أمل الكردفاني - الفشل في صناعة الدكتاتوريات

منذ فجر التاريخ، حيث تشكلت النواة الأولى للأمم، ظهرت الحضارات عبر أنظمة دكتاتورية. الحضارات القديمة برمتها كانت حضارات حكم المنظومة الفردية، الفرعونية والبابلية وحتى الرومانية والصينية والفارسية..الخ اخرج منها أكذوبة المدن اليونانية كحالة أفضت إلى نهايتها.
لم تتأسس الحضارات على الدموقراطية، ولو كانت دموقراطية لفشلت وتنازعتها أهواء الملل والنحل والطوائف والمذاهب والآيدولوجيات. ولو نشأت أمريكا على دموقراطية حقيقية لتحولت إلى الشيوعية بامتياز، فليس من السهل تجاوز المكارثية ولا أن أغلب فلاسفة ومفكري أمريكا إشتراكيون (شيوعية مغطاة). ولكن أمريكا نشأت على يد البرجوازي المنتصر، والذي سيحافظ على أدوات سيطرته على السلطة والثروة بقسوة وإصرار.
لقد استطاع الإعلام الأمريكي تحويل مصطلح الدموقراطية (الفضفاض) إلى مصطلح يتوازى مع أسماء الآلهة في القداسة. وهكذا تم زرع بذرة تفكيك العوامل المساعدة لنهوض حضارات جديدة عبر الدكتاتورية..سوف يخضع الجميع بسبب أكذوبة صغيرة.
لم يكن التدخل الأمريكي وحده أحد أسباب الفشل في صناعة الدكتاتوريات، فما رأيناه ونراه في الدول العربية والإفريقية ليست دكتاتوريات، بل أشباه دكتاتوريات، ضعيفة وباهتة، وقابلة للإنهيار بسرعة أمام أول حجر تتعثر به.
لم تنجح حتى الآن سوى أمريكا وإيران في صناعة تلك الدكتاتوريات المنظمة المغطاة. والصين وروسيا في صناعة الدكتاتوريات المكشوفة.
فالدكتاتوريات التي هي دكتاتوريات بالفعل، هي تلك التي لا تقف عند حد الحكم، بل هي نفسها تحكمها طموحات إمبريالية لا حدود لها، وتتشكل عبر منظومة صلدة، تنتظم مفاصل الإمبراطورية الرومانية والفرعونية والبابلية والأموية والعثمانية..الخ.تلك الدكتاتوريات التي تتأسس على برنامج إستعماري واسع المرونة، ودائم التغذية الاسترجاعية، وبالتالي دائم التجديد والتطوير والتوسع لخدمة الدكتاتورية.
أما ما يطلق عليه في الدول العربية والإفريقية حكم الدكتاتوريات، فهذه ليست دكتاتوريات، بل مجرد أنظمة مغامرين ظلوا مغامرين حتى ساعة قتلهم أو نفيهم. نستطيع أن نقول أن الدكتاتورية الحقيقية المكشوفة الوحيدة اليوم هي دكتاتورية روسيا، وريثة الإتحاد السوفيتي، وتليها الدكتاتورية الصينية. هاتان دكتاتوريتان عظيمتان، بروح التاريخ وأنفاسه. غير أن الصين تطور دكتاتوريتها بشكل أسرع وأدق من روسيا لتتحول إلى دكتاتورية مغطاة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...