حكايات من زمن فات
سيرة ذاتية من خلال الأحداث
أكتب عن موطنى الأصلى.... عن حى الدقى القديم (دايرالناحية).
عن حارة سيدى الأربعين...... أكتب عن شلوفة وأحمد غريب وبحبح وشاكر وسمير ومحروس بدر وغيرهم.
وأتحدث عن الدكتور محمد أنيس (أستاذ التاريخ) ذلك القمر الذى غاب عن عالمنا ...... ذلك الرجل الذى علمنا السياسة بأجمل صورها وأرقى معانيها .
أكتب عن نسيج شعبى متكامل وتجربة عمل سياسى أستمرت بين أعوام (1969-1980)
تجربة بين الحى والجامعة... بين الوعى والممارسة... بين السياسة والتنظيم...
تعالوا نشوف ما حدث لأولاد الحارة
الحلقة الاولى
البدايـــــة
فى زنزانة من زنازين سجن القناطر (عام 1973)
كان أخى العزيز الشاعر و المناضل محمد سيف..... يهز جدران الزنزانة بصوته الرقيق:
فى الحاره دى... إن مات راجل... يتهد بيت ...
يتعودوا الأطفال م الصغر الشقا... يتعودوا...
يتعودوا يقفوا قدام بيبان الورش يستجدوا ...
يتعودوا يجروا قصاد المخبرين...
ويخافوا إن مروا قدام الأقسـام .....
سعدية.. لازالت حوريه.. وأنت فين رايح؟!!! ..
سعدية مين بعدك .. راح يعول بيتها..,,,,,,
فى عام 1969 , وفى حارة النبايعة بحى داير الناحية بالدقى:
وفى حجرة صغيرة لاتتعدى مساحتها 2×3م .....
وقف الأطفال الثلاثة ( والذى لايتعدى عمر أكبرهم ستة سنوات) يلفون ويدورون حول جثة أبيهم البالغ من العمر حوالى خمسين عاما !!
لم يدرك الأطفال الثلاثة أن أبيهم قد مات ... ولم يكن هؤلاء الأطفال يعرفون :
ما معنى الموت ؟ وأى مصير ينتظرهم ؟!!!!
وقفوا ببراءة الأطفال يهزون فى جثة أبيهم كى يستيقظ من النوم !!
ما الأم فكانت قد رحلت إلى العالم الأخر منذ أعوام... فلم تكن هناك سعدية الحورية الباكية خلف النعش تشكو المأساة والرحيل،ولم يكن الأطفال يعرفون معنى كلمات الشاعر(محمد سيف):
فى الحارة دى أن مات راجل يتهد بيت.
فما بالك, وإن كان الأب والأم قد رحلوا .. فأى خراب سيحل بهذا البيت ؟!...؟؟؟
وهؤلاء الأطفال الثلاثة (( براعم الفقر والموت لن يستطيعوا حتى أن يقفوا أمام بيبان الورش يستجدوا )).
مع هذا المشهد المأسوي تجمع شباب الحى ... لا يدرون ماذا يفعلون ؟
أشار عليهم أحد عواجيز الحى بأن يقوموا بعدل جثمان الرجل حتى يكون فى مواجهة القبلة (إتجاه الصلاة)...حاولوا عدل الجثمان فى الاتجاه المراد ففشلوا.... حاولوا ثانية ففشلوا...... وتكررت المحاولة والفشل لأن مساحة الغرفة والكراكيب بداخلها لاتسـمح بأى إمكانية للحـركة ...
الفقر لا يرحم المواطن حتى بعد موته .. وأه يا فقراء وطنى.
قام الشباب بجمع قروشهم القليلة.. وقروش أبناء الحى الفقير... واشتروا كفنا رخيصا للرجل....
ودفنوه فى الصباح ... وأقاموا له مراسم العزاء فى المساء فى( حدود ما تسمح به الإمكانيات)....
وحرصوا على إنفاق أقل ما يمكن فى الدفن وفى مراسم العزاء لادخار أكبر مبلغ ممكن للأطفال الثلاثة ...
قد يكون الدافع الأنسانى التلقائى هو الذى حرك هؤلاء الشباب بشكل أساسى......قد يكون الدافع الدينى من أجل إكتساب( حسنة ) تتضاعف بعشرة أمثالها وتقربهم إلى الله وتجعل لهم موطء قدم فى الجنة......قد يكون الدافع السياسى هو المحرك من أجل إكتساب جماهيرية بالحى وقد يكون الدافع دافعا تضامنيا ...( تضامن الفقراء مع بعضهم من أجل مواجهة كارثة الموت)
فى ذلك الوقت .. وذلك التاريخ ... لم يكن الدافع محددا... بل كان خليطا من كل ذلك .... ولم تكن المجموعة متجانسة:
بعضهم تحرك بالدافع الإنسانى .. والبعض بالدافع الدينى.. والبعض بالدافع السياسى .. والبعض بالدافع التضامنى.... لكن الشئ المؤكد هو أن ذلك الحدث كان نقطة البداية لهذه المجموعة ..
بداية الإحساس بأهمية العمل الجماعى .. بداية أكتشاف المحيط الأجتماعى ..
ونظرا لأن هذه المجموعة (فى بدايتها) لم تكن مجموعة ذات هوية سياسية محددة ، ولم تكن ذات ميول ثقافية وفكرية .....
المجموعة هذه :كانت مجموعة من المتعلمين لأبناء حى شعبى فقير يحاط بأحياء الأغنياء ( المساحة- العجوزة- المهندسين – نادى الصيد- الزمالك)... أحياء (ولاد الذوات) كما كنا نسميهم.....
فكان من الطبيعى أن يكون العمل الإجتماعى هو نقطة البداية ونقطة الأنطلاق ... وكان من الطبيعى أن تولد وتخلق بيئة الحى الفقير المحاطة بأحياء الأغنياء حسا طبقيا لدى هؤلاء الشباب...حسا فطريا ينمو ويتغذى بالتناقض الطبقى الصارخ بين أحياء الفقراء وأحياء الأغنياء.
ومع الفقر والبؤس تنمو الكوميديا:
شلوفة بأس من بؤساء حينا...يسكن عشة من الصفيح هووزوجته وأربعة أطفال...المهنة:سمكرى لبواجير الجاز....والرزق علي الله ..يرتبط بعدد باجير الجازالعاطبة بالحي..الإقامة:عشة على الحدود المتاخمة لعمارات الأؤقاف العالية بشارع الدقي.
وفي يوم ما...أشتري أحد الموظفين الكباروالذي يسكن بعمارة الأوقاف ديكا روميا ووضعه بالبلكونة ليذبحه فى الصباح... وفى الفجر طار الديك الرومى ( ديك الأغنياء) من العمارة العالية فوق عشة شلوفة .. ولما استيقظ شلوفة على أثر ارتطام الديك بسقف العشة لإستطلاع الأمر ...
وجد شلوفة ديكا روميا فخيما هبط عليه من السماء .. هبط عليه من أحياء الأغنياء .. لم يترك شلوفة الفرصة تضيع منه .. وعلى الفور أحضر السكين وذبح الديك ... وظل لمدة ثلاثة أيام متواصلة يأكل هو وأطفاله وزوجته فى ديك الأغنياء الهابط من السماء....
وفى مغرب اليوم الرابع:
رأى الجالسين على المقهى فى الحى... والمجاور لعشة شلوفة ... موظفا متأنقا.... غريبا عن الحى يسأل عن ديكا روميا فقده منذ ثلاثة أيام،و فى هذه اللحظات كان شلوفة صامتا لايتكلم.. حتى وخزه ضميره فقال للرجل: أستنى يا سعادة البيه .... وأختفى داخل العشة ثم عاد حاملا مخدة تم حياكتها بعنايعة فائقة ... واستطرد شلوفة قائلا:
ـ المخدة دى يابية من حقك ... أصل أنا من يومين لقيت الديك الرومى... ولفيت الحى كله أسأل عن صاحبه... . ومالقيتش حد... فدبحته وأكلته أنا والأولاد...
فنظر الموظف إلى شلوفة بغيظ شديد ثم أخذ يقلب المخدة بين يديه وتسأل :
ـ طب إيه علاقة المخدة بالديك الرومى....... وهنا أجاب شلوفة بطلاقة شديدة:
ـ أصل أنا يابيه أخدت ريش الديك وعملت منه المخدة دهيه ... ومادام الديك ظهر له صاحب تبقى المخدة دى من
حقك... خد يابيه المخدة ... أنا ما أقبلش حاجه حرام على عيالى.............. .
وهنا ضج الجميع بالضحك بما فيهم صاحب الديك نفسه ,والذى خرج من الحى مغتاظا.... يجر وراءه أذيال الفشل فى العثور على الديك !!!
فالكوميديا قد حلت التناقض الطبقى لصالح شلوفة....... حتى المخدة أخذت تتطاير وسط صيحات وضحكات الحاضرين .. وتتلقفها الأيادى تم تهاوت إلى داخل العشه...... ( فالمخدة لمن يصنعها).
وظلت قصة شلوفة مع المخدة والديك..تنتقل من حارة إلى حارة ، ومن عطفة إلى عطفة،ومن قهوة إلى قهوة.. وأصبح الديك والمخدة وشلوفة قصة الحى لأسابيع طويلة ..
لم يقل أحدا فى الحى أن شلوفة لصا.... لأنهم كانوا يعرفون مدى حالة البؤس التى يحياها .. الجميع تعاطف مع شلوفة .. أما الموظف فقالوا (ربنا يعوض عليه والله رجل طيب) .. أما شلوفة فقد ظل لعدة أيام فى حالة حذر شديد ويتوقع قدوم الشرطة للقبض عليه .
كانت تلك القصة السابقة هو نموذج لكوميديا الأحياء المتجاورة والمتناقضة .. كوميديا تجاور البؤس والثراء .
أما تراجيديا البؤس فكانت لها قصصها الممتدة داخل الحى .. وآه من البؤس حين يفتك بالفقراء:
فقد كانت المجارى والصرف الصحى بالحى تسير فى الشارع الدائرى الرئيسى الذى يحتضن الحى ,
أما الحواري والأزقة الجانبية فكانت بلا صرف صحى ، كان ميسورى الحال نسبيا فى هذه الحوراى يقومون بعمل ترنش (خزان أرضى) أمام المنزل تتجمع فيه مياه الصرف، و تأتى عربة كارو مجهزة بخزان لتكسح مياه الترنش كل شهرين أو ثلاثة....
ولاأدرى لماذا كنا فى أيام الطفولة نسير ببهجة شديدة وسعادة غامرة وراء هذه العربة كلما جائت لتؤدى مهمتها هاتفين :
(عربية الخره جت جت ..عربية الخره جت جت)... يبدو إننا كأطفال كنا نحتفل ببؤسنا!!!!... (وقفة أحتجاجية!!!)...
أما أصحاب المنازل الغير قادرون على تكاليف إقامة " الترنش" وتكاليف نزحه .. فكانوا يخزنون مياه الصرف الصحى فى براميل بالدور الأرضى ,وتقوم سيدات المنزل بتعبئة هذه البراميل فى صفائح, ويسرن مسافات طويلة لإلقائها فى بلاعة خارج الحى ..!!!!!!
الترنشات...وعربات كسح المجارى... وصفائح المياه القذرة فوق رؤوس سيدات وبنات الحى....
كانت جميعا مظاهر للبؤس فى حينا ....
"" فأين التراجيديا؟ "..
تجلت تراجيديا البؤس فى حارتنا (حارة سيدى الأربعين) مرتان ...مرة مع الإنسان ..و مرة مع الحيوان ...
أما تراجيديا الإنسان:
فكانت مع طفل لا يتعدى عمره العاشرة ، والطفل هو أبن ( أم معوض)... وأم معوض هى زوجة (على بائع الكرات والجرجيربالحى)...
كان الطفل يمرح ويلعب فى الحارة الضيقة ، وفجأة سقط فى أحد الترنشات التى يتم كسحها!!! أى موت ؟! واى إغتيال للطفولة داخل هذا الحى !!!
بشاعة الموت وجثة الطفل الملطخة بالأوحال ,وبكاء وعويل الأم, ورؤوس الشباب والرجال المنكسة فى الأرض والأوحال .. والخوف فى عيون الأمهات من المصير الذى ينتظر أطفالهم:
كل ذلك كان يعبر عن تراجيديا قاسية مع الإنسان... وللأسف الشديد ..
لم تكن تلك التراجيديا فوق شاشة السينما أو خشبة المسرح , وإنما كانت فوق تراب حارة سيدى الأربعين..
أما التراجيديا الثانية فوق تراب الحارة فكانت مع (إبراهيم) وإبراهيم لم يكن إنسانا...
إبراهيم حيوان ..إبراهيم هو حمار المواطن(أحمد حَمْد ) صاحب العقار رقم (17) بحارة سيدى الأربعين ....
... كان إبراهيم هو الساعد الأيمن لأحمد حمد ،والذى يجر له عربته الكارو ومصدر رزق أطفاله ...
كان إبراهيم لايقل أهمية عن أى طفل من أطفال أحمد حًمد:
سقط إبراهيم أيضا فى احد الترنشات أثناء كسحها .. لقى نفس المصير.. فى قاع البؤس....
لافرق بين الأطفال والحمير...( فكل نفس ذائقة الموت ولو بعد حين)...
وكانت محاولة إنقاذ إبراهيم من قبل رجال ونساء الحى معركة حربية... لم يكن ينقصها سوى كاميرا "صلاح أبو سيف" مخرج الواقعية المصرية ...
معركة بدأت بصراخ أحمد حًمد ... وأنتهت بإستشهاد إبراهيم ...الذى ودعه أحد شباب الحى بقوله:
إلى جنه الخلد يا إبراهيم .
وإذا عدنا إلى مجموعة الشباب يالحى والتى كانت من طلاب الجامعة والمدارس الثانوى والحرفيين،والتى عاشت وعايشت منذ الطفولة أحداث كوميديا التناقض بين الأغنياء والفقراء و تراجيديا البؤس( والتى يحتاج قصها وسردها إلى مجلدات كاملة)،
.... كان من الطبيعى أن يكون العمل الأجتماعى هو نقطة البداية والإنطلاق لها.... .وكان من الطبيعى أيضا أن يكون الحس الطبقى المنحاز للفقراء هو المحرك الأول والأساسي وراء هذا التجمع الشبابى...
حسا طبقيا لايرتكز على الوعى الطبقى .. حسا طبقيا كان يفتقدالوعى و الهوية السياسية ....
وحسا وطنيا كان يهز وجدان وضمير كل مواطن فى هذا البلد بعد هزيمة1967 ..
فشباب هذا الحى الشعبى...لم تكن مرارة الهزيمة فقط هى مصدر حسه الوطنى...بل كانت أيضا دماء شهدائه: (محمد سيد، احمدعطية ,سعيد محمدى ... الخ) رفاق الطفولة .. ورفاق القهوة..ورفاق الحارة الواحدة..ورفاق البؤس هي مصدر إلهامه... لأنها كانت دماء تمزج الحس الطبقى بالحس الوطنى.
وكان نصف شباب الحى تقريبا مقاتلين على الجبهة فى حرب الأستنزاف .
(دعيت إلى القتال ... وأنا الذى لم أذق... طعم الضـــأن من قبل... دعيت إلى القتال ... ولم أدعى إلى المجالسة).............. ( رحمك الله يا أمل يادنقل يامن تحس بوجيعة الفقراء).....
محمد سيد إبراهيم :
------------
شهيد سيناء عام 1967 ... تعلم حتى الأبتدائية ثم خرج لميدان العمل المأجور .. كان الساعد الأيمن لأبيه فى إعالة جيش جرار من الأطفال......
أخر مشهد رآه فيه أبناء حيه .. كان جثة مشوهة بالنابلم فى صحراء سيناء .
النقيب أحمد عطية :
------------
شهيد حينا فى حرب الأستنزاف... . كانت الفرحة تملأنا داخل الحى بعد تخرجه من الكلية الحربية.....
كان أول شاب فى داير الناحية يتخرج من الكلية الحربية .... حتى بعد تخرجه كان يلعب معنا الكرة الشراب بجوار مدرسة المدينة الجامعية.... كان قلبه أطيب من الطيابة.... لم يكن بشخصيته أى إستعلاء أوغرور الضباط ... كان فخورا دائما بأنه أبن داير الناحية..... كما كنا فخورين به جميعا.....كنا نودعه على قهوة السرساوى فى نهاية كل أجازة .. أستقبلنا نبأ أستشهاده على الجبهة بحزن شديد... لقد فقد الحى أول ضابط يخرج من بين صفوفه.
سعيد محمدى:
---------
شهيد حينا فى حرب أكتوبر عام 1973 ... أبن حارة الرياينة .. خريج معهد التربية الرياضية...
كان يضحك دائما ويهرج بشدة .. وحينما كنا نطلب منه أن يكف عن التهريج كان يقول:
( أصل أنا بهرج مخدرات)...
كان لديه جملة واحدة يغازل بها كل فتاة يعجب بها:
(( إيه ده.. اللى أعرفه أن الملايكه بتبقى فى السماء.. إيه اللى نزل سيادتك على الأرض))
.. سعيد محمدى أول من قام بعمل ترابيزة "بنج بونج" لشباب الحى بدءاَ من أعمار النجارة لأعمال المعجون لأعمال الدهانات .. صممها وصنعها بيديه... كان نجارا وسباكا ونقاشا ماهرا .. علاوة على كونه طالب بمعهد التربية الرياضية....
أستشهد بدانة تفريغ هواء فى حرب أكتوبر.... وحينما ذهب أبن حينا "سمير الشربينى" لاستلام جثة سعيد مع والده....... كان الجثمان سليما تماما وقال لنا سمير:
لم يخلو وجه سعيد إلا من الابتسامة المشرقة.
محمد سيد , وأحمد عطية , وسعيد محمدى وغيرهم كانوا ومازالوا جروح تدمى القلب ..
نضع رؤوسنا فى الأرض كلما شاهدنا أخ أو أخت أو أب لهم.....و منذ عام 1967 وحتى عام 1973 لم يكن هناك بيتا واحدا من بيوت حينا....( شأن كل أحياء وقرى الفقراء).. يخلو من مقاتل على الجبهة .. يأتى كل شهر فى أجازة قصيرة .. نستقبله إستقبال الإبطال .. وتودعه أمه بشنطة صغيرة من الطعام.... تتواضع محتوياتها مثل تواضع بيوتنا .
كانت قصيدة " أولاد الحارة":
تأليف(خلاصة كبد الحوت).... وتلحين (محروس بدر)...... وغناء (سيد قمر)...... وكلهم من أبناء الحى.. كانت تعبيرا حقيقيا عن التقاء الحس الطبقى بالحس الوطنى لأبناء الحارة ..
وكان سيد قمر يشدو بصوته الجميل.... وكنا نحن الكورس نغنى خلفه:
أحناأ ولاد الحــــارة .. ولا أبونا عنده عمـــاره ..
دا أبونا من الشـــغيله .. في البيت وعياله كتيــره..
وأخوناجنـدى سـهران .. ع المدفع فى المـيدان..
كلنا فى الهم غـــلابة ... مش لاقى لحيرتى إجــابة...
أنا بكره هاأسيب الحـارة.. وها أروح أسكن ف عماره ..
وها أقول يامـبادئى وداع .. يامبادئ الواحـد جــاع...
وها أجيب شـــيفورليه.. ولاها ســأل ولا أقول ليه ..
وها أسيبها وها أروح فين .. دى الحــارة كلها طـين...
والحـارة فيها مواجـع .. أه يا حارتى الغالية أنا راجع..
أنا راجـــع لجل العيلة .. وها أغنى للشـــــغيلة ...
أنا راجــع لجل العــيلة ... أنا ها أعمل حاجــه كبيرة ....
وأحنـــــا أولاد الحـــاره....
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (بالفول و العدس .. هانكمل المشوار)
***
الحلقة الثانية
بالفول بالعدس هنكمل المشــــوار
كنا نغنى بصدق وشفافية شديدة .. كانت الكلمات والألحان تنبع من بؤسنا ، وبؤس حالة حينا الفقير..
وكان سيد قمر بعد أنتهاء الغناء يتوجه لى قائلا بصوت عالى:
ياخلاصة كبد الحوت والله بكره لتسيب الحارة .. وأدى دقنى أهية .. إن ما رحت سكنت فى عماره ...
وقلت يا مبادئى وداع ... وجبت شيفورليه... ويضحك الجميع ... ولاتدرى مجموعة الشباب إلى أين تسير الأيام ؟!!!!!!
ويخرج علينا محروس بدر:....(( كروان حينا)) ....وسنباطى حارتنا.... بمطلع قصيدة (أخى وصديقى عبده مصطفىطالب كلية الهندسة) :
يا ليل ... يا ليل ... يا ليل
ياأبـــــو الغلابة ياليل
يا شارب مـعايا الهم .. مـلو الكـيل
ياعــالم بــحالى
وأنا اللى راح منى الحيل
يـارب دى حـــكمتك
وانــت اللى خــالقـنى
فيقاطعه محمد بلاص المنجد..... والمطرب العاطفى للحى... وزينة شبابه....... والذى كان يلحن الأشعار فوق القوس الذى ينجد به المراتب وينظف به قطن التنجيد :
ياعالم كفاية الهم اللى أحنا شاربينه... فيه حد بذمتكم يغنى للهم ...عايزين نغنى للحب... ويجبرنا على السكوت.. وينطلق بصوته الجميل والذى لم يتأثر يوما ما بغبار القطن :
راجـــع ليـه تـانى تـفكرنـى
باللى نســيته بـقالى زمـــان
لســـه غرامــك هايــسهرنى
لســـه ها أقاسى معــاك حرمان
لايـا حبيبى ... لا... لايـا حبيبى
نحن حى .. كما عاش كوميديا وتراجيديا البؤس.... فإنه عاش أيضا كوميديا الحرب :
..نحن حى يعشق المظاهرات ... ويعشق النكتة.... ويعشق فن الحبكة المسرحي ... تعالوا معا نشاهد كوميديا الحرب فى حينا :
تبدأ القصة والحبكة المسرحية... من داخل محل (موهوب وسلامه) لصاحبه سلامة الكهربائى.. والمحل مجاور وفى مواجهة محل( على سعيد) صاحب أقدم وأعرق محل لاستصلاح وتأجير الدراجات بالحى .. على سعيد:
المدرسة الإلزامية لكل صبى فى الحى من صبيان الورش .
تبدأ المؤامرة أو الحبكة المسرحية.... بورقة فى الليل يعدها سلامة الكهربائى ويعلقها على باب دكان على سعيد.. ورقة نصها:
البقاء للـــــــه
المــــحل مــغلق اليـــوم
لوفاة صـــاحبه الحـــاج علـــى ســـعيد
ويذهب سلامة الكهربائى لعبد الجواد حانوتى الحى.... ويعطيه مبلغ نصف جنيه كى يلف على جميع حوارى الحى بطبلته الشهيرة ليعلن وفاة على سعيد ... ويخرج عبد الجواد فى الصباح الباكر ... ويقرع طبلته معلنا وفاة على سعيد .
وبعد أن تم إعلان الوفاة فى جميع أنحاء الحى تقريبا... كان هول المفاجأة :
... إذ وقف عبد الجواد .. أسفل منزل على سعيد مناديا:
الحاضـر يقول للغائب ... الحاج على سعيد مات ..(والجنازة السـاعة 12 الظهر من جامع فلفل)..
وكان على سعيد نائما على كنبة أسفل الشباك بالدور الأول... ولما أفاق من نومه على صوت الطبلة ..
أطل برأسه من الشباك متسائلا (( مين اللى مات ياعبد الجواد)):
... فنظر عبد الجواد إلى أعلا قائلا :
على سعيد... والجنازة من جامع فلفل .... ولما دقق النظر وجد أن المطل من النافذة هو على سعيد بشحمه ولحمه.... فما كان منه إلا أن أطلق قدميه للريح ... وعلى سعيد من النافذة يسبه ويلعنه ويلعن أبوه..
قام جميع أهالى الحى من النوم , وقد أنتشر نبأ وفاة على سعيد فى جميع الحوراى !!!
ولم تقف حدود الحبكة المسرحية عند هذا الحد ... لم تقف عند حدود إشاعة خبر كاذب بوفاة ( على سعيد)... لم يكن ذلك إلا الفصل الأول من المسرحية ..
أما الفصل الثانى وكان أيضا من إعداد وتأليف سلامة الكهربائى … حيث أنه كان قد جمع 50طفلا من الحى ,وأعدهم إعداد جيدا للفصل الثانى من المسرحية .. حيث أنه فى تمام الساعة الثانية عشر ظهرا .. وفى تمام الموعد الوهمي للجنازة .. سارت مظاهرة الأطفال الحاشدة فى الحى تهتف :
متصدقش .. متصدقش.... على سعيد لسه مامتش......ما تشمتش ياديان ...على سعيد فى الدكان...على سعيد فىالميدان.
أحمد غريب ..
-------
أبن حينا..كان مقاتلا حقيقيا على الجبهة.. مقاتلا وسط الدانات والبارود ..يأتى فى أجازته .. ويجلس على القهوة .. ويظل صامتا لفترة ما....وكان لايتكلم إلا بعد أن ننكشه فى الكلام... ويقول أحدنا:
هو أية اللى حصل فى معركة رأس العش يا أبو غريب؟
فيلتفت يمينا ويسارا , ويبدأ الكلام بجملته الشهيرة: ( ياجماعة دى أسرار حربيه ... ماتضغطوش علئ أنا موقفى حساس)...
وقبل أنت نضغط عليه يسترسل فى الحديث ويصف لنا معركة حربية دقيقة شاملة:.. الخطة... وتوزيع القوات وكيفية الهجوم ....والتمويه على العدو...... وخداعه.....
لايستطيع أبرع مخرج سينمائى أن يصور مشاهد القتال كما كان يصورها لنا (أحمد غريب).....
فى المرة الأولى (ومن دقة الوصف وروعته والمصطلحات بالغة العسكرية) صدقنا أن أحمد غريب هو القائد الفعلى لمعركة رأس العش...
وفى المرة الثانية:... كان أيضا أحمد غريب هو القائد الفعلى لمعركة شدوان... والثالثة: كان أيضا أحمد غريب هو القائد الفعلى لمنظمة تحرير سيناء..... والرابعة:... سر أذاعه أحمد غريب وطلب منا ألا نذيعه.....
وكان مضمون السر أن أحمد غريب أيضا هو الذى دمر المدمرة أيلات..
صدقنا فى المرة الأولى .. وضحكنا فى الثانية .. وفى الثالثة .. والرابعة ..
والغريب فى أحمد غريب أنه كان يقابل ضحكنا بصمت وتعجب شديد ويظل يسترسل فى الرواية .. ومن حلاوة القصة وروعة التصوير الفنى للمعركة العسكرية .. كان يجبرنا لمدة ربع ساعةعلى الصمت... ثم ننفجر فى الضحك .. وفى النهاية لانملك إلا أن نسمعه .. وفى أحيان كثيرة كان يستطيع أحمد غريب أن يوقعنا فى حيرة من أمرنا ... ونظل نفكر ونتحقق من روايته ...هل هو صادق؟ ... هل يفشر؟........!!!!!!
و جاء ( أحمد غريب) ذات يوما.... وبعد حرب أكتوبر بأجمل حلقات كوميديا الحرب فى حينا ...
كنا على القهوة نتحدث عن الثغرة وحصار الجيش الثالث داخل سيناء .. وإقالة سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان... ووقف القتال .. وظل أحمد غريب صامتا كعادته .. وفجأة أنطلق أحمد غريب:
لم يبدأ الحديث بجملته المعتادة (ياجماعة دى أسرار عسـكرية )..... فقد كان يعلم بفطرته أن الحرب أنتهت ولم يعد هناك أسرار ولايحزنون .. هتف أحمد غريب قائلا:
عارفين الثغرة حصلت أزاى ، وضرب بكفه فوق الترابيزة وبدأ قصته الطويلة:
..بداية من توزيع القوات.. والمهام.... ومواقع العدو.... والفصل بين الجيش الثانى والثالث فى منطقة البحيرات المرة ... واسـترسـل فى الشرح ..
الكلام اللى أنا ها أقوله ده على مسئوليتى وربنا شاهد..
قبل الثغرة بيوم واحد أستدعانى سعد الدين الشاذلى, وناقشنى فى أوضاع القوات , وأطلعنى على خططه القتالية ,وتكتيكاته فى المعركة, وطلب منى أن أقول رأيى بصراحة ووضوح!!!!!
فجلست لمدة ربع ساعة أفكر فيما قاله سعد الدين الشاذلى، وفى النهاية رفضت خطته لأن كان فيها العديد من الثغرات.... وأخذ بلغة جميلة وشيقة يوضح لنا أين كانت الثغرات فى خطة سعد الدين الشاذلى .....
لقد قمت بوضع خطة بديلة تتعارض جذريا مع خطة سعد الدين الشاذلى ، وفى نهاية الأمر رفض سعد الدين الشاذلى خطتى.....!!!!!!!
ولما حاولت مناقشته وإقناعه أنهى النقاش بقوله :
عسكرى أحمد غريب نفذ الأوامر العسكرية.
وطبعا أتنفذت خطه سعد الدين الشاذلى , وأيش جاب العسكرى المتطوع أحمد غريب جنب رئيس الأركان سعد الدين الشاذلى؟!!
بلد وسخة .. بلد شهادات ..
ولما أتنفذت خطة سعد الدين الشاذلى .. وحصلت الثغرة وأتحاصر الجيش الثالث ،وبعد ما حصل اللى حصل .. وقف سعد الدين الشاذلى يزعق على الجبهة بأعلى صوته:
( أنا اللى أستاهل .. أنا اللى أستاهل ...أنا اللى ما سمعتش كلام أحمد غريب)!!!!!!!!
وعندما وصل إلى هذه الجملة ضج الجميع بالضحك..... وكانت تلك المرة الأولى التى يضحك معنا فيها أحمد غريب.......أختتم الحديث بكلماته :
قوموا روحوا ياولاد الكلب ...الحرب أنتهت .. حرب أكتوبر
أخر الحروب.......
يعنى كان هيحصل أيه لو سمعوا مرة واحدة لكلام أحمد غريب).....
وغادر أحمد غريب ( البطل الحقيقى لكوميديا الحرب) القهوة يضرب كفا على كف....
وبنهاية الحرب كف أحمد غريب عن روايات كوميديا الحرب...............
وأنتقلنا لروايات كوميديا السلام وتوالت علينا تصريحات وخطب لأنور السادات عن قصة عزل سعد الدين الشاذلى .. كما توالت علينا كتابات محمد حسنين هيكل, وفى كل مرة كنا نسمع أو نقرأ أونناقش ...
نضحك فى النهاية ونقول:
( يبدو أن أحمد غريب كان صادقا فى روايته الأخيرة....... يستاهلوا علشان ما سمعوش كلام أحمد غريب... لكن على العموم....
(بالفــول والعــدس...هنكمل المــشوار...وأجراس العودة لن تقرع...فالأصبع فى أســت الشــعب)...
....وفى مرة قابلت أحمد غريب وبعد أن ظل يسـرد قصص وبطولات الماضى من ضرب المدمرة أيلات إنتهاء بالثغرة .... قلت له: ياأحمد ياغريب ... الإصبع فى أست الشعب ..
قال بسرعة بديهية : ليه حاسس بحاجه ؟!!
وكانت تلك قفشة جملية من قفشات كوميديا السلام .
يسهل على المرء أن يرطن بالسياسة ، وان يثرثر بالحديث عن: الطبقات... والصراع الطبقى.... وأن يتحذلق بكلمات :
"الأمبريالية.. والبروليتاريا.. والعولمة... والعالم الثالث... والمركز والأطراف.. وفاض القيمة والديالكتيك ....والنظرة الأحادية الجانب.... وطبيعة المرحلة... وقضايا التكتيك والأستراتيجية... والمسألة القومية ....والمسألة الزراعية ... الخ...
الكتب كثيرة فوق الرفوف... والكتب بمفردها لاتشكل وعيا طبقيا... والكتب بمفردها لاتخلق مناضلا سياسيا .
الممارسةهى الأم... و المعرفة والوعى الثورى هو الأب .
فأين كانت تقف مجموعة الشباب فى حينا من ذلك؟
فى الحقيقة وفى عام 1969 كنا أيتاما بحق .. بلا أب..... وبلا أم .....
بؤس الحى وفقره ومجاورته لأحياء الأغنياء زرع فينا حسا طبقيا....وحالة الحرب زرعت فينا حسا وطنيا ، وحينما أنطلقنا للعمل وتشكلت فينا نقطة البداية:
فإننا سرنا فى طريق العمل الإجتماعى والخدمى.... طريق الممارسة المشوهة ... لاطريق الممارسة الثورية ..كانت الممارسة مشوهة.... وكان( الوعى الثورى) غائبا لذا كنا أيتاما،
لكن (الحس الوطنى الذى أمتزج بالحس الطبقى) كان هو مصدر حمايتنا الحقيقية من أخطار الممارسة المشوهة, لقد كانت كوميديا وتراجيديا البؤس التى تدور حولنا ،وكانت دماء شهداء حينا الممزوجة بكوميديا أحمد غريب تشكل ملامح إنحيازنا الطبقى و الوطنى.
والوجدان الطبقى لايمكن أن تخلقه الكتب مهما كانت ثوريتها ... الكتب الثورية يمكن أن تؤثر فى الوعى السياسى .......لكن الوعى الفاقد للوجدان الوطنى والطبقى هو وعيا زائفا .. وعيا سوف ينفرط تدريجيا داخل سجون النظام... وعيا سوف يغادر عقل صاحبه مع أول إغراء بالصعود الطبقى..
أى وجدان طبقى ... يتولد داخل المرء حين يرى طفلا من أطفال حارته يموت غرقا فى ترنش من القاذورات والمياه الضحلة؟.... وأى وجدان طبقى يتولد داخل المرء وهو يعرف جيدا أن هذا المصير قد يواجه طفله فى الغد؟!!
و أى وجدان طبقى يتولد داخل المرء حينما يشاهد جنديا من الحى متورم القدمين ممزق الثياب عائدا مهزوما من المعركة كما حدث فى67 ؟؟؟!!!!
السائرون على الأشواك يختلفون كثيرا عن القارئين عن الأشواك ...
والعائشون تحت خط الفقر يختلفون كثيرا عن من يكتبون عن خط الفقر.
أيضا ياعزيزى ..
وحتى لانقع فى نظرة أحادية الجانب ( كما يقول المتحذلقون)............ أو بمعنى آخر:
وعلشان تكمل الصورة والأمور تبقى واضحة الجوانب ( كما يقول أبناء الشعب)..... لازم نعرف أن الوجدان الطبقى إن لم يبحث عن وعيه الطبقى فإنه سرعان ما ينطفئ وسرعان ما يضل الطريق.
وإذا كان:.....( الرجالة من غير جواز زى الشبابيك من غير إزاز)..... كذلك ياعزيزى:
وعى من غيــر وجــدان
زى القفــة من غير ودان
ووجدان لايبحث عن الوعى
زى طالب الرزق من غير سعى
يعنـــــى شــــحات
مجموعة الشباب أيتام حينا:
مالكو الوجدان الوطنى والطبقى ... فاقدى الوعى..... كيف بدأ يتشكل وعيهم ؟
وكيف بدءوا طريق البحث عن الوعى الغائب؟
وهل أنتقلت ممارستهم المشوهة إلى الممارسة الثورية ؟
الحلقة الثالثة الاسبوع القادم (هؤلاء تعلمنا منهم )ا
***
الحلقة الثالثة
هؤلاء تعلمنا منهم
1-الدكتور محمد أنيس :
أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة...وفدي قديم...أعتقد أنه كان ينتمي للجناح اليساري في حزب الوفد (الطليعة الوفدية )...كان يحدثنا عن الإشتراكية ودور المثقف الثورى تجاه الكادحين .. كان ( رحمه الله) يسكن فى شارع جابر بن جيان المجاور لحينا.. ألتقى بجيفارا ثائر أمريكا اللاتينية حين زار القاهرة.. ما أتذكره أن الدكتور أنيس كان ضد منهج حرب العصابات فى العمل الثورى ,كان يتحد ث أمامنا عن الظروف الموضوعية ونضج العملية الثورية....
وكنا نسمع كلماته بأعجاب شديد رغم أن عقولنا فى هذه الفترة كانت خاوية ..أكن له الكثير من الأحترام وأعترف بفضله على فى دفعى للعمل الجماهيرى.
وكان الرجل في عام 1969 من أوائل البشر الذين حاولوا زرع بذور الوعى السياسى فى شباب حينا .
2- عبد المنعم خليل :
أخى وأبى الأول .. العامل وميكانيكى الديزل.... خرج إلى سوق العمل مبكرا كى يعول أسرة من تسعة أفراد بعد وفاة الأب... نموذج فريد لمن يضحون فى صمت..حرم نفسه من التعليم من أجل أن يتعلم أخواته..... ظل لسنوات طويلة يتحمل عبئ الأنفاق على أسرة من 16 فرد :
أمه وأخواته الثمانية (9أفراد) و زوجته وأولاده السته(7أفراد) ..
"من أجل الحرية والأشتراكية..... أنتخبــوا عبـد المنعم خليل..."
كانت أول يافطة كتبتها فى عام 62أو 64 وأنا طفل على منزل " أحمد حٍِمد" صاحب الحمار الشهير.. لم أكن أعرف ماهى الحرية؟ أو ما هى الأشتراكية؟
أشتريت باكو زهرة أزرق (بتاعة الغسيل)... وأذبته فى قليل من الماء.... وبفرشاة صغيرة وسلم......كتبت هذه العبارة... لإننى كنت وأنا طفل أسمع عبد المنعم خليل يتحدث عن الحرية والأشتراكية ومجانية التعليم وقناة السويس...... لقد كان ومازال أبى الحنون....
ولقد كان أيضا الأب الروحى لمجموعة حينا.... نلجأ له وقت الشدائد.... نستعين بحنكته وخبرته...
وحينما كانت تزداد نبرة تحريضنا فى المعارك الجماهيرية .. ويشتد عنفوان الشباب...
كان يأتى لنا هامسا وبرقة شديدة:
( هدوا ... هدوا اللعب شويه)........
وحينما كانت كلاب مباحث أمن الدولة تأتى فى الفجر وتعتقل البعض منا كان يقول دائما:
" "ربنا يستر.. "
عبد المنعم خليل كان صاحب النظرة الثاقبة فى أحداث15 مايو1971:
نصحنا بعد الأنحياز لأى طرف.... لأن الصراع الدائر صراعا علويا...... وصراع سلطة ليس لنا فيه ناقة ولاجمل......
لهموم الحياة.... ولعدم قناعته بما يدور على الساحة السياسية..... أبتعد عن العمل السياسى لكن
السياسة تعيش فى وجدانه وفى ضميره ..
لم يحزن مواطن فوق تراب الوطن مثلما حزن عبد المنعم خليل حينما تم تدميرالجيش والشعب العراقى فى حرب الخليج الثانية .
3-محمد خليل :
أخى.... وأبى الثانى.... العامل وميكانيكى السيارات... ومرشحنا العمالى فى المعارك البرلمانية عام 76،79....
.. خرج مثل أخيه الأكبر عبد المنعم لسوق العمل وترك التعليم لإعالة الأسرة .. ولكنه لم يتجه لميكانيكا الديزل... بل أتجه إلى ميكانيكا السيارات.....كان من أمهر ميكانيكى الحى... لكن بعد تحسن أحوال الأسرة ظل يعمل ميكانيكيا فى الصباح وطالبا فى المدارس المسائية.. حصل على الأعدادية ثم الثانوية ثم بكالوريوس تجارة القاهرة..... كان له التأثير الأكبر لدفع كثير من شباب الحى إلى العمل السياسى .... ناصريا لايكن أى عداء للشيوعيين....... كان ظهر الحماية الحقيقى لنا حين كنا نعتقل أو نكون مطاردين من أجهزة الأمن..... تعرض لضغوط عديدة أثناء هروبنا من أجهزة الأمن( أثناء الحركة الطلابية) ..هددوه بالأعتقال إن لم يرشدعن أماكن إختفائنا ........أحضر حقيبة ملابسه وقال لزوار الفجر أنا جاهز للأعتقال.
كان يغضب بشدة حين نقول له (أن عبد الناصر قام بتصفية الحركة الشعبية).... لكنه حينما أعتقل عام 1975 وشاهد آثار ضرب الكرابيج على ظهر الرفيق والأب فوزىحبشى..........( آثار كرابيج الستينات)........
خرج من المعتقل متأثرا... وفى جلسة صفاء قال لنا:
عندما شاهدت أثار الكرابيج على ظهر فوزى حبشى أدركت معنى حديثكم عن تصفية الحركة الشعبية...... أختلف معنا فى النقاش كثيرا.....كنا نحتد معه فى النقاش.... وكان يحتد معنا ....... وكان إحتداده عنيفا.... لكنه فى النهاية... كان يصفو ..
وينظرإلينا بنظرات عاتبة ( عتاب الأستاذ على تمرد تلاميذه عليه ).... لكنه كان ديمقراطيا معنا ..
في حالات المد الجماهيرى و فى الشارع كان الأسطى محمد خليل:
" من أعظم المحرضين الجماهيريين" ..
لم أشاهد شخصا يحرض من أجل ( حق الإضــراب للعمال)..... وبلغة شعبية رائعة:
مثلما شاهدت محمد خليل يفعل ذلك فى المؤتمرات الجماهيرية عام 1976 ..
وقفت له السلطة بالمرصاد وحالت دون وصوله إلى مجلس الشعب عام 76،79.
فلو كان محمد خليل أنتهازيا لكان فعل فعلة أحد القيادين بحزب التجمع الذى أنضم للحزب الوطنى فى دائرة الدقى من أجل الحصول على مقعد البرلمان.
كان بمثل هذا الفعل الأنتهازى يستطيع محمد خليل أن يجلس على كرسى البرلمان وبسهولة.. لكن معاركه الانتخابية كانت معاركنا السياسية داخل الحى وهذا الموقف: موقف المواجهة وعدم التنازل ورفض الخيانة من أجل مقعد تافه فى برلمان الدولة هو وسام على صدر محمد خليل .
كان محمد خليل يمدنا بالكتب ( أشعار الأبنودى).. كتاب ( الناس والعلم والمجتمع)...ومذكرات جيفار ... الخ.
ومحمد خليل الناصرى هو الوحيد فى حينا الذى كان يحتفظ بنسخة من كتاب الشيوعىطاهر عبد الحكيم ( الأقدام العارية) والذى يروى بشاعة تعذيب النظام الناصرى للشيوعيين المصريين (1959-1964)داخل مكتبته...
وكلما بدأنا نعمل مع أحد الشباب نذهب إلى محمد خليل نستعير منه كتاب الأقدام العارية... فيعطيه لنا قائلا: أشمعنى يعنى الأقدام العارية.... علشان الزبون مايبقاش ناصرى....( حسبى الله ونعم الوكيل).... ويعطينا الكتاب.
4-فريد عبد الكريم:
أمين عام الأتحاد الإشتراكى بمحافظة الجيزة حتى 14 مايوعام 1971 ....وأصلب مناضل فى سجون السادات رفض تقديم أى التماس بالأفراج عنه طوال إعتقاله وطوال حياة السادات رغم المرض الشديد الذى كان يعتصره داخل السجن......
شاهدته أول مرة عام 1970، وكنا نعرض فليما عن حرب فيتنام فى مدرسه الدقى الأعداديه المجاورة لحينا .. بعد الفيلم أخذ يخطب فريد فى جموع الشباب والأهالى الذين حضروا الفيلم .. كان خطيبا مفوها وموهوبا وكان صادقا فى كل كلماته وتعبيراته.... كان يبكى وهو يخطب... جعل الحاضرين يبكون وهو يربط فى كلماته بين أطفال فيتنام وأطفال بحر البقر.
ظل فريد عبد الكريم داخل السجن منذ عام 1971 وحتى أغتيال السادات وقابله... فى السجن الكثير من الطلاب المعتقلين .. كنا نخرج من المعتقل وبعد عام نعود ثم نخرج ثم نعود وفريد داخل المعتقل صلبا شامخا .. يستفسر منا عما يدور بالخارج .. ويبعث إلينا بالطعام داخل الزنازين... كان ناصريا متقدما ... وصل إليه داخل السجن عام 1975 برنامج ( الحزب الشيوعىالمصرى) رفض
فريد البرنامج بأعتباره برنامج يمينيا... وعندما قرأنا البرنامج كان رأينا فيه يتطابق مع رأى فريد عبدالكريم .
وكان البرنامج غاية فى اليمينية والانتهازية والتشويش كعادة كافه البرامج والأراء للحزب
الشيوعى المصرى... فريد عبد الكريم (وفى هذا الزمن التعيس) شخصا يندر أن يوجد أمثاله فى الصلابة والنقاء وفى قبول التضحية بنكران الذات والتواضع الشديد
حين كان يبكى فريد وهو يخطب وتدمع عينيه ترى فى عينيه :.... أنين أمة وجروح شــعب .
عـــادل آدم :
أمين عام منظمة الشباب حتى 14 مايو عام 1971 ظل فى سجون السادات 5 سنوات صلبا وقويا كصلابة فريد عبد الكريم.. مجلة الجماهير بمحافظة الجيزة كانت من ثمار عمله الهادئ والدوؤب.. كان يحاضرنا فى محاضرات التثقيف عن تطور المجتمعات والمشاعة البدائية والمجتمع العبودى والإقطاعى، والرأسمالى .. تعاملنا معه فترات قصيرة لم نحس يوما ما أنه رجل سلطة.. وقع لنا بإمضائه وموافقته على ظهر فرخ من الورق المقوى بتوقيع ( يصرح بالنشر).... وكان الفرخ خاليا.... ولما سألنا ماهى محتويات المجلة ؟.... قلنا له إننا مازلنا نعد المقالات، أبتسم وفى هدوئه المعتاد قال: ( والله بينكم هاتودونا فى داهية).... وختم لنا ظهر المجلة الخالية بختم منظمة الشباب.. خدعناه عن غير قصد وقمنا بإستغلال توقيعه ( يصرح بالنشر) وملأنا مسطح المجلة بمقالات تهاجم الأتحاد الأشتراكى وتهاجم عبد الناصر ذاته، وحينما قبض علينا.... وقف بشهامة الأخ الكبر إلى جانبنا....رغم خداعنا له فإنه قام بحمايتنا من الأعتقال عام 1970، وحتى حينما خرجنا من مبنى مباحث أمن الدولة بالجيزة لم ينهرنا ولم ينطق حتى ولوبكلمةعتاب...........(رحمك الله يا أبن أدم)
ألدكتور/ محمد أنيس أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة
العامل / عبد المنعم خليل ميكانيكى الديزل وأمين قسم الدقى الإتحاد الإشتراكى ( حتى عام 71)
العامل / محمد خليل ميكانيكى السيارات وأمين عام التنظيم بمنظمة الشباب ( حتى عام 71)
المحامى / فريد عبد الكريم أمين الأتحاد الأشتراكى بمحافظة الجيزة( حتى14مايــــو عام 71)
المهندس / عادل أدم أمين منظمة الشباب بمحافظة الجيزة( حتى14مايــــو عام 71)
هؤلاء جميـــعا
كانو ا بالنسبة لمجموعة الشباب بالحى المصادر والمنابع الأولى للوعى السياسى.
بالنسبة للكتور محمد أنيس فإن أول مرة شاهدته داخل حينا كان هو ومحمد خليل ومجموعة من شباب الحى يقطعون أحد أكوام القمامة بالحى بالفئوس والمقاطف .. ولما عرفنى عليه محمد خليل.......
سألنى: أنت فى كلية أيه؟ قلت : كلية الهندسة... فنظر إلى بأشمئزاز وقال :
· أزاى المتعلمين والمثقفين فى الحى ينعزلوا عن مشاكل الجماهير ويعملوا فيها أفنديات.. فوقفت أمامه حائرا أشعر بالخل من الرجل.. أزاى دكتور الجامعة واقف فى قلب الحى ماسك الفاس يقطع أكوام القمامة مع أنه من خارج الحى و القمامة من صنع أيدينا !! وعلى الفور توجهت إلى أحد الفئوس وتوجهت للعمل مع الأخرين فنادانى وقال لى :
· المسألة مش مسألة فأس ومقطف .. المسألة مسألة وعى وأرتباط المثقفين الثوريين بالجماهير الشعبية
· رجعت إلى الحيرة والصمت ثانية فقال لى :
· النهاردة الساعة 6 مساءأ فيه ندوة على القهوة اللى جنب مكتب العمدة .. تعالى أحضرها .. أكيد ها تستفيد......
قطعنا أكوام القمامة.... وحملتها عربات البلدية خارج الحى وأصبح المكان نظيفا.... وفى المساء وعلى القهوة تقابل جميع من أشتركوا فى العمل بالصباح وعدد آخر من جماهير الحى .
وجلس الدكتور محمد أنيس ومحمد خليل وعبد المنعم خليل وبدأت الندوة .. وكان الدكتور أنيس يتحدث عن الإشتراكية والمثقفين والجماهير, وأن التاريخ مش حواديت ..التاريخ صراع طبقات .. وكمشيش ..وحركة الفلاحين فى كشميش ضد الأقطاع ...،وجيفارا وماو.... وحركة الطلبة فى فرنسا عام 68..
لاأستطيع أن أقول إننا قد فهمنا واستوعبنا جميع ما قاله..... لكن تلك الندوة وغيرها من الندوات الأسبوعية التى كان يعقدها الكتور أنيس على قهاوى الحى المختلفة..... كانت تفتح فى أذهاننا عناوين للموضوعات، وحينما كان يتكلم عن جيفارا مثلا... نهز رؤوسنا ونتصنع الفهم .....والحقيقة بالنسبة لى:
فإننى لم أكن أعرف من هو جيفارا وكنت أخشى أن أسال فى الندوة : من هو جيفارا؟
خوفا من أن أبدو جاهلآ أمام الدكتور أنيس .. وأمام أبناء الحى....
لكنى بعد الندوة .. سأ لت محمد خليل عن جيفارا... فأعطانى كتاب صغير ( صدر عن دار الهلال) عن جيفارا ، وكان ذلك أول كتاب قرأته له صلة بالسياسة ومن الكتاب عرفت باتيستا ديكتاتوركوبا... وفيدل كاسترو ...وراؤل كاسترو...وجيفار...وبوليفيا..والأرجنتين.....
وبعد الأنتهاء من قراءة الكتاب ظننت أننى أمتلكت ناصية الأمور... ذهبت للندوة الأسبوعية لأول مرة غير خائف ( ياواد هتخاف من أيه... داأنت بقيت عارف باتيستا وكاسترو وبوليفيا كمان).....
وفى الندوة كان الدكتور محمد أنيس يتحدث عن ماوتس تونج وأخذت أهز رأسى مصطعنا الفهم ... وخفت ايضا أن أسأل ... ثم عدت لمحمد خليل فأعطانى كتاب صغير مثل قاموس الجيب وبه شريط صغير من القماش الأحمر وكان بعنوان مقتطفات من أقوال ماوتس تونج.....
كان الدكتور أنيس حريصا وبشكل يتسم بالذكاء الشديد على أن يجعل من كل يوم جمعة فى الأسبوع :
عمل فى الصباح( لقطع أكوام القمامة)...... وتثقيف فى المساء على القهاوى فى شكل ندوة جماهيرية وأستعراض للمشاكل الجماهيرية بالحى ......،وكان هذا عاملا رئيسيا ساعد الدكتور أنيس فى نجاح خطة عمله..... وكانت ندواته ندوات جماهيرية بحق......يحضرها كل جمعة ما لايقل عن تسعون شابا من شباب الحى .
أما محمد وعبد المنعم خليل فقد نجحا فى تكتيل شباب الحى بدرجة عالية فى معسكرات المقاومة الشعبية عقب هزيمة 1967 .. لمدة 6شهور تقريبا كان يخرج فوجا (كل فترة) لا يقل عن 50شابا من الحى لتلقى تدريبات عسكرية لمدة أسبوع بالكلية الحربية أو مدرسة المشاة... كانت تأتى أتوبيسات كبيرة .. يركبها الشباب (فى السادسة صباحا) تذهب بنا إلى الكلية الحربية أو مدرسة المشاة،و لتعود بنا ( فى الثامنة مساءا) ..كنا نتدرب فيها بشكل جدى وشاق على أستعمال السلاح وكان التدريب يتم على أستعمال ( البندقية الألى أو الرشاش الخفيف أو مدفع الأربى جى)..
تكرار هذه الأفواج بأنتظام كان يخلق روحا جديدة بين شباب الحى ... وينمى صداقات وعلاقات وثيقة بين الشباب..... ظلت هذه الأفواج تخرج من الحى وعلى فترات متباعدة منذ يونيو 1967 إلى أوائل عام 1968..
ثم بعد ذلك تقريبا أندثرت لجان المقاومة الشعبية وأكتفى بالكلام عن الدفاع المدنى .
لقد كانت الروح الجديدة بين شباب الحى والصداقات والعلاقات الوطيدة بينهم والتى ولدتها معسكرات المقاومة الشعبية عاملا ثانيا فى نجاح خطة عمل الدكتور أنيس بالحى فقد كان هؤلاء الشباب هم قلب الندوة الجماهيرية . الدكتور أنيس ظل لمدة عام تقريبا (من أوائل 69 وحتى أواخر 69) بشكل نشط وفعال يعمل وسط جماهير وشباب الحى ... ثم أختفى وابتعد ورحل هذا القمر المضئ عن حينا ... ولاأدرى حتى الآن لماذا أبتعد ؟
هل تم تضييق الخناق عليه ؟ ومن من؟ هل يأس منا ؟لاأعلم ..
لكن الذى أعلمه جيدا : أن الرجل قد ترك بصمات جميلة فى عقولنا.... وهذا القمر( الذى رحل) كان ينير الطريق لنا فى وقت كنا نحتاج فيه بشدة لشعاع واحد من الوعى ..
بعد رحيل( د/ محمد أنيس) عن الحى قام محمد وعبد المنعم خليل بتجميع كتلة الشباب التى تبلورت بالحى من لجان المقاومة الشعبية , ومن الندوات الجماهيرية التى كان يعقدها الدكتور أنيس .
تساؤلات معسكر الحوامدية... ومقر المنظمة
فى معسكر ضم حوالى 70 شابا ( لمدة أسبوع أو عشرة أيام) ،وكان المعسكر بمدرسة الحوامدية الثانوية المشتركة، وأقام السبعون شابا إقامة كا ملة بهذه المدرسة وكان المعسكر له هدفان:
1- التثقيف السياسى
2- ردم أحدى البرك بقرية المنوات بالقرب من الحوامدية
والجديد بالنسبة لى ،وبالنسبة لمجموعة شباب حينا فى هذا المعسكر هو إحتكاكنا بالمهجرين من أبناء مدن القناه(السويس والأسماعلية)،الذين تركوا ديارهم تحت وحشية دانات القذف الصهيونى....
شاهدنا حشودهم فى أكواخ حقيرة وحالة بائسة بقرية المنوات....،و عرفنا داخل هذه الأكواخ أن هزيمة 1967 لم تكن ضياع سيناء فقط ،ولم تكن شهداء وجثث مشوهة بالنابلم وفقط......
و إنما كانت أيضا خراب ديار وغربة واجتثاث جذور المواطنين ... وأه ياوطن رحيل وراء رحيل ... وبؤس يتراكم فوق بؤس.... من السويس إلى المنوات....
وأطفال تنام في أكواخ حقيرة فوق فراش الغربة...... وإحتياج شديد للقمة العيش....
المهجرين تراجيديا الحرب وبؤسها.... بنات واطفال ونساء السويس شبه عرايا... وأين ؟
فى المنوات أى فوق تراب الوطن .
كنا فى الصباح نعمل بجدية ونشاط فى ردم بركة المنوات بنفس الجدية والنشاط التى كنا نقطع بها أكوام القمامة بداير الناحية.... أكوام قمامة بداير الناحية وبرك ومستنقعات ومهجرين بالمنوات ... وكيف يلتحم المثقفون الثوريون بالجماهير الشعبية يادكتور أنيس؟
أيها القمر الذى غاب عن حينا.... كنت تقول لنا على القهوة التاريخ مش حواديت .. التاريخ صراع طبقات... أين بؤس حينا من صراع الطبقات ؟ وأين شتات وبؤس المهجرين من صراع الطبقات؟
أيها القمر الغائب هل كان قطع أكوام القمامة وردم البرك مدخلا ثوريا لصراع الطبقات؟
ايها القمر الذى رحل عن حينا....هامت هذه الأسئلة بداخلى... وقد تكون هامت داخل الأخرين.....
هامت في الإحساس والمشاعر..... فى الوجدان ......
الوعى الســائد مغلوط
مــش مظبوط
واقف فى النص بيتصالح
ولذلك مش هايحقق أى مـصالح
فى المساء كانت ندوات التثقيف وحلقات السمر .. حاضرنا محمد خليل فى تطور المجتمعات وتاريخ كفاح شعب الجيزه وأهالى قرية الشوبك ضد المحتل البريطانى والعمل الجماهيرى وأساليبه ...كانت المحاضرات بسيطة ومفيدة بالنسبة لمجموعة الشباب.....
الفرق بين محاضرات الدكتور أنيس ومحاضرات العامل محمد خليل هى اللغة ... لغة الخطاب الثورى
الدكتور الجامعى وأستاذ التاريخ أكيد سوف تختلف لغته وخطابه عن لغة وخطاب الأسطى الثورى الميكانيكى المتعلم.. تعبيرات ولغة المثقف الثورى آتية من الكتب.. وتعبيرات ولغة العامل آتية من الواقع..
أمام لغة المثقف تحس باحتياجك الشديد إلى المعرفة والأطلاع على أمهات الكتب...
وأمام العامل المثقف تحس باحتياجك الشديد للإنغراس والتعامل مع الواقع .
لغة الخطاب الجماهيرى: من أين تنبع ؟....من الواقع أم من الكتب؟
من شعبوية الواقع أم من نخبوية المثقفين؟
الخطاب الجماهيرى ليس مأساة ضخمة كما يصورها البعض .....فعدم إنغراس المثقفين فى صفوف الجماهير هو المأساة الحقيقية.....
حينما يحدث الإنغراس سوف تتولد لغة الخطاب بشكل سهل وبسيط وعفوى....... وحينما يحدث الإنفصال والتباعد بالطبع سوف يكون هناك لغتين.
فى الحقيقة لم نحس بإغتراب عن لغة محمد أنيس.... ولم نحس بإغتراب عن لغة محمد خليل....
رغم أن اللغتين كانتا مختلفتين .فقد كان لكل منهما طعمه ومذاقه الخاص:
مذاق الدكتور.... ومذاق الأسطى
تعايش المثقف مع الجماهير يخلق لغتةالمشتركة معها.... أما الإنفصال لن يولد سوى الفذلكة والمصطلحات الغريبة التى يغطى بها المثقف على جهله الحقيقى .......
العزلة مقتل لكل مثقف.......... فمتى تنقضى عزلتك أيها القتيل؟!!
لغة الأسطى ولغة الدكتور كانتا لغة الأنغراس والمعايشة مع الجماهير لذا لم تغترب تلك اللغة عن الواقع رغم اختلاف النكهة ورغم أن الوعى السائد والمحرك لتلك اللغة كان مغلوطا.
تحدث الدكتور وتحدث الأسطى (بلغة لم نغترب عنها) عن صراع الطبقات وتطور المجتمعات ....
عرفنا منهم الاستغلال والقهر الطبقى فى المجتمع العبودى( فقد كان الأنسان يباع ويشترى)....
وعرفنا قهر الإنسان للإنسان فى المجتمع الأقطاعى..... وعرفنا منهم كلمات رأس المال المستغل وأهمية وضرورة القضاء على أستغلال الإنسان لأخيه الإنسان..... والذى لم نعرفه منهم:
· هل كان هناك أستغلال وقهر طبقى فى العهد الناصرى؟
· هل كانت الناصرية هى جنة تطور المجتمعات فى بلادنا؟
· هزيمة يونيو1967 حدوتة فى تاريخ شعبنا.... فى أى صراع طبقى دارت الحدوتة وفى ظل أى طبقات حاكمة تمت الهزيمة؟!!!!!
رغم ملاحة وحلاوة اللغة ( للأسطى والدكتور) أكيد .. أكيد بلا جدال كان هناك شيئا مغلوطا.. مغلوطا فى الوعى وليس فى اللغة والخطاب.
فى ذلك الوقت عادت مجموعة الشباب من معسكر الحوامدية أكثر تماسكا وأكثر انسجاما مع بعضها كانت المجموعة بشكل عام تقف على حدود ومشارف الفكر الناصرى.....
وبعد حوالى أسبوع من عودتنا سلمنا ( محمد وعبد المنعم خليل)مفتاح منزل يتكون من دورين، بكل دور حوالى 5-6 غرف من الغرف ذات المساحات المتسعة......
وكتبنا جميعا إستمارات عضوية لمنظمة الشباب الأشتراكى..... وأصبح هذا المنزل كخلية النحل يمتلئ بالشباب والبشر...
وأصبحنا بدون(محمد أنيس) وبدون( محمد خليل) وبدون( عبد المنعم خليل).... أصبحنا نجتمع بمفردنا ونقرر ما نشاء بمفردنا.... أصبحنا معروفين فى الحى بأسم ( شباب المنظمة)........ والمنزل تحول أسمه من (منزل ممدوح) إلى (مقرالمنظمة)...
رايح فين ؟... رايح المنظمة
جاى منين؟... جاى من المنظمة ...
تقولش منظمة التحرير ياخى
وعلى أرضية العمل الاجتماعى الخدمى حققنا أكبر وأوسع أنتشار بين جماهير الحى.... وظللنا بؤرة نشاط ضخمة داخل الحى تنطلق من (مقر المنظمة)......حتى طردونا من هذا المنزل(المنظمة) بعد أحداث مايو1971 ..عامين متواصلين من النشاط:
· من هذا المقر أصدرنا أول ( وآخر)ديوان شــعر بأســم ( داير الناحية).
· من هذا المقر أصدرنا أول (وآخر) مجلة حائط....علقناها فى وسط ميدان الدقى وأنتزعناالعقيد (أحمد همام) عقيد مباحث أمن الدولةمن أمامها.
· من هذا المقر شكلنا أول فرقة مسرحية من شباب الحى وأقمنا مسرح( الكارو )وعرضنا أربع مسرحيات بالحى:
مسرحية( أغنية على الممر) تأليف على سالم
مسرحية( البوفيه) تأليف على سالم
مسرحية( أمريكا قتلت عيلنا) تأليف محمد عبدالحميد
مسرحية( عقارب الزمن) تاليف محروس بدر(أبن الحى)
· من هذا المقر شكلنا أقوى فرقة ( للدفاع المدنى) على مستوى محافظة الجيزة.
· من هذا المقر شكلنا أقوى فرقة للكورال من أبناء الحى ...كان الفريق يغنى:
أغانى أولاد الأرض........................... ( قول للقمر لوفات.. هانعدى ونحارب)
أولاد الحارة............................... ( كلنا فى الهم غلابة)
أوبريت ألليله الكبيرة....................... (دول فلاحين ودول صعايدة... دول من القنال ودول رشايدة)
· من هذا المقر نظمنا أول ( وآخر) ندوة جماهيرية على قهوة السرساوى( ندوة الرعب والتحول) فى 5مايو1971.
· من هذا المقر نظمنا العديد من الرحلات لشباب وأهالى الحىكان أجملها رحلة الأسكندرية والنوم على البلاط وسلالم لوكاندة ( رشيد الكبرى للنوم)......وكان أخرها معسكر رأس البر.....وعدنا من راس البر بالقطار فى تمام الساعة الخامسة من يوم 28سبتمبر1970.....
ونزلنا من القطار.... ولم نكن نعرف ما حدث ...
وأفقنا فى محطة مصر على صوت محمد خليل وهو يبكى ويصرخ قائلا:
جــــاى .. جـــاى ..
عبـــد الناصـــر مات ...عبـــد الناصــر مات ياولاد الكلب
· من هذا المقر أنطلقت مظاهرات الحى المتواصلة لمدة ثلاثة أيام ... تطوف بالأحياء والميادين الوداع ياجمال ياحبيب الملايين .
· وفى هذا المقر وغيره من مدارس الحى نظمنا أوسع نشاط لفصول التقويه ومحو الأميه المجانيه دون أى مقابل ولسنوات عديدة.
· من هذا المقر نظمنا أوسع نشاط رياضى ممكن لشباب الحى:
مارس شباب الحى لعبة البنج بونج من خلال المنضدة التى صنعها شهيد حينا ( سعيد محمدى) ..
وكان الإيراد المالى للمنضدة يتم الصرف منه على طباشير وسبورات فصول التقوية وتعليم الكبار....
نظمنا العديد من دورات (الكره الشراب) فقد كانت كل حارة تشكل فريقا لكرة القدم.
نظمنا العديد من المعارض ومجلات الحائط بشوارع الحى كان أهمها معرض جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بكلية الهندسة .. (تقريبا يناير 1971) الذى حصلنا عليه من أعضاء الجماعة( زملاءنا بالكلية) وعلقناه بالشارع الرئيسى داير الناحية.
· من هذا المقر نظمنا وعرضنا العديد من العروض السينمائية عن حرب فيتنام وكانت العروض السنيمائية عروضا جماهيريه بمعنى الكلمة.. كانت إما فى فناء مدرسة... أو فى (وسعاية الدوار).... أو فى وسعاية مدخل حارة سيدى الأربعين.....
وكان شيئا جميلا أن تسمع الصيحات والزغاريد وقت عرض الفيلم السنيمائى.... حينما يستطيع صاروخ سام6 أن يدمر الطائرة الأمريكية فى حرب فيتنام.....
وفى لحظة تدمير الطائرة تعلو الصيحات وتنطلق الزغاريد....
هتنش ونتش بعلو الصوت ..
عن أمريكا وهول أمريكا..
زعموا الفانتوم شايل موت..
سقط الموت بعلم أمريكا
جاتكوا فضيحة..ياطبقة سطحية..وعامله فصيحة..وجايبه العار
لم نكن نعرف وقتها هذه الأشعار لأحمد فؤاد نجم كى نقولها .. لم نكن نعرف سوى صيحات الإعجاب والزغاريد بسقوط الطائرات الامريكيه.. لقد كانت هذه الأشعار الغائبة زغاريد مظاهراتنا فى حركة الطلاب... كنت
أحول هذه الأشعار إلى شعارات فى المظاهرات ....
وحينما كنت أرددها كانت زغاريد نساء وبنات حينا وصيحات الأطفال.... هى الصورة الماثلة أمامى فى (سنيما الو سعاية) أو بمعنى أصح (سينما الجماهير).
· من هذا المقر أنطلقنا لنبنى وحدتنا مع شباب كمبوديا( عزبة أولاد علام) ......حيث أن شباب عزبة أولاد علام كان تقريبا يسير فى نفس الخطوات التى كنا نسير فيها.....
· وقد شكلوا أيضا فريقا من الكورال وكان فريقا عجيبا يبدأ أغانيه بمطلع هذه الأغنية:
أولاد علام ... أولاد علام ... أولاد علام
هيه ... هيه ... هيه
أحنا وكمبوديا.... وفيتنام أبطــال
والمقصود بكلمة (أحنا): أولاد علام طبعا...وليست مصر......
وهكذا وضع طالب الحقوق( أحمد شرف الدين) أولاد علام إلى جوار كمبوديا و فيتنام.....
ومن هنا كنا نطلق عليهم: أبناء كمبوديا البواسل ....أو جمهورية أولاد علام الشعبية .....
فقد كان بؤس كمبوديا(أولاد علام) أشد من بؤس داير الناحية..
( البوسنة والهرسك) أو (أولاد علام وداير الناحية) مظاليم العهد المنسيين...
من جميع هذه الأعمال وغيرها أصبحت مجموعة الشباب ( قيادات طبيعية) داخل هذا الحى .....
و فى هذه الفترة توسعت وتعددت دائرة عملنا بدءآ من دفن رجل ....
إنتهاءآ بمجلة حائط وعقد ندوة سياسية فى ظل صراع دائر على السلطة.
كانت هذه الفترة بالنسبة لنا فترة خصب ونمو .. فترة معايشة وأنصهار .. كنا كالطفل يزحف على الأرض ويحاول أن يتعلم كيف يسير على قدميه يقف أحيانا .. ويتعثر أحيانا.....
لكن الطفل بدأ يتعلم الخطوة الأولى فيا ترى..... إلى أين كان الطفل يسير ؟ وكيف كانت خطواته؟
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (مجلة من صنع ايدينا ... و أجمل الامهات )
***
الحلقة الرابعة
مجلة من صنع أيدينا......وأجمل الأمهات
كانت تجربة مجلة الحائط تجربة فريدة وجميلة بالنسبة لشباب حينا فقد حصلنا على فرخ من الورق المقوى .. كتب على ظهره عبارة يصرح بالنشر وتم التوقيع أسفلها أمين شباب المحافظة ... وتحت العبارة والتوقيع وضع ختم النسر......
جلسنا مجموعة الشباب فى غرفة بمنزل ( الهر)....والهرهو:شاكر عرفة... أبن حينا و رفيق الزنزانة وأنبل من قابلتهم فى صدقه ووضوحه وصراحته..
