منذر الغزالي - قراءة نقدية لنص القصة القصيرة جداً (بشرى) للقاصة إيمان فجر السيد

إيمان فجر السيد
بشرى

في القَبوِ الممتدِّ ظلالاً، تحتَ
الجنادل،ِ صرختِ البواباتُ المهجورةُ :
- أفسِحُوا الطَّريقَ، فقد ضاقتِ الجماجمُ بالصَّقيعِ والعفنِ.
وحدهُ هيكلي العظميِّ، كان يرقصُ طرباً على وقعِ السَّنابك.

......................................
القراءة:
لنبدأ بقراءة النص من خلال الشروط الفنية، واقتراب النص أو ابتعاده عنها..
العنوان، بشرى، عنوان من مفردة واحدة، نكرة، وهو عنوان (غامض) يفتح الخيال لعدد لا منته من الاحتمالات، لكثرة الأمور التي يمكنها ان تحمل البشرى...اذن هو عنوان جاذب، مثير للفضول، والانتظار.
وفي المتن، نلاحظ أن الكاتبة ابتدأت نصها بشبه جملة، لكن ذلك لم يلغ الحكاية. بل لعله أثث لها المكان، بكلمات قليلة وعبارات مشدودة مكثفة.
يبدو التكثيف في استخدام الكاتبة لمفردة "الجنادل"، على الرغم من أنها مفردة معجمبة بعيدة عن التداول، إلا أنها اختصرت كلمات كثيرة لوصف الصخور وحجمها وتراكمها…..
أما القفلة، فقد جاءت، لتعطي العنوان معانيه، وتفتح لنا ابوابا للتخييل، ووضع الحكاية من داخلنا نحن، بعيداً عن كلمات النص التي رسمت لنا طيفاً من الحكايات.
وقد لجأت الكاتبة إلى الراوي بضمير المتكلم، وأعطته صفة الراوي العالم، ليتحدث حتى عن ذاته، من مسافة بعيدة. واستعانت بتقنية "المرآة"، ليكون الهيكل العظمي، هو الوجه الآخر للبطل، وبرأيي كان توظيفاً موفقاً..
فمن مدخل النص وتأثيثه بالمكان: زنازين تحت الأرض، أو تحت أكوام من الصخور الكبيرة، وبوابات صدئة ثقيلة، وجماجم تعفنت تحت الصقيع والإهمال وطول الزمن...وخاتمة تقفل النص على بشرى القادمين، ليقتلعوا البوابات الصدئة، ويفتحوا للنور أبواباً واسعة..
كانت اللغة في هذا النص هي البطلة الحقيقية، لغة مكثّفة، ذات إيحاءات كثيرة، وواصفة، لم تقيّد الوصف بمكان ثابت أو واضح، ولا بزمان محدد، الأمر الذي يجعلنا نضع المكان والزمان، والظرف، حسب ما تتركه اللغة من إيحاءات في داخلنا، ويكون للنص أكثر من مستوى للقراءة، دون أن يخل ذلك من انسجام النص، أو يفرض عليه قراءة بعيدة، وغير مرتبطة بلغته ارتباطا عضوياً.
ففي المستوى البسيط، المباشر، الزنزانات هي الزنزانات التي نعرفها، والجماجم هي بقايا من غاب في غياهبها، والهيكل العظمي هو الرمق الأخير لسجين ما يزال يؤمن أن شمس الحرية قادمة، لكن هذا المستوى المباشر، له مستويات عديدة للقراءة، توازيه، وتتسق معه، دون إخلال بالنص….قد تكون الزنزانات هي وطن كامل، يحبس أبناءه بظلم واستبداد وجهل وعنف….والجماجم ضحايا هذا الظلم والاستبداد و….
والهيكل العظمي، هي حال من بقي من أبناء الوطن المتعبين المنهكين تحت وقع الظلم، وسنابك الخيل، هي الثورة القادمة المنتظرة، تحمل البشرى لأبناء الوطن….من تبقى منهم.
وقد تكون الزنزانات جهل ظلامي، يسدُّ منافذ العلم عن أبناء الوطن، ويقتل الافكار التي تصرِّح بما تفكّر، ورمزها الجماجم المتعفّنة.
والهيكل العظمي هم الرجال المؤمنون بالخلاص، وبنور الشمس والمعرفة، ما يزالون بضعفهم وانهيارهم، يحلمون بأن الغد أفضل، ولا بد لشمس الحرية، ونور المعرفة، أن يمد شعاعه يوماً.
التفاعلات: منذر فالح الغزالي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...