رحل المؤرّخ والمفكّر التونسي هشام جعيّط (1935-2021)، وهو رمز من رموز الثقافة العربيّة المعاصرة، بعد أن أطلقَ العنان لتأمّلات فكريّة عميقة أودعَ خلاصاتها في نصوص ثمينة لا تبلى مثل: ''الشخصيّة العربيّة الإسلاميّة والمصير العربي''، ''أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة''، ''أزمة الثقافة الإسلاميّة''، ''الفتنة: جدليّة الدين والسياسة في الإسلام المبكّر''، ''الكوفة: نشأة المدينة العربيّة الإسلاميّة''، وثلاثيّته الشهيرة في السيرة النبويّة التي ضمّت كتبه: -''الوحي والقرآن والنبوّة'' في (عام 1999)، -''تاريخيّة الدعوة المحمّديّة'' في (عام 2006)، - و''مسيرة محمّد في المدينة وانتصار الإسلام'' في (عام 2014)، وينظر النقّاد إلى هذه الثلاثيّة بعين الاهتمام ويعتبرونها من أهمّ ما ألّف الرجل.
كان جعيّط ضدّ اليقينيّات، فلا فكرة عنده فوق النقد، وهو ما جعله يُخالف القراءات التقليديّة والاستشراقيّة للتاريخ الإسلامي والإسلام المبكّر وما قبل الإسلام، وراح، اتّساقا مع منظومته النقديّة، يَقترح منهجا جديدا في تناول مُعضلات التاريخ والتراث تُحدّد علاقته به، مستندا، من جهة، على أمّهات المصادر التاريخيّة للطبري والمسعودي واليعقوبي وغيرهم، و، من جهة أخرى، على ثقافته الشرقيّة والغربيّة يستلهم منها المعنى والأفكار. ولعلّ اهتمامه بتاريخ المدن في الإسلام ودورها في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، كان له أهميّته في إعادة قراءة التاريخ والتأكيد أنّ الحضارة الإسلاميّة تأسّست في المدن التي استطاعتْ أن توفّر الاستقرار للناس بعد أن كانوا مجرّد قبائل مُتفرّقة في الأرض، وأنّ مُدناً من قبيل الكوفة والبصرة وواسط وبغداد كانت عواصم حضاريّة وثقافيّة ومركز انبعاث الفتوحات الكبرى إلى أرجاء العالم، مقارنا إيّاها بدور المدن التاريخيّة في الحضارة اليونانيّة والرومانية.
يُفاخر جعيّط، في أكثر من مناسبة، بكونه مؤرّخا أكثر منه مفكّرا استنادا إلى تكوينه التاريخي، لكنّ الدارس يكتشف، مع نصوصه وفيها، مؤرّخا يمتطي صهوة الفلسفة ومفكّرا رصينا يمتطي صهوة التاريخ ويرتكز على جزئياته وتفاصيله ووثائقه للتعمّق في أزمة الثقافة العربيّة ومعضلات الهويّة فيها، ولا يبدو الأمر غريبا إذا علمنا أنّه فضلا عن معرفته العميقة بالتاريخ العربي الاسلاميّ، فهو يحيط بالتاريخ الأوروبي والفلسفة الغربيّة على امتداد تاريخها الطويل ابتداء من الفلسفة اليونانيّة.
د. خديجة زتيلي
https://www.facebook.com/friends/suggestions/?profile_id=100005869842297
كان جعيّط ضدّ اليقينيّات، فلا فكرة عنده فوق النقد، وهو ما جعله يُخالف القراءات التقليديّة والاستشراقيّة للتاريخ الإسلامي والإسلام المبكّر وما قبل الإسلام، وراح، اتّساقا مع منظومته النقديّة، يَقترح منهجا جديدا في تناول مُعضلات التاريخ والتراث تُحدّد علاقته به، مستندا، من جهة، على أمّهات المصادر التاريخيّة للطبري والمسعودي واليعقوبي وغيرهم، و، من جهة أخرى، على ثقافته الشرقيّة والغربيّة يستلهم منها المعنى والأفكار. ولعلّ اهتمامه بتاريخ المدن في الإسلام ودورها في الحضارة العربيّة الإسلاميّة، كان له أهميّته في إعادة قراءة التاريخ والتأكيد أنّ الحضارة الإسلاميّة تأسّست في المدن التي استطاعتْ أن توفّر الاستقرار للناس بعد أن كانوا مجرّد قبائل مُتفرّقة في الأرض، وأنّ مُدناً من قبيل الكوفة والبصرة وواسط وبغداد كانت عواصم حضاريّة وثقافيّة ومركز انبعاث الفتوحات الكبرى إلى أرجاء العالم، مقارنا إيّاها بدور المدن التاريخيّة في الحضارة اليونانيّة والرومانية.
يُفاخر جعيّط، في أكثر من مناسبة، بكونه مؤرّخا أكثر منه مفكّرا استنادا إلى تكوينه التاريخي، لكنّ الدارس يكتشف، مع نصوصه وفيها، مؤرّخا يمتطي صهوة الفلسفة ومفكّرا رصينا يمتطي صهوة التاريخ ويرتكز على جزئياته وتفاصيله ووثائقه للتعمّق في أزمة الثقافة العربيّة ومعضلات الهويّة فيها، ولا يبدو الأمر غريبا إذا علمنا أنّه فضلا عن معرفته العميقة بالتاريخ العربي الاسلاميّ، فهو يحيط بالتاريخ الأوروبي والفلسفة الغربيّة على امتداد تاريخها الطويل ابتداء من الفلسفة اليونانيّة.
د. خديجة زتيلي
https://www.facebook.com/friends/suggestions/?profile_id=100005869842297