكلية أم المعنوية، ولعل أشد ما ينهك المذكرات، ويجعلها عديمة الفائدة ولا قيمة لها لجوء صاحبها إلى الكذب. والمعروف أن الكذب سلوك يمارسه الإنسان لطمس الحقيقة عن الآخرين، وهو يدل على انخفاض القيم الإنسانية. ويصفه الفيلسوف إيمانويل كانط في كتابه " نقد العقل المجرد" بأنه انتهاك كبير للذات؛ فلا يرتضي أي إنسان بأن يوصف بأنه من الكاذبين. ويرى الفيلسوف "فريدريك أ. سيجلر" بأن الكذب النموذجي هو أن يقول الكاتب قولًا زائفًا يعلم بزيفه وتتوافر فيه النية في الخداع.
ومن العيوب الأخرى التي تقترب من الكذب، وتُضعف المذكرات، وتجعلها قليلة القيمة هي أن تتصف بالذاتية المفرطة، أي المبالغة في الحديث عن الذات. ومن العيوب ما يبدو في المذكرات من تناقض في بعض المواقف، كأن يُقدم الكاتب رؤية في موقف معين، ثم يناقضها في موقف آخر. ومن العيوب التي قد يقترفها الكاتب الأخطاء التاريخية، واستخدام الخرافات والمصادفات، فهذه العيوب كلها تبعد الناس عن الحقيقة، وتفقد الكاتب المصداقية.
من الملاحظ أن العيوب السابقة لا تتصل بالكتابة، على أهمية المحافظة على سلامة اللغة والتشويق والتسلسل في الأفكار والدقة في السرد، فكان التركيز على الأسس التي تجعل للمذكرات قيمة وأهمية، وتدفع المجتمع للتخلص من عيوبه، وتجعل صاحبها ذا منزلة عالية تقترب من القديسين والعظماء. يحضرنا هنا من المذكرات الأدبية التي أفادت الناس، وأغنت الحياة الثقافية والأدبية، وأرست صورة نبيلة عن أصحابها أمثال مذكرات: محمد مهدي الجواهري، وأبي القاسم الشابي، وجراهام غرين، وغابرييل غارسيا ماركيز.
في النهاية يحسن بنا أن ندعو الكتاب في مختلف بلادنا العربية إلى أن يكتبوا مذكراتهم، بل وندعو غيرهم من السياسيين والصحفيين والفنانين أن يلجوا هذا النوع من الكتابة، لأنه أحد المكونات المهمة لأدب أمتهم، به تتكشف الحقائق أمام الناس، ويتبين للمجتمع عيوبه، وتغتني الحياة بنواحيها المختلفة، خاصة الأدبية والسياسية والفنية. ولا ننسى بأن المذكرات السياسية تزود المؤرخ بالمعلومات، وتساعده على معرفة خلفيات الأحداث، والاطلاع على آراء صناعها.