لم تكن معنا مقالات معدة من قبل.. صممنا عل ألا نكتب أى كلمة إلا إذا كانت نابعة من القلب ومن الوجدان ..فماذا نكتب؟
والكلمة اللى ما تبقى رصاصة .. ملعونه وخاينه ..والقلم الكداب.. شـــوكه فى طريق الحق.....
· رسمنا قطار طويل تتلوى عجلاته على القضبان.... والرسم يصور القطار مهتزا ومتأرجحا ... كتبنا على القطار عبارة:
( قطار ثورة 23يوليو) .. وكتبنا أسفل الرسم عبارة :
ياوابور قولى رايح على فين؟!!!!!
· رسـمنا صورة كاريكاتورية لمـسئول ما ... وأشرنا على راس المـسئول بسهم وكتبنا أمام الســهم عبـارة:
( مســــئول كبير قوى قوى قوى).......ورسمنا أمام هذا المسئول رسم لطالب جامعى .....
وأسفل الرسم كتبنا تلك العبارة على لسان الطالب وهو يخاطب المسئول قائلا:
خايـف أقول اللى فى قلبى!!!!!
· كتبنا مقالا بعنوان: ( سرحان البحيرىفى داير الناحية)
هاجمنا فيه أحد قيادات الإتحاد الأشتراكى بالحى والذى كان دائما يعرقل حركتنا بشكل دائم...(سرحان البحيرى) أحد شخصيات نجيب محفوظ فى قصة ميراماروالذى كان كان يمارس الدجل والكذب على الشابة زهرة التى ترمز لمصر بعبارات( أنا أشتراكى وأبويا عامل)، وكان أحد الشخصيات فى الرواية يقول له فركيكو يا أبن البحيرى..دى ساقية دايرة ياأبن البحيرى).
· قدم (سمير الشربينى) طالب كلية الهندسة وأبن حينا(وأطيب شبابه) قصيدة جميلة ..من تأليفه....
للأمانة لا أتذكر أبياتها لكنها كانت تسخر من صحافة الدولة ( الأهرام والأخبار والجمهورية) ..وأن ما تقرأه فى الأخبار هو نفس ما تقرأة فى الأهرام هو نفس ما تقرأه بالجمهورية.... والذى أتذكره من أبيات القصيدة مقطعها الأخير.... والذى كان سبب شقاء المجموعة داخل مبنى مباحث أمن الدولة.
أهـرام... أخبـار...جمـهورية
هى دى جــرايد الصبحية
قالوا قلت أيه ؟
تعالوا ... جـرى أيه؟
مفيش غير بلوة واحـــدة:
كل واحد فينا أخرس
ومغمض عينيه
· رسـمنا رسمآ كاريكاتيرىكبير فى منتصف المجلة كان عبارة عن:
حائط كبير مرسوم على قمته عشرة رؤؤس.....
وكتبنا على الحائط (الأتحاد الأشتراكى العربى لجنة العشــرة).....حيث أن اللجنة الأساسية بالإتحاد الإشتراكى وقتئذ كانت تسمى لجنة العشرة..
ووقف أمام هذا الحائط مجموعة من الشباب متحفزين وهم يصرخون:( دعونا ننطلق)...
أخذنا نعمل بجدية ونشاط فى تحرير المجلة.... نجمع النقود لشراء علبة ألوان فلوماستر ..
أحدنا يحضرمن منزله علبة ألوان خشب وورق كربون .. ورغم أتساع مساحات الكاريكاتير بالمجلة فإنه لم يكن بيننا من يجيد فن الكاريكاتير.... لكن الكاريكاتير بالمجلة كان جميلا ومدهشا ..
فقد أخذنا نجمع جرائد الأهرام من منازلنا وقصصنا منها جميع الرسومات الكاريكاتوريه لصلاح جاهين ، وأخذنا ننتقى منها ما يناسب فكرتنا ونشفه من الجريدة ثم بورق الكربون نطبعه على الفرخ المقوى .. ثم نلون بعد ذلك، وما عجزنا عن رسمه رسمناه حسب قدراتنا ومواهبنا المحدودة......
وقام سعيد محمدى ( شهيد حينا) بتصنيع برواز من الخشب يغطى من الخلف بلوح أبلاكاش ومن الأمام له ضلفة زجاجية لها قفل ومفتاح .. سرقنا زجاج الضلفة من مقر الأتحاد الإشتراكى.....
فى تمام الساعة الخامسة ذهبنا إلى ميدان الدقى (فى شهر رمضان)قبل أنطلاق مدفع الأفطار.....
بجوار قهوة أنديانا... ومحل بشير (بتاع اللبن).....ثبتنا برواز المجلة بالمسامير على شجرة ضخمة تتوسط القهوة ومحل اللبن ..وقفنا أمامها ننظر إليها بأعجاب شديد:
.......... مجـــلة من صنــع أيدينـــا......
وكنا نتلهف لمناقشة الناس فى المجلة .. نريد أن نعرف رأيهم فيما قد صنعناه..
كنا ندرك أننا أرتكبنا جريمة ما ..وإننا خدعنا المهندس عادل أدم..
كان يجب أن نعرض عليه المجلة للإطلاع عليها إحتراما لتوقيعه( يصرح بالنشر).. لكن فرحتنا الشديدة بالمجلة ولهفتنا الشديدة لمعرفة رأى الناس ومناقشتهم جعلتنا نتخطى الأنضباط التنظيمى داخل منظمة الشباب... ووضعنا مجلتنا فوق الشجرة أمام أضخم محطات الأتوبيس فى ميدان الدقى ..
كان الشارع شبه خالى تماما من البشر ومدفع الأفطار على وشك الإنطلاق... وذهب كل منا إلى منزله للإفطار ... وعدنا فى المساء (الساعة الثامنة) لتكوين حلقات النقاش حول المجلة ...
آه يا بحر الذكريات!!!
(سبتمبر1996) قابلت أبن حينا (محروس بدر) جلسنا نشرب الشاى على قهوة عبد الحليم وأثناء الحديث ضحك وقالى فاكر المجله فى ميدان الدقى ... ياسلام كانت أحلى أيام العمر.. وأخذ يقص على نص المقالات والأشعار والكاريكاتير بالمجلة...
فاكر مقالة سرحان البحيرى فى داير الناحيه.... فاكر كاريكاتير المسئول الكبير قوىقوىقوى..
أكثرمن.ربع قرن تقريبا مضى على هذه الحادثة ... ولاتتخيل أيها القارئ أى جمال وأى نور كان يطل من وجه محروس بدر وهو يروى تلك الحادثة التى حدثت عام 1970 .
كان يتحدث من أعماقه وكيانه... تتدفق ملايين الألحان إلى وجهه ويقول ضاحكا:
كنت أول واحد فيكم راح يستطلع رأى الناس فى المجلة..
تصور ما حدث.... ذهبت فى الساعة السابعة (قبل ماتيجوا بساعة)....
كان الناس مازالوا قليلين... وجدت ضابطا واقفا أمام المجلة( ضابط المباحث أحمد همام) ..الضابط قالى:
· تعرف مين اللى عامل المجلة دى؟.
قلت له :ليه هى عجبتك ؟
قال الضابط : لا أنا عايز أعرف مين اللى كتبوها .. شكلك كده واحد من اللى كتبوها ...
من الكلمة دى عرفت أنه ضابط .. فقلت له:
أنا ياعم رايح أحشش .. اخرجت له قطعة صغيرة من الحشيش كانت فى جيبى وقلت له:
· معقول واحد حشاش يكتب الكلام ده... سلامو عليكم .. وانصرفت.......
تصور شاف الحشيش فى أيدى وتركنى أنصرف.... ولو كان عرف أنى من بتوع المجلة كان قبض على.. غريبة ياأخى..........
( الكلمه فى البلد عند الدولة..أخطر من قرش الحشيش)
هذا ما قاله لى محروس فى عام 1996 أما فى عام 1970 فقد ذهبت مجموعة الشباب فى تمام الساعة الثامنة إلى مكان المجلة ...وكان المشهد جميلا فقد تزاحم البشر على المحطة أمام المجلة.. وكانوا يقرأون بشغف... وأبدى العديد منهم أعجابه الشديد بها.. ودخل الشباب فى نقاش مع البشر أمتد لفترة طويلة وفجاءة ظهر الضابط ومخبريه وبذكاء شديد قال الضابط:
ياسلام المجلة دى جميلة قوى.....
فقال الشباب فى صيحة واحدة :
(أحنـــا اللى عــاملينها)....
بعد هذه الصيحة......عينك ما تشوف الا النور..
المجلة تهشم زجاجها.......... وأخذ المخبرين ينزعونها من فوق الشجرة ..
والشباب يدافع بجسده عن المجلة.. وعراك وشجار.. وتم القبض على مجموعة الشباب.... ولأول مرة يدخل شباب حينا مبنى مباحث أمن الدولة (فرع الجيزه) بشارع جابر بن حيان).....
ولم يكن يعرف هؤلاء الشباب أن هذا المبنى سوف يكون مزارهم الدائم خلال السبعينيات:
دخل الشباب مقر مباحث أمن الدولة والأسئلة العديدة تطاردهم من أفواه زوار الفجر ....
أيه علاقتكم بالمجموعة اليسارية فى كلية العلوم؟.... أنطق قول؟؟ ... يابن الكلب أنتو تبع مين؟
ومين اللى حرضكم على كتابة المجلة ؟
وكمان ياولاد الكلب عايزين نعرف مين اللى تقصدوه بالمسئول الكبير قوى قوى قوى؟
قصدكم عبد الناصر طبعا ..
وقطر الثورة ... مش عاجبكم ؟.........!لولا الثورة ما كنتوأتعلمتوا ياولاد الكلب ..
لا... وآل أيه ... ولاد الكلب بيكتبوا شعر كمان ...عايزين نعرف تقصدوا أيه بعبارة:
.....(مفيش غير بلوه واحدة ... كل واحد فينا أخرس ومغمض عينيه).........
وكمان مين سرحان البحيرى؟
قولوا ياولاد الكلب مين سرحان البحيرى اللى فى داير الناحيه .. ساكن فى أنهى حارة؟
كان الشباب ينظر إلي المجلة نظرة أم إلى طفلها الجريح ... كان الشباب يود أن يخرج من هذا المقر والمجلة معه.... فالمجلة الني من صنع أيدينا...... كانت معنا أسيرة داخل المبنى والكلاب تنبح من حولنا ... وأيه أخرتها مع الضباط ولاد الشعب غلابة بساط.......
لم يجد مجموعة الشباب سوى عبارة واحدة أخذ يرددونها:
أحنا بتوع المنظمة وهنا ( شخر ) أحد الضباط قائلا
منظمة أيه ياولاد الكلب؟!! منظمة التحرير!!! أسم المنظمة الى بتنتموا ليها أيه ؟!!!!
هوه فيه منظمات فى البلد ما نعرفش عنها حاجه..... وذهل الضباط حينما قلنا لهم:
منظمة الشباب...... ( شــخروا كعادتهم) ... وقالوا:
بقى أنتو ياشوية عيال هتلبسونا العمة..... معقول منظمة شباب وبتهاجموا الثورة وعبد الناصر..
ذهل الضابط حينما قال أحد الشباب:
أحنا معانا تصريح بالنشر... وختم المنظمة على ظهر المجلة ....
ذهبوا إلى المجلة... وفكوا دبابيس المكتب التى ثبتت بها المجلة على البرواز....
ولما وجدوا توقيع ( عادل أدم ) وختم النسر قال أحدهم:
وكمان ختم نسر... وقعت أبوكم سودة....
وبدأت التليفونات تعمل والإتصالات تدور من حولنا...... والشباب حائرون ... صامتون.....
وبعد ساعات خرج الشباب من هذا المبنى الكريه.....
جاء عادل أدم ومحمد خليل لإستلامنا من أيادى زوار الفجر.. عاد الشباب بعد أن أطلق سراحهم ..
وهم يضحكون ويقلدون شخير الضباط وأسئلتهم.. وحينما وصلنا إلى بيت المهندس عبده مصطفى(أبن حينا و طالب كلية الهندسة والذى كان مقبوضا عليه مع مجموعة الشباب).....
كان الضحك هستريا وصاخبا.....
فقد وجد عبده مصطفى أمه وقد حرقت جميع الكتب الدراسيه بتاعة الكلية فى أحد أفران خبيز العيش داخل المنزل.. وقال عبده لأمه:
ليه حرقتى الكتب... دى كتب المذاكره بتاعة الكليه...... قالت الأم وببساطة :
خالك شعبان العسقلانى جه وقالى عبده أتقبض عليه من قدام المجلة فى ميدان الدقى..
وطالما مسكوه يبقى أحرقى الورق اللى فى البيت ..علشان زمان ضباط المباحث جايين يفتشوا البيت ويدورا ع الورق ...
طب يا أمه.. تقومى تحرقي كتب الدراسة ؟!!!!
وأنا أيش عرفنى أنها كتب دراسة.... خلاص فداك ياضنايا .. المهم رجعتوا بالسلامة.....
وقامت وأعدت الشاى لجميع الحاضرين.....
أمهات بسيطة.. أجمل الأمهات......
بساطة وحنان وتلقائية ...كم قاست معنا أمهاتنا؟......
وعانت الكثير من العذاب والحيرة فى هذا الصراع.....
كانت أمى تقول لى دائما بعد كل خروج من السجن ... وقبل كل دخول :
ياأبنى الظلم فى البلد من زمان.... من زمان قوى........
وأنت بقى يا فالح اللى هتغير البلد..... تروح فين ياصعلوك بين الملوك...... دا أنت يتيم ..
والدولة مفترية...... لم تكن أمى تعرف القراءة والكتابة مثل أغلب ألآمهات فى حينا ..
لم تقرأ فى الكتب الثورية:
( الدولة أداة قمع ...والدولة أداة سيطرة طبقة على طبقة)
لكن فى تعبيرها البسيط التلقا ئى:
( ياإبنى... الدوله مفتريه).......( ويا أبنى الظلم فى البلد من زمان.... من زمان قوى).....
كانت تجسد رحلة المعاناة الطويلة لأمة بأسرها!!!!!!!
خرجنا من مبنى المباحث فى المساء ...وفتحنا مقر المنظمة فىاليوم التالى .....
لم تكن هناك أى ذرة خوف بين مجموعة الشباب( سواء من قبض عليهم أو من لم يقبض عليهم).... كان حزننا الوحيد على المجلة وبروازها لإنها ظلت فى الأسر ..بينما نحن أصبحنا طلقاء..
لم يحولنا عادل أدم أو فريد عبد الكريم أو عبد المنعم خليل أو محمد خليل لآى تحقيق تنظيمى داخل المنظمة.. ولم يناقشونا حتى فيما كتبنا.. ربما جائنى إحساس وقتها إنهم مبسوطين مما فعلناه ..
لم يتعاملوا معنا كرجال سلطه أو رجال نظام...... رغم إنهم جميعا كانوا ناصريين فكرا وعقيدة..
ضحكوا معنا مثلما ضحكنا على شخير ضباط المباحث.....
وأخذوا يسمعون منا بروح الأخوة:
كيف صنعنا البرواز الخشبى؟ كيف سرقنا لوح الزجاج الكبير من مقر الإتحاد الأشتراكى؟
كيف رسمنا الكاريكاتير ؟كيف حرقت أم عبده مصطفى كتبه الدراسية؟
وسارت الأمور ببساطة ويسر.. وأنطلقنا فى العمل بحماس أكبر وجرأة شديدة وكانت تلك قصة مجلتنا داخل الحى.
مجلة الحائط .. أسلوب جميل من أساليب الإلتحام بالجماهير .. مجلة يدور من حولها حلقات النقاش .. صحافة صادقة سريعة التحرير .. سريعة الكتابة....
الكاتب يعرف رأى الجمهور بصورة مباشرة فيما يكتبه.. بعشرة قروش(وقتها) تستطيع أن تحرر مجلتك فى بضع ساعات.... الحوار الدائر حول المجلة أهم من المجلة ذاتها ... المجلة مجرد ورقة..
وجرس يدق لفتح باب النقاش....
أن تدافع عن رأيك أمام الجمهور... يكسبك المهارة على الإقناع ومجادلة الرأى الآخر ...
المقالة القصيرة ... الكاريكاتير السريع ... والعبارة المختصرة المفيدة..ز والأسلوب البسيط الذى يجذب القارئ ..هذه الأشياء سمات المجلة الحائطية الناجحة.
الكلمة الصادقة والكلمة الكاذبة سرعان ماتتضح فوق مجلة الحائط وأمام حلقة النقاش:
قوة مجلة الحائط... ثورية أفكارها.... ومدى صدقها.
و المجلة وعى وفن ..فمجلة الحائط... شكل ومضمون ولا ينفصل هذا عن ذاك.
كلاب أمن الدولة ومخبريها لا يهمهم الشكل ولا المضمون..... يهمهم فقط من هم صانعوها ؟
يهمهم فقط التقرير المرفوع إلى الرئاسات العليا .. ويهمهم أيضا تمزيقها وتحطيمها....
فكم من المجلات تمزقت وتحطمت تحت أقدامهم لكن :
الكلاب تعـــوى والقافــــلة تســـــير.......
والغربة عذاب ومتاهة....... والحلم أخضر وعنيد.........
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (فصول التقوية ..وندوة قهوة السرساوى....وأحداث 15مايو1971 )
***
2010
الحلقه الخامسة
فصول التقوية وندوة قهوة السرساوى وأحداث 15مايو1971
فى الماضى كان البوليس الجنائى يدخل الحى كثيرا لتعقب تجار المخدرات فى الحى .. لم يكن حينا كحى الباطنية مثلا .. ولكن كان للحى نصيب أيضا فى تجارة المخدرات ... فهكذا دائما حيث يوجد الفقر والبؤس لابد من وجود المخدرات مع تبلور الشباب فى الحى ..
ومع ظهور مجلة الحائط بميدان الدقى كانت تلك هى المرة الأولى التى يدخل فيها البوليس السياسى إلى حينا....
وأعتقد أن هذه اللحظة كانت الميلاد الحقيقى لحينا....
لقد أثرت ندوات الدكتور أنيس وجهود عبد المنعم ومحمد خليل فى خلق مجرى جديد داخل الحى.
.(يكتشف البشر ذاتهم عند التحول)..................
عبارة قالها لنا محمد خليل بعد حادث المجلة مازالت مطبوعة بالذاكرة لاتختفى:
أنتم مجموعة الشباب اللى شقت مجرى التحول......
فى الحى زمان كان البوليس يدخله علشان تجار المخدرات ...
دلوقتى البوليس يدخل الحى علشان يكافح السياسة مش يكافح المخدرات ....
الأحياء الغنية المجاورة للحى فاكرة:
أن داير الناحية عبارة عن شوية حشاشين وتجار مخدرات .....لازم نثبت لهم أن داير الناحية فيها المهندس ... فيها الطبيب ... وفيها العامل ...وأيضا بها السياسى وأصحاب الرأى والعقيدة ...
كلمات جميلة أيها الأسطى العزيز ... لم يأت محمد خليل بهذه الكلمات من الكتب ...
جاءت كلماته لنا من المعاناة.... معاناة الواقع ... كيف ينظر الناس إلينا وإلى حينا؟
وكيف ننظر إلى أنفسنا ؟
...هذه الكلمات كان أثرها عميقا فى نفوسنا... كنا نفتخر بشدة حينما يدخل أحد أبناء حينا الجامعة ...العلم والتعلم بالنسبة لحينا أصبح معركة ... معركة لإثبات الذات والوجود فى عالم لايعترف أصلا بوجودنا!!!!!
من هنا أنطلقنا لفصول التقوية ومحو الأمية المجانية من أجل أن يصبح حينا بؤرة للمتعلمين...
لابؤرة للمخدرات ...دخلنا معركة العلم والتعلم بالحى أيضا كنوع من الحرب ضد المخدرات فى هذا الحى ... كانت فصولنا متسعة ... منذ الخامسة مساءآ وحتى التاسعة بل أحيانا العاشرة .. داخل مبنى المنظمة لاتخلوا حجرة من الحجرات من درس للتقوية أو فصل لتعليم الكبار ...
وحينما ضاق مبنى المنظمة بعدد التلاميذ ... أقمنا الفصول فى مدرسة مجاورة للحى ...
أمتدت فصولنا إلى بعض الجوامع ... وأمتدت...
وأمتدت (حينما كان يتم تضيق الخناق من قبل أحهزة الدولة علينا) إلى داخل المنازل ...
أستمرت فصول التقوية فى حينا منذ عام 1969 وحتى عام 1975...
مارسناها حتى بعد أن طردنا من مبنى المنظمة فى عام 1971.
وفى الفترة من 1971 وحتى 1975 ....
وهى الفترة التى ظللنا فى أغلب أوقاتها مطاردين من قبل أجهزة الأمن.... كنا نحرص بشدة على إقامة الفصول وتوسيعها لأنها كانت بالنسبة لنا فى هذه الفترة تعبيرا وإثباتا لجماهير الحى إننا لم ننفصل عنهم.
فى أعوام 1969ـ 1971 كان أبناء ورجال ونساء الحى ينظرون إلينا نظرة:
( الشبان الطيبين... أولاد الحى ... بيخدمونا... عايزين عيالنا تتعلم زى ماهمه أتعلموا ... مابيطلبوش فلوس... عيال جدعان ... ربنا يحرصهم لشبابهم ... ملهمش غرض غير خدمتنا وتعليم عيالنا .. حاسين بينا وبزنقة عيشتنا ... عارفين أن احنا مانقدرش ع الدورس الخصوصية...)...
في أعوام 72 ,73 ,74 ,75 حين كنا نمارس فصول التقوية بالحى .. . وكنا ندخل ثم نخرج من السجون ...أو أحدنا بالسجن والآخر خارجه ... ومباحث أمن الدولة ومخبريها مزروعين فى الحى ..وكان أبناء الحى يشاهدونا فى المظاهرات التى تطوف بالجامعة وتدخل حى بين السريات المجاور لحينا ... فى هذه الفترة كان جميع أبناء الحى ونسائه الفقيرات يعلمون جيدا أن من يقود المظاهرات بالجامعة هم أ نفسهم الذين يعطون الدروس المجانية لأطفالهم... كان حديث الناس دائما :
... شاكر عرفة خرج من السجن ... كمال لسه جوه ... سمير الشربينى ومحمد عبد الخالق وجمال عبد الناصر وأسماعيل يوسف وبحبح ومحمد البدراوى وسيد عبد الرحمن بيدرسوا فى الفصول......
بيقولوا ياختى عليهم شيوعيين.... ياختى أنا مش عارفه يعنى إيه شيوعية؟....
جوزى بيقول: شيوعيين يعنى كفرة .....
هو معقول الكفرة يخدموا عيالنا.... ياختى دا كلام المباحث ... والنبى حاجه تحير ...
حينما كنا نخرج من السجن.... أو تتفجر أحداث الجامعة....
كنا نروى لشباب الحى ورجاله وأيضا للتلاميذ:
... ماذا حدث ؟ أين يكذب السادات وأين الحقيقة ؟ ماذا تقول منشورات الطلبة؟
الطلاب يتحدثون عن أحوال معيشة شعبنا المتدهورة ..الطلاب يطالبون بربط الأجور بالأسعار...
الطلاب يطالبون برفع الحد الأدنى للأجور .. الطلاب يتحدثون عن العمال ...
وإقتصاد الحرب كمان... وكانت الفصول بمثابة قناة إتصال بيننا وبين جماهير الحى....
قناة مفتوحة دائما...
فى أعوام 75،74 درس معنا فى هذه الفصول الكثير من القيادات الطلابية بالجامعة:
( شهرت االعالم- سمية عدلى- فاتن عبد المنعم)....
كان وجودهم معنا... والتدريس لأبناء الحى يعطى صورة جميلة لشباب الحى عن الطالبات الثوريات بالجامعة....غير الصورة التى كان ينقلها ويروج لها ضباط أمن الدولة والصحافة وقتها....
كنت تجد الشباب فى الحى يتحدثون عن ( شهرت العالم):
عارف البنت النحيفة اللى بتيجى تدرس فى الفصول... البنت بتاعة كلية العلوم... دى بتقودالمظاهرات فى الجامعة ... ياعم.... شاكر عرفة قالنا:
دى أتحبست ودخلت السجن ... سجن القناطر......
ياراجل روح أتنيل .. دانت جسم وعضلات ع الفاضى تشوف ضابط بوليس تقوم تجرى ...
طب شهرت دى اللى ماتجيش كلها قد دراعك... بتقف فى الجامعة وتتكلم أجدع من ميت راجل ..
كان شباب الحى فخورا بنا... وما أجمل أن يفتخر الفقراء ببعضهم :
مرة كنت أقود مظاهره تضم حوالى 4000 طالب.... خرجنا من الجامعة ودخلنا بالمظاهره حى بين السرايات...
وكان (كامل الترجمان) أحد شباب حينا وعامل الكاوتش يسير فى حى بين السريات ......
ولما وجدنى محمولا على الأكتاف وأقود المظاهرة ... دخل على المظاهرة فرحا ومهللا......
دخل يزعق بأعلى صوته:
( ياصلاة النبى .. ياصلاة النبى على ولاد حتتنا)..
حمله المتظاهرون على الأكتاف ... وكان مزهوا بنفسه وبأبناء حيه.... أمسكت يدى بيده ... والدموع كادت تفر من عينى وعينيه وهتفت :
أحنا الطلبه مع العمال ... ضـــد الظلم والاســـتغلال
ياعمال أنا وانتم واحد... اللى سارقنى وسارقك واحد
واللى ناهبنى وناهبك واحد ... واللى ظالمنى وظالمك واحد
ياعــــمال خطـوه لقدام.... فى الصف مكانكم قدام
تعانقنا فى نهاية الهتاف.... وأنتهت المظاهرة.....
ورجع كامل إلى الحى يحكى عن المظاهرة وأبناء الحى الذين يقودون المظاهرات فى الصباح وفى المساء يدرسون فى فصول التقوية.
كانت الفصول فى حينا تقوم على عاتق ( 50-60شاب) من شباب الحى أغلبهم طلاب جامعات.. وخريجين ..وشباب يحملون دبلوم تجارى أو صناعى..
وكان عدد التلاميذ فى الفصول يتراوح بين 100—500تلميذ...
100فى أوقات الحصار وتضيق الخناق....500فى أوقات الأزدهار....
كانت الفصول قائمة على العمل التطوعى ... كانت روح التضامن هى المحرك الأول وراء العمل......
لم يكن جميع المدرسين على صلة بالسياسة مع الحركة الطلابية... والغير مسيسين هم الأغلبية ...
لكن الجميع كان متفقا على أهمية وضرورة إستمرار الفصول.... كان هناك أحتياج جماهيرى داخل الحى لهذه الخدمة ... وكان هناك تضامنا من أبناء الحى فى سبيل تلبية هذا الإحتياج الجماهيرى.
لم نمارس هذا العمل بأفق أن هذا حلآ لمشكلة التعليم... أو بأفق محاربة الدروس الخصوصية بالحى.. لأن الشباب الذين كانوا يعطون دروسا خصوصية بالحى كانوا فقراء ويعولون أسر....كانوا يلجأون إلى الدروس الخصوصية لحل مشاكل الحياة التى تواجههم ... فقد كانوا يعطوا الدرس الخصوصى بجنيه فى الشهر لجميع المواد!!!!!!!
بل كان كثيرا منهم يأتى ويدرس معنا فى الفصول المجانية بعض الحصص..
وبالطبع فإن حالة الزخم والمدى الجماهيرى وتأثيرات الحركة الطلابية أعطى لفصول التقوية فى الحى طابعا مختلفا ... وخرج بها عن نطاق العمل الإجتماعى الخدمى.....
لقد كانت الفصول محور صراع دائم داخل الحى:
الجماهير تريد الفصول والمباحث تريد قفلها..
الناس عايزه الفصول تستمر لأنها تلبى أحتياج عندها ..
والمباحث مش هبلة ... طول ما بتوع السياسة وحركة الطلبه فى وسط 50 شاب جامعى بيدرسوا فى الفصول ... وفى وسط 500تلميذ من التلاميذ بالأعدادى والثانوى.. والأهالى بتبارك هذا العمل يبقى السياسة مش ها تنقلع من داخل هذا الحى ...
الشيوعين فى الحى إن كانوا أثنين بكره ها يبقواعشرة وعشرين... هكذا كانت تفكر أجهزة المباحث ..
ندوة قهوة السرساوى
(( ندوة الرعـــب والتحول))......5 مايــــــو 1971...
أعوام 70،69،68، وحتى 5مايو 1971 كانت أعوام العمل الهادئ فى الحى ... لم نصطدم بأجهزة الدولة إلا فى حادثة مجلة الحائط ... كان يعرقل عملنا بعض عناصر وقيادات الإتحاد الأشتراكى بمناوشات من آن لآخر ... لم نفهم مغزى تلك المناوشات وقتها.....
وكان هناك شئ يجعلك تقع فى الحيرة.... وأسئلة تدورفى الرأس لاتجد لها إجابة أو تفسير..
عادل آدم( أمين منظمة الشباب بالمحافظة)، فريد عبد الكريم( أمين الإتحاد الأشتراكى بالمحافظة) يتعاملون معنا بشكل سياسى ويدفعون عملنا إلى الأمام ...وهناك عناصر أخرى تتنمى لنفس التنظيم السياسى تناوش معنا وتضع العراقيل!!!!
لم نكن نعلم أن هناك تنظيم طليعى سرى داخل الإتحاد الأشتراكى....!!!!!!!!
علمنا ذلك فقط بعد حل التنظيم الطليعى على الملأ فى أحداث 15 مايو 1971........
يعنى يامحتـرم كنا طرابيش
وكمان يا محترم لازم تعرف أن فى الحياة بشكل عام مش عيب أنك تطلع طربوش ... ياما الواحد فى مواقف كثيرة إنسانية وشخصية واجتماعية طلع طربوش ومن غير ذر كمان.......
أما فى عالم السياسة أن تجد نفسك طربوشآ ... وفجأة..... فذلك مؤلم بحق.
والآن ونحن فى عام 1996 وبعد حل التنظيم الطليعى فى مايو 1971 أى بعد ربع قرن من هذا الحل ...
أتوجه بسؤالي الحائر....( والذى لم أجد إجابة له حتى الآن) ...إلى كل الناصريين الذين كانوداخل التنظيم الطليعى:
لماذا كان التنظيم الطليعى سريا ؟ ..أى سلطة كان يود أن يطيح بها؟!أى سلطة كان يود أن يأتى بها؟!
حزب عبد الناصر كان يود أن يطيح بسلطة عبد الناصر من أجل أن يأتى بسلطة عبد الناصر!!! ...
مش فاهم لحد دلوقتى...سلطة بحزبيين: حزب سرى وحزب علنى...
وهل كان برنامج الحزب السرى يختلف عن برنامج الحزب العلنى....
قد يكون للناصريين إجابة ... أود أن أفهمها ... وأن لم يكن هناك إجابة ... فإن الإجابة الوحيدة الحاضرة فى ذهنى إن التنظيم الطليعى قد بنى من أجل هدف واحدوهــو :
أن نكون طرابيشا فى عالم السياسة... المهم...
لقد كانت أحداث 15 مايو 1971 بالنسبة لمجموعة الشباب فى حينا نقطة تحول جديدة....
فى وعينا... وفى عملنا..... ولكننا تعاملنا مع هذه الأحداث ( رغم أننا كنا طرابيش) بشكل صحيح..
لم نخف وننعزل فى منازلنا ... ولم نكمن أثناء الصراع الدائر لإنتظار الطرف المنتصر والسير فى ركبه ....
أحداث مايو كان فضلها علينا أن دفعتنا إلى قلب السياسة ... ودفعتنا للبحث عن الوعى الغائب...
فى أوائل شهر مايو تواردت لنا الأنباء من داخل المنظمة وداخل الإتحاد الأشتراكى :
السادات هيبيع البلد للأمريكان ( وقد باع).. السادات بيمهد لصلح مع إسرائيل (وقد فعل)... وتواردت أنباء وحواديت كثيرة عن إجتماعات اللجنة المركزية فى الإتحاد الأشتراكى ... وقصر السادات بالجيزة ... وأنقسام داخل أجهزة الدولة... وهذا الكلام بالطبع سمعناه داخل المنظمة وداخل الإتحاد الأشتراكى وكانت الناس فى الشارع مش عارفه أى حاجه ... كان الصراع الدائر فى أعالى القمة...
و بدأت تتسرب أخباره إلى داخل الإتحاد الأشتراكى ولسه الموضوع لم يصل إلى الشارع ...
طب أيه العمل ياجماعة؟؟؟؟ ...
إذا كانت البلد ها تتباع للأمريكان ... والصلح ها يتم مع إسرائيل... هنقف كده ساكتين ...
طب الكلام ده نقوله للناس ........!!!!!!!!!!
وعندما أشتد الصراع فى القمة ... طلب مننا عمل ندوات فى الشارع لشرح أبعاد الموقف للجماهير...
وقد كان ... فقد نظمنا وحشدنا لندوة جماهيرية على قهوة السرساوى( وقتئذ) وكانت القهوة تضم أكبر تجمع لشباب الحى ... وحضر الندوة حوالى 200شـاب من الحى ... وجاء قيادات من المنظمة والأتحاد الأشتراكى وشرحوا أبعاد الموقف:
وكان وقع الكلام على نفوس أبناء الحى شديدا....
لم تكن الندوة ندوة تثقيف كندوات الدكتور أنيس.....
كانت الندوة إعلان حالة حرب على السادات قمة السلطة.....
وأثناء الندوة .. وقف صاحب القهوة وقال :
ياجماعة حرام عليكم ... المخابرات لو سمعت الكلام اللى بتقال على القهوة هتقفلها ...
وهنا أجاب أحد المسئولين بالأتحاد الأشتراكى والمحاضر بالندوة:
· ماتخافوش ... المخابرات معانا..
وهنا بدأ الإندهاش والرعب على جميع الحاضرين ..
· أزاى ياعم ... المخابرات مع اللى فى السلطة..
والسادات فى السلطة وهو الحاكم ... تبقى المخابرات معاكم أزاى؟!!!
وبعد ساعة..... كان الحى كله يتحدث عن ندوة السرساوى......
و إنصرف المسئولون القادمين من الأتحاد الأشتراكى ومنظمة الشباب ....
ووجدنا أنفسنا وجها لوجه مع جماهير الحى .. وإمتدت حلقات النقاش داخل الحى حتى الفجر.....
أحداث 15 مايو 1971
وتوالت الأحداث فى الأيام التالية :
إستقالات .. وقبول إستقالات .. وإعتقالات.. وثورة تصحيح .. وحرق شرائط.. ومراكز قوى .. وحل التنظيم الطليعي .. وأبو زيد فهمي .. والمدعي الاشتراكي ..
وقبض على عادل آدم .. وقبض على فريد عبد الكريم...
وبعد فترة وجدنا المخابرات تزحف على الحي وتقبض على محمد خليل .. في أول وأقوي هجوم لكلاب الدولة على الحي :
طابور طويل من الضباط و المخبرين.... يهاجم المنزل .. يفتشون فى كل مكان .. الكتب والمكتبة لم يقتربوا منها .. التفتيش فى الدواليب وتحت الأسرة وفى خبايا المنزل .. التفتيش ليس عن أوراق ولا عن كتب .. عن ماذا تفتش الكلاب المسعورة ؟
ـ مش عارفين بتفتش عن ايه ؟!!
ـ أيوة مش عارفين ..
ـ بنفتش عن سلاح..
ـ سلاح .. سلاح أيه .. هوه أحنا بتوع سلاح؟؟... وسلاح ليه ؟!
ـ اما تيجى معانا .. هتعرف ...
وخرج محمد خليل بين كتلة من الضباط والمخبرين فى موكب مهيب .. و فى مغرب هذا اليوم الحي تقريبا تجمع بأكمله أمام المنزل..... مشى الأسطى محمد خليل وسط هذا الموكب رافع الرأس..... هذه الابتسامة وهذا الشموخ كانا لكسر حالة الرعب من نفوس أبناء الحي ..
تكرر هذا المشهد كثيرا فى حينا .
أن يجدك أبناء الحي إنسانا صلبا قويا وقت اعتقالك ذلك شيئا مهما .. كنا نسير معتقلين شامخين... نطمئن الجميع بإننا عائدون.
ذهب محمد خليل .... وتجمعنا فى المنزل كتلة من شباب الحى وصوت أم كلثوم فى الراديو:
مصر التى فى خاطري وفى دمى ...
أحبها من كل روحي ودمي ....
يا ليت كل مؤمن يحبها ....... مثلي أنا....
قفل عبد المنعم الراديو .. وساد الصمت .. وعبدالمنعم ينظر بدهشة و يقول :
سلاح أيه؟ .. غريبة !!.. سلاح !!!! .. ربنا يستر ..
وساد الصمت .. ثم وجدنا عبد المنعم خليل يضحك ويقول :
سلاح !!!!.. السلاح مش عند محمد خليل..... المصيبة السلاح عندي أنا.....!!!!.
وزعق الطرابيش فى نفس واحد : سلاح إيه اللي عندك ؟
وأخذ عبد المنعم خليل يضحك ويقول :
ـ عارفين الحاج " أبو غالى " ...الراجل الصعيدي بتاع عزبة أولاد علام
ـ ايوة عارفينه .. أبو غالي بتاع كمبوديا ....وقال أحد الشباب :ـ
ـ أيوة يا أخي .. الراجل الضخم اللي كان من شهرين واقف فى المؤتمر يهتف بأعلى صوته:
" الله معك .. الله معك ياكيم أيل سونج" ....وأستطرد عبد المنعم خليل :
من شهر تقريبا .. السادات كان هيعقد مؤتمر فى طنطا .. وكان الاتحاد الاشتراكى عامل حشد من جميع المحافظات لإستقبال السادات فى طنطا .. ولما جه الأتوبيس اللي كنا هنسافر فيه لطنطا ..." كنا حوالي 100 فرد " .....لقيت أبو غالي طالع الأتوبيس ومعاه طبنجة محشية بالرصاص !!
قلت له : إيه ده يا حاج ؟ واخد المسدس ده معاك ليه؟
قالي : المسدس مرخص .. ماتخافش ..
-طب واخده ليه معاك ؟!!!!!
ـ الله مش واجب برضه... نحييى السادات وهوه فى الموكب .. أنا أول ما الموكب هيمر من قدامنا .. ها أضرب تلات طلقات فى الهواء .. تحيه للريس ..
ـ تحية !!!!.. أنت عايز تموتنا!!!!!! ..
ـ ليه .. أحنا صعايدة .. وتحية الريس واجبة ..
ـ هات المسدس .. دا أنت أول طلقة هتضربها فى الهواء هتلاقى رشاشات جهنم أنفتحت ع الكل ...... وأخدت منه المسدس وكل الرصاص اللى معاه .. وحطيتهم فى درج المكتب وقفلت عليهم .. وهى الأيام مرت بسرعة .. والمسدس لسه جوه الدرج المصيبة أن جميع مكانتب الاتحاد الاشتراكى أتشمعت من يومين ..
يبقى همه كسروا الدرج .... لقوا المسدس والرصاص.... جم قبضوا على محمد خليل .. بس الدرج بتاعى أنا مش بتاع محمد .. ربنا يستر....مين بقى ها يصدق حكاية أبو غالي ؟....
أكيد بقى المسدس ده هيبقى قصة وحكاية ورواية .. أخذ الجميع يضحكون .. وإختتم أحد الشباب الضحك بقوله :
الله معك يا كيم ايل سونخ ........وأحنا وكمبوديا وفيتنام أبطال ..
عاد محمد خليل بعد أيام .. أيه الحكاية ؟...أكيد طبنجة ابو غالي ؟ ....... قال:
ـ ابدا .. بلاغ كيدى كان متقدم .. بأنى ومجموعة من الناس... كان عندنا قنابل يدوية ورشاشات وبنجهز عملية لإغتيال السادات .....
ـ طب وطبنجة أبو غالي ..
ـ أبو غالى مين ؟
ـ أبو غالي بتاع كمبوديا .
ـ كمبوديا مين؟..
ـ كمبوديا الشرقية .. والجميع يضحك..... وعبد المنعم خليل يوجه نصائحه:
" شوفوا بقى.. السادات هيبع البلد للأمريكان .. هيبيع ...
هيمشى على طريق عبد الناصر بأستيكه .. هيمشى ..
بس مفيش داعى نقول الكلام ده دلوقتى .. الصراع اللى فوق صراع على السلطة . مالناش فيه لاناقة ولاجمل .. وفيه ناس هاتروح ضحايا .. أنا دلوقتى عايزكم تهدوا اللعب شوية .. احنوا الرؤوس .. حتى تهدأ العاصفة" .
لكن العاصفة لم تهدأ .. ووجد الطرابيش انفسهم فى ميدان المعركة .. رغم إنهم كانوا طرابيشا... لكنهم كانوا طرابيشا مقاتلة :
ـ أيوه السادات هيبيع البلد .... أيوه السادات هيصطلح مع اسرائيل....
_ طب والمخابرات اللى كانت معاكم.....؟
_ ملعونة المخابرات......
_ يعنى أنتم تبع مراكز.. القوى؟
ـ أحنا مش تبع أى مراكز.
ـ تبقوا تبع فريد عبد الكريم .
ـ فريد عبد الكريم وعادل آدم ناس شرفاء ومحترمين .........
حقا لقد كانت احداث 15 مايوا 1971 وندوه قهوة السرساوى بداية التحول.
الغريب بين أحداث 1968 ...ورطب نجم وجيفارا
دخل الغريب الجامعة عام 1967 ـ 1968 .. فى كلية الهندسة جامعة القاهرة تاه الغريب بين المبانى والمدرجات فى بداية العام.. وفى فبرايرر 1968 وفى أحد دروس الميكانيكا وصل إلى أسماع الحاضرين فى المدرج صوت الهتافات تدوى بفناء الكلية :
أنور أنور ياسادات .. هيه فين الحريات؟
آل ايه مجلس أمة ..واللى عاملينه همه ..
لاصدقى ولاالغول.... عبد الناصر المسئول.....
عايزين صحافة حرة ....دى العيشة بقت مرة..
عايزين حكومة حرة..... دى العيشة بقت مرة ..
يسقط كل مصرى جبان... يسقط كل مصرى جبان
نصح الاستاذ الطلاب بعدم المشاركة قائلا:ـ
ـ أحنا بتوع علم مالناش دعوة بالسياسة .. لم يتحرك أحد من الطلاب من مقعده ... والهتاف يصل إلى الأسماع : " يسقط كل مصرى جبان "
قال الغريب لنفسه :
" أنا أبن حارة..ولا يمكن ان أكون جبانا "... جمع الغريب كتبه وكراساته وخرج من الباب الخلفى للمدرج وأخذ يهرول فى اتجاه المتظاهرين :
أمام النافورة بمدخل الكلية كان هناك حشد ضخم من الطلاب يتزعمه طالب كلية الهندسة " محمد فريد حسنين ".... وكان يخطب فى الطلاب " الحريات أولا.. والحريات ثانيا .. والحريات ثالثا" ...
" حينما ضاعة الحرية جاءت الهزيمة "....
بعد ذلك وقف أحدعمال مصانع الطائرات بحلوان يروى قصة خروج مظاهرات عمال مصانع الطائرات بحلوان .... وإعتراضهم على الأحكام الصادرة على " المسئولين عند النكسة " ...وكيف تم قمع هذه المظاهرات؟......
بعد ذلك تعالت الهتافات " يحيا الطلبة مع العمال "......
خرج الغريب مع المتظاهرين .. حاول البوليس تفريق المظاهرة عند كوبرى الجامعة .. لكن الطلاب تمكنوامن صده والتقدم على كوبرى الجامعة... والقنابل المسيلة للدموع تتساقط فوق الروؤس...كر....وفر .. ومعارك... وهتافات المتظاهرين تهز شارع القصر العينى .. وتقتحم ميدان التحرير... وتحاصر مبنى الاهرام القديم ...وعند مبنى الأهرام تدور المعركةويتمكن البوليس من تفريق المتظاهرين ..
فى اليوم التالى تم قفل الجامعة ومحاصرتها بقوات الشرطة . وكان هناك عدد كبير من الطلاب داخل كلية الهندسة تمكنوا من الاعتصام بالكلية لمده يومين ..
أبرز الأسماء من قيادات الطلاب فى حركة 1968 كانوا أربعة :
1ـ محمد فريد حسنين جامعة القاهرة
2ـ عبد الحميد حسن جامعة القاهرة
3ـ عاطف الشاطر جامعة الأسكندرية
4ـ تيمور الملوانى جامعة الأسكندرية
ـ الأول والثانى سرعان ماتم احتوائهما من قبل النظام الناصرى وإنضما تحت لواء التنظيم الطليعى ....الأول دخل التنظيم الطليعى ثم قبض عليه فى 15 مايووقضى حكما بالسجن لمدة عامين ضمن مجموعة شعراوى جمعة..... والثانى سار فى مستنقع النظام بعد 15 مايووأصبح فيما بعد وزيرا تم انخراط فى فساد النظام .
ـ الثالث والرابع تم فصلهما من الجامعة وترحيلهما إلى الجيش.." أو بمعنى أصح تم إعتقالهما داخل الجيش مع مجموعة اخرى من الطلاب ".....الثالث خرج من الجيش ليعود مرة أخرى إلى الجامعة.. ولكنه فى السبعينات كان يعملً ضد حركة الطلاب .
ـ الرابع وهو تيمور الملوانى والذى عاد من الجيش للجامعة مناضلا شيوعيا صلبا وعنيدا...لم يهادن ولم ينضوى تحت مظلة أى نظام... وكان راية للإستمرار بين حركة الطلاب 1968 وحركة الطلاب عام 1972.
أيها الغريب ..
حينما أتخذت قرارك بترك المحاضرة والنزول إلى المظاهرة كان ذلك هو يوم ميلادك الحقيقي .. الشجاعة هى نقطة البداية .. كسر حاجز الخوف والترددعند كل إنسان هوميلاد جديد....
لو كنت جباناً وفضلت محاضرة للميكانيكا على مظاهرة للحرية لكان هذا تاريخ وفاتك ..
بأى معنى كنت ستحضر ندوات الدكتور انيس على القهوة لو كنت جباناً .. بأى خطوات كنت ستسير داخل حارتك بعد أن تخاذلت أمام هتاف : يسقط كل مصرى جبان ......
أيهما كان أهم :
إ تزان مجموعة من القوى المستوية فى محاضرات الميكانيكا .. أم إتزان مجتمع بأسره
أيهما كان أهم :
عجلة الجاذبية الأرضية فى محاضرات الميكانيكا ...أم جاذبية عامل من عمال حلوان وهو يتحدث عن مظاهرة عمال مصانع الطائرات ؟
أيهما الغريب.. لماذا لم تهتف حينما هز العامل وجدانك بكلماته .. كان الهتاف بداخلك وعلى لسانك : " دم شهيدنا يقول ع الرملة .. عاش نضال الطبقة العاملة".....
ترددت أيها الغريب .. أحسست أنك ستكون قزماً أمام فريد حسين وأمام عامل حلوان.....
أيها الغريب لم يكن هذا التردد مقبولاً وفى يوم ميلادك .....
لم تخنك شجاعتك داخل المدرج .. إ نما خانتك شجاعتك وترددت فى نطق هذا الشعار الفورى الجميل الذى كان يتجول فوق لسانك .
الجبن لم يكن خوفاً من الاعتقال لأنك سرت فى المظاهرة حتى النهاية ....
ايها الغريب تغلبت على شعورك ب القزمية بعد ذلك فى مظاهرات السبعينات .... فهل تخلصت من هذا الشعور فى المعارك الأخرى ؟
دقق فى البداية جيداً .. دقق فى الجذور ..
بعد مظاهرة فبراير 1968 أدار الغريب ظهره للجامعة... أنغمس فى ندوات الدكتور أنيس والعمل وسط مجموعة شباب الحى وفصائل خدمة الجيهة وفصول التقوية المجانية ... كان شعور الغريب بأن الحى هو جامعته .. وأن العمل فى الحى وسط الفقراء أهم من العمل فى الجامعة وسط المثقفين ..
فى الحى الحس الطبقى والوطنى يتبلور.... أما فى الجامعة هناك شيئا ما مفقودا ..
وفى يوم وحينما كان الغريب يتجول فى الحرم الجامعى....جلس تحت نخلة عالية ...ووجد أمامه وعلى النخلة المجاورة رزمة من الأوراق " حوالى 100 ورقة فولسكاب ".. أخذ يتفحصها فوجدها قصيدة شعر مطبوعة بالأستنسل..... أخذ يقرأ عنوان القصيدة فوجدها " جيفارا مات " كان ذلك تقريب فى أواخر عام 1969.... ذهل الغريب!!!!!
جيفارا الذى تحدث عنه الدكتور أنيس موجود ايضا فى الجامعة ...خبأ الغريب رزمة الأوراق تحت كتبه وسحب نسخة من القصيدة وأخذ يقرأها :
جيفارا مات .. آخر خبر فى الراديوهات
وفى الكنايس .. والجوامع
وع القهاوى .. وفي الحوارى....وفي البارات
جيفارا مات .... وأتمد حبل الدردشة والتعليقات ..
مارأيكم دام عزكم ياأنتيكات
ياغارقانين فى المأكولات والملبوسات
يادافيانين ومولعين الدفيات
يابتوع نضال آخر زمن فى العوامات
جيفارا مات
لاطنطة ولاشنشنة ولا إعلانات
وإستعلامات ..
مات الماضل المثال .. ياميت خسارة ع الرجال
مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات
جسد نضاله بمصرعه ومن سكات
لا طبالين يفرعقوا ولا إعلانات
عينى عليه ساعة القضا من غير رفاقة تودعه
عينى عليه .. عينى عليه
يزعق أنينه يشق الفضاء يصرخ ولامين يسمعه
عينى عليه .. عيني عليه
يمكن صرخ من الألم او لسعة النار فى الحشى
عيني عليه .. عيني عليه
يمكن بكى أو أبتسم او أرتعش أو أنتشى
عيني عليه . عيني عليه
يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع لجل الجياع
يمكن وصية للى حاملين القضية و الصراع
صور كتير ملو الخيال وألف مليون إحتمال
لكن أكيد .. أكيد .. بلا جدال
جيفارا مات موتة رجال
ياشغالين يا محرومين يا مسلسلين رجلين وراس
خلاص خلاص مالكوش خلاص
غير بالقنابل والرصاص
دا منطق العصر السعيد
عصر الزنوج والأمريكان
والكلمة للنار والحديد
والعدل أخرس أو جبان
صرخة جيفارا يا عبيد
فى أى موطن .. أو مكان
مفيش بديل .. مفيش مناص
ياتجهزوا جيش الخلاص
ياتقولوا ع العالم خلاص
أحمد فؤاد نجم
وكانت جيفارا مات هى أو ل منشور ثورى يقرأه الغريب فى الجامعة
من هو أحمد فؤاد نجم ؟ ومن الذى ترك هذه الأوراق تحت النخلة ؟
اسئلة لم يجد الغريب لها إجابة!!!!!!!!!......
ما أجمل هذه القصيدة المنشور....إنها قد طبعت لكي توزع .. لا لكي تلقى تحت هذه النخلة ..
أكيد هناك ظروف إضطرت من طبعها لأن يلقيها هنا تحت النخلة....فكر الغريب قليلا وقال لنفسه :
طالما هذه القصيدة طبعت لكى توزع .. فلماذا لا أقوم بتوزيعها على الطلاب ؟
فكرة جميلة بس ياترى مين أحمد فؤاد نجم؟ ...مش مهم .. المهم توزيع القصيدة ..
اخذ الغريب رزمة الأوراق بين كتبه وذهب إلى كلية الهندسة .. ودخل إلى المدرج وقبل أن تبدأ المحاضرة ...قام بتوزيع رزمة الأوراق على الطلاب... أخذ يقلبها الطلاب لبضع دقائق ثم أ لقيت القصيدة فوق المدرجات .. وتحت الأقدام .. وبدأت المحاضرة .
حزن الغريب على هؤلاء الطلاب ...مساكين فهم لم يحضروا ندوات الدكتور أنيس....
وأكيد ما يعرفوش حاجة عن جيفارا .
خرج الغريب من وسط المحاضرة ومن الباب الخلفى... خرج حزينا يجر أقدامه .. لكن فى هذه المرة لم يخرج إلى مظاهرة كالمرة السابقة..... خرج يأسا من الطلاب ومن كلية الهندسة.... ذاهبا إلى حيه مدرسته الحقيقية ...
الشئ المفقود داخل الجامعة وجده الغريب تحت نخلة... وقصيدة يجهل أسم صاحبها ......
أحمد فؤاد نجم هل هو طالب بالجامعة ؟!
عرف الغريب جيفارا .. لكنه لم يعرف نجم ...كلما مر الغريب أمام النخلة بالحرم الجامعي .. يدقق اسفلها لعله يجد رزمة ثانية !!!
"أيتها النخلة العالية الغالية ..هزى بجذعك... الغريب جائع... يشتاق لرطبك الجنى...رطب نجم وجيفارا"..........
الحلقة القادمة : الخلقة السادسة : المهزلة الارضية و جمهورية فرفوريا العظمى
***
الحلقة السادسة
المهزلة الأرضية وجمهورية فرفوريا العظمى
أرفف المكتب خاوية إلا من عدة كتب فى المسرح... كان أخي " فاروق " يشتريها بإنتظام ,,وكان فاروق " أبى الثالث" قارئ وعاشق فى الأدب والمسرح .. بل ومؤلف شعارات وقصص.....
فى ليلة من الليالى:
كان اللقاء " بمحمد الثالث" .... و" فروفور "...
فى كتاب ضم مسرحيتي " المهزلة الأرضية "... و"الفرافيز "... للراحل العظيم يوسف أدريس .. كنز حصل عليه الغريب داخل المكتبة.... وكانت أجمل ليالي العشق ومتعة القراءة ....
أضاف الغريب محمد التالت... إلى جوار جيفارا.... ونجم الغير معروف الهوية....
محمد التالت المثقف العاشق للمعرفة والعدالة.....المثقف الضائع بين الحلم بالمستقبل ومهزلة الواقع المعاش.... محمد التالت الممزق بين الرومانسية الإ نسانية وبين الكذب والنفاق من حوله.... المثقف العاقل جداً لدرجة أن الناس فاهمة أنه مجنون .. أو المثقف المجنون جدا لدرجة أنه فاهم أنه عاقل .
محمد التالت عاش ومازال يعيش معى حتى الآن ..
أيها الغريبً:
دع محمد التالت يتكلم عن نفسه بدلا من أن تتكلم أنت عنه .. أيها الغريب دعه يتكلم لأنه عندما يتكلم سوف يتحدث عنك وانت تعيش فى مستنقع الغربة.... محمد التالت مازال حيا ويتكلم :
أصوات كتير بتحرضني وتنادينى وتقولي :
يا محمد ياتالت ياخايب يا مثقف يا فاشل... يابو رسالة .. يابوريالة...طظ فيك يا خواف........ يا إنتهازى .. أتلهي وعيش زى التنبل.
الشمس ....قد أيه الشمس تعبانى.... كل يوم أقول يارب ما تطلعش النهاردة....أبص ألاقيها فى الميعاد بالضبط راحت طالعة..... وهى تطلع من هنا والكذب يشتغل والسرقة والظلم والبوليس والنيابة والمحاكم وتتفتح السجون... كله يجرى ورا بعضه.. يجرى قدام بعض... واللى ما يطلش يتشنكل... والجايزة ايه ؟ .....لقمة... وعشانها يتخربش وهدومه تنتتقطع.....
بأخاف م النمل....عمرك شفت نملة واقفة....بأخاف أتقلب نملة :
تصور لما الواحد مخه ده يطير.. وإحساسه ينتهى....وعواطفه تنمحى... ويبقى كل شغلته أنه يفضل ماشى طول الصيف يخزن أكل للشتا...وطول الشتا يحفر ويخزن أكل .. ويحفر ويحفر...
أمبارح كان السبت.. والنهاردة السبت... وبكره السبت.....الزمن مش مقياس للتغير....
طول ما مفيش تغيير يبقى مافيش زمن .....
الأحد مش هاييجى إلا لما نحس أن النهاردة أختلف عن أمبارح... لما نحس أن الحياة اتحركت بينا خطوة لقدام.... لما نشوف أن ظلم النهاردة أقل من ظلم أمبارح...وعدالة النهاردة أكتر من عدالة أمبارح... لما نحس أننا طلعنا درجة أو عقلنا همسة أو أترقينا سنة....
أنا يا مثقف خيبتى كبيرة قوى.... شاملة بعدد كل حرف أتعلمته.... وكل قانون من قوانين الكون عرفته.... وكل سطر من كل كتاب أطلعت عليه....
هربت ساعة الجد... هربت من دورى ومنكم....فى وسط المعركة بدل ما أضرب فريت واستخبيت جوه نفسى... المصيبة أنى ماليش قضية حتى ولو خسرانة....حتى لو قضية باطل ..
أنا جريمتى كبيرة قوى:
أنا العين اللى الحياة.. قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها... فلما عملتها ... أختارت إانها تغمض.....وإذا فتحت تدعى أنها مش شايفة... وإذا شافت تدعى إنها موش عارفة... وإذا عرفت تشك فى اللى بتعرفه....
أنا اللى حاطط الكلمة فوق الإنسان.... والقانون فوق الحياة......
أنا اللى مش عاجبه حد....والنتيجة أنى مش عاجب حد... أنا اللى من كتر لومى لنفسى أدمنت الغلط... ومن كتر ماأ نا عايز أعمل حاجات كتير... ما بأعملش حاجة خالص...ومن شدة تصميمى عايش متردد .........
الحريقة زدات بين الأرض الكبيرة والناس الصغار... بين الحاكم والمحكومين... بين الظالمين والمظلومين.... بين الظالمين لأنهم مظاليم... والخايفيين من ناس خايفيين... بين العلم والدجل... بين الحقيقة والكدب ..........
الكدب عينى عينك.. وفى وشك و بالبنط العريض... وياويلك لو قلت تلت الثلاثة كام ؟....
هيه دى المهزلة الأرضية......
أنا مأساتى أنى لاقادر أغير الناس..... ولا أرضى أن همه يغيرونى.... أنا مش عارف أغمض ....لا أنا عارف أرضى ضميرى ولا قادر أسكته وأرشيه.....
لا أنا شجاع علشان أقدر أنتحر ولا أنا جبان علشان أقدرأعيش....
لا أنا شمتان فيكم... ولا عايزكم تشمتوا فيَِ....
لا أعايركم بخيبتكم ...... ولا تعايرونى بقصر ديلى .
لا أدرى لمن أتوجه باللشكر:.... ليوسف ادريس خالق شخصية محمد التالت فى المهزلة الارضية....أم أتوجه لأخى فاروق الذى وجدت فى مكتبته " محمد التالت " المثقف المهزوم الذى عشقته وحفظت كل كلماته فى المهزلة الأرضية.......
أنقطعت عن الكلية وعشت مع محمدالتالت... حتى بكت امى وقالت لى :
أنا عارفة محدش لخبطك وهز كيانك غير كتاب " الهزة الأرضية ".....
ما بتذاكرش....وطول الليل عمال تقرأ فى الكتاب...أنا ما بأعرفش أقرأ....بس خدت الكتاب وانت نايم... وريته لأختك فاطمة... وقالت لى دا كتاب " الهزة الأرضية "..... يا ابنى ذاكر دا أحنا غلابة .
جيفارا ومحمد التالت أصدقاء رحلتى ......
أما فرفور الحدق الذكى الساخر.. المضحك والمهرج والحكيم والفيلسوف... فروفورأبن البلد.... الباحث عن حل لمسألة السيد والفرفور حان الوقت الآن لكى يقدم نفسه :
السيد يبحث عن وظيفة ....فهل توجد وظائف خالية؟
السيد : ولد يا فرفور ياولد .. أنا باشتغل أيه يافرفور؟
فروفور: بتشتغل سيدى عايز اكتر من كده ايه ..
السيد: لا .. لا .. مادمت سيد لازم يكون لى شغلة .. نقيلى شغلة محترمة قوى حاجة كده مودرن خالص .
فرفور : تشتغل رأسمالية وطنية ؟
السيد: مفيش حاجة احسن ؟
فرفور : فيه .. تشتغل مثقف ؟
السيد : وبيعملوا ايه المثقفين دول عندكم ؟
فرفور : ما بيعملوش حاجة .
السيد: طب وغيره فيه أيه كمان ؟
فرفور : تشتغل فنان؟
السيد : فنان أيه ! أعمل أيه ؟
فرفور : فنان من غير فن ..
السيد : وهو فيه فى الدنيا فنان من غير فن ؟
فرفور : يوه .. عندنا منهم كتير
السيد: لا أنا أفضل اشتغل وكيل نيابه
فرفور : الراجل اللى بيعادى الناس ده لله ف لله
السيد : مافيش يا ابنى شغلانة عندك الواحد ياكل منها عيش بعرق جبينه ؟
فرفور: فيه .. أشتغل حرامى .. وتحب بقى تبقى حرامى كبير واللامتوسط واللا حرامى صغير على قد حاله ؟
السيد : حرامى كبير طبعا ياولد .. وده عايزه كلام يافرفور
فرفور : خلاص يبقى أشتغل فى التصدير والإستيراد والمقاولات
السيد: والحرامى المتوسط ؟ فرفور : أبقى افتح لك جميعةإسكان تعاوينة وألا بوتيك
السيد: طب والحرامى الصغير يا ولد ؟
فرفور : ده الغلبان بقى .. اللى بينشل محفظة وتطلع فاضية
السيد : يبقى خلاص أشتغل مخبر .
فرفور : ايوه مخبر .. الراجل اللى بتبقى كل الناس عارفه انه مخبر وهوه الوحيد اللى مش عارف ..
السيد : خلاص بقى يبقى أشتغل تربى
فرفور : اعرف حد جه يتولد مات
السيد : مسكين مالحقش يعيش
فرفور : قصدك ما لحقش يموت
السيد : قصدى يعيش يا ولد
فرفور : ودى عيشة اللى الناس تعيشها عشان تموت ؟
اضراب فرفورعن لعمل وجمهورية فرفوريا العظمى:
فرفور : متى استعبدتم الناس يا دادى ... وقد ولدتهم ما ماتهم أحراراً؟
......أنا مضرب عن العمل...... علشان الراجل ده عايز يشغلنى عنده فرفورعلى طول
عايزين نقلبها .. ليه افضل فرفورعلى طول..... عايزين العبيد يبقوا أسياد.....
عايزيين جمهورية فرفوريا العظمى ......
الصراع .. صراع قديم منذ الأزل... مين يبقى سيد؟ ومين يبقى فرفور ؟
وأنت سيد ليه ؟ وأنا فرفور ليه؟
الخناقة شغالة مستمرة عمرها ماوقفت ثانية... لازم الجاموسة تفضل دايرة فى الساقية .. وعشان تدور لازم يغموها... وأكل العيش هوه الغما بتاع الفرافير.... طول ماهو ورانا .. لا حانشوف نفسينا... ولا حانعرف أحنا بنلف ليه عندهم؟؟؟؟؟؟؟
الحل أيه ؟........ الحل مش صعب....... الحل مستحيل
ياعالم .. يافرافير... ألحقوا اخوكم فرفور..... أنا صوتى أبتدى يتحاش.... شوفوا لنا حل
حل ياهوه .....أنا فى عرضكم..... حل مش عشانى انا...... حل عشانكم أنتم ...أنا بأمثل بس... إنما أنتوا اللى بتلفوا .......
ومازال فرفور مربوطا ويدور فىالساقية ....ومازال ظلم اليوم أشد من ظلم الأمس..... ومازال العدل نائما....... ومازال محمد التالت يعيش فى رحاب المهزلة الأرضية .....
وجمهورية فرفوريا العظمى تعيش تحت مقصلةالطغيان
يناير 1972 و رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تانى
فى صيف عام 1971 تحرك عمال الحديد والصلب من أجل مطالب اقتصادية تخص عمال المصنع ....وتم قمع اضراب العمال وإعتقال قياداتهم ثم تشريدهم بعد الإعتقال لمصانع اخرى....
كانت الجامعة مغلقة, والسادات فى رحلة خارج البلاد ,وحينماجاء صرح على صفحات الجرائد :
" لو كنت فى مصر وقت الاضراب .. كان لى تصرف تانى مع هذا الاضراب "
بالطبع كان يقصد تصرف اشد قوة !!!!!
فالديمقراطية كانت عنده لها أنياب!!!!!..........أنياب المقصلة...
حينما فتحت الجامعة وفى بداية العام الدراسى..كانت هناك عدة أحداث تؤثر فى حركة الطلاب وتعكس نفسها على مجلات الحائط المنتشرة فى أرجاء الجامعة مثل :
حريق دار الأوبرا بالعتبة " تقريبا فى أواخر عام 1971.....
إغتيال " وصف التل " رئيس وزراء الاردن بالقاهرة.....
وفى كلية الهندسة جامعة القاهرة .. كان نشاط جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بالكلية نشاطا واسعا ومتنوعا....بين مجلات الحائط ..والمعارض.. والندوات .. والجماعة تضم أعدادا واسعة من الطلاب... وكان القارئيين لمجلات الحائط بالآلاف... وحلقات النقاش ساخنة دائما أامام مجلات الحائط...... الغريب كان يحوم حول الجماعة ليتعرف على بعضهم...لكن جذور الثقة لم تتوطد بعد.... الطلاب المعاديون للجماعة يقولون لأعضاء الجامعة اثناء حلقات النقاش:
انتم شيوعيون .. ماركسيون
اعضاء الجماعة لا يؤكدون ذلك.....أيضا النفى غيروارد ... كتل من الطلاب تؤيد أفكار جماعة أنصار الثورة الفلسطينية... وكتل تعارض.. والنقاشات ساخنة دائما أمام مجلات الحائط التي تتنوع بمقالات نظرية مطولة.. ومقالات سياسية سريعة تعلق على الأحداث الجارية....ومجلات كاريكاتيرية....وأشعار...وكانت المجلات الحائطية مجاورة لمجلات الجماعة الدينية.....
فناء الكلية به أكثر من خمسين مجلة حائط ... مجلات يقف عليها أفراد قليلون ... مجلات تعج بالزحام الشديد........
" القرع ـ بلدى ـ الأرض ـ ياسين ـ بهية ـ الكوسة ـ الإعتصام ـ .. الخ "
الكل يحرر ويكتب.. مجلة يصدرها فرد واحد...مجلة يصدرها مجموعة افراد... ومجلة تعبر عن لسان جماعة أوأسرة.....ولا رقيب على أحد....وتحرير المجلة لا يحتاج اكثر من فرخ ورق ولوحة خشبية وحامل وعلبة ألوان فولماستر وعدة دبابيس مكتب..... أجهزة الأمن تمزق بعض المقالات او المجلات فى المساء ...يعاد نسخ المقالات الممزقة فى الصباح على الكافتيريا من قبل أصحابها..... كل الأفكار تتصارع.... ومع الصراع تتفتح الزهور.....فى الربع ساعة " فترة الراحة بين المحاضرتين " يتجمع حول المجلات مايزيد عن ألف طالب .. اثناء المحاضرات يكون العدد بالمئات " حين يحتدم النقاش ".... وفى بعض الأحيان يكون بالعشرات " فى الأحوال الهادئة "
....حتى الخامسة مساءً لا تخف الأقدام من أمام مجلات الحائط.
حركة الطلاب عام 1968 ، 1969 كانت حركة فوران سريع وخروج سريع إلى الشارع وأيضا قمع سريع .....واحتواء سريع لمعظم قيادات الطلاب من قبل النظام .....
أما حركة الطلاب فى السبعينات فإن أهم مايميزها هو التراكم والتدرج.....
كانت مجلات الحائط وحلقات النقاش وإتساع تشكيل الأسر والجماعات الطلابية هى المنابع الحقيقيةللتراكم وترسيخ الأفكار وبلورة المطالب وتمايز الاتجاهات.....
فى السبعينات سيجد المرء نفسه أمام العديد من الأسر والجماعات بالجامعة على سبيل المثال:
جماعة انصر الثورة الفلسطينية / جماعة جواد حسنى " بهندسة القاهرة"
أسرة مصر " كلية آداب القاهرة
جماعة الدراسات الاشتراكية " كلية حقوق القاهرة
جماعة عبد الحكم الجراحى " كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة "
جماعة عبد المجيد مرسى " زراعة القاهرة "
نادى الفكر الاشتراكى / نادى الفكر الناصرى " جامعة القاهرة
كانت هذه الأسر والجماعات أدوات تفريخ للقيادات الطلابية ومنظمات سياسية جماهيرية حقيقية للحركة وسط الطلاب...وكانت مجلات الحائط موجودة فى جميع جامعات وكليات مصرالمحروسة...مجلات يحررها شباب حين بدء مشوار نضجه ووعيه وتفتحت عيناه على الدنيا كان أول مشهد امام عينه هو :"
هزيمة يونيو 1967....." صناعة كبرى مزارع خضرة تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية!!!!!!!!!والبون شاسع ما بين الحلم والواقع......و سيد مرعى أمينا للإتحادالإشتراكى العربى!!!!!!!! وإشتراكية تبنى بقياة سيد مرعى!!!!!!!ا
الحلقة القادمة : الحلقة السابعة : اعتصام كلية الهندسة جامعة القاهرة
***
سيرة ذاتية من خلال الأحداث
أكتب عن موطنى الأصلى.... عن حى الدقى القديم (دايرالناحية).
عن حارة سيدى الأربعين...... أكتب عن شلوفة وأحمد غريب وبحبح وشاكر وسمير ومحروس بدر وغيرهم.
وأتحدث عن الدكتور محمد أنيس (أستاذ التاريخ) ذلك القمر الذى غاب عن عالمنا ...... ذلك الرجل الذى علمنا السياسة بأجمل صورها وأرقى معانيها .
أكتب عن نسيج شعبى متكامل وتجربة عمل سياسى أستمرت بين أعوام (1969-1980)
تجربة بين الحى والجامعة... بين الوعى والممارسة... بين السياسة والتنظيم...
تعالوا نشوف ما حدث لأولاد الحارة
الحلقة الاولى
البدايـــــة
فى زنزانة من زنازين سجن القناطر (عام 1973)
كان أخى العزيز الشاعر و المناضل محمد سيف..... يهز جدران الزنزانة بصوته الرقيق:
فى الحاره دى... إن مات راجل... يتهد بيت ...
يتعودوا الأطفال م الصغر الشقا... يتعودوا...
يتعودوا يقفوا قدام بيبان الورش يستجدوا ...
يتعودوا يجروا قصاد المخبرين...
ويخافوا إن مروا قدام الأقسـام .....
سعدية.. لازالت حوريه.. وأنت فين رايح؟!!! ..
سعدية مين بعدك .. راح يعول بيتها..,,,,,,
فى عام 1969 , وفى حارة النبايعة بحى داير الناحية بالدقى:
وفى حجرة صغيرة لاتتعدى مساحتها 2×3م .....
وقف الأطفال الثلاثة ( والذى لايتعدى عمر أكبرهم ستة سنوات) يلفون ويدورون حول جثة أبيهم البالغ من العمر حوالى خمسين عاما !!
لم يدرك الأطفال الثلاثة أن أبيهم قد مات ... ولم يكن هؤلاء الأطفال يعرفون :
ما معنى الموت ؟ وأى مصير ينتظرهم ؟!!!!
وقفوا ببراءة الأطفال يهزون فى جثة أبيهم كى يستيقظ من النوم !!
ما الأم فكانت قد رحلت إلى العالم الأخر منذ أعوام... فلم تكن هناك سعدية الحورية الباكية خلف النعش تشكو المأساة والرحيل،ولم يكن الأطفال يعرفون معنى كلمات الشاعر(محمد سيف):
فى الحارة دى أن مات راجل يتهد بيت.
فما بالك, وإن كان الأب والأم قد رحلوا .. فأى خراب سيحل بهذا البيت ؟!...؟؟؟
وهؤلاء الأطفال الثلاثة (( براعم الفقر والموت لن يستطيعوا حتى أن يقفوا أمام بيبان الورش يستجدوا )).
مع هذا المشهد المأسوي تجمع شباب الحى ... لا يدرون ماذا يفعلون ؟
أشار عليهم أحد عواجيز الحى بأن يقوموا بعدل جثمان الرجل حتى يكون فى مواجهة القبلة (إتجاه الصلاة)...حاولوا عدل الجثمان فى الاتجاه المراد ففشلوا.... حاولوا ثانية ففشلوا...... وتكررت المحاولة والفشل لأن مساحة الغرفة والكراكيب بداخلها لاتسـمح بأى إمكانية للحـركة ...
الفقر لا يرحم المواطن حتى بعد موته .. وأه يا فقراء وطنى.
قام الشباب بجمع قروشهم القليلة.. وقروش أبناء الحى الفقير... واشتروا كفنا رخيصا للرجل....
ودفنوه فى الصباح ... وأقاموا له مراسم العزاء فى المساء فى( حدود ما تسمح به الإمكانيات)....
وحرصوا على إنفاق أقل ما يمكن فى الدفن وفى مراسم العزاء لادخار أكبر مبلغ ممكن للأطفال الثلاثة ...
قد يكون الدافع الأنسانى التلقائى هو الذى حرك هؤلاء الشباب بشكل أساسى......قد يكون الدافع الدينى من أجل إكتساب( حسنة ) تتضاعف بعشرة أمثالها وتقربهم إلى الله وتجعل لهم موطء قدم فى الجنة......قد يكون الدافع السياسى هو المحرك من أجل إكتساب جماهيرية بالحى وقد يكون الدافع دافعا تضامنيا ...( تضامن الفقراء مع بعضهم من أجل مواجهة كارثة الموت)
فى ذلك الوقت .. وذلك التاريخ ... لم يكن الدافع محددا... بل كان خليطا من كل ذلك .... ولم تكن المجموعة متجانسة:
بعضهم تحرك بالدافع الإنسانى .. والبعض بالدافع الدينى.. والبعض بالدافع السياسى .. والبعض بالدافع التضامنى.... لكن الشئ المؤكد هو أن ذلك الحدث كان نقطة البداية لهذه المجموعة ..
بداية الإحساس بأهمية العمل الجماعى .. بداية أكتشاف المحيط الأجتماعى ..
ونظرا لأن هذه المجموعة (فى بدايتها) لم تكن مجموعة ذات هوية سياسية محددة ، ولم تكن ذات ميول ثقافية وفكرية .....
المجموعة هذه :كانت مجموعة من المتعلمين لأبناء حى شعبى فقير يحاط بأحياء الأغنياء ( المساحة- العجوزة- المهندسين – نادى الصيد- الزمالك)... أحياء (ولاد الذوات) كما كنا نسميهم.....
فكان من الطبيعى أن يكون العمل الإجتماعى هو نقطة البداية ونقطة الأنطلاق ... وكان من الطبيعى أن تولد وتخلق بيئة الحى الفقير المحاطة بأحياء الأغنياء حسا طبقيا لدى هؤلاء الشباب...حسا فطريا ينمو ويتغذى بالتناقض الطبقى الصارخ بين أحياء الفقراء وأحياء الأغنياء.
ومع الفقر والبؤس تنمو الكوميديا:
شلوفة بأس من بؤساء حينا...يسكن عشة من الصفيح هووزوجته وأربعة أطفال...المهنة:سمكرى لبواجير الجاز....والرزق علي الله ..يرتبط بعدد باجير الجازالعاطبة بالحي..الإقامة:عشة على الحدود المتاخمة لعمارات الأؤقاف العالية بشارع الدقي.
وفي يوم ما...أشتري أحد الموظفين الكباروالذي يسكن بعمارة الأوقاف ديكا روميا ووضعه بالبلكونة ليذبحه فى الصباح... وفى الفجر طار الديك الرومى ( ديك الأغنياء) من العمارة العالية فوق عشة شلوفة .. ولما استيقظ شلوفة على أثر ارتطام الديك بسقف العشة لإستطلاع الأمر ...
وجد شلوفة ديكا روميا فخيما هبط عليه من السماء .. هبط عليه من أحياء الأغنياء .. لم يترك شلوفة الفرصة تضيع منه .. وعلى الفور أحضر السكين وذبح الديك ... وظل لمدة ثلاثة أيام متواصلة يأكل هو وأطفاله وزوجته فى ديك الأغنياء الهابط من السماء....
وفى مغرب اليوم الرابع:
رأى الجالسين على المقهى فى الحى... والمجاور لعشة شلوفة ... موظفا متأنقا.... غريبا عن الحى يسأل عن ديكا روميا فقده منذ ثلاثة أيام،و فى هذه اللحظات كان شلوفة صامتا لايتكلم.. حتى وخزه ضميره فقال للرجل: أستنى يا سعادة البيه .... وأختفى داخل العشة ثم عاد حاملا مخدة تم حياكتها بعنايعة فائقة ... واستطرد شلوفة قائلا:
ـ المخدة دى يابية من حقك ... أصل أنا من يومين لقيت الديك الرومى... ولفيت الحى كله أسأل عن صاحبه... . ومالقيتش حد... فدبحته وأكلته أنا والأولاد...
فنظر الموظف إلى شلوفة بغيظ شديد ثم أخذ يقلب المخدة بين يديه وتسأل :
ـ طب إيه علاقة المخدة بالديك الرومى....... وهنا أجاب شلوفة بطلاقة شديدة:
ـ أصل أنا يابيه أخدت ريش الديك وعملت منه المخدة دهيه ... ومادام الديك ظهر له صاحب تبقى المخدة دى من
حقك... خد يابيه المخدة ... أنا ما أقبلش حاجه حرام على عيالى.............. .
وهنا ضج الجميع بالضحك بما فيهم صاحب الديك نفسه ,والذى خرج من الحى مغتاظا.... يجر وراءه أذيال الفشل فى العثور على الديك !!!
فالكوميديا قد حلت التناقض الطبقى لصالح شلوفة....... حتى المخدة أخذت تتطاير وسط صيحات وضحكات الحاضرين .. وتتلقفها الأيادى تم تهاوت إلى داخل العشه...... ( فالمخدة لمن يصنعها).
وظلت قصة شلوفة مع المخدة والديك..تنتقل من حارة إلى حارة ، ومن عطفة إلى عطفة،ومن قهوة إلى قهوة.. وأصبح الديك والمخدة وشلوفة قصة الحى لأسابيع طويلة ..
لم يقل أحدا فى الحى أن شلوفة لصا.... لأنهم كانوا يعرفون مدى حالة البؤس التى يحياها .. الجميع تعاطف مع شلوفة .. أما الموظف فقالوا (ربنا يعوض عليه والله رجل طيب) .. أما شلوفة فقد ظل لعدة أيام فى حالة حذر شديد ويتوقع قدوم الشرطة للقبض عليه .
كانت تلك القصة السابقة هو نموذج لكوميديا الأحياء المتجاورة والمتناقضة .. كوميديا تجاور البؤس والثراء .
أما تراجيديا البؤس فكانت لها قصصها الممتدة داخل الحى .. وآه من البؤس حين يفتك بالفقراء:
فقد كانت المجارى والصرف الصحى بالحى تسير فى الشارع الدائرى الرئيسى الذى يحتضن الحى ,
أما الحواري والأزقة الجانبية فكانت بلا صرف صحى ، كان ميسورى الحال نسبيا فى هذه الحوراى يقومون بعمل ترنش (خزان أرضى) أمام المنزل تتجمع فيه مياه الصرف، و تأتى عربة كارو مجهزة بخزان لتكسح مياه الترنش كل شهرين أو ثلاثة....
ولاأدرى لماذا كنا فى أيام الطفولة نسير ببهجة شديدة وسعادة غامرة وراء هذه العربة كلما جائت لتؤدى مهمتها هاتفين :
(عربية الخره جت جت ..عربية الخره جت جت)... يبدو إننا كأطفال كنا نحتفل ببؤسنا!!!!... (وقفة أحتجاجية!!!)...
أما أصحاب المنازل الغير قادرون على تكاليف إقامة " الترنش" وتكاليف نزحه .. فكانوا يخزنون مياه الصرف الصحى فى براميل بالدور الأرضى ,وتقوم سيدات المنزل بتعبئة هذه البراميل فى صفائح, ويسرن مسافات طويلة لإلقائها فى بلاعة خارج الحى ..!!!!!!
الترنشات...وعربات كسح المجارى... وصفائح المياه القذرة فوق رؤوس سيدات وبنات الحى....
كانت جميعا مظاهر للبؤس فى حينا ....
"" فأين التراجيديا؟ "..
تجلت تراجيديا البؤس فى حارتنا (حارة سيدى الأربعين) مرتان ...مرة مع الإنسان ..و مرة مع الحيوان ...
أما تراجيديا الإنسان:
فكانت مع طفل لا يتعدى عمره العاشرة ، والطفل هو أبن ( أم معوض)... وأم معوض هى زوجة (على بائع الكرات والجرجيربالحى)...
كان الطفل يمرح ويلعب فى الحارة الضيقة ، وفجأة سقط فى أحد الترنشات التى يتم كسحها!!! أى موت ؟! واى إغتيال للطفولة داخل هذا الحى !!!
بشاعة الموت وجثة الطفل الملطخة بالأوحال ,وبكاء وعويل الأم, ورؤوس الشباب والرجال المنكسة فى الأرض والأوحال .. والخوف فى عيون الأمهات من المصير الذى ينتظر أطفالهم:
كل ذلك كان يعبر عن تراجيديا قاسية مع الإنسان... وللأسف الشديد ..
لم تكن تلك التراجيديا فوق شاشة السينما أو خشبة المسرح , وإنما كانت فوق تراب حارة سيدى الأربعين..
أما التراجيديا الثانية فوق تراب الحارة فكانت مع (إبراهيم) وإبراهيم لم يكن إنسانا...
إبراهيم حيوان ..إبراهيم هو حمار المواطن(أحمد حَمْد ) صاحب العقار رقم (17) بحارة سيدى الأربعين ....
... كان إبراهيم هو الساعد الأيمن لأحمد حمد ،والذى يجر له عربته الكارو ومصدر رزق أطفاله ...
كان إبراهيم لايقل أهمية عن أى طفل من أطفال أحمد حًمد:
سقط إبراهيم أيضا فى احد الترنشات أثناء كسحها .. لقى نفس المصير.. فى قاع البؤس....
لافرق بين الأطفال والحمير...( فكل نفس ذائقة الموت ولو بعد حين)...
وكانت محاولة إنقاذ إبراهيم من قبل رجال ونساء الحى معركة حربية... لم يكن ينقصها سوى كاميرا "صلاح أبو سيف" مخرج الواقعية المصرية ...
معركة بدأت بصراخ أحمد حًمد ... وأنتهت بإستشهاد إبراهيم ...الذى ودعه أحد شباب الحى بقوله:
إلى جنه الخلد يا إبراهيم .
وإذا عدنا إلى مجموعة الشباب يالحى والتى كانت من طلاب الجامعة والمدارس الثانوى والحرفيين،والتى عاشت وعايشت منذ الطفولة أحداث كوميديا التناقض بين الأغنياء والفقراء و تراجيديا البؤس( والتى يحتاج قصها وسردها إلى مجلدات كاملة)،
.... كان من الطبيعى أن يكون العمل الأجتماعى هو نقطة البداية والإنطلاق لها.... .وكان من الطبيعى أيضا أن يكون الحس الطبقى المنحاز للفقراء هو المحرك الأول والأساسي وراء هذا التجمع الشبابى...
حسا طبقيا لايرتكز على الوعى الطبقى .. حسا طبقيا كان يفتقدالوعى و الهوية السياسية ....
وحسا وطنيا كان يهز وجدان وضمير كل مواطن فى هذا البلد بعد هزيمة1967 ..
فشباب هذا الحى الشعبى...لم تكن مرارة الهزيمة فقط هى مصدر حسه الوطنى...بل كانت أيضا دماء شهدائه: (محمد سيد، احمدعطية ,سعيد محمدى ... الخ) رفاق الطفولة .. ورفاق القهوة..ورفاق الحارة الواحدة..ورفاق البؤس هي مصدر إلهامه... لأنها كانت دماء تمزج الحس الطبقى بالحس الوطنى.
وكان نصف شباب الحى تقريبا مقاتلين على الجبهة فى حرب الأستنزاف .
(دعيت إلى القتال ... وأنا الذى لم أذق... طعم الضـــأن من قبل... دعيت إلى القتال ... ولم أدعى إلى المجالسة).............. ( رحمك الله يا أمل يادنقل يامن تحس بوجيعة الفقراء).....
محمد سيد إبراهيم :
------------
شهيد سيناء عام 1967 ... تعلم حتى الأبتدائية ثم خرج لميدان العمل المأجور .. كان الساعد الأيمن لأبيه فى إعالة جيش جرار من الأطفال......
أخر مشهد رآه فيه أبناء حيه .. كان جثة مشوهة بالنابلم فى صحراء سيناء .
النقيب أحمد عطية :
------------
شهيد حينا فى حرب الأستنزاف... . كانت الفرحة تملأنا داخل الحى بعد تخرجه من الكلية الحربية.....
كان أول شاب فى داير الناحية يتخرج من الكلية الحربية .... حتى بعد تخرجه كان يلعب معنا الكرة الشراب بجوار مدرسة المدينة الجامعية.... كان قلبه أطيب من الطيابة.... لم يكن بشخصيته أى إستعلاء أوغرور الضباط ... كان فخورا دائما بأنه أبن داير الناحية..... كما كنا فخورين به جميعا.....كنا نودعه على قهوة السرساوى فى نهاية كل أجازة .. أستقبلنا نبأ أستشهاده على الجبهة بحزن شديد... لقد فقد الحى أول ضابط يخرج من بين صفوفه.
سعيد محمدى:
---------
شهيد حينا فى حرب أكتوبر عام 1973 ... أبن حارة الرياينة .. خريج معهد التربية الرياضية...
كان يضحك دائما ويهرج بشدة .. وحينما كنا نطلب منه أن يكف عن التهريج كان يقول:
( أصل أنا بهرج مخدرات)...
كان لديه جملة واحدة يغازل بها كل فتاة يعجب بها:
(( إيه ده.. اللى أعرفه أن الملايكه بتبقى فى السماء.. إيه اللى نزل سيادتك على الأرض))
.. سعيد محمدى أول من قام بعمل ترابيزة "بنج بونج" لشباب الحى بدءاَ من أعمار النجارة لأعمال المعجون لأعمال الدهانات .. صممها وصنعها بيديه... كان نجارا وسباكا ونقاشا ماهرا .. علاوة على كونه طالب بمعهد التربية الرياضية....
أستشهد بدانة تفريغ هواء فى حرب أكتوبر.... وحينما ذهب أبن حينا "سمير الشربينى" لاستلام جثة سعيد مع والده....... كان الجثمان سليما تماما وقال لنا سمير:
لم يخلو وجه سعيد إلا من الابتسامة المشرقة.
محمد سيد , وأحمد عطية , وسعيد محمدى وغيرهم كانوا ومازالوا جروح تدمى القلب ..
نضع رؤوسنا فى الأرض كلما شاهدنا أخ أو أخت أو أب لهم.....و منذ عام 1967 وحتى عام 1973 لم يكن هناك بيتا واحدا من بيوت حينا....( شأن كل أحياء وقرى الفقراء).. يخلو من مقاتل على الجبهة .. يأتى كل شهر فى أجازة قصيرة .. نستقبله إستقبال الإبطال .. وتودعه أمه بشنطة صغيرة من الطعام.... تتواضع محتوياتها مثل تواضع بيوتنا .
كانت قصيدة " أولاد الحارة":
تأليف(خلاصة كبد الحوت).... وتلحين (محروس بدر)...... وغناء (سيد قمر)...... وكلهم من أبناء الحى.. كانت تعبيرا حقيقيا عن التقاء الحس الطبقى بالحس الوطنى لأبناء الحارة ..
وكان سيد قمر يشدو بصوته الجميل.... وكنا نحن الكورس نغنى خلفه:
أحناأ ولاد الحــــارة .. ولا أبونا عنده عمـــاره ..
دا أبونا من الشـــغيله .. في البيت وعياله كتيــره..
وأخوناجنـدى سـهران .. ع المدفع فى المـيدان..
كلنا فى الهم غـــلابة ... مش لاقى لحيرتى إجــابة...
أنا بكره هاأسيب الحـارة.. وها أروح أسكن ف عماره ..
وها أقول يامـبادئى وداع .. يامبادئ الواحـد جــاع...
وها أجيب شـــيفورليه.. ولاها ســأل ولا أقول ليه ..
وها أسيبها وها أروح فين .. دى الحــارة كلها طـين...
والحـارة فيها مواجـع .. أه يا حارتى الغالية أنا راجع..
أنا راجـــع لجل العيلة .. وها أغنى للشـــــغيلة ...
أنا راجــع لجل العــيلة ... أنا ها أعمل حاجــه كبيرة ....
وأحنـــــا أولاد الحـــاره....
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (بالفول و العدس .. هانكمل المشوار)
***
الحلقة الثانية
بالفول بالعدس هنكمل المشــــوار
كنا نغنى بصدق وشفافية شديدة .. كانت الكلمات والألحان تنبع من بؤسنا ، وبؤس حالة حينا الفقير..
وكان سيد قمر بعد أنتهاء الغناء يتوجه لى قائلا بصوت عالى:
ياخلاصة كبد الحوت والله بكره لتسيب الحارة .. وأدى دقنى أهية .. إن ما رحت سكنت فى عماره ...
وقلت يا مبادئى وداع ... وجبت شيفورليه... ويضحك الجميع ... ولاتدرى مجموعة الشباب إلى أين تسير الأيام ؟!!!!!!
ويخرج علينا محروس بدر:....(( كروان حينا)) ....وسنباطى حارتنا.... بمطلع قصيدة (أخى وصديقى عبده مصطفىطالب كلية الهندسة) :
يا ليل ... يا ليل ... يا ليل
ياأبـــــو الغلابة ياليل
يا شارب مـعايا الهم .. مـلو الكـيل
ياعــالم بــحالى
وأنا اللى راح منى الحيل
يـارب دى حـــكمتك
وانــت اللى خــالقـنى
فيقاطعه محمد بلاص المنجد..... والمطرب العاطفى للحى... وزينة شبابه....... والذى كان يلحن الأشعار فوق القوس الذى ينجد به المراتب وينظف به قطن التنجيد :
ياعالم كفاية الهم اللى أحنا شاربينه... فيه حد بذمتكم يغنى للهم ...عايزين نغنى للحب... ويجبرنا على السكوت.. وينطلق بصوته الجميل والذى لم يتأثر يوما ما بغبار القطن :
راجـــع ليـه تـانى تـفكرنـى
باللى نســيته بـقالى زمـــان
لســـه غرامــك هايــسهرنى
لســـه ها أقاسى معــاك حرمان
لايـا حبيبى ... لا... لايـا حبيبى
نحن حى .. كما عاش كوميديا وتراجيديا البؤس.... فإنه عاش أيضا كوميديا الحرب :
..نحن حى يعشق المظاهرات ... ويعشق النكتة.... ويعشق فن الحبكة المسرحي ... تعالوا معا نشاهد كوميديا الحرب فى حينا :
تبدأ القصة والحبكة المسرحية... من داخل محل (موهوب وسلامه) لصاحبه سلامة الكهربائى.. والمحل مجاور وفى مواجهة محل( على سعيد) صاحب أقدم وأعرق محل لاستصلاح وتأجير الدراجات بالحى .. على سعيد:
المدرسة الإلزامية لكل صبى فى الحى من صبيان الورش .
تبدأ المؤامرة أو الحبكة المسرحية.... بورقة فى الليل يعدها سلامة الكهربائى ويعلقها على باب دكان على سعيد.. ورقة نصها:
البقاء للـــــــه
المــــحل مــغلق اليـــوم
لوفاة صـــاحبه الحـــاج علـــى ســـعيد
ويذهب سلامة الكهربائى لعبد الجواد حانوتى الحى.... ويعطيه مبلغ نصف جنيه كى يلف على جميع حوارى الحى بطبلته الشهيرة ليعلن وفاة على سعيد ... ويخرج عبد الجواد فى الصباح الباكر ... ويقرع طبلته معلنا وفاة على سعيد .
وبعد أن تم إعلان الوفاة فى جميع أنحاء الحى تقريبا... كان هول المفاجأة :
... إذ وقف عبد الجواد .. أسفل منزل على سعيد مناديا:
الحاضـر يقول للغائب ... الحاج على سعيد مات ..(والجنازة السـاعة 12 الظهر من جامع فلفل)..
وكان على سعيد نائما على كنبة أسفل الشباك بالدور الأول... ولما أفاق من نومه على صوت الطبلة ..
أطل برأسه من الشباك متسائلا (( مين اللى مات ياعبد الجواد)):
... فنظر عبد الجواد إلى أعلا قائلا :
على سعيد... والجنازة من جامع فلفل .... ولما دقق النظر وجد أن المطل من النافذة هو على سعيد بشحمه ولحمه.... فما كان منه إلا أن أطلق قدميه للريح ... وعلى سعيد من النافذة يسبه ويلعنه ويلعن أبوه..
قام جميع أهالى الحى من النوم , وقد أنتشر نبأ وفاة على سعيد فى جميع الحوراى !!!
ولم تقف حدود الحبكة المسرحية عند هذا الحد ... لم تقف عند حدود إشاعة خبر كاذب بوفاة ( على سعيد)... لم يكن ذلك إلا الفصل الأول من المسرحية ..
أما الفصل الثانى وكان أيضا من إعداد وتأليف سلامة الكهربائى … حيث أنه كان قد جمع 50طفلا من الحى ,وأعدهم إعداد جيدا للفصل الثانى من المسرحية .. حيث أنه فى تمام الساعة الثانية عشر ظهرا .. وفى تمام الموعد الوهمي للجنازة .. سارت مظاهرة الأطفال الحاشدة فى الحى تهتف :
متصدقش .. متصدقش.... على سعيد لسه مامتش......ما تشمتش ياديان ...على سعيد فى الدكان...على سعيد فىالميدان.
أحمد غريب ..
-------
أبن حينا..كان مقاتلا حقيقيا على الجبهة.. مقاتلا وسط الدانات والبارود ..يأتى فى أجازته .. ويجلس على القهوة .. ويظل صامتا لفترة ما....وكان لايتكلم إلا بعد أن ننكشه فى الكلام... ويقول أحدنا:
هو أية اللى حصل فى معركة رأس العش يا أبو غريب؟
فيلتفت يمينا ويسارا , ويبدأ الكلام بجملته الشهيرة: ( ياجماعة دى أسرار حربيه ... ماتضغطوش علئ أنا موقفى حساس)...
وقبل أنت نضغط عليه يسترسل فى الحديث ويصف لنا معركة حربية دقيقة شاملة:.. الخطة... وتوزيع القوات وكيفية الهجوم ....والتمويه على العدو...... وخداعه.....
لايستطيع أبرع مخرج سينمائى أن يصور مشاهد القتال كما كان يصورها لنا (أحمد غريب).....
فى المرة الأولى (ومن دقة الوصف وروعته والمصطلحات بالغة العسكرية) صدقنا أن أحمد غريب هو القائد الفعلى لمعركة رأس العش...
وفى المرة الثانية:... كان أيضا أحمد غريب هو القائد الفعلى لمعركة شدوان... والثالثة: كان أيضا أحمد غريب هو القائد الفعلى لمنظمة تحرير سيناء..... والرابعة:... سر أذاعه أحمد غريب وطلب منا ألا نذيعه.....
وكان مضمون السر أن أحمد غريب أيضا هو الذى دمر المدمرة أيلات..
صدقنا فى المرة الأولى .. وضحكنا فى الثانية .. وفى الثالثة .. والرابعة ..
والغريب فى أحمد غريب أنه كان يقابل ضحكنا بصمت وتعجب شديد ويظل يسترسل فى الرواية .. ومن حلاوة القصة وروعة التصوير الفنى للمعركة العسكرية .. كان يجبرنا لمدة ربع ساعةعلى الصمت... ثم ننفجر فى الضحك .. وفى النهاية لانملك إلا أن نسمعه .. وفى أحيان كثيرة كان يستطيع أحمد غريب أن يوقعنا فى حيرة من أمرنا ... ونظل نفكر ونتحقق من روايته ...هل هو صادق؟ ... هل يفشر؟........!!!!!!
و جاء ( أحمد غريب) ذات يوما.... وبعد حرب أكتوبر بأجمل حلقات كوميديا الحرب فى حينا ...
كنا على القهوة نتحدث عن الثغرة وحصار الجيش الثالث داخل سيناء .. وإقالة سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان... ووقف القتال .. وظل أحمد غريب صامتا كعادته .. وفجأة أنطلق أحمد غريب:
لم يبدأ الحديث بجملته المعتادة (ياجماعة دى أسرار عسـكرية )..... فقد كان يعلم بفطرته أن الحرب أنتهت ولم يعد هناك أسرار ولايحزنون .. هتف أحمد غريب قائلا:
عارفين الثغرة حصلت أزاى ، وضرب بكفه فوق الترابيزة وبدأ قصته الطويلة:
..بداية من توزيع القوات.. والمهام.... ومواقع العدو.... والفصل بين الجيش الثانى والثالث فى منطقة البحيرات المرة ... واسـترسـل فى الشرح ..
الكلام اللى أنا ها أقوله ده على مسئوليتى وربنا شاهد..
قبل الثغرة بيوم واحد أستدعانى سعد الدين الشاذلى, وناقشنى فى أوضاع القوات , وأطلعنى على خططه القتالية ,وتكتيكاته فى المعركة, وطلب منى أن أقول رأيى بصراحة ووضوح!!!!!
فجلست لمدة ربع ساعة أفكر فيما قاله سعد الدين الشاذلى، وفى النهاية رفضت خطته لأن كان فيها العديد من الثغرات.... وأخذ بلغة جميلة وشيقة يوضح لنا أين كانت الثغرات فى خطة سعد الدين الشاذلى .....
لقد قمت بوضع خطة بديلة تتعارض جذريا مع خطة سعد الدين الشاذلى ، وفى نهاية الأمر رفض سعد الدين الشاذلى خطتى.....!!!!!!!
ولما حاولت مناقشته وإقناعه أنهى النقاش بقوله :
عسكرى أحمد غريب نفذ الأوامر العسكرية.
وطبعا أتنفذت خطه سعد الدين الشاذلى , وأيش جاب العسكرى المتطوع أحمد غريب جنب رئيس الأركان سعد الدين الشاذلى؟!!
بلد وسخة .. بلد شهادات ..
ولما أتنفذت خطة سعد الدين الشاذلى .. وحصلت الثغرة وأتحاصر الجيش الثالث ،وبعد ما حصل اللى حصل .. وقف سعد الدين الشاذلى يزعق على الجبهة بأعلى صوته:
( أنا اللى أستاهل .. أنا اللى أستاهل ...أنا اللى ما سمعتش كلام أحمد غريب)!!!!!!!!
وعندما وصل إلى هذه الجملة ضج الجميع بالضحك..... وكانت تلك المرة الأولى التى يضحك معنا فيها أحمد غريب.......أختتم الحديث بكلماته :
قوموا روحوا ياولاد الكلب ...الحرب أنتهت .. حرب أكتوبر
أخر الحروب.......
يعنى كان هيحصل أيه لو سمعوا مرة واحدة لكلام أحمد غريب).....
وغادر أحمد غريب ( البطل الحقيقى لكوميديا الحرب) القهوة يضرب كفا على كف....
وبنهاية الحرب كف أحمد غريب عن روايات كوميديا الحرب...............
وأنتقلنا لروايات كوميديا السلام وتوالت علينا تصريحات وخطب لأنور السادات عن قصة عزل سعد الدين الشاذلى .. كما توالت علينا كتابات محمد حسنين هيكل, وفى كل مرة كنا نسمع أو نقرأ أونناقش ...
نضحك فى النهاية ونقول:
( يبدو أن أحمد غريب كان صادقا فى روايته الأخيرة....... يستاهلوا علشان ما سمعوش كلام أحمد غريب... لكن على العموم....
(بالفــول والعــدس...هنكمل المــشوار...وأجراس العودة لن تقرع...فالأصبع فى أســت الشــعب)...
....وفى مرة قابلت أحمد غريب وبعد أن ظل يسـرد قصص وبطولات الماضى من ضرب المدمرة أيلات إنتهاء بالثغرة .... قلت له: ياأحمد ياغريب ... الإصبع فى أست الشعب ..
قال بسرعة بديهية : ليه حاسس بحاجه ؟!!
وكانت تلك قفشة جملية من قفشات كوميديا السلام .
يسهل على المرء أن يرطن بالسياسة ، وان يثرثر بالحديث عن: الطبقات... والصراع الطبقى.... وأن يتحذلق بكلمات :
"الأمبريالية.. والبروليتاريا.. والعولمة... والعالم الثالث... والمركز والأطراف.. وفاض القيمة والديالكتيك ....والنظرة الأحادية الجانب.... وطبيعة المرحلة... وقضايا التكتيك والأستراتيجية... والمسألة القومية ....والمسألة الزراعية ... الخ...
الكتب كثيرة فوق الرفوف... والكتب بمفردها لاتشكل وعيا طبقيا... والكتب بمفردها لاتخلق مناضلا سياسيا .
الممارسةهى الأم... و المعرفة والوعى الثورى هو الأب .
فأين كانت تقف مجموعة الشباب فى حينا من ذلك؟
فى الحقيقة وفى عام 1969 كنا أيتاما بحق .. بلا أب..... وبلا أم .....
بؤس الحى وفقره ومجاورته لأحياء الأغنياء زرع فينا حسا طبقيا....وحالة الحرب زرعت فينا حسا وطنيا ، وحينما أنطلقنا للعمل وتشكلت فينا نقطة البداية:
فإننا سرنا فى طريق العمل الإجتماعى والخدمى.... طريق الممارسة المشوهة ... لاطريق الممارسة الثورية ..كانت الممارسة مشوهة.... وكان( الوعى الثورى) غائبا لذا كنا أيتاما،
لكن (الحس الوطنى الذى أمتزج بالحس الطبقى) كان هو مصدر حمايتنا الحقيقية من أخطار الممارسة المشوهة, لقد كانت كوميديا وتراجيديا البؤس التى تدور حولنا ،وكانت دماء شهداء حينا الممزوجة بكوميديا أحمد غريب تشكل ملامح إنحيازنا الطبقى و الوطنى.
والوجدان الطبقى لايمكن أن تخلقه الكتب مهما كانت ثوريتها ... الكتب الثورية يمكن أن تؤثر فى الوعى السياسى .......لكن الوعى الفاقد للوجدان الوطنى والطبقى هو وعيا زائفا .. وعيا سوف ينفرط تدريجيا داخل سجون النظام... وعيا سوف يغادر عقل صاحبه مع أول إغراء بالصعود الطبقى..
أى وجدان طبقى ... يتولد داخل المرء حين يرى طفلا من أطفال حارته يموت غرقا فى ترنش من القاذورات والمياه الضحلة؟.... وأى وجدان طبقى يتولد داخل المرء وهو يعرف جيدا أن هذا المصير قد يواجه طفله فى الغد؟!!
و أى وجدان طبقى يتولد داخل المرء حينما يشاهد جنديا من الحى متورم القدمين ممزق الثياب عائدا مهزوما من المعركة كما حدث فى67 ؟؟؟!!!!
السائرون على الأشواك يختلفون كثيرا عن القارئين عن الأشواك ...
والعائشون تحت خط الفقر يختلفون كثيرا عن من يكتبون عن خط الفقر.
أيضا ياعزيزى ..
وحتى لانقع فى نظرة أحادية الجانب ( كما يقول المتحذلقون)............ أو بمعنى آخر:
وعلشان تكمل الصورة والأمور تبقى واضحة الجوانب ( كما يقول أبناء الشعب)..... لازم نعرف أن الوجدان الطبقى إن لم يبحث عن وعيه الطبقى فإنه سرعان ما ينطفئ وسرعان ما يضل الطريق.
وإذا كان:.....( الرجالة من غير جواز زى الشبابيك من غير إزاز)..... كذلك ياعزيزى:
وعى من غيــر وجــدان
زى القفــة من غير ودان
ووجدان لايبحث عن الوعى
زى طالب الرزق من غير سعى
يعنـــــى شــــحات
مجموعة الشباب أيتام حينا:
مالكو الوجدان الوطنى والطبقى ... فاقدى الوعى..... كيف بدأ يتشكل وعيهم ؟
وكيف بدءوا طريق البحث عن الوعى الغائب؟
وهل أنتقلت ممارستهم المشوهة إلى الممارسة الثورية ؟
الحلقة الثالثة الاسبوع القادم (هؤلاء تعلمنا منهم )ا
***
الحلقة الثالثة
هؤلاء تعلمنا منهم
1-الدكتور محمد أنيس :
أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة...وفدي قديم...أعتقد أنه كان ينتمي للجناح اليساري في حزب الوفد (الطليعة الوفدية )...كان يحدثنا عن الإشتراكية ودور المثقف الثورى تجاه الكادحين .. كان ( رحمه الله) يسكن فى شارع جابر بن جيان المجاور لحينا.. ألتقى بجيفارا ثائر أمريكا اللاتينية حين زار القاهرة.. ما أتذكره أن الدكتور أنيس كان ضد منهج حرب العصابات فى العمل الثورى ,كان يتحد ث أمامنا عن الظروف الموضوعية ونضج العملية الثورية....
وكنا نسمع كلماته بأعجاب شديد رغم أن عقولنا فى هذه الفترة كانت خاوية ..أكن له الكثير من الأحترام وأعترف بفضله على فى دفعى للعمل الجماهيرى.
وكان الرجل في عام 1969 من أوائل البشر الذين حاولوا زرع بذور الوعى السياسى فى شباب حينا .
2- عبد المنعم خليل :
أخى وأبى الأول .. العامل وميكانيكى الديزل.... خرج إلى سوق العمل مبكرا كى يعول أسرة من تسعة أفراد بعد وفاة الأب... نموذج فريد لمن يضحون فى صمت..حرم نفسه من التعليم من أجل أن يتعلم أخواته..... ظل لسنوات طويلة يتحمل عبئ الأنفاق على أسرة من 16 فرد :
أمه وأخواته الثمانية (9أفراد) و زوجته وأولاده السته(7أفراد) ..
"من أجل الحرية والأشتراكية..... أنتخبــوا عبـد المنعم خليل..."
كانت أول يافطة كتبتها فى عام 62أو 64 وأنا طفل على منزل " أحمد حٍِمد" صاحب الحمار الشهير.. لم أكن أعرف ماهى الحرية؟ أو ما هى الأشتراكية؟
أشتريت باكو زهرة أزرق (بتاعة الغسيل)... وأذبته فى قليل من الماء.... وبفرشاة صغيرة وسلم......كتبت هذه العبارة... لإننى كنت وأنا طفل أسمع عبد المنعم خليل يتحدث عن الحرية والأشتراكية ومجانية التعليم وقناة السويس...... لقد كان ومازال أبى الحنون....
ولقد كان أيضا الأب الروحى لمجموعة حينا.... نلجأ له وقت الشدائد.... نستعين بحنكته وخبرته...
وحينما كانت تزداد نبرة تحريضنا فى المعارك الجماهيرية .. ويشتد عنفوان الشباب...
كان يأتى لنا هامسا وبرقة شديدة:
( هدوا ... هدوا اللعب شويه)........
وحينما كانت كلاب مباحث أمن الدولة تأتى فى الفجر وتعتقل البعض منا كان يقول دائما:
" "ربنا يستر.. "
عبد المنعم خليل كان صاحب النظرة الثاقبة فى أحداث15 مايو1971:
نصحنا بعد الأنحياز لأى طرف.... لأن الصراع الدائر صراعا علويا...... وصراع سلطة ليس لنا فيه ناقة ولاجمل......
لهموم الحياة.... ولعدم قناعته بما يدور على الساحة السياسية..... أبتعد عن العمل السياسى لكن
السياسة تعيش فى وجدانه وفى ضميره ..
لم يحزن مواطن فوق تراب الوطن مثلما حزن عبد المنعم خليل حينما تم تدميرالجيش والشعب العراقى فى حرب الخليج الثانية .
3-محمد خليل :
أخى.... وأبى الثانى.... العامل وميكانيكى السيارات... ومرشحنا العمالى فى المعارك البرلمانية عام 76،79....
.. خرج مثل أخيه الأكبر عبد المنعم لسوق العمل وترك التعليم لإعالة الأسرة .. ولكنه لم يتجه لميكانيكا الديزل... بل أتجه إلى ميكانيكا السيارات.....كان من أمهر ميكانيكى الحى... لكن بعد تحسن أحوال الأسرة ظل يعمل ميكانيكيا فى الصباح وطالبا فى المدارس المسائية.. حصل على الأعدادية ثم الثانوية ثم بكالوريوس تجارة القاهرة..... كان له التأثير الأكبر لدفع كثير من شباب الحى إلى العمل السياسى .... ناصريا لايكن أى عداء للشيوعيين....... كان ظهر الحماية الحقيقى لنا حين كنا نعتقل أو نكون مطاردين من أجهزة الأمن..... تعرض لضغوط عديدة أثناء هروبنا من أجهزة الأمن( أثناء الحركة الطلابية) ..هددوه بالأعتقال إن لم يرشدعن أماكن إختفائنا ........أحضر حقيبة ملابسه وقال لزوار الفجر أنا جاهز للأعتقال.
كان يغضب بشدة حين نقول له (أن عبد الناصر قام بتصفية الحركة الشعبية).... لكنه حينما أعتقل عام 1975 وشاهد آثار ضرب الكرابيج على ظهر الرفيق والأب فوزىحبشى..........( آثار كرابيج الستينات)........
خرج من المعتقل متأثرا... وفى جلسة صفاء قال لنا:
عندما شاهدت أثار الكرابيج على ظهر فوزى حبشى أدركت معنى حديثكم عن تصفية الحركة الشعبية...... أختلف معنا فى النقاش كثيرا.....كنا نحتد معه فى النقاش.... وكان يحتد معنا ....... وكان إحتداده عنيفا.... لكنه فى النهاية... كان يصفو ..
وينظرإلينا بنظرات عاتبة ( عتاب الأستاذ على تمرد تلاميذه عليه ).... لكنه كان ديمقراطيا معنا ..
في حالات المد الجماهيرى و فى الشارع كان الأسطى محمد خليل:
" من أعظم المحرضين الجماهيريين" ..
لم أشاهد شخصا يحرض من أجل ( حق الإضــراب للعمال)..... وبلغة شعبية رائعة:
مثلما شاهدت محمد خليل يفعل ذلك فى المؤتمرات الجماهيرية عام 1976 ..
وقفت له السلطة بالمرصاد وحالت دون وصوله إلى مجلس الشعب عام 76،79.
فلو كان محمد خليل أنتهازيا لكان فعل فعلة أحد القيادين بحزب التجمع الذى أنضم للحزب الوطنى فى دائرة الدقى من أجل الحصول على مقعد البرلمان.
كان بمثل هذا الفعل الأنتهازى يستطيع محمد خليل أن يجلس على كرسى البرلمان وبسهولة.. لكن معاركه الانتخابية كانت معاركنا السياسية داخل الحى وهذا الموقف: موقف المواجهة وعدم التنازل ورفض الخيانة من أجل مقعد تافه فى برلمان الدولة هو وسام على صدر محمد خليل .
كان محمد خليل يمدنا بالكتب ( أشعار الأبنودى).. كتاب ( الناس والعلم والمجتمع)...ومذكرات جيفار ... الخ.
ومحمد خليل الناصرى هو الوحيد فى حينا الذى كان يحتفظ بنسخة من كتاب الشيوعىطاهر عبد الحكيم ( الأقدام العارية) والذى يروى بشاعة تعذيب النظام الناصرى للشيوعيين المصريين (1959-1964)داخل مكتبته...
وكلما بدأنا نعمل مع أحد الشباب نذهب إلى محمد خليل نستعير منه كتاب الأقدام العارية... فيعطيه لنا قائلا: أشمعنى يعنى الأقدام العارية.... علشان الزبون مايبقاش ناصرى....( حسبى الله ونعم الوكيل).... ويعطينا الكتاب.
4-فريد عبد الكريم:
أمين عام الأتحاد الإشتراكى بمحافظة الجيزة حتى 14 مايوعام 1971 ....وأصلب مناضل فى سجون السادات رفض تقديم أى التماس بالأفراج عنه طوال إعتقاله وطوال حياة السادات رغم المرض الشديد الذى كان يعتصره داخل السجن......
شاهدته أول مرة عام 1970، وكنا نعرض فليما عن حرب فيتنام فى مدرسه الدقى الأعداديه المجاورة لحينا .. بعد الفيلم أخذ يخطب فريد فى جموع الشباب والأهالى الذين حضروا الفيلم .. كان خطيبا مفوها وموهوبا وكان صادقا فى كل كلماته وتعبيراته.... كان يبكى وهو يخطب... جعل الحاضرين يبكون وهو يربط فى كلماته بين أطفال فيتنام وأطفال بحر البقر.
ظل فريد عبد الكريم داخل السجن منذ عام 1971 وحتى أغتيال السادات وقابله... فى السجن الكثير من الطلاب المعتقلين .. كنا نخرج من المعتقل وبعد عام نعود ثم نخرج ثم نعود وفريد داخل المعتقل صلبا شامخا .. يستفسر منا عما يدور بالخارج .. ويبعث إلينا بالطعام داخل الزنازين... كان ناصريا متقدما ... وصل إليه داخل السجن عام 1975 برنامج ( الحزب الشيوعىالمصرى) رفض
فريد البرنامج بأعتباره برنامج يمينيا... وعندما قرأنا البرنامج كان رأينا فيه يتطابق مع رأى فريد عبدالكريم .
وكان البرنامج غاية فى اليمينية والانتهازية والتشويش كعادة كافه البرامج والأراء للحزب
الشيوعى المصرى... فريد عبد الكريم (وفى هذا الزمن التعيس) شخصا يندر أن يوجد أمثاله فى الصلابة والنقاء وفى قبول التضحية بنكران الذات والتواضع الشديد
حين كان يبكى فريد وهو يخطب وتدمع عينيه ترى فى عينيه :.... أنين أمة وجروح شــعب .
عـــادل آدم :
أمين عام منظمة الشباب حتى 14 مايو عام 1971 ظل فى سجون السادات 5 سنوات صلبا وقويا كصلابة فريد عبد الكريم.. مجلة الجماهير بمحافظة الجيزة كانت من ثمار عمله الهادئ والدوؤب.. كان يحاضرنا فى محاضرات التثقيف عن تطور المجتمعات والمشاعة البدائية والمجتمع العبودى والإقطاعى، والرأسمالى .. تعاملنا معه فترات قصيرة لم نحس يوما ما أنه رجل سلطة.. وقع لنا بإمضائه وموافقته على ظهر فرخ من الورق المقوى بتوقيع ( يصرح بالنشر).... وكان الفرخ خاليا.... ولما سألنا ماهى محتويات المجلة ؟.... قلنا له إننا مازلنا نعد المقالات، أبتسم وفى هدوئه المعتاد قال: ( والله بينكم هاتودونا فى داهية).... وختم لنا ظهر المجلة الخالية بختم منظمة الشباب.. خدعناه عن غير قصد وقمنا بإستغلال توقيعه ( يصرح بالنشر) وملأنا مسطح المجلة بمقالات تهاجم الأتحاد الأشتراكى وتهاجم عبد الناصر ذاته، وحينما قبض علينا.... وقف بشهامة الأخ الكبر إلى جانبنا....رغم خداعنا له فإنه قام بحمايتنا من الأعتقال عام 1970، وحتى حينما خرجنا من مبنى مباحث أمن الدولة بالجيزة لم ينهرنا ولم ينطق حتى ولوبكلمةعتاب...........(رحمك الله يا أبن أدم)
ألدكتور/ محمد أنيس أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة
العامل / عبد المنعم خليل ميكانيكى الديزل وأمين قسم الدقى الإتحاد الإشتراكى ( حتى عام 71)
العامل / محمد خليل ميكانيكى السيارات وأمين عام التنظيم بمنظمة الشباب ( حتى عام 71)
المحامى / فريد عبد الكريم أمين الأتحاد الأشتراكى بمحافظة الجيزة( حتى14مايــــو عام 71)
المهندس / عادل أدم أمين منظمة الشباب بمحافظة الجيزة( حتى14مايــــو عام 71)
هؤلاء جميـــعا
كانو ا بالنسبة لمجموعة الشباب بالحى المصادر والمنابع الأولى للوعى السياسى.
بالنسبة للكتور محمد أنيس فإن أول مرة شاهدته داخل حينا كان هو ومحمد خليل ومجموعة من شباب الحى يقطعون أحد أكوام القمامة بالحى بالفئوس والمقاطف .. ولما عرفنى عليه محمد خليل.......
سألنى: أنت فى كلية أيه؟ قلت : كلية الهندسة... فنظر إلى بأشمئزاز وقال :
· أزاى المتعلمين والمثقفين فى الحى ينعزلوا عن مشاكل الجماهير ويعملوا فيها أفنديات.. فوقفت أمامه حائرا أشعر بالخل من الرجل.. أزاى دكتور الجامعة واقف فى قلب الحى ماسك الفاس يقطع أكوام القمامة مع أنه من خارج الحى و القمامة من صنع أيدينا !! وعلى الفور توجهت إلى أحد الفئوس وتوجهت للعمل مع الأخرين فنادانى وقال لى :
· المسألة مش مسألة فأس ومقطف .. المسألة مسألة وعى وأرتباط المثقفين الثوريين بالجماهير الشعبية
· رجعت إلى الحيرة والصمت ثانية فقال لى :
· النهاردة الساعة 6 مساءأ فيه ندوة على القهوة اللى جنب مكتب العمدة .. تعالى أحضرها .. أكيد ها تستفيد......
قطعنا أكوام القمامة.... وحملتها عربات البلدية خارج الحى وأصبح المكان نظيفا.... وفى المساء وعلى القهوة تقابل جميع من أشتركوا فى العمل بالصباح وعدد آخر من جماهير الحى .
وجلس الدكتور محمد أنيس ومحمد خليل وعبد المنعم خليل وبدأت الندوة .. وكان الدكتور أنيس يتحدث عن الإشتراكية والمثقفين والجماهير, وأن التاريخ مش حواديت ..التاريخ صراع طبقات .. وكمشيش ..وحركة الفلاحين فى كشميش ضد الأقطاع ...،وجيفارا وماو.... وحركة الطلبة فى فرنسا عام 68..
لاأستطيع أن أقول إننا قد فهمنا واستوعبنا جميع ما قاله..... لكن تلك الندوة وغيرها من الندوات الأسبوعية التى كان يعقدها الكتور أنيس على قهاوى الحى المختلفة..... كانت تفتح فى أذهاننا عناوين للموضوعات، وحينما كان يتكلم عن جيفارا مثلا... نهز رؤوسنا ونتصنع الفهم .....والحقيقة بالنسبة لى:
فإننى لم أكن أعرف من هو جيفارا وكنت أخشى أن أسال فى الندوة : من هو جيفارا؟
خوفا من أن أبدو جاهلآ أمام الدكتور أنيس .. وأمام أبناء الحى....
لكنى بعد الندوة .. سأ لت محمد خليل عن جيفارا... فأعطانى كتاب صغير ( صدر عن دار الهلال) عن جيفارا ، وكان ذلك أول كتاب قرأته له صلة بالسياسة ومن الكتاب عرفت باتيستا ديكتاتوركوبا... وفيدل كاسترو ...وراؤل كاسترو...وجيفار...وبوليفيا..والأرجنتين.....
وبعد الأنتهاء من قراءة الكتاب ظننت أننى أمتلكت ناصية الأمور... ذهبت للندوة الأسبوعية لأول مرة غير خائف ( ياواد هتخاف من أيه... داأنت بقيت عارف باتيستا وكاسترو وبوليفيا كمان).....
وفى الندوة كان الدكتور محمد أنيس يتحدث عن ماوتس تونج وأخذت أهز رأسى مصطعنا الفهم ... وخفت ايضا أن أسأل ... ثم عدت لمحمد خليل فأعطانى كتاب صغير مثل قاموس الجيب وبه شريط صغير من القماش الأحمر وكان بعنوان مقتطفات من أقوال ماوتس تونج.....
كان الدكتور أنيس حريصا وبشكل يتسم بالذكاء الشديد على أن يجعل من كل يوم جمعة فى الأسبوع :
عمل فى الصباح( لقطع أكوام القمامة)...... وتثقيف فى المساء على القهاوى فى شكل ندوة جماهيرية وأستعراض للمشاكل الجماهيرية بالحى ......،وكان هذا عاملا رئيسيا ساعد الدكتور أنيس فى نجاح خطة عمله..... وكانت ندواته ندوات جماهيرية بحق......يحضرها كل جمعة ما لايقل عن تسعون شابا من شباب الحى .
أما محمد وعبد المنعم خليل فقد نجحا فى تكتيل شباب الحى بدرجة عالية فى معسكرات المقاومة الشعبية عقب هزيمة 1967 .. لمدة 6شهور تقريبا كان يخرج فوجا (كل فترة) لا يقل عن 50شابا من الحى لتلقى تدريبات عسكرية لمدة أسبوع بالكلية الحربية أو مدرسة المشاة... كانت تأتى أتوبيسات كبيرة .. يركبها الشباب (فى السادسة صباحا) تذهب بنا إلى الكلية الحربية أو مدرسة المشاة،و لتعود بنا ( فى الثامنة مساءا) ..كنا نتدرب فيها بشكل جدى وشاق على أستعمال السلاح وكان التدريب يتم على أستعمال ( البندقية الألى أو الرشاش الخفيف أو مدفع الأربى جى)..
تكرار هذه الأفواج بأنتظام كان يخلق روحا جديدة بين شباب الحى ... وينمى صداقات وعلاقات وثيقة بين الشباب..... ظلت هذه الأفواج تخرج من الحى وعلى فترات متباعدة منذ يونيو 1967 إلى أوائل عام 1968..
ثم بعد ذلك تقريبا أندثرت لجان المقاومة الشعبية وأكتفى بالكلام عن الدفاع المدنى .
لقد كانت الروح الجديدة بين شباب الحى والصداقات والعلاقات الوطيدة بينهم والتى ولدتها معسكرات المقاومة الشعبية عاملا ثانيا فى نجاح خطة عمل الدكتور أنيس بالحى فقد كان هؤلاء الشباب هم قلب الندوة الجماهيرية . الدكتور أنيس ظل لمدة عام تقريبا (من أوائل 69 وحتى أواخر 69) بشكل نشط وفعال يعمل وسط جماهير وشباب الحى ... ثم أختفى وابتعد ورحل هذا القمر المضئ عن حينا ... ولاأدرى حتى الآن لماذا أبتعد ؟
هل تم تضييق الخناق عليه ؟ ومن من؟ هل يأس منا ؟لاأعلم ..
لكن الذى أعلمه جيدا : أن الرجل قد ترك بصمات جميلة فى عقولنا.... وهذا القمر( الذى رحل) كان ينير الطريق لنا فى وقت كنا نحتاج فيه بشدة لشعاع واحد من الوعى ..
بعد رحيل( د/ محمد أنيس) عن الحى قام محمد وعبد المنعم خليل بتجميع كتلة الشباب التى تبلورت بالحى من لجان المقاومة الشعبية , ومن الندوات الجماهيرية التى كان يعقدها الدكتور أنيس .
تساؤلات معسكر الحوامدية... ومقر المنظمة
فى معسكر ضم حوالى 70 شابا ( لمدة أسبوع أو عشرة أيام) ،وكان المعسكر بمدرسة الحوامدية الثانوية المشتركة، وأقام السبعون شابا إقامة كا ملة بهذه المدرسة وكان المعسكر له هدفان:
1- التثقيف السياسى
2- ردم أحدى البرك بقرية المنوات بالقرب من الحوامدية
والجديد بالنسبة لى ،وبالنسبة لمجموعة شباب حينا فى هذا المعسكر هو إحتكاكنا بالمهجرين من أبناء مدن القناه(السويس والأسماعلية)،الذين تركوا ديارهم تحت وحشية دانات القذف الصهيونى....
شاهدنا حشودهم فى أكواخ حقيرة وحالة بائسة بقرية المنوات....،و عرفنا داخل هذه الأكواخ أن هزيمة 1967 لم تكن ضياع سيناء فقط ،ولم تكن شهداء وجثث مشوهة بالنابلم وفقط......
و إنما كانت أيضا خراب ديار وغربة واجتثاث جذور المواطنين ... وأه ياوطن رحيل وراء رحيل ... وبؤس يتراكم فوق بؤس.... من السويس إلى المنوات....
وأطفال تنام في أكواخ حقيرة فوق فراش الغربة...... وإحتياج شديد للقمة العيش....
المهجرين تراجيديا الحرب وبؤسها.... بنات واطفال ونساء السويس شبه عرايا... وأين ؟
فى المنوات أى فوق تراب الوطن .
كنا فى الصباح نعمل بجدية ونشاط فى ردم بركة المنوات بنفس الجدية والنشاط التى كنا نقطع بها أكوام القمامة بداير الناحية.... أكوام قمامة بداير الناحية وبرك ومستنقعات ومهجرين بالمنوات ... وكيف يلتحم المثقفون الثوريون بالجماهير الشعبية يادكتور أنيس؟
أيها القمر الذى غاب عن حينا.... كنت تقول لنا على القهوة التاريخ مش حواديت .. التاريخ صراع طبقات... أين بؤس حينا من صراع الطبقات ؟ وأين شتات وبؤس المهجرين من صراع الطبقات؟
أيها القمر الغائب هل كان قطع أكوام القمامة وردم البرك مدخلا ثوريا لصراع الطبقات؟
ايها القمر الذى رحل عن حينا....هامت هذه الأسئلة بداخلى... وقد تكون هامت داخل الأخرين.....
هامت في الإحساس والمشاعر..... فى الوجدان ......
الوعى الســائد مغلوط
مــش مظبوط
واقف فى النص بيتصالح
ولذلك مش هايحقق أى مـصالح
فى المساء كانت ندوات التثقيف وحلقات السمر .. حاضرنا محمد خليل فى تطور المجتمعات وتاريخ كفاح شعب الجيزه وأهالى قرية الشوبك ضد المحتل البريطانى والعمل الجماهيرى وأساليبه ...كانت المحاضرات بسيطة ومفيدة بالنسبة لمجموعة الشباب.....
الفرق بين محاضرات الدكتور أنيس ومحاضرات العامل محمد خليل هى اللغة ... لغة الخطاب الثورى
الدكتور الجامعى وأستاذ التاريخ أكيد سوف تختلف لغته وخطابه عن لغة وخطاب الأسطى الثورى الميكانيكى المتعلم.. تعبيرات ولغة المثقف الثورى آتية من الكتب.. وتعبيرات ولغة العامل آتية من الواقع..
أمام لغة المثقف تحس باحتياجك الشديد إلى المعرفة والأطلاع على أمهات الكتب...
وأمام العامل المثقف تحس باحتياجك الشديد للإنغراس والتعامل مع الواقع .
لغة الخطاب الجماهيرى: من أين تنبع ؟....من الواقع أم من الكتب؟
من شعبوية الواقع أم من نخبوية المثقفين؟
الخطاب الجماهيرى ليس مأساة ضخمة كما يصورها البعض .....فعدم إنغراس المثقفين فى صفوف الجماهير هو المأساة الحقيقية.....
حينما يحدث الإنغراس سوف تتولد لغة الخطاب بشكل سهل وبسيط وعفوى....... وحينما يحدث الإنفصال والتباعد بالطبع سوف يكون هناك لغتين.
فى الحقيقة لم نحس بإغتراب عن لغة محمد أنيس.... ولم نحس بإغتراب عن لغة محمد خليل....
رغم أن اللغتين كانتا مختلفتين .فقد كان لكل منهما طعمه ومذاقه الخاص:
مذاق الدكتور.... ومذاق الأسطى
تعايش المثقف مع الجماهير يخلق لغتةالمشتركة معها.... أما الإنفصال لن يولد سوى الفذلكة والمصطلحات الغريبة التى يغطى بها المثقف على جهله الحقيقى .......
العزلة مقتل لكل مثقف.......... فمتى تنقضى عزلتك أيها القتيل؟!!
لغة الأسطى ولغة الدكتور كانتا لغة الأنغراس والمعايشة مع الجماهير لذا لم تغترب تلك اللغة عن الواقع رغم اختلاف النكهة ورغم أن الوعى السائد والمحرك لتلك اللغة كان مغلوطا.
تحدث الدكتور وتحدث الأسطى (بلغة لم نغترب عنها) عن صراع الطبقات وتطور المجتمعات ....
عرفنا منهم الاستغلال والقهر الطبقى فى المجتمع العبودى( فقد كان الأنسان يباع ويشترى)....
وعرفنا قهر الإنسان للإنسان فى المجتمع الأقطاعى..... وعرفنا منهم كلمات رأس المال المستغل وأهمية وضرورة القضاء على أستغلال الإنسان لأخيه الإنسان..... والذى لم نعرفه منهم:
· هل كان هناك أستغلال وقهر طبقى فى العهد الناصرى؟
· هل كانت الناصرية هى جنة تطور المجتمعات فى بلادنا؟
· هزيمة يونيو1967 حدوتة فى تاريخ شعبنا.... فى أى صراع طبقى دارت الحدوتة وفى ظل أى طبقات حاكمة تمت الهزيمة؟!!!!!
رغم ملاحة وحلاوة اللغة ( للأسطى والدكتور) أكيد .. أكيد بلا جدال كان هناك شيئا مغلوطا.. مغلوطا فى الوعى وليس فى اللغة والخطاب.
فى ذلك الوقت عادت مجموعة الشباب من معسكر الحوامدية أكثر تماسكا وأكثر انسجاما مع بعضها كانت المجموعة بشكل عام تقف على حدود ومشارف الفكر الناصرى.....
وبعد حوالى أسبوع من عودتنا سلمنا ( محمد وعبد المنعم خليل)مفتاح منزل يتكون من دورين، بكل دور حوالى 5-6 غرف من الغرف ذات المساحات المتسعة......
وكتبنا جميعا إستمارات عضوية لمنظمة الشباب الأشتراكى..... وأصبح هذا المنزل كخلية النحل يمتلئ بالشباب والبشر...
وأصبحنا بدون(محمد أنيس) وبدون( محمد خليل) وبدون( عبد المنعم خليل).... أصبحنا نجتمع بمفردنا ونقرر ما نشاء بمفردنا.... أصبحنا معروفين فى الحى بأسم ( شباب المنظمة)........ والمنزل تحول أسمه من (منزل ممدوح) إلى (مقرالمنظمة)...
رايح فين ؟... رايح المنظمة
جاى منين؟... جاى من المنظمة ...
تقولش منظمة التحرير ياخى
وعلى أرضية العمل الاجتماعى الخدمى حققنا أكبر وأوسع أنتشار بين جماهير الحى.... وظللنا بؤرة نشاط ضخمة داخل الحى تنطلق من (مقر المنظمة)......حتى طردونا من هذا المنزل(المنظمة) بعد أحداث مايو1971 ..عامين متواصلين من النشاط:
· من هذا المقر أصدرنا أول ( وآخر)ديوان شــعر بأســم ( داير الناحية).
· من هذا المقر أصدرنا أول (وآخر) مجلة حائط....علقناها فى وسط ميدان الدقى وأنتزعناالعقيد (أحمد همام) عقيد مباحث أمن الدولةمن أمامها.
· من هذا المقر شكلنا أول فرقة مسرحية من شباب الحى وأقمنا مسرح( الكارو )وعرضنا أربع مسرحيات بالحى:
مسرحية( أغنية على الممر) تأليف على سالم
مسرحية( البوفيه) تأليف على سالم
مسرحية( أمريكا قتلت عيلنا) تأليف محمد عبدالحميد
مسرحية( عقارب الزمن) تاليف محروس بدر(أبن الحى)
· من هذا المقر شكلنا أقوى فرقة ( للدفاع المدنى) على مستوى محافظة الجيزة.
· من هذا المقر شكلنا أقوى فرقة للكورال من أبناء الحى ...كان الفريق يغنى:
أغانى أولاد الأرض........................... ( قول للقمر لوفات.. هانعدى ونحارب)
أولاد الحارة............................... ( كلنا فى الهم غلابة)
أوبريت ألليله الكبيرة....................... (دول فلاحين ودول صعايدة... دول من القنال ودول رشايدة)
· من هذا المقر نظمنا أول ( وآخر) ندوة جماهيرية على قهوة السرساوى( ندوة الرعب والتحول) فى 5مايو1971.
· من هذا المقر نظمنا العديد من الرحلات لشباب وأهالى الحىكان أجملها رحلة الأسكندرية والنوم على البلاط وسلالم لوكاندة ( رشيد الكبرى للنوم)......وكان أخرها معسكر رأس البر.....وعدنا من راس البر بالقطار فى تمام الساعة الخامسة من يوم 28سبتمبر1970.....
ونزلنا من القطار.... ولم نكن نعرف ما حدث ...
وأفقنا فى محطة مصر على صوت محمد خليل وهو يبكى ويصرخ قائلا:
جــــاى .. جـــاى ..
عبـــد الناصـــر مات ...عبـــد الناصــر مات ياولاد الكلب
· من هذا المقر أنطلقت مظاهرات الحى المتواصلة لمدة ثلاثة أيام ... تطوف بالأحياء والميادين الوداع ياجمال ياحبيب الملايين .
· وفى هذا المقر وغيره من مدارس الحى نظمنا أوسع نشاط لفصول التقويه ومحو الأميه المجانيه دون أى مقابل ولسنوات عديدة.
· من هذا المقر نظمنا أوسع نشاط رياضى ممكن لشباب الحى:
مارس شباب الحى لعبة البنج بونج من خلال المنضدة التى صنعها شهيد حينا ( سعيد محمدى) ..
وكان الإيراد المالى للمنضدة يتم الصرف منه على طباشير وسبورات فصول التقوية وتعليم الكبار....
نظمنا العديد من دورات (الكره الشراب) فقد كانت كل حارة تشكل فريقا لكرة القدم.
نظمنا العديد من المعارض ومجلات الحائط بشوارع الحى كان أهمها معرض جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بكلية الهندسة .. (تقريبا يناير 1971) الذى حصلنا عليه من أعضاء الجماعة( زملاءنا بالكلية) وعلقناه بالشارع الرئيسى داير الناحية.
· من هذا المقر نظمنا وعرضنا العديد من العروض السينمائية عن حرب فيتنام وكانت العروض السنيمائية عروضا جماهيريه بمعنى الكلمة.. كانت إما فى فناء مدرسة... أو فى (وسعاية الدوار).... أو فى وسعاية مدخل حارة سيدى الأربعين.....
وكان شيئا جميلا أن تسمع الصيحات والزغاريد وقت عرض الفيلم السنيمائى.... حينما يستطيع صاروخ سام6 أن يدمر الطائرة الأمريكية فى حرب فيتنام.....
وفى لحظة تدمير الطائرة تعلو الصيحات وتنطلق الزغاريد....
هتنش ونتش بعلو الصوت ..
عن أمريكا وهول أمريكا..
زعموا الفانتوم شايل موت..
سقط الموت بعلم أمريكا
جاتكوا فضيحة..ياطبقة سطحية..وعامله فصيحة..وجايبه العار
لم نكن نعرف وقتها هذه الأشعار لأحمد فؤاد نجم كى نقولها .. لم نكن نعرف سوى صيحات الإعجاب والزغاريد بسقوط الطائرات الامريكيه.. لقد كانت هذه الأشعار الغائبة زغاريد مظاهراتنا فى حركة الطلاب... كنت
أحول هذه الأشعار إلى شعارات فى المظاهرات ....
وحينما كنت أرددها كانت زغاريد نساء وبنات حينا وصيحات الأطفال.... هى الصورة الماثلة أمامى فى (سنيما الو سعاية) أو بمعنى أصح (سينما الجماهير).
· من هذا المقر أنطلقنا لنبنى وحدتنا مع شباب كمبوديا( عزبة أولاد علام) ......حيث أن شباب عزبة أولاد علام كان تقريبا يسير فى نفس الخطوات التى كنا نسير فيها.....
· وقد شكلوا أيضا فريقا من الكورال وكان فريقا عجيبا يبدأ أغانيه بمطلع هذه الأغنية:
أولاد علام ... أولاد علام ... أولاد علام
هيه ... هيه ... هيه
أحنا وكمبوديا.... وفيتنام أبطــال
والمقصود بكلمة (أحنا): أولاد علام طبعا...وليست مصر......
وهكذا وضع طالب الحقوق( أحمد شرف الدين) أولاد علام إلى جوار كمبوديا و فيتنام.....
ومن هنا كنا نطلق عليهم: أبناء كمبوديا البواسل ....أو جمهورية أولاد علام الشعبية .....
فقد كان بؤس كمبوديا(أولاد علام) أشد من بؤس داير الناحية..
( البوسنة والهرسك) أو (أولاد علام وداير الناحية) مظاليم العهد المنسيين...
من جميع هذه الأعمال وغيرها أصبحت مجموعة الشباب ( قيادات طبيعية) داخل هذا الحى .....
و فى هذه الفترة توسعت وتعددت دائرة عملنا بدءآ من دفن رجل ....
إنتهاءآ بمجلة حائط وعقد ندوة سياسية فى ظل صراع دائر على السلطة.
كانت هذه الفترة بالنسبة لنا فترة خصب ونمو .. فترة معايشة وأنصهار .. كنا كالطفل يزحف على الأرض ويحاول أن يتعلم كيف يسير على قدميه يقف أحيانا .. ويتعثر أحيانا.....
لكن الطفل بدأ يتعلم الخطوة الأولى فيا ترى..... إلى أين كان الطفل يسير ؟ وكيف كانت خطواته؟
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (مجلة من صنع ايدينا ... و أجمل الامهات )
***
الحلقة الرابعة
مجلة من صنع أيدينا......وأجمل الأمهات
كانت تجربة مجلة الحائط تجربة فريدة وجميلة بالنسبة لشباب حينا فقد حصلنا على فرخ من الورق المقوى .. كتب على ظهره عبارة يصرح بالنشر وتم التوقيع أسفلها أمين شباب المحافظة ... وتحت العبارة والتوقيع وضع ختم النسر......
جلسنا مجموعة الشباب فى غرفة بمنزل ( الهر)....والهرهو:شاكر عرفة... أبن حينا و رفيق الزنزانة وأنبل من قابلتهم فى صدقه ووضوحه وصراحته..
لم تكن معنا مقالات معدة من قبل.. صممنا عل ألا نكتب أى كلمة إلا إذا كانت نابعة من القلب ومن الوجدان ..فماذا نكتب؟
والكلمة اللى ما تبقى رصاصة .. ملعونه وخاينه ..والقلم الكداب.. شـــوكه فى طريق الحق.....
· رسمنا قطار طويل تتلوى عجلاته على القضبان.... والرسم يصور القطار مهتزا ومتأرجحا ... كتبنا على القطار عبارة:
( قطار ثورة 23يوليو) .. وكتبنا أسفل الرسم عبارة :
ياوابور قولى رايح على فين؟!!!!!
· رسـمنا صورة كاريكاتورية لمـسئول ما ... وأشرنا على راس المـسئول بسهم وكتبنا أمام الســهم عبـارة:
( مســــئول كبير قوى قوى قوى).......ورسمنا أمام هذا المسئول رسم لطالب جامعى .....
وأسفل الرسم كتبنا تلك العبارة على لسان الطالب وهو يخاطب المسئول قائلا:
خايـف أقول اللى فى قلبى!!!!!
· كتبنا مقالا بعنوان: ( سرحان البحيرىفى داير الناحية)
هاجمنا فيه أحد قيادات الإتحاد الأشتراكى بالحى والذى كان دائما يعرقل حركتنا بشكل دائم...(سرحان البحيرى) أحد شخصيات نجيب محفوظ فى قصة ميراماروالذى كان كان يمارس الدجل والكذب على الشابة زهرة التى ترمز لمصر بعبارات( أنا أشتراكى وأبويا عامل)، وكان أحد الشخصيات فى الرواية يقول له فركيكو يا أبن البحيرى..دى ساقية دايرة ياأبن البحيرى).
· قدم (سمير الشربينى) طالب كلية الهندسة وأبن حينا(وأطيب شبابه) قصيدة جميلة ..من تأليفه....
للأمانة لا أتذكر أبياتها لكنها كانت تسخر من صحافة الدولة ( الأهرام والأخبار والجمهورية) ..وأن ما تقرأه فى الأخبار هو نفس ما تقرأة فى الأهرام هو نفس ما تقرأه بالجمهورية.... والذى أتذكره من أبيات القصيدة مقطعها الأخير.... والذى كان سبب شقاء المجموعة داخل مبنى مباحث أمن الدولة.
أهـرام... أخبـار...جمـهورية
هى دى جــرايد الصبحية
قالوا قلت أيه ؟
تعالوا ... جـرى أيه؟
مفيش غير بلوة واحـــدة:
كل واحد فينا أخرس
ومغمض عينيه
· رسـمنا رسمآ كاريكاتيرىكبير فى منتصف المجلة كان عبارة عن:
حائط كبير مرسوم على قمته عشرة رؤؤس.....
وكتبنا على الحائط (الأتحاد الأشتراكى العربى لجنة العشــرة).....حيث أن اللجنة الأساسية بالإتحاد الإشتراكى وقتئذ كانت تسمى لجنة العشرة..
ووقف أمام هذا الحائط مجموعة من الشباب متحفزين وهم يصرخون:( دعونا ننطلق)...
أخذنا نعمل بجدية ونشاط فى تحرير المجلة.... نجمع النقود لشراء علبة ألوان فلوماستر ..
أحدنا يحضرمن منزله علبة ألوان خشب وورق كربون .. ورغم أتساع مساحات الكاريكاتير بالمجلة فإنه لم يكن بيننا من يجيد فن الكاريكاتير.... لكن الكاريكاتير بالمجلة كان جميلا ومدهشا ..
فقد أخذنا نجمع جرائد الأهرام من منازلنا وقصصنا منها جميع الرسومات الكاريكاتوريه لصلاح جاهين ، وأخذنا ننتقى منها ما يناسب فكرتنا ونشفه من الجريدة ثم بورق الكربون نطبعه على الفرخ المقوى .. ثم نلون بعد ذلك، وما عجزنا عن رسمه رسمناه حسب قدراتنا ومواهبنا المحدودة......
وقام سعيد محمدى ( شهيد حينا) بتصنيع برواز من الخشب يغطى من الخلف بلوح أبلاكاش ومن الأمام له ضلفة زجاجية لها قفل ومفتاح .. سرقنا زجاج الضلفة من مقر الأتحاد الإشتراكى.....
فى تمام الساعة الخامسة ذهبنا إلى ميدان الدقى (فى شهر رمضان)قبل أنطلاق مدفع الأفطار.....
بجوار قهوة أنديانا... ومحل بشير (بتاع اللبن).....ثبتنا برواز المجلة بالمسامير على شجرة ضخمة تتوسط القهوة ومحل اللبن ..وقفنا أمامها ننظر إليها بأعجاب شديد:
.......... مجـــلة من صنــع أيدينـــا......
وكنا نتلهف لمناقشة الناس فى المجلة .. نريد أن نعرف رأيهم فيما قد صنعناه..
كنا ندرك أننا أرتكبنا جريمة ما ..وإننا خدعنا المهندس عادل أدم..
كان يجب أن نعرض عليه المجلة للإطلاع عليها إحتراما لتوقيعه( يصرح بالنشر).. لكن فرحتنا الشديدة بالمجلة ولهفتنا الشديدة لمعرفة رأى الناس ومناقشتهم جعلتنا نتخطى الأنضباط التنظيمى داخل منظمة الشباب... ووضعنا مجلتنا فوق الشجرة أمام أضخم محطات الأتوبيس فى ميدان الدقى ..
كان الشارع شبه خالى تماما من البشر ومدفع الأفطار على وشك الإنطلاق... وذهب كل منا إلى منزله للإفطار ... وعدنا فى المساء (الساعة الثامنة) لتكوين حلقات النقاش حول المجلة ...
آه يا بحر الذكريات!!!
(سبتمبر1996) قابلت أبن حينا (محروس بدر) جلسنا نشرب الشاى على قهوة عبد الحليم وأثناء الحديث ضحك وقالى فاكر المجله فى ميدان الدقى ... ياسلام كانت أحلى أيام العمر.. وأخذ يقص على نص المقالات والأشعار والكاريكاتير بالمجلة...
فاكر مقالة سرحان البحيرى فى داير الناحيه.... فاكر كاريكاتير المسئول الكبير قوىقوىقوى..
أكثرمن.ربع قرن تقريبا مضى على هذه الحادثة ... ولاتتخيل أيها القارئ أى جمال وأى نور كان يطل من وجه محروس بدر وهو يروى تلك الحادثة التى حدثت عام 1970 .
كان يتحدث من أعماقه وكيانه... تتدفق ملايين الألحان إلى وجهه ويقول ضاحكا:
كنت أول واحد فيكم راح يستطلع رأى الناس فى المجلة..
تصور ما حدث.... ذهبت فى الساعة السابعة (قبل ماتيجوا بساعة)....
كان الناس مازالوا قليلين... وجدت ضابطا واقفا أمام المجلة( ضابط المباحث أحمد همام) ..الضابط قالى:
· تعرف مين اللى عامل المجلة دى؟.
قلت له :ليه هى عجبتك ؟
قال الضابط : لا أنا عايز أعرف مين اللى كتبوها .. شكلك كده واحد من اللى كتبوها ...
من الكلمة دى عرفت أنه ضابط .. فقلت له:
أنا ياعم رايح أحشش .. اخرجت له قطعة صغيرة من الحشيش كانت فى جيبى وقلت له:
· معقول واحد حشاش يكتب الكلام ده... سلامو عليكم .. وانصرفت.......
تصور شاف الحشيش فى أيدى وتركنى أنصرف.... ولو كان عرف أنى من بتوع المجلة كان قبض على.. غريبة ياأخى..........
( الكلمه فى البلد عند الدولة..أخطر من قرش الحشيش)
هذا ما قاله لى محروس فى عام 1996 أما فى عام 1970 فقد ذهبت مجموعة الشباب فى تمام الساعة الثامنة إلى مكان المجلة ...وكان المشهد جميلا فقد تزاحم البشر على المحطة أمام المجلة.. وكانوا يقرأون بشغف... وأبدى العديد منهم أعجابه الشديد بها.. ودخل الشباب فى نقاش مع البشر أمتد لفترة طويلة وفجاءة ظهر الضابط ومخبريه وبذكاء شديد قال الضابط:
ياسلام المجلة دى جميلة قوى.....
فقال الشباب فى صيحة واحدة :
(أحنـــا اللى عــاملينها)....
بعد هذه الصيحة......عينك ما تشوف الا النور..
المجلة تهشم زجاجها.......... وأخذ المخبرين ينزعونها من فوق الشجرة ..
والشباب يدافع بجسده عن المجلة.. وعراك وشجار.. وتم القبض على مجموعة الشباب.... ولأول مرة يدخل شباب حينا مبنى مباحث أمن الدولة (فرع الجيزه) بشارع جابر بن حيان).....
ولم يكن يعرف هؤلاء الشباب أن هذا المبنى سوف يكون مزارهم الدائم خلال السبعينيات:
دخل الشباب مقر مباحث أمن الدولة والأسئلة العديدة تطاردهم من أفواه زوار الفجر ....
أيه علاقتكم بالمجموعة اليسارية فى كلية العلوم؟.... أنطق قول؟؟ ... يابن الكلب أنتو تبع مين؟
ومين اللى حرضكم على كتابة المجلة ؟
وكمان ياولاد الكلب عايزين نعرف مين اللى تقصدوه بالمسئول الكبير قوى قوى قوى؟
قصدكم عبد الناصر طبعا ..
وقطر الثورة ... مش عاجبكم ؟.........!لولا الثورة ما كنتوأتعلمتوا ياولاد الكلب ..
لا... وآل أيه ... ولاد الكلب بيكتبوا شعر كمان ...عايزين نعرف تقصدوا أيه بعبارة:
.....(مفيش غير بلوه واحدة ... كل واحد فينا أخرس ومغمض عينيه).........
وكمان مين سرحان البحيرى؟
قولوا ياولاد الكلب مين سرحان البحيرى اللى فى داير الناحيه .. ساكن فى أنهى حارة؟
كان الشباب ينظر إلي المجلة نظرة أم إلى طفلها الجريح ... كان الشباب يود أن يخرج من هذا المقر والمجلة معه.... فالمجلة الني من صنع أيدينا...... كانت معنا أسيرة داخل المبنى والكلاب تنبح من حولنا ... وأيه أخرتها مع الضباط ولاد الشعب غلابة بساط.......
لم يجد مجموعة الشباب سوى عبارة واحدة أخذ يرددونها:
أحنا بتوع المنظمة وهنا ( شخر ) أحد الضباط قائلا
منظمة أيه ياولاد الكلب؟!! منظمة التحرير!!! أسم المنظمة الى بتنتموا ليها أيه ؟!!!!
هوه فيه منظمات فى البلد ما نعرفش عنها حاجه..... وذهل الضباط حينما قلنا لهم:
منظمة الشباب...... ( شــخروا كعادتهم) ... وقالوا:
بقى أنتو ياشوية عيال هتلبسونا العمة..... معقول منظمة شباب وبتهاجموا الثورة وعبد الناصر..
ذهل الضابط حينما قال أحد الشباب:
أحنا معانا تصريح بالنشر... وختم المنظمة على ظهر المجلة ....
ذهبوا إلى المجلة... وفكوا دبابيس المكتب التى ثبتت بها المجلة على البرواز....
ولما وجدوا توقيع ( عادل أدم ) وختم النسر قال أحدهم:
وكمان ختم نسر... وقعت أبوكم سودة....
وبدأت التليفونات تعمل والإتصالات تدور من حولنا...... والشباب حائرون ... صامتون.....
وبعد ساعات خرج الشباب من هذا المبنى الكريه.....
جاء عادل أدم ومحمد خليل لإستلامنا من أيادى زوار الفجر.. عاد الشباب بعد أن أطلق سراحهم ..
وهم يضحكون ويقلدون شخير الضباط وأسئلتهم.. وحينما وصلنا إلى بيت المهندس عبده مصطفى(أبن حينا و طالب كلية الهندسة والذى كان مقبوضا عليه مع مجموعة الشباب).....
كان الضحك هستريا وصاخبا.....
فقد وجد عبده مصطفى أمه وقد حرقت جميع الكتب الدراسيه بتاعة الكلية فى أحد أفران خبيز العيش داخل المنزل.. وقال عبده لأمه:
ليه حرقتى الكتب... دى كتب المذاكره بتاعة الكليه...... قالت الأم وببساطة :
خالك شعبان العسقلانى جه وقالى عبده أتقبض عليه من قدام المجلة فى ميدان الدقى..
وطالما مسكوه يبقى أحرقى الورق اللى فى البيت ..علشان زمان ضباط المباحث جايين يفتشوا البيت ويدورا ع الورق ...
طب يا أمه.. تقومى تحرقي كتب الدراسة ؟!!!!
وأنا أيش عرفنى أنها كتب دراسة.... خلاص فداك ياضنايا .. المهم رجعتوا بالسلامة.....
وقامت وأعدت الشاى لجميع الحاضرين.....
أمهات بسيطة.. أجمل الأمهات......
بساطة وحنان وتلقائية ...كم قاست معنا أمهاتنا؟......
وعانت الكثير من العذاب والحيرة فى هذا الصراع.....
كانت أمى تقول لى دائما بعد كل خروج من السجن ... وقبل كل دخول :
ياأبنى الظلم فى البلد من زمان.... من زمان قوى........
وأنت بقى يا فالح اللى هتغير البلد..... تروح فين ياصعلوك بين الملوك...... دا أنت يتيم ..
والدولة مفترية...... لم تكن أمى تعرف القراءة والكتابة مثل أغلب ألآمهات فى حينا ..
لم تقرأ فى الكتب الثورية:
( الدولة أداة قمع ...والدولة أداة سيطرة طبقة على طبقة)
لكن فى تعبيرها البسيط التلقا ئى:
( ياإبنى... الدوله مفتريه).......( ويا أبنى الظلم فى البلد من زمان.... من زمان قوى).....
كانت تجسد رحلة المعاناة الطويلة لأمة بأسرها!!!!!!!
خرجنا من مبنى المباحث فى المساء ...وفتحنا مقر المنظمة فىاليوم التالى .....
لم تكن هناك أى ذرة خوف بين مجموعة الشباب( سواء من قبض عليهم أو من لم يقبض عليهم).... كان حزننا الوحيد على المجلة وبروازها لإنها ظلت فى الأسر ..بينما نحن أصبحنا طلقاء..
لم يحولنا عادل أدم أو فريد عبد الكريم أو عبد المنعم خليل أو محمد خليل لآى تحقيق تنظيمى داخل المنظمة.. ولم يناقشونا حتى فيما كتبنا.. ربما جائنى إحساس وقتها إنهم مبسوطين مما فعلناه ..
لم يتعاملوا معنا كرجال سلطه أو رجال نظام...... رغم إنهم جميعا كانوا ناصريين فكرا وعقيدة..
ضحكوا معنا مثلما ضحكنا على شخير ضباط المباحث.....
وأخذوا يسمعون منا بروح الأخوة:
كيف صنعنا البرواز الخشبى؟ كيف سرقنا لوح الزجاج الكبير من مقر الإتحاد الأشتراكى؟
كيف رسمنا الكاريكاتير ؟كيف حرقت أم عبده مصطفى كتبه الدراسية؟
وسارت الأمور ببساطة ويسر.. وأنطلقنا فى العمل بحماس أكبر وجرأة شديدة وكانت تلك قصة مجلتنا داخل الحى.
مجلة الحائط .. أسلوب جميل من أساليب الإلتحام بالجماهير .. مجلة يدور من حولها حلقات النقاش .. صحافة صادقة سريعة التحرير .. سريعة الكتابة....
الكاتب يعرف رأى الجمهور بصورة مباشرة فيما يكتبه.. بعشرة قروش(وقتها) تستطيع أن تحرر مجلتك فى بضع ساعات.... الحوار الدائر حول المجلة أهم من المجلة ذاتها ... المجلة مجرد ورقة..
وجرس يدق لفتح باب النقاش....
أن تدافع عن رأيك أمام الجمهور... يكسبك المهارة على الإقناع ومجادلة الرأى الآخر ...
المقالة القصيرة ... الكاريكاتير السريع ... والعبارة المختصرة المفيدة..ز والأسلوب البسيط الذى يجذب القارئ ..هذه الأشياء سمات المجلة الحائطية الناجحة.
الكلمة الصادقة والكلمة الكاذبة سرعان ماتتضح فوق مجلة الحائط وأمام حلقة النقاش:
قوة مجلة الحائط... ثورية أفكارها.... ومدى صدقها.
و المجلة وعى وفن ..فمجلة الحائط... شكل ومضمون ولا ينفصل هذا عن ذاك.
كلاب أمن الدولة ومخبريها لا يهمهم الشكل ولا المضمون..... يهمهم فقط من هم صانعوها ؟
يهمهم فقط التقرير المرفوع إلى الرئاسات العليا .. ويهمهم أيضا تمزيقها وتحطيمها....
فكم من المجلات تمزقت وتحطمت تحت أقدامهم لكن :
الكلاب تعـــوى والقافــــلة تســـــير.......
والغربة عذاب ومتاهة....... والحلم أخضر وعنيد.........
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (فصول التقوية ..وندوة قهوة السرساوى....وأحداث 15مايو1971 )
***
2010
الحلقه الخامسة
فصول التقوية وندوة قهوة السرساوى وأحداث 15مايو1971
فى الماضى كان البوليس الجنائى يدخل الحى كثيرا لتعقب تجار المخدرات فى الحى .. لم يكن حينا كحى الباطنية مثلا .. ولكن كان للحى نصيب أيضا فى تجارة المخدرات ... فهكذا دائما حيث يوجد الفقر والبؤس لابد من وجود المخدرات مع تبلور الشباب فى الحى ..
ومع ظهور مجلة الحائط بميدان الدقى كانت تلك هى المرة الأولى التى يدخل فيها البوليس السياسى إلى حينا....
وأعتقد أن هذه اللحظة كانت الميلاد الحقيقى لحينا....
لقد أثرت ندوات الدكتور أنيس وجهود عبد المنعم ومحمد خليل فى خلق مجرى جديد داخل الحى.
.(يكتشف البشر ذاتهم عند التحول)..................
عبارة قالها لنا محمد خليل بعد حادث المجلة مازالت مطبوعة بالذاكرة لاتختفى:
أنتم مجموعة الشباب اللى شقت مجرى التحول......
فى الحى زمان كان البوليس يدخله علشان تجار المخدرات ...
دلوقتى البوليس يدخل الحى علشان يكافح السياسة مش يكافح المخدرات ....
الأحياء الغنية المجاورة للحى فاكرة:
أن داير الناحية عبارة عن شوية حشاشين وتجار مخدرات .....لازم نثبت لهم أن داير الناحية فيها المهندس ... فيها الطبيب ... وفيها العامل ...وأيضا بها السياسى وأصحاب الرأى والعقيدة ...
كلمات جميلة أيها الأسطى العزيز ... لم يأت محمد خليل بهذه الكلمات من الكتب ...
جاءت كلماته لنا من المعاناة.... معاناة الواقع ... كيف ينظر الناس إلينا وإلى حينا؟
وكيف ننظر إلى أنفسنا ؟
...هذه الكلمات كان أثرها عميقا فى نفوسنا... كنا نفتخر بشدة حينما يدخل أحد أبناء حينا الجامعة ...العلم والتعلم بالنسبة لحينا أصبح معركة ... معركة لإثبات الذات والوجود فى عالم لايعترف أصلا بوجودنا!!!!!
من هنا أنطلقنا لفصول التقوية ومحو الأمية المجانية من أجل أن يصبح حينا بؤرة للمتعلمين...
لابؤرة للمخدرات ...دخلنا معركة العلم والتعلم بالحى أيضا كنوع من الحرب ضد المخدرات فى هذا الحى ... كانت فصولنا متسعة ... منذ الخامسة مساءآ وحتى التاسعة بل أحيانا العاشرة .. داخل مبنى المنظمة لاتخلوا حجرة من الحجرات من درس للتقوية أو فصل لتعليم الكبار ...
وحينما ضاق مبنى المنظمة بعدد التلاميذ ... أقمنا الفصول فى مدرسة مجاورة للحى ...
أمتدت فصولنا إلى بعض الجوامع ... وأمتدت...
وأمتدت (حينما كان يتم تضيق الخناق من قبل أحهزة الدولة علينا) إلى داخل المنازل ...
أستمرت فصول التقوية فى حينا منذ عام 1969 وحتى عام 1975...
مارسناها حتى بعد أن طردنا من مبنى المنظمة فى عام 1971.
وفى الفترة من 1971 وحتى 1975 ....
وهى الفترة التى ظللنا فى أغلب أوقاتها مطاردين من قبل أجهزة الأمن.... كنا نحرص بشدة على إقامة الفصول وتوسيعها لأنها كانت بالنسبة لنا فى هذه الفترة تعبيرا وإثباتا لجماهير الحى إننا لم ننفصل عنهم.
فى أعوام 1969ـ 1971 كان أبناء ورجال ونساء الحى ينظرون إلينا نظرة:
( الشبان الطيبين... أولاد الحى ... بيخدمونا... عايزين عيالنا تتعلم زى ماهمه أتعلموا ... مابيطلبوش فلوس... عيال جدعان ... ربنا يحرصهم لشبابهم ... ملهمش غرض غير خدمتنا وتعليم عيالنا .. حاسين بينا وبزنقة عيشتنا ... عارفين أن احنا مانقدرش ع الدورس الخصوصية...)...
في أعوام 72 ,73 ,74 ,75 حين كنا نمارس فصول التقوية بالحى .. . وكنا ندخل ثم نخرج من السجون ...أو أحدنا بالسجن والآخر خارجه ... ومباحث أمن الدولة ومخبريها مزروعين فى الحى ..وكان أبناء الحى يشاهدونا فى المظاهرات التى تطوف بالجامعة وتدخل حى بين السريات المجاور لحينا ... فى هذه الفترة كان جميع أبناء الحى ونسائه الفقيرات يعلمون جيدا أن من يقود المظاهرات بالجامعة هم أ نفسهم الذين يعطون الدروس المجانية لأطفالهم... كان حديث الناس دائما :
... شاكر عرفة خرج من السجن ... كمال لسه جوه ... سمير الشربينى ومحمد عبد الخالق وجمال عبد الناصر وأسماعيل يوسف وبحبح ومحمد البدراوى وسيد عبد الرحمن بيدرسوا فى الفصول......
بيقولوا ياختى عليهم شيوعيين.... ياختى أنا مش عارفه يعنى إيه شيوعية؟....
جوزى بيقول: شيوعيين يعنى كفرة .....
هو معقول الكفرة يخدموا عيالنا.... ياختى دا كلام المباحث ... والنبى حاجه تحير ...
حينما كنا نخرج من السجن.... أو تتفجر أحداث الجامعة....
كنا نروى لشباب الحى ورجاله وأيضا للتلاميذ:
... ماذا حدث ؟ أين يكذب السادات وأين الحقيقة ؟ ماذا تقول منشورات الطلبة؟
الطلاب يتحدثون عن أحوال معيشة شعبنا المتدهورة ..الطلاب يطالبون بربط الأجور بالأسعار...
الطلاب يطالبون برفع الحد الأدنى للأجور .. الطلاب يتحدثون عن العمال ...
وإقتصاد الحرب كمان... وكانت الفصول بمثابة قناة إتصال بيننا وبين جماهير الحى....
قناة مفتوحة دائما...
فى أعوام 75،74 درس معنا فى هذه الفصول الكثير من القيادات الطلابية بالجامعة:
( شهرت االعالم- سمية عدلى- فاتن عبد المنعم)....
كان وجودهم معنا... والتدريس لأبناء الحى يعطى صورة جميلة لشباب الحى عن الطالبات الثوريات بالجامعة....غير الصورة التى كان ينقلها ويروج لها ضباط أمن الدولة والصحافة وقتها....
كنت تجد الشباب فى الحى يتحدثون عن ( شهرت العالم):
عارف البنت النحيفة اللى بتيجى تدرس فى الفصول... البنت بتاعة كلية العلوم... دى بتقودالمظاهرات فى الجامعة ... ياعم.... شاكر عرفة قالنا:
دى أتحبست ودخلت السجن ... سجن القناطر......
ياراجل روح أتنيل .. دانت جسم وعضلات ع الفاضى تشوف ضابط بوليس تقوم تجرى ...
طب شهرت دى اللى ماتجيش كلها قد دراعك... بتقف فى الجامعة وتتكلم أجدع من ميت راجل ..
كان شباب الحى فخورا بنا... وما أجمل أن يفتخر الفقراء ببعضهم :
مرة كنت أقود مظاهره تضم حوالى 4000 طالب.... خرجنا من الجامعة ودخلنا بالمظاهره حى بين السرايات...
وكان (كامل الترجمان) أحد شباب حينا وعامل الكاوتش يسير فى حى بين السريات ......
ولما وجدنى محمولا على الأكتاف وأقود المظاهرة ... دخل على المظاهرة فرحا ومهللا......
دخل يزعق بأعلى صوته:
( ياصلاة النبى .. ياصلاة النبى على ولاد حتتنا)..
حمله المتظاهرون على الأكتاف ... وكان مزهوا بنفسه وبأبناء حيه.... أمسكت يدى بيده ... والدموع كادت تفر من عينى وعينيه وهتفت :
أحنا الطلبه مع العمال ... ضـــد الظلم والاســـتغلال
ياعمال أنا وانتم واحد... اللى سارقنى وسارقك واحد
واللى ناهبنى وناهبك واحد ... واللى ظالمنى وظالمك واحد
ياعــــمال خطـوه لقدام.... فى الصف مكانكم قدام
تعانقنا فى نهاية الهتاف.... وأنتهت المظاهرة.....
ورجع كامل إلى الحى يحكى عن المظاهرة وأبناء الحى الذين يقودون المظاهرات فى الصباح وفى المساء يدرسون فى فصول التقوية.
كانت الفصول فى حينا تقوم على عاتق ( 50-60شاب) من شباب الحى أغلبهم طلاب جامعات.. وخريجين ..وشباب يحملون دبلوم تجارى أو صناعى..
وكان عدد التلاميذ فى الفصول يتراوح بين 100—500تلميذ...
100فى أوقات الحصار وتضيق الخناق....500فى أوقات الأزدهار....
كانت الفصول قائمة على العمل التطوعى ... كانت روح التضامن هى المحرك الأول وراء العمل......
لم يكن جميع المدرسين على صلة بالسياسة مع الحركة الطلابية... والغير مسيسين هم الأغلبية ...
لكن الجميع كان متفقا على أهمية وضرورة إستمرار الفصول.... كان هناك أحتياج جماهيرى داخل الحى لهذه الخدمة ... وكان هناك تضامنا من أبناء الحى فى سبيل تلبية هذا الإحتياج الجماهيرى.
لم نمارس هذا العمل بأفق أن هذا حلآ لمشكلة التعليم... أو بأفق محاربة الدروس الخصوصية بالحى.. لأن الشباب الذين كانوا يعطون دروسا خصوصية بالحى كانوا فقراء ويعولون أسر....كانوا يلجأون إلى الدروس الخصوصية لحل مشاكل الحياة التى تواجههم ... فقد كانوا يعطوا الدرس الخصوصى بجنيه فى الشهر لجميع المواد!!!!!!!
بل كان كثيرا منهم يأتى ويدرس معنا فى الفصول المجانية بعض الحصص..
وبالطبع فإن حالة الزخم والمدى الجماهيرى وتأثيرات الحركة الطلابية أعطى لفصول التقوية فى الحى طابعا مختلفا ... وخرج بها عن نطاق العمل الإجتماعى الخدمى.....
لقد كانت الفصول محور صراع دائم داخل الحى:
الجماهير تريد الفصول والمباحث تريد قفلها..
الناس عايزه الفصول تستمر لأنها تلبى أحتياج عندها ..
والمباحث مش هبلة ... طول ما بتوع السياسة وحركة الطلبه فى وسط 50 شاب جامعى بيدرسوا فى الفصول ... وفى وسط 500تلميذ من التلاميذ بالأعدادى والثانوى.. والأهالى بتبارك هذا العمل يبقى السياسة مش ها تنقلع من داخل هذا الحى ...
الشيوعين فى الحى إن كانوا أثنين بكره ها يبقواعشرة وعشرين... هكذا كانت تفكر أجهزة المباحث ..
ندوة قهوة السرساوى
(( ندوة الرعـــب والتحول))......5 مايــــــو 1971...
أعوام 70،69،68، وحتى 5مايو 1971 كانت أعوام العمل الهادئ فى الحى ... لم نصطدم بأجهزة الدولة إلا فى حادثة مجلة الحائط ... كان يعرقل عملنا بعض عناصر وقيادات الإتحاد الأشتراكى بمناوشات من آن لآخر ... لم نفهم مغزى تلك المناوشات وقتها.....
وكان هناك شئ يجعلك تقع فى الحيرة.... وأسئلة تدورفى الرأس لاتجد لها إجابة أو تفسير..
عادل آدم( أمين منظمة الشباب بالمحافظة)، فريد عبد الكريم( أمين الإتحاد الأشتراكى بالمحافظة) يتعاملون معنا بشكل سياسى ويدفعون عملنا إلى الأمام ...وهناك عناصر أخرى تتنمى لنفس التنظيم السياسى تناوش معنا وتضع العراقيل!!!!
لم نكن نعلم أن هناك تنظيم طليعى سرى داخل الإتحاد الأشتراكى....!!!!!!!!
علمنا ذلك فقط بعد حل التنظيم الطليعى على الملأ فى أحداث 15 مايو 1971........
يعنى يامحتـرم كنا طرابيش
وكمان يا محترم لازم تعرف أن فى الحياة بشكل عام مش عيب أنك تطلع طربوش ... ياما الواحد فى مواقف كثيرة إنسانية وشخصية واجتماعية طلع طربوش ومن غير ذر كمان.......
أما فى عالم السياسة أن تجد نفسك طربوشآ ... وفجأة..... فذلك مؤلم بحق.
والآن ونحن فى عام 1996 وبعد حل التنظيم الطليعى فى مايو 1971 أى بعد ربع قرن من هذا الحل ...
أتوجه بسؤالي الحائر....( والذى لم أجد إجابة له حتى الآن) ...إلى كل الناصريين الذين كانوداخل التنظيم الطليعى:
لماذا كان التنظيم الطليعى سريا ؟ ..أى سلطة كان يود أن يطيح بها؟!أى سلطة كان يود أن يأتى بها؟!
حزب عبد الناصر كان يود أن يطيح بسلطة عبد الناصر من أجل أن يأتى بسلطة عبد الناصر!!! ...
مش فاهم لحد دلوقتى...سلطة بحزبيين: حزب سرى وحزب علنى...
وهل كان برنامج الحزب السرى يختلف عن برنامج الحزب العلنى....
قد يكون للناصريين إجابة ... أود أن أفهمها ... وأن لم يكن هناك إجابة ... فإن الإجابة الوحيدة الحاضرة فى ذهنى إن التنظيم الطليعى قد بنى من أجل هدف واحدوهــو :
أن نكون طرابيشا فى عالم السياسة... المهم...
لقد كانت أحداث 15 مايو 1971 بالنسبة لمجموعة الشباب فى حينا نقطة تحول جديدة....
فى وعينا... وفى عملنا..... ولكننا تعاملنا مع هذه الأحداث ( رغم أننا كنا طرابيش) بشكل صحيح..
لم نخف وننعزل فى منازلنا ... ولم نكمن أثناء الصراع الدائر لإنتظار الطرف المنتصر والسير فى ركبه ....
أحداث مايو كان فضلها علينا أن دفعتنا إلى قلب السياسة ... ودفعتنا للبحث عن الوعى الغائب...
فى أوائل شهر مايو تواردت لنا الأنباء من داخل المنظمة وداخل الإتحاد الأشتراكى :
السادات هيبيع البلد للأمريكان ( وقد باع).. السادات بيمهد لصلح مع إسرائيل (وقد فعل)... وتواردت أنباء وحواديت كثيرة عن إجتماعات اللجنة المركزية فى الإتحاد الأشتراكى ... وقصر السادات بالجيزة ... وأنقسام داخل أجهزة الدولة... وهذا الكلام بالطبع سمعناه داخل المنظمة وداخل الإتحاد الأشتراكى وكانت الناس فى الشارع مش عارفه أى حاجه ... كان الصراع الدائر فى أعالى القمة...
و بدأت تتسرب أخباره إلى داخل الإتحاد الأشتراكى ولسه الموضوع لم يصل إلى الشارع ...
طب أيه العمل ياجماعة؟؟؟؟ ...
إذا كانت البلد ها تتباع للأمريكان ... والصلح ها يتم مع إسرائيل... هنقف كده ساكتين ...
طب الكلام ده نقوله للناس ........!!!!!!!!!!
وعندما أشتد الصراع فى القمة ... طلب مننا عمل ندوات فى الشارع لشرح أبعاد الموقف للجماهير...
وقد كان ... فقد نظمنا وحشدنا لندوة جماهيرية على قهوة السرساوى( وقتئذ) وكانت القهوة تضم أكبر تجمع لشباب الحى ... وحضر الندوة حوالى 200شـاب من الحى ... وجاء قيادات من المنظمة والأتحاد الأشتراكى وشرحوا أبعاد الموقف:
وكان وقع الكلام على نفوس أبناء الحى شديدا....
لم تكن الندوة ندوة تثقيف كندوات الدكتور أنيس.....
كانت الندوة إعلان حالة حرب على السادات قمة السلطة.....
وأثناء الندوة .. وقف صاحب القهوة وقال :
ياجماعة حرام عليكم ... المخابرات لو سمعت الكلام اللى بتقال على القهوة هتقفلها ...
وهنا أجاب أحد المسئولين بالأتحاد الأشتراكى والمحاضر بالندوة:
· ماتخافوش ... المخابرات معانا..
وهنا بدأ الإندهاش والرعب على جميع الحاضرين ..
· أزاى ياعم ... المخابرات مع اللى فى السلطة..
والسادات فى السلطة وهو الحاكم ... تبقى المخابرات معاكم أزاى؟!!!
وبعد ساعة..... كان الحى كله يتحدث عن ندوة السرساوى......
و إنصرف المسئولون القادمين من الأتحاد الأشتراكى ومنظمة الشباب ....
ووجدنا أنفسنا وجها لوجه مع جماهير الحى .. وإمتدت حلقات النقاش داخل الحى حتى الفجر.....
أحداث 15 مايو 1971
وتوالت الأحداث فى الأيام التالية :
إستقالات .. وقبول إستقالات .. وإعتقالات.. وثورة تصحيح .. وحرق شرائط.. ومراكز قوى .. وحل التنظيم الطليعي .. وأبو زيد فهمي .. والمدعي الاشتراكي ..
وقبض على عادل آدم .. وقبض على فريد عبد الكريم...
وبعد فترة وجدنا المخابرات تزحف على الحي وتقبض على محمد خليل .. في أول وأقوي هجوم لكلاب الدولة على الحي :
طابور طويل من الضباط و المخبرين.... يهاجم المنزل .. يفتشون فى كل مكان .. الكتب والمكتبة لم يقتربوا منها .. التفتيش فى الدواليب وتحت الأسرة وفى خبايا المنزل .. التفتيش ليس عن أوراق ولا عن كتب .. عن ماذا تفتش الكلاب المسعورة ؟
ـ مش عارفين بتفتش عن ايه ؟!!
ـ أيوة مش عارفين ..
ـ بنفتش عن سلاح..
ـ سلاح .. سلاح أيه .. هوه أحنا بتوع سلاح؟؟... وسلاح ليه ؟!
ـ اما تيجى معانا .. هتعرف ...
وخرج محمد خليل بين كتلة من الضباط والمخبرين فى موكب مهيب .. و فى مغرب هذا اليوم الحي تقريبا تجمع بأكمله أمام المنزل..... مشى الأسطى محمد خليل وسط هذا الموكب رافع الرأس..... هذه الابتسامة وهذا الشموخ كانا لكسر حالة الرعب من نفوس أبناء الحي ..
تكرر هذا المشهد كثيرا فى حينا .
أن يجدك أبناء الحي إنسانا صلبا قويا وقت اعتقالك ذلك شيئا مهما .. كنا نسير معتقلين شامخين... نطمئن الجميع بإننا عائدون.
ذهب محمد خليل .... وتجمعنا فى المنزل كتلة من شباب الحى وصوت أم كلثوم فى الراديو:
مصر التى فى خاطري وفى دمى ...
أحبها من كل روحي ودمي ....
يا ليت كل مؤمن يحبها ....... مثلي أنا....
قفل عبد المنعم الراديو .. وساد الصمت .. وعبدالمنعم ينظر بدهشة و يقول :
سلاح أيه؟ .. غريبة !!.. سلاح !!!! .. ربنا يستر ..
وساد الصمت .. ثم وجدنا عبد المنعم خليل يضحك ويقول :
سلاح !!!!.. السلاح مش عند محمد خليل..... المصيبة السلاح عندي أنا.....!!!!.
وزعق الطرابيش فى نفس واحد : سلاح إيه اللي عندك ؟
وأخذ عبد المنعم خليل يضحك ويقول :
ـ عارفين الحاج " أبو غالى " ...الراجل الصعيدي بتاع عزبة أولاد علام
ـ ايوة عارفينه .. أبو غالي بتاع كمبوديا ....وقال أحد الشباب :ـ
ـ أيوة يا أخي .. الراجل الضخم اللي كان من شهرين واقف فى المؤتمر يهتف بأعلى صوته:
" الله معك .. الله معك ياكيم أيل سونج" ....وأستطرد عبد المنعم خليل :
من شهر تقريبا .. السادات كان هيعقد مؤتمر فى طنطا .. وكان الاتحاد الاشتراكى عامل حشد من جميع المحافظات لإستقبال السادات فى طنطا .. ولما جه الأتوبيس اللي كنا هنسافر فيه لطنطا ..." كنا حوالي 100 فرد " .....لقيت أبو غالي طالع الأتوبيس ومعاه طبنجة محشية بالرصاص !!
قلت له : إيه ده يا حاج ؟ واخد المسدس ده معاك ليه؟
قالي : المسدس مرخص .. ماتخافش ..
-طب واخده ليه معاك ؟!!!!!
ـ الله مش واجب برضه... نحييى السادات وهوه فى الموكب .. أنا أول ما الموكب هيمر من قدامنا .. ها أضرب تلات طلقات فى الهواء .. تحيه للريس ..
ـ تحية !!!!.. أنت عايز تموتنا!!!!!! ..
ـ ليه .. أحنا صعايدة .. وتحية الريس واجبة ..
ـ هات المسدس .. دا أنت أول طلقة هتضربها فى الهواء هتلاقى رشاشات جهنم أنفتحت ع الكل ...... وأخدت منه المسدس وكل الرصاص اللى معاه .. وحطيتهم فى درج المكتب وقفلت عليهم .. وهى الأيام مرت بسرعة .. والمسدس لسه جوه الدرج المصيبة أن جميع مكانتب الاتحاد الاشتراكى أتشمعت من يومين ..
يبقى همه كسروا الدرج .... لقوا المسدس والرصاص.... جم قبضوا على محمد خليل .. بس الدرج بتاعى أنا مش بتاع محمد .. ربنا يستر....مين بقى ها يصدق حكاية أبو غالي ؟....
أكيد بقى المسدس ده هيبقى قصة وحكاية ورواية .. أخذ الجميع يضحكون .. وإختتم أحد الشباب الضحك بقوله :
الله معك يا كيم ايل سونخ ........وأحنا وكمبوديا وفيتنام أبطال ..
عاد محمد خليل بعد أيام .. أيه الحكاية ؟...أكيد طبنجة ابو غالي ؟ ....... قال:
ـ ابدا .. بلاغ كيدى كان متقدم .. بأنى ومجموعة من الناس... كان عندنا قنابل يدوية ورشاشات وبنجهز عملية لإغتيال السادات .....
ـ طب وطبنجة أبو غالي ..
ـ أبو غالى مين ؟
ـ أبو غالي بتاع كمبوديا .
ـ كمبوديا مين؟..
ـ كمبوديا الشرقية .. والجميع يضحك..... وعبد المنعم خليل يوجه نصائحه:
" شوفوا بقى.. السادات هيبع البلد للأمريكان .. هيبيع ...
هيمشى على طريق عبد الناصر بأستيكه .. هيمشى ..
بس مفيش داعى نقول الكلام ده دلوقتى .. الصراع اللى فوق صراع على السلطة . مالناش فيه لاناقة ولاجمل .. وفيه ناس هاتروح ضحايا .. أنا دلوقتى عايزكم تهدوا اللعب شوية .. احنوا الرؤوس .. حتى تهدأ العاصفة" .
لكن العاصفة لم تهدأ .. ووجد الطرابيش انفسهم فى ميدان المعركة .. رغم إنهم كانوا طرابيشا... لكنهم كانوا طرابيشا مقاتلة :
ـ أيوه السادات هيبيع البلد .... أيوه السادات هيصطلح مع اسرائيل....
_ طب والمخابرات اللى كانت معاكم.....؟
_ ملعونة المخابرات......
_ يعنى أنتم تبع مراكز.. القوى؟
ـ أحنا مش تبع أى مراكز.
ـ تبقوا تبع فريد عبد الكريم .
ـ فريد عبد الكريم وعادل آدم ناس شرفاء ومحترمين .........
حقا لقد كانت احداث 15 مايوا 1971 وندوه قهوة السرساوى بداية التحول.
الغريب بين أحداث 1968 ...ورطب نجم وجيفارا
دخل الغريب الجامعة عام 1967 ـ 1968 .. فى كلية الهندسة جامعة القاهرة تاه الغريب بين المبانى والمدرجات فى بداية العام.. وفى فبرايرر 1968 وفى أحد دروس الميكانيكا وصل إلى أسماع الحاضرين فى المدرج صوت الهتافات تدوى بفناء الكلية :
أنور أنور ياسادات .. هيه فين الحريات؟
آل ايه مجلس أمة ..واللى عاملينه همه ..
لاصدقى ولاالغول.... عبد الناصر المسئول.....
عايزين صحافة حرة ....دى العيشة بقت مرة..
عايزين حكومة حرة..... دى العيشة بقت مرة ..
يسقط كل مصرى جبان... يسقط كل مصرى جبان
نصح الاستاذ الطلاب بعدم المشاركة قائلا:ـ
ـ أحنا بتوع علم مالناش دعوة بالسياسة .. لم يتحرك أحد من الطلاب من مقعده ... والهتاف يصل إلى الأسماع : " يسقط كل مصرى جبان "
قال الغريب لنفسه :
" أنا أبن حارة..ولا يمكن ان أكون جبانا "... جمع الغريب كتبه وكراساته وخرج من الباب الخلفى للمدرج وأخذ يهرول فى اتجاه المتظاهرين :
أمام النافورة بمدخل الكلية كان هناك حشد ضخم من الطلاب يتزعمه طالب كلية الهندسة " محمد فريد حسنين ".... وكان يخطب فى الطلاب " الحريات أولا.. والحريات ثانيا .. والحريات ثالثا" ...
" حينما ضاعة الحرية جاءت الهزيمة "....
بعد ذلك وقف أحدعمال مصانع الطائرات بحلوان يروى قصة خروج مظاهرات عمال مصانع الطائرات بحلوان .... وإعتراضهم على الأحكام الصادرة على " المسئولين عند النكسة " ...وكيف تم قمع هذه المظاهرات؟......
بعد ذلك تعالت الهتافات " يحيا الطلبة مع العمال "......
خرج الغريب مع المتظاهرين .. حاول البوليس تفريق المظاهرة عند كوبرى الجامعة .. لكن الطلاب تمكنوامن صده والتقدم على كوبرى الجامعة... والقنابل المسيلة للدموع تتساقط فوق الروؤس...كر....وفر .. ومعارك... وهتافات المتظاهرين تهز شارع القصر العينى .. وتقتحم ميدان التحرير... وتحاصر مبنى الاهرام القديم ...وعند مبنى الأهرام تدور المعركةويتمكن البوليس من تفريق المتظاهرين ..
فى اليوم التالى تم قفل الجامعة ومحاصرتها بقوات الشرطة . وكان هناك عدد كبير من الطلاب داخل كلية الهندسة تمكنوا من الاعتصام بالكلية لمده يومين ..
أبرز الأسماء من قيادات الطلاب فى حركة 1968 كانوا أربعة :
1ـ محمد فريد حسنين جامعة القاهرة
2ـ عبد الحميد حسن جامعة القاهرة
3ـ عاطف الشاطر جامعة الأسكندرية
4ـ تيمور الملوانى جامعة الأسكندرية
ـ الأول والثانى سرعان ماتم احتوائهما من قبل النظام الناصرى وإنضما تحت لواء التنظيم الطليعى ....الأول دخل التنظيم الطليعى ثم قبض عليه فى 15 مايووقضى حكما بالسجن لمدة عامين ضمن مجموعة شعراوى جمعة..... والثانى سار فى مستنقع النظام بعد 15 مايووأصبح فيما بعد وزيرا تم انخراط فى فساد النظام .
ـ الثالث والرابع تم فصلهما من الجامعة وترحيلهما إلى الجيش.." أو بمعنى أصح تم إعتقالهما داخل الجيش مع مجموعة اخرى من الطلاب ".....الثالث خرج من الجيش ليعود مرة أخرى إلى الجامعة.. ولكنه فى السبعينات كان يعملً ضد حركة الطلاب .
ـ الرابع وهو تيمور الملوانى والذى عاد من الجيش للجامعة مناضلا شيوعيا صلبا وعنيدا...لم يهادن ولم ينضوى تحت مظلة أى نظام... وكان راية للإستمرار بين حركة الطلاب 1968 وحركة الطلاب عام 1972.
أيها الغريب ..
حينما أتخذت قرارك بترك المحاضرة والنزول إلى المظاهرة كان ذلك هو يوم ميلادك الحقيقي .. الشجاعة هى نقطة البداية .. كسر حاجز الخوف والترددعند كل إنسان هوميلاد جديد....
لو كنت جباناً وفضلت محاضرة للميكانيكا على مظاهرة للحرية لكان هذا تاريخ وفاتك ..
بأى معنى كنت ستحضر ندوات الدكتور انيس على القهوة لو كنت جباناً .. بأى خطوات كنت ستسير داخل حارتك بعد أن تخاذلت أمام هتاف : يسقط كل مصرى جبان ......
أيهما كان أهم :
إ تزان مجموعة من القوى المستوية فى محاضرات الميكانيكا .. أم إتزان مجتمع بأسره
أيهما كان أهم :
عجلة الجاذبية الأرضية فى محاضرات الميكانيكا ...أم جاذبية عامل من عمال حلوان وهو يتحدث عن مظاهرة عمال مصانع الطائرات ؟
أيهما الغريب.. لماذا لم تهتف حينما هز العامل وجدانك بكلماته .. كان الهتاف بداخلك وعلى لسانك : " دم شهيدنا يقول ع الرملة .. عاش نضال الطبقة العاملة".....
ترددت أيها الغريب .. أحسست أنك ستكون قزماً أمام فريد حسين وأمام عامل حلوان.....
أيها الغريب لم يكن هذا التردد مقبولاً وفى يوم ميلادك .....
لم تخنك شجاعتك داخل المدرج .. إ نما خانتك شجاعتك وترددت فى نطق هذا الشعار الفورى الجميل الذى كان يتجول فوق لسانك .
الجبن لم يكن خوفاً من الاعتقال لأنك سرت فى المظاهرة حتى النهاية ....
ايها الغريب تغلبت على شعورك ب القزمية بعد ذلك فى مظاهرات السبعينات .... فهل تخلصت من هذا الشعور فى المعارك الأخرى ؟
دقق فى البداية جيداً .. دقق فى الجذور ..
بعد مظاهرة فبراير 1968 أدار الغريب ظهره للجامعة... أنغمس فى ندوات الدكتور أنيس والعمل وسط مجموعة شباب الحى وفصائل خدمة الجيهة وفصول التقوية المجانية ... كان شعور الغريب بأن الحى هو جامعته .. وأن العمل فى الحى وسط الفقراء أهم من العمل فى الجامعة وسط المثقفين ..
فى الحى الحس الطبقى والوطنى يتبلور.... أما فى الجامعة هناك شيئا ما مفقودا ..
وفى يوم وحينما كان الغريب يتجول فى الحرم الجامعى....جلس تحت نخلة عالية ...ووجد أمامه وعلى النخلة المجاورة رزمة من الأوراق " حوالى 100 ورقة فولسكاب ".. أخذ يتفحصها فوجدها قصيدة شعر مطبوعة بالأستنسل..... أخذ يقرأ عنوان القصيدة فوجدها " جيفارا مات " كان ذلك تقريب فى أواخر عام 1969.... ذهل الغريب!!!!!
جيفارا الذى تحدث عنه الدكتور أنيس موجود ايضا فى الجامعة ...خبأ الغريب رزمة الأوراق تحت كتبه وسحب نسخة من القصيدة وأخذ يقرأها :
جيفارا مات .. آخر خبر فى الراديوهات
وفى الكنايس .. والجوامع
وع القهاوى .. وفي الحوارى....وفي البارات
جيفارا مات .... وأتمد حبل الدردشة والتعليقات ..
مارأيكم دام عزكم ياأنتيكات
ياغارقانين فى المأكولات والملبوسات
يادافيانين ومولعين الدفيات
يابتوع نضال آخر زمن فى العوامات
جيفارا مات
لاطنطة ولاشنشنة ولا إعلانات
وإستعلامات ..
مات الماضل المثال .. ياميت خسارة ع الرجال
مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات
جسد نضاله بمصرعه ومن سكات
لا طبالين يفرعقوا ولا إعلانات
عينى عليه ساعة القضا من غير رفاقة تودعه
عينى عليه .. عينى عليه
يزعق أنينه يشق الفضاء يصرخ ولامين يسمعه
عينى عليه .. عيني عليه
يمكن صرخ من الألم او لسعة النار فى الحشى
عيني عليه .. عيني عليه
يمكن بكى أو أبتسم او أرتعش أو أنتشى
عيني عليه . عيني عليه
يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع لجل الجياع
يمكن وصية للى حاملين القضية و الصراع
صور كتير ملو الخيال وألف مليون إحتمال
لكن أكيد .. أكيد .. بلا جدال
جيفارا مات موتة رجال
ياشغالين يا محرومين يا مسلسلين رجلين وراس
خلاص خلاص مالكوش خلاص
غير بالقنابل والرصاص
دا منطق العصر السعيد
عصر الزنوج والأمريكان
والكلمة للنار والحديد
والعدل أخرس أو جبان
صرخة جيفارا يا عبيد
فى أى موطن .. أو مكان
مفيش بديل .. مفيش مناص
ياتجهزوا جيش الخلاص
ياتقولوا ع العالم خلاص
أحمد فؤاد نجم
وكانت جيفارا مات هى أو ل منشور ثورى يقرأه الغريب فى الجامعة
من هو أحمد فؤاد نجم ؟ ومن الذى ترك هذه الأوراق تحت النخلة ؟
اسئلة لم يجد الغريب لها إجابة!!!!!!!!!......
ما أجمل هذه القصيدة المنشور....إنها قد طبعت لكي توزع .. لا لكي تلقى تحت هذه النخلة ..
أكيد هناك ظروف إضطرت من طبعها لأن يلقيها هنا تحت النخلة....فكر الغريب قليلا وقال لنفسه :
طالما هذه القصيدة طبعت لكى توزع .. فلماذا لا أقوم بتوزيعها على الطلاب ؟
فكرة جميلة بس ياترى مين أحمد فؤاد نجم؟ ...مش مهم .. المهم توزيع القصيدة ..
اخذ الغريب رزمة الأوراق بين كتبه وذهب إلى كلية الهندسة .. ودخل إلى المدرج وقبل أن تبدأ المحاضرة ...قام بتوزيع رزمة الأوراق على الطلاب... أخذ يقلبها الطلاب لبضع دقائق ثم أ لقيت القصيدة فوق المدرجات .. وتحت الأقدام .. وبدأت المحاضرة .
حزن الغريب على هؤلاء الطلاب ...مساكين فهم لم يحضروا ندوات الدكتور أنيس....
وأكيد ما يعرفوش حاجة عن جيفارا .
خرج الغريب من وسط المحاضرة ومن الباب الخلفى... خرج حزينا يجر أقدامه .. لكن فى هذه المرة لم يخرج إلى مظاهرة كالمرة السابقة..... خرج يأسا من الطلاب ومن كلية الهندسة.... ذاهبا إلى حيه مدرسته الحقيقية ...
الشئ المفقود داخل الجامعة وجده الغريب تحت نخلة... وقصيدة يجهل أسم صاحبها ......
أحمد فؤاد نجم هل هو طالب بالجامعة ؟!
عرف الغريب جيفارا .. لكنه لم يعرف نجم ...كلما مر الغريب أمام النخلة بالحرم الجامعي .. يدقق اسفلها لعله يجد رزمة ثانية !!!
"أيتها النخلة العالية الغالية ..هزى بجذعك... الغريب جائع... يشتاق لرطبك الجنى...رطب نجم وجيفارا"..........
الحلقة القادمة : الخلقة السادسة : المهزلة الارضية و جمهورية فرفوريا العظمى
***
الحلقة السادسة
المهزلة الأرضية وجمهورية فرفوريا العظمى
أرفف المكتب خاوية إلا من عدة كتب فى المسرح... كان أخي " فاروق " يشتريها بإنتظام ,,وكان فاروق " أبى الثالث" قارئ وعاشق فى الأدب والمسرح .. بل ومؤلف شعارات وقصص.....
فى ليلة من الليالى:
كان اللقاء " بمحمد الثالث" .... و" فروفور "...
فى كتاب ضم مسرحيتي " المهزلة الأرضية "... و"الفرافيز "... للراحل العظيم يوسف أدريس .. كنز حصل عليه الغريب داخل المكتبة.... وكانت أجمل ليالي العشق ومتعة القراءة ....
أضاف الغريب محمد التالت... إلى جوار جيفارا.... ونجم الغير معروف الهوية....
محمد التالت المثقف العاشق للمعرفة والعدالة.....المثقف الضائع بين الحلم بالمستقبل ومهزلة الواقع المعاش.... محمد التالت الممزق بين الرومانسية الإ نسانية وبين الكذب والنفاق من حوله.... المثقف العاقل جداً لدرجة أن الناس فاهمة أنه مجنون .. أو المثقف المجنون جدا لدرجة أنه فاهم أنه عاقل .
محمد التالت عاش ومازال يعيش معى حتى الآن ..
أيها الغريبً:
دع محمد التالت يتكلم عن نفسه بدلا من أن تتكلم أنت عنه .. أيها الغريب دعه يتكلم لأنه عندما يتكلم سوف يتحدث عنك وانت تعيش فى مستنقع الغربة.... محمد التالت مازال حيا ويتكلم :
أصوات كتير بتحرضني وتنادينى وتقولي :
يا محمد ياتالت ياخايب يا مثقف يا فاشل... يابو رسالة .. يابوريالة...طظ فيك يا خواف........ يا إنتهازى .. أتلهي وعيش زى التنبل.
الشمس ....قد أيه الشمس تعبانى.... كل يوم أقول يارب ما تطلعش النهاردة....أبص ألاقيها فى الميعاد بالضبط راحت طالعة..... وهى تطلع من هنا والكذب يشتغل والسرقة والظلم والبوليس والنيابة والمحاكم وتتفتح السجون... كله يجرى ورا بعضه.. يجرى قدام بعض... واللى ما يطلش يتشنكل... والجايزة ايه ؟ .....لقمة... وعشانها يتخربش وهدومه تنتتقطع.....
بأخاف م النمل....عمرك شفت نملة واقفة....بأخاف أتقلب نملة :
تصور لما الواحد مخه ده يطير.. وإحساسه ينتهى....وعواطفه تنمحى... ويبقى كل شغلته أنه يفضل ماشى طول الصيف يخزن أكل للشتا...وطول الشتا يحفر ويخزن أكل .. ويحفر ويحفر...
أمبارح كان السبت.. والنهاردة السبت... وبكره السبت.....الزمن مش مقياس للتغير....
طول ما مفيش تغيير يبقى مافيش زمن .....
الأحد مش هاييجى إلا لما نحس أن النهاردة أختلف عن أمبارح... لما نحس أن الحياة اتحركت بينا خطوة لقدام.... لما نشوف أن ظلم النهاردة أقل من ظلم أمبارح...وعدالة النهاردة أكتر من عدالة أمبارح... لما نحس أننا طلعنا درجة أو عقلنا همسة أو أترقينا سنة....
أنا يا مثقف خيبتى كبيرة قوى.... شاملة بعدد كل حرف أتعلمته.... وكل قانون من قوانين الكون عرفته.... وكل سطر من كل كتاب أطلعت عليه....
هربت ساعة الجد... هربت من دورى ومنكم....فى وسط المعركة بدل ما أضرب فريت واستخبيت جوه نفسى... المصيبة أنى ماليش قضية حتى ولو خسرانة....حتى لو قضية باطل ..
أنا جريمتى كبيرة قوى:
أنا العين اللى الحياة.. قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها... فلما عملتها ... أختارت إانها تغمض.....وإذا فتحت تدعى أنها مش شايفة... وإذا شافت تدعى إنها موش عارفة... وإذا عرفت تشك فى اللى بتعرفه....
أنا اللى حاطط الكلمة فوق الإنسان.... والقانون فوق الحياة......
أنا اللى مش عاجبه حد....والنتيجة أنى مش عاجب حد... أنا اللى من كتر لومى لنفسى أدمنت الغلط... ومن كتر ماأ نا عايز أعمل حاجات كتير... ما بأعملش حاجة خالص...ومن شدة تصميمى عايش متردد .........
الحريقة زدات بين الأرض الكبيرة والناس الصغار... بين الحاكم والمحكومين... بين الظالمين والمظلومين.... بين الظالمين لأنهم مظاليم... والخايفيين من ناس خايفيين... بين العلم والدجل... بين الحقيقة والكدب ..........
الكدب عينى عينك.. وفى وشك و بالبنط العريض... وياويلك لو قلت تلت الثلاثة كام ؟....
هيه دى المهزلة الأرضية......
أنا مأساتى أنى لاقادر أغير الناس..... ولا أرضى أن همه يغيرونى.... أنا مش عارف أغمض ....لا أنا عارف أرضى ضميرى ولا قادر أسكته وأرشيه.....
لا أنا شجاع علشان أقدر أنتحر ولا أنا جبان علشان أقدرأعيش....
لا أنا شمتان فيكم... ولا عايزكم تشمتوا فيَِ....
لا أعايركم بخيبتكم ...... ولا تعايرونى بقصر ديلى .
لا أدرى لمن أتوجه باللشكر:.... ليوسف ادريس خالق شخصية محمد التالت فى المهزلة الارضية....أم أتوجه لأخى فاروق الذى وجدت فى مكتبته " محمد التالت " المثقف المهزوم الذى عشقته وحفظت كل كلماته فى المهزلة الأرضية.......
أنقطعت عن الكلية وعشت مع محمدالتالت... حتى بكت امى وقالت لى :
أنا عارفة محدش لخبطك وهز كيانك غير كتاب " الهزة الأرضية ".....
ما بتذاكرش....وطول الليل عمال تقرأ فى الكتاب...أنا ما بأعرفش أقرأ....بس خدت الكتاب وانت نايم... وريته لأختك فاطمة... وقالت لى دا كتاب " الهزة الأرضية "..... يا ابنى ذاكر دا أحنا غلابة .
جيفارا ومحمد التالت أصدقاء رحلتى ......
أما فرفور الحدق الذكى الساخر.. المضحك والمهرج والحكيم والفيلسوف... فروفورأبن البلد.... الباحث عن حل لمسألة السيد والفرفور حان الوقت الآن لكى يقدم نفسه :
السيد يبحث عن وظيفة ....فهل توجد وظائف خالية؟
السيد : ولد يا فرفور ياولد .. أنا باشتغل أيه يافرفور؟
فروفور: بتشتغل سيدى عايز اكتر من كده ايه ..
السيد: لا .. لا .. مادمت سيد لازم يكون لى شغلة .. نقيلى شغلة محترمة قوى حاجة كده مودرن خالص .
فرفور : تشتغل رأسمالية وطنية ؟
السيد: مفيش حاجة احسن ؟
فرفور : فيه .. تشتغل مثقف ؟
السيد : وبيعملوا ايه المثقفين دول عندكم ؟
فرفور : ما بيعملوش حاجة .
السيد: طب وغيره فيه أيه كمان ؟
فرفور : تشتغل فنان؟
السيد : فنان أيه ! أعمل أيه ؟
فرفور : فنان من غير فن ..
السيد : وهو فيه فى الدنيا فنان من غير فن ؟
فرفور : يوه .. عندنا منهم كتير
السيد: لا أنا أفضل اشتغل وكيل نيابه
فرفور : الراجل اللى بيعادى الناس ده لله ف لله
السيد : مافيش يا ابنى شغلانة عندك الواحد ياكل منها عيش بعرق جبينه ؟
فرفور: فيه .. أشتغل حرامى .. وتحب بقى تبقى حرامى كبير واللامتوسط واللا حرامى صغير على قد حاله ؟
السيد : حرامى كبير طبعا ياولد .. وده عايزه كلام يافرفور
فرفور : خلاص يبقى أشتغل فى التصدير والإستيراد والمقاولات
السيد: والحرامى المتوسط ؟ فرفور : أبقى افتح لك جميعةإسكان تعاوينة وألا بوتيك
السيد: طب والحرامى الصغير يا ولد ؟
فرفور : ده الغلبان بقى .. اللى بينشل محفظة وتطلع فاضية
السيد : يبقى خلاص أشتغل مخبر .
فرفور : ايوه مخبر .. الراجل اللى بتبقى كل الناس عارفه انه مخبر وهوه الوحيد اللى مش عارف ..
السيد : خلاص بقى يبقى أشتغل تربى
فرفور : اعرف حد جه يتولد مات
السيد : مسكين مالحقش يعيش
فرفور : قصدك ما لحقش يموت
السيد : قصدى يعيش يا ولد
فرفور : ودى عيشة اللى الناس تعيشها عشان تموت ؟
اضراب فرفورعن لعمل وجمهورية فرفوريا العظمى:
فرفور : متى استعبدتم الناس يا دادى ... وقد ولدتهم ما ماتهم أحراراً؟
......أنا مضرب عن العمل...... علشان الراجل ده عايز يشغلنى عنده فرفورعلى طول
عايزين نقلبها .. ليه افضل فرفورعلى طول..... عايزين العبيد يبقوا أسياد.....
عايزيين جمهورية فرفوريا العظمى ......
الصراع .. صراع قديم منذ الأزل... مين يبقى سيد؟ ومين يبقى فرفور ؟
وأنت سيد ليه ؟ وأنا فرفور ليه؟
الخناقة شغالة مستمرة عمرها ماوقفت ثانية... لازم الجاموسة تفضل دايرة فى الساقية .. وعشان تدور لازم يغموها... وأكل العيش هوه الغما بتاع الفرافير.... طول ماهو ورانا .. لا حانشوف نفسينا... ولا حانعرف أحنا بنلف ليه عندهم؟؟؟؟؟؟؟
الحل أيه ؟........ الحل مش صعب....... الحل مستحيل
ياعالم .. يافرافير... ألحقوا اخوكم فرفور..... أنا صوتى أبتدى يتحاش.... شوفوا لنا حل
حل ياهوه .....أنا فى عرضكم..... حل مش عشانى انا...... حل عشانكم أنتم ...أنا بأمثل بس... إنما أنتوا اللى بتلفوا .......
ومازال فرفور مربوطا ويدور فىالساقية ....ومازال ظلم اليوم أشد من ظلم الأمس..... ومازال العدل نائما....... ومازال محمد التالت يعيش فى رحاب المهزلة الأرضية .....
وجمهورية فرفوريا العظمى تعيش تحت مقصلةالطغيان
يناير 1972 و رجعوا التلامذة ياعم حمزة للجد تانى
فى صيف عام 1971 تحرك عمال الحديد والصلب من أجل مطالب اقتصادية تخص عمال المصنع ....وتم قمع اضراب العمال وإعتقال قياداتهم ثم تشريدهم بعد الإعتقال لمصانع اخرى....
كانت الجامعة مغلقة, والسادات فى رحلة خارج البلاد ,وحينماجاء صرح على صفحات الجرائد :
" لو كنت فى مصر وقت الاضراب .. كان لى تصرف تانى مع هذا الاضراب "
بالطبع كان يقصد تصرف اشد قوة !!!!!
فالديمقراطية كانت عنده لها أنياب!!!!!..........أنياب المقصلة...
حينما فتحت الجامعة وفى بداية العام الدراسى..كانت هناك عدة أحداث تؤثر فى حركة الطلاب وتعكس نفسها على مجلات الحائط المنتشرة فى أرجاء الجامعة مثل :
حريق دار الأوبرا بالعتبة " تقريبا فى أواخر عام 1971.....
إغتيال " وصف التل " رئيس وزراء الاردن بالقاهرة.....
وفى كلية الهندسة جامعة القاهرة .. كان نشاط جماعة أنصار الثورة الفلسطينية بالكلية نشاطا واسعا ومتنوعا....بين مجلات الحائط ..والمعارض.. والندوات .. والجماعة تضم أعدادا واسعة من الطلاب... وكان القارئيين لمجلات الحائط بالآلاف... وحلقات النقاش ساخنة دائما أامام مجلات الحائط...... الغريب كان يحوم حول الجماعة ليتعرف على بعضهم...لكن جذور الثقة لم تتوطد بعد.... الطلاب المعاديون للجماعة يقولون لأعضاء الجامعة اثناء حلقات النقاش:
انتم شيوعيون .. ماركسيون
اعضاء الجماعة لا يؤكدون ذلك.....أيضا النفى غيروارد ... كتل من الطلاب تؤيد أفكار جماعة أنصار الثورة الفلسطينية... وكتل تعارض.. والنقاشات ساخنة دائما أمام مجلات الحائط التي تتنوع بمقالات نظرية مطولة.. ومقالات سياسية سريعة تعلق على الأحداث الجارية....ومجلات كاريكاتيرية....وأشعار...وكانت المجلات الحائطية مجاورة لمجلات الجماعة الدينية.....
فناء الكلية به أكثر من خمسين مجلة حائط ... مجلات يقف عليها أفراد قليلون ... مجلات تعج بالزحام الشديد........
" القرع ـ بلدى ـ الأرض ـ ياسين ـ بهية ـ الكوسة ـ الإعتصام ـ .. الخ "
الكل يحرر ويكتب.. مجلة يصدرها فرد واحد...مجلة يصدرها مجموعة افراد... ومجلة تعبر عن لسان جماعة أوأسرة.....ولا رقيب على أحد....وتحرير المجلة لا يحتاج اكثر من فرخ ورق ولوحة خشبية وحامل وعلبة ألوان فولماستر وعدة دبابيس مكتب..... أجهزة الأمن تمزق بعض المقالات او المجلات فى المساء ...يعاد نسخ المقالات الممزقة فى الصباح على الكافتيريا من قبل أصحابها..... كل الأفكار تتصارع.... ومع الصراع تتفتح الزهور.....فى الربع ساعة " فترة الراحة بين المحاضرتين " يتجمع حول المجلات مايزيد عن ألف طالب .. اثناء المحاضرات يكون العدد بالمئات " حين يحتدم النقاش ".... وفى بعض الأحيان يكون بالعشرات " فى الأحوال الهادئة "
....حتى الخامسة مساءً لا تخف الأقدام من أمام مجلات الحائط.
حركة الطلاب عام 1968 ، 1969 كانت حركة فوران سريع وخروج سريع إلى الشارع وأيضا قمع سريع .....واحتواء سريع لمعظم قيادات الطلاب من قبل النظام .....
أما حركة الطلاب فى السبعينات فإن أهم مايميزها هو التراكم والتدرج.....
كانت مجلات الحائط وحلقات النقاش وإتساع تشكيل الأسر والجماعات الطلابية هى المنابع الحقيقيةللتراكم وترسيخ الأفكار وبلورة المطالب وتمايز الاتجاهات.....
فى السبعينات سيجد المرء نفسه أمام العديد من الأسر والجماعات بالجامعة على سبيل المثال:
جماعة انصر الثورة الفلسطينية / جماعة جواد حسنى " بهندسة القاهرة"
أسرة مصر " كلية آداب القاهرة
جماعة الدراسات الاشتراكية " كلية حقوق القاهرة
جماعة عبد الحكم الجراحى " كلية اقتصاد وعلوم سياسية جامعة القاهرة "
جماعة عبد المجيد مرسى " زراعة القاهرة "
نادى الفكر الاشتراكى / نادى الفكر الناصرى " جامعة القاهرة
كانت هذه الأسر والجماعات أدوات تفريخ للقيادات الطلابية ومنظمات سياسية جماهيرية حقيقية للحركة وسط الطلاب...وكانت مجلات الحائط موجودة فى جميع جامعات وكليات مصرالمحروسة...مجلات يحررها شباب حين بدء مشوار نضجه ووعيه وتفتحت عيناه على الدنيا كان أول مشهد امام عينه هو :"
هزيمة يونيو 1967....." صناعة كبرى مزارع خضرة تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية!!!!!!!!!والبون شاسع ما بين الحلم والواقع......و سيد مرعى أمينا للإتحادالإشتراكى العربى!!!!!!!! وإشتراكية تبنى بقياة سيد مرعى!!!!!!!ا
الحلقة القادمة : الحلقة السابعة : اعتصام كلية الهندسة جامعة القاهرة
***