الدخول مباشرة إلى العمل:
وكدت أختنق بضحكة ولدتها في قصة "عظمة تمر" للبارع حسام الدين نوالي، وهي أول نص في مجموعته، إذا تجاوزنها القصة_الإضاءة، وأخرجناها من مجموع القصص المكونة للعمل، رغم أنها القصة الجامعة؛ هذه المجموعة التي تحمل عنوانا ذكيا يوحي ويشير ولا يبوح بل يتركك تستدعيه كلما أنهيت قراءة قصة من قصص المجموعة المحبوكة بعناة ماهر.
لم تكن اللغة المحكية زائدة، ولا ثقيلة الظل، بل كانت سمة أساسية في توليد السخرية مما يجري من أحداث شخصياتها دجاجتان وأرنب مراهق، يتصبب رغبة، قد تولد ما لا يحمد عقباه، إضافة إلى الأم والطفل السارد المتابع من موقعه الضاج بالريبة مما يمكن أن يقع فيسارع إلى طلب وضع حد للمهزلة المستمرة باقتراح ذبح الأرنب قبل أن يتجرأ على عجيزة الدجاجة.
يقوم السارد المراهق بدور سيدينا سليمان حيث كان ينقل إلينا ما يدور من حوار ويسكت عن آخر قد يكون خادشا.
حسام الدين قاص بارع يعرف كيف ينسج عوالمه من العادي والمكرر بلغة ساخرة وعين لاقطة ولغة فصيحة وحوار أنيق يخفي أكثر مما يكشف، وهو يقرأ واقعنا من خلال قصصه المدهشة.
في قصة "البهلوان" يتابع السرد الساخر حضوره من خلال شخصيتين قريبتين من بعضهما، متباعدتين من حيث السن والمكانة، فالسارد طفل يتابع دراسته في المدرسة ويتلذذ بالسرد كما بأكل البطبوط المندى بالزيت، والخال الصارم الذي يتمتع بسطوة على الطفل مما يجعله تابعا وقدوة في الآن نفسه، ويرسم السارد بسخرية ما يتفوه به خاله أثناء صلاته هو يدعو على بعض الناس بذكر اسمهم، مناقضا بذلك مبتغى الدين؛ ليعقب ذلك دعوة ابن اخته ليحمل محفظته والتوجه معه إلى المدرسة رغم أن السارد نبه الخال إلى أنه لا يدرس إلا مساء، واثناء الطريق يدور حوار حول الشهبة ويكون حوار طرشان، فلا يدري ابن الأخت مغزى حديث خاله، لكنه يفسح المجال أمامنا لنتخيل السبب: العشق. ينتهي النص بركلة من الكبير للصغير في مشهد يثير الكثير من الضحك والألم في الوقت ذاته.
ويمعن السارد في سخريته لكن هذه المرة من ذاته ذات الأصابع العاطلة والمتعبة في قصته التي فردت طولها وعرضها على مجموع القصص المكونة للعمل: "احتمال ممكن جدا" وحيث لا يوجد من الشخصيات إلا السارد صحبة أصابعه العشرة المرهقة، لتظهر شخصيات الضابطين للكشف عن فاعل الخنق غير مصدقين انها أصابع السارد نفسها وهي تريد التخلص منه كما أراد ولو تمنيا. قصة عجائبية غير محتملة الحدوث، لكنها، في القصة، وبفعل التصوير، تبغي إقناعنا باحتمالية وقوعها. كل شيء ممكن ومحتمل وقوعه.
وبسرعة ننزلق إلى القصة الأخيرة كونها تحمل ما يقارب العنوان نفسه "احتلام ممكن جدا"، و الذي صار بقوة الفن والحضور مظلة للعمل ككل، بل يمكن القول إن القصص بأكملها احتمالات ممكنة.
في هذه القصة نجد ختمتها صادمة بلفظة وحشية الحضور، سافرة وصادمة، لكنها في سياقها تصير معبرة، وسياق النص يستدعيها؛ سياق ساخر يجمع بين متناقضين: الأذان وقرض الشعر. ولعل الحوار الدائر بين الموظف والشاعر الراغب في الحصول على منصب مؤذن يعج بما يثير الضحك. حوار باللغة المحكية تعبر عن صرامة الموظف واهتمامه بالضرائب وما يجلب مداخيل إضافية لجماعته ، غير مهتم بالشعر والشعراء، بل إنه في لهجته كان يحمل سخرية منهم.
بيد أن السارد اصطاد هذا الموظف ليضعه في مأزق اليبس والتزمت، وانعدام الذوق، ومن هنا تلك اللفظة الأخيرة التي جاءت مناسبة للموقف الغريب لهذا الموظف العجيب الذي علق على قصيدة الشاعر بكلمات متقطعة بفعل هيستيريا ضحكه دون أن تكون بينة إلا بعد تدقيق في السياق.
ويمكن ان تكون تلك اللفظة ذات منحى دلالي غير ما سبق، ولا يقبض على معناها إلا باستدعاء بعض ما جاء في القصة_التقديم حيث يشير فيها صاحبها إلا خلو شعره من أي ماء. وهو ما يلقي بعض الضوء على أن سخرية النص بتوظيف تلك الكلمة كان من الاستسهال الذي طال هذا الجنس السامي. ويمكن اعتماد بعض المؤشرات النصة التي تصب في هذا المجرى من ذلك دفتره الأزرق الموجود على يمين شاشة حاسوبه.
والسخرية تتبدى أيضا من خلال الجمع بين لفظتين ذاتي معنيين مختلفين؛ فالإنهمار يحمل معنى انسكاب الماء وانصبابه، والخراء لفظة تبتربط بالجسد السفلي، حيث يتخلص من فضلاته، أي يطرد غير المفيد، بيد أن الجمع بينهما يفيد كما سبقت الإشارة إلى ذلك، معنى الاسهال والاستسهال بالتبعية. وإذا نظرنا إلى المعاني الأخرى التي تحملها لفظة انهمار، وهي انهدام البناء، او تناثر أوراق الشجر وتعريتها، تبين أن الهدف هو الكشف والتعرية والنقد لما يعرفه مجال الكتابة من فوضى.
ويلمح حضور اليد وأصابعها كما حضرت في الاحتمال الأول وإن بشكل آخر لا ينفي معنى الأول. كما يلمح جانب السخرية من الذات الساردة لا الواقعية حتى لا يحدث التباس أو تداخل.
لكن الذي ينبغي الانتباه له أن هناك شخصية عابرة لمجمل قصص العمل؛ إنها شخصية المتلقي الذي يستدعيه السارد ويخاطبه ويورطه معه.
وتعتمد المجموعة إلى جانب استدعاء المتلقي على المتخيل العجائبي وتوظيف الحيوانات في بناء عوالمه؛ حيوانات تمتلك خاصية الإنسان من كلام ومشاعر وأهواء ورغبات، كما في نص "لم ترحمني "الميرلا" أبدا". فالسارد وعبر الحلم يتخذ هيأة أخطبوط يعاني من شكله ومن أطرافه الكثيرة هو من كان يتودد للميرلا التي سخرت منه فاتخذ التصوف له عنوانا بعد أن كان يمارس رياضة تدخين المخدرات. لم يكن النص في صورته الغرائبية، وعلى لسان أخطبوط إلا حيلة فنية لقراءة الواقع ولإبراز أعطابه بعيون متسعة ناقدة وساخرة.
وتجتمع في قص "في يوم الأحد" السخرية والحوار الصريح، واللغتين العربية والأمازيغية، ونقد الشعر، في توليفة بديعة، وتركيبة جميلة، ونسج بارع لنقد الواقع الثقافي بطرف خفي من خلال الشواعر والملتقيات.
قصص المجموعة قصص لذيذة وممتعة ومدهشة بلغتها الفصيحة وبدارجتها التي وظفت بشكل ذكي لتلعب أدوارا عدة منها تقريب المتلقي من أجواء النص، وإشعاره انها من صلب واقعه، وأنها منغرسة في مجتمعه، ومستخلصة منه؛ تؤكد الدارجة انخراطها في واقعها المحلي أولان وتشرك معها قارئها المغربي قبل العربي. وتراهن على ذكائه في التعامل مع النصوص وإعادة كتابتها انطلاقا من تجربته، ومن واقعه، واسخراج دلالاتها الثاوية، ومعانيها الممكنة. قارئ لا يغفل البحث عن أجوبة لأسئلة النص، ولا يخجل من طرح أسئلته عليه.
حسام الدين السارد الماكر..
وكدت أختنق بضحكة ولدتها في قصة "عظمة تمر" للبارع حسام الدين نوالي، وهي أول نص في مجموعته، إذا تجاوزنها القصة_الإضاءة، وأخرجناها من مجموع القصص المكونة للعمل، رغم أنها القصة الجامعة؛ هذه المجموعة التي تحمل عنوانا ذكيا يوحي ويشير ولا يبوح بل يتركك تستدعيه كلما أنهيت قراءة قصة من قصص المجموعة المحبوكة بعناة ماهر.
لم تكن اللغة المحكية زائدة، ولا ثقيلة الظل، بل كانت سمة أساسية في توليد السخرية مما يجري من أحداث شخصياتها دجاجتان وأرنب مراهق، يتصبب رغبة، قد تولد ما لا يحمد عقباه، إضافة إلى الأم والطفل السارد المتابع من موقعه الضاج بالريبة مما يمكن أن يقع فيسارع إلى طلب وضع حد للمهزلة المستمرة باقتراح ذبح الأرنب قبل أن يتجرأ على عجيزة الدجاجة.
يقوم السارد المراهق بدور سيدينا سليمان حيث كان ينقل إلينا ما يدور من حوار ويسكت عن آخر قد يكون خادشا.
حسام الدين قاص بارع يعرف كيف ينسج عوالمه من العادي والمكرر بلغة ساخرة وعين لاقطة ولغة فصيحة وحوار أنيق يخفي أكثر مما يكشف، وهو يقرأ واقعنا من خلال قصصه المدهشة.
في قصة "البهلوان" يتابع السرد الساخر حضوره من خلال شخصيتين قريبتين من بعضهما، متباعدتين من حيث السن والمكانة، فالسارد طفل يتابع دراسته في المدرسة ويتلذذ بالسرد كما بأكل البطبوط المندى بالزيت، والخال الصارم الذي يتمتع بسطوة على الطفل مما يجعله تابعا وقدوة في الآن نفسه، ويرسم السارد بسخرية ما يتفوه به خاله أثناء صلاته هو يدعو على بعض الناس بذكر اسمهم، مناقضا بذلك مبتغى الدين؛ ليعقب ذلك دعوة ابن اخته ليحمل محفظته والتوجه معه إلى المدرسة رغم أن السارد نبه الخال إلى أنه لا يدرس إلا مساء، واثناء الطريق يدور حوار حول الشهبة ويكون حوار طرشان، فلا يدري ابن الأخت مغزى حديث خاله، لكنه يفسح المجال أمامنا لنتخيل السبب: العشق. ينتهي النص بركلة من الكبير للصغير في مشهد يثير الكثير من الضحك والألم في الوقت ذاته.
ويمعن السارد في سخريته لكن هذه المرة من ذاته ذات الأصابع العاطلة والمتعبة في قصته التي فردت طولها وعرضها على مجموع القصص المكونة للعمل: "احتمال ممكن جدا" وحيث لا يوجد من الشخصيات إلا السارد صحبة أصابعه العشرة المرهقة، لتظهر شخصيات الضابطين للكشف عن فاعل الخنق غير مصدقين انها أصابع السارد نفسها وهي تريد التخلص منه كما أراد ولو تمنيا. قصة عجائبية غير محتملة الحدوث، لكنها، في القصة، وبفعل التصوير، تبغي إقناعنا باحتمالية وقوعها. كل شيء ممكن ومحتمل وقوعه.
وبسرعة ننزلق إلى القصة الأخيرة كونها تحمل ما يقارب العنوان نفسه "احتلام ممكن جدا"، و الذي صار بقوة الفن والحضور مظلة للعمل ككل، بل يمكن القول إن القصص بأكملها احتمالات ممكنة.
في هذه القصة نجد ختمتها صادمة بلفظة وحشية الحضور، سافرة وصادمة، لكنها في سياقها تصير معبرة، وسياق النص يستدعيها؛ سياق ساخر يجمع بين متناقضين: الأذان وقرض الشعر. ولعل الحوار الدائر بين الموظف والشاعر الراغب في الحصول على منصب مؤذن يعج بما يثير الضحك. حوار باللغة المحكية تعبر عن صرامة الموظف واهتمامه بالضرائب وما يجلب مداخيل إضافية لجماعته ، غير مهتم بالشعر والشعراء، بل إنه في لهجته كان يحمل سخرية منهم.
بيد أن السارد اصطاد هذا الموظف ليضعه في مأزق اليبس والتزمت، وانعدام الذوق، ومن هنا تلك اللفظة الأخيرة التي جاءت مناسبة للموقف الغريب لهذا الموظف العجيب الذي علق على قصيدة الشاعر بكلمات متقطعة بفعل هيستيريا ضحكه دون أن تكون بينة إلا بعد تدقيق في السياق.
ويمكن ان تكون تلك اللفظة ذات منحى دلالي غير ما سبق، ولا يقبض على معناها إلا باستدعاء بعض ما جاء في القصة_التقديم حيث يشير فيها صاحبها إلا خلو شعره من أي ماء. وهو ما يلقي بعض الضوء على أن سخرية النص بتوظيف تلك الكلمة كان من الاستسهال الذي طال هذا الجنس السامي. ويمكن اعتماد بعض المؤشرات النصة التي تصب في هذا المجرى من ذلك دفتره الأزرق الموجود على يمين شاشة حاسوبه.
والسخرية تتبدى أيضا من خلال الجمع بين لفظتين ذاتي معنيين مختلفين؛ فالإنهمار يحمل معنى انسكاب الماء وانصبابه، والخراء لفظة تبتربط بالجسد السفلي، حيث يتخلص من فضلاته، أي يطرد غير المفيد، بيد أن الجمع بينهما يفيد كما سبقت الإشارة إلى ذلك، معنى الاسهال والاستسهال بالتبعية. وإذا نظرنا إلى المعاني الأخرى التي تحملها لفظة انهمار، وهي انهدام البناء، او تناثر أوراق الشجر وتعريتها، تبين أن الهدف هو الكشف والتعرية والنقد لما يعرفه مجال الكتابة من فوضى.
ويلمح حضور اليد وأصابعها كما حضرت في الاحتمال الأول وإن بشكل آخر لا ينفي معنى الأول. كما يلمح جانب السخرية من الذات الساردة لا الواقعية حتى لا يحدث التباس أو تداخل.
لكن الذي ينبغي الانتباه له أن هناك شخصية عابرة لمجمل قصص العمل؛ إنها شخصية المتلقي الذي يستدعيه السارد ويخاطبه ويورطه معه.
وتعتمد المجموعة إلى جانب استدعاء المتلقي على المتخيل العجائبي وتوظيف الحيوانات في بناء عوالمه؛ حيوانات تمتلك خاصية الإنسان من كلام ومشاعر وأهواء ورغبات، كما في نص "لم ترحمني "الميرلا" أبدا". فالسارد وعبر الحلم يتخذ هيأة أخطبوط يعاني من شكله ومن أطرافه الكثيرة هو من كان يتودد للميرلا التي سخرت منه فاتخذ التصوف له عنوانا بعد أن كان يمارس رياضة تدخين المخدرات. لم يكن النص في صورته الغرائبية، وعلى لسان أخطبوط إلا حيلة فنية لقراءة الواقع ولإبراز أعطابه بعيون متسعة ناقدة وساخرة.
وتجتمع في قص "في يوم الأحد" السخرية والحوار الصريح، واللغتين العربية والأمازيغية، ونقد الشعر، في توليفة بديعة، وتركيبة جميلة، ونسج بارع لنقد الواقع الثقافي بطرف خفي من خلال الشواعر والملتقيات.
قصص المجموعة قصص لذيذة وممتعة ومدهشة بلغتها الفصيحة وبدارجتها التي وظفت بشكل ذكي لتلعب أدوارا عدة منها تقريب المتلقي من أجواء النص، وإشعاره انها من صلب واقعه، وأنها منغرسة في مجتمعه، ومستخلصة منه؛ تؤكد الدارجة انخراطها في واقعها المحلي أولان وتشرك معها قارئها المغربي قبل العربي. وتراهن على ذكائه في التعامل مع النصوص وإعادة كتابتها انطلاقا من تجربته، ومن واقعه، واسخراج دلالاتها الثاوية، ومعانيها الممكنة. قارئ لا يغفل البحث عن أجوبة لأسئلة النص، ولا يخجل من طرح أسئلته عليه.
حسام الدين السارد الماكر..