د. محمد عبدالله القواسمة - الشخصيات الحقيقية ورواية "عدوى الحب والموت" لحسين العموش

من المعروف أن بعض الروائيين يلجؤون إلى استخدام الشخصيات بأسمائها الحقيقية في رواياتهم، مثل علي بدر الذي استخدم إدوارد سعيد باسمه الحقيقي ليكون بطلًا في روايته "مصابيح أورشليم"، وغالب هلسا الذي استخدم اسمه الحقيقي ليكون الشخصية الرئيسية في روايتيه: "الخماسين" و"ثلاثة وجوه لبغداد"، ومثله ربعي المدهون في روايته "مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة". وقد يستخدم بعض الروائيين شخصيات حقيقية ولكن بتغيير أسمائها، كما فعل نجيب محفوظ في رواية "اللص والكلاب" فما بطلها سعيد مهران إلا ذلك الشخص المسمى محمود أمين سليمان المعروف بالسفاح، الذي عرفته القاهرة في ستينيات القرن الماضي. وقد حاول الأديب الفرنسي باتريك بينو في كتابه "أبطال الرواية الحقيقيون مشهورون مغمورون" الذي ترجمه قاسم المقداد تتبع الشخصيات الحقيقية لأبطال روايات كثيرة، منها: "مدام بوفاري" لفلوبير، و"فئران" لبلزاك، و"الأحمر والأسود" لساندال، "وكونت مونتي كريستو" لألكساندر ديما الأب.

من الروايات التي استخدمت الشخصيات بأسمائها الحقيقية رواية الدكتور حسين العموش "عدوى الحب والموت" (عمان: فضاءات، 2020) فقد ظهرت فيها أسماء حقيقية لكثير من الشخصيات، مثل شخصيات: دولة رئيس الوزراء السابق عمر الرزاز ومعالي الوزراء السابقين: أمجد العضايلة وأيمن الصفدي وسلامة حماد وسعد جابر وغيرهم.

لم يكن أي من هذه الشخصيات، بغض النظر عن تأثيرها في الواقع الذي يشير إليه زمن الرواية، شخصية رئيسية أو ثانوية، بل كانت كلها شخصيات هامشية أو ما أسميها إطارية، أي لم تكن لها علاقات بالشخصيات الأخرى، أو دور في صناعة العالم الروائي، فدورها ينحصر بملء الإطار العام للرواية فقط.

هكذا لم يخرج الروائي حسين العموش عن التقنيات التي عرفتها الرواية باستخدام الشخصيات بأسمائها الحقيقية في روايته. ولكن السؤال الذي يستحق الإجابة عنه هو: ماذا حقق العموش لروايته من جراء هذا الاستخدام؟

يدرك المتلقي من القراءة الأولى بأن" عدوى الحب والموت" تقدم مجتمعًا يتوزع بين الأردن وفلسطين، وتتناوشه جائحة الكورونا، ويجيء استخدام تلك الشخصيات بأسمائها الحقيقية متناسبًا مع واقع الرواية، الذي سطعت فيه تلك الشخصيات بسبب موقعها السياسي. كما أن هذه الشخصيات جاءت لتؤطر هذا العالم التخييلي وتساهم في حيويته واكتماله، وبهذا تحقق للرواية الإيهام بالحقيقة والواقع، بأن ما تتحدث عنه من التصاق الحب بالموت إنما هو حقيقة واقعة كما في كثير من الروايات، وبخاصة روايات الأوبئة والكوارث التي تقترب منها رواية العموش، مثل: "الحب في زمن الكوليرا" لماركيز، و"الطريق" لمكارثي، و"الطاعون" لكامو.

لا شك في أن استخدام الشخصيات الحقيقية في الرواية، سواء أحملت أسماءها الحقيقية أم غيرها لا تحتاج إلى جهد في بنائها، ورسم ملامحها وصفاتها؛ فهي في الأساس شبه كاملة أو جاهزة لزجها في فضاء العالم التخييلي. كما أن من السهولة أن يتعرف إليها المتلقي، ويتلذذ بمعرفتها، وقد يتعامل معها كأنها شخصية من الواقع المعاين، ويغيب عنه بأنها شخصية فقدت سماتها في عالم الواقع بدخولها العالم الروائي.

إن ما في الرواية من أسماء حقيقية لا تكون متطابقة مع الشخصيات المعروفة في عالم الواقع، وإذا تحقق هذا التطابق فإن العمل يخرج من عالم الرواية إلى عالم السيرة؛ فالرواية عالم تخييلي لا ينفصل فيه الواقع عن الخيال حتى إن الروائي نفسه وهو الذي قام بهذا المزج قد يلتبس عليه التمييز بين الشخصيات الحقيقية والمفترضة، بخلاف السيرة فإن عملية الفصل ممكنة لأنها فن يقوم على الحقيقة الواضحة والخيال.

لعل من الجدير هنا أن نذكر بأن ليس من الضرورة أن يشير المؤلف في الصفحات الأولى من الرواية بأن شخصيات روايته لا تعود إلى شخصيات حقيقية، أو لا تشابه بينها وبين الشخصيات في عالم الواقع وإذا ما حدث ذلك فليس إلا مجرد مصادفة.

والخلاصة فإن الشخصية الحقيقية لها دور مهم في تقريب الرواية من الواقع والإيهام بصدق العالم الذي تقدمه، وقد تجلى هذا الدور في رواية "عدوى الحب والموت" للروائي الدكتور حسين العموش الذي وظف فيها شخصيات بأسمائها الحقيقية؛ ليؤكد صدقية عالمها القائم على ثنائية الحب والموت، الحب الرومانسي بين بطلي الرواية سامي وسمر، والموت الذي خيم على مجتمع الرواية متجسدًا في الاحتلال الإسرائيلي وجائحة الكورونا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...