أمل الكردفاني - الجريمة كمقاومة وتنمية

تسهم الجريمة في فهمنا لواقعنا، فهي في الوهلة الأولى مقاومة أكثر من كونها عدواناً، تقوم دراسات تحليل الجريمة والأنماط الجنائية، وعلم الإجرام البيئي، بالعمل على فهم الأسباب الأساسية الجريمة، رغم أنها تكاد تكون بديهية؛ كالفقر وضعف التعليم، لتثبت أن الجريمة في الواقع مقاومة وليست عدواناً. ولكي تتجنب الحكومات التوتر بينها وبين الشعوب (لتحافظ على سلطتها)، فهي تعمل على مكافحة الجريمة عبر تحقيق التنمية وتوفير الحياة الكريمة وفرص الترقي الإقتصادي والتعليمي. وبالتالي تساهم الجريمة كمقاومة في تعزيز التنمية، وأحيانا في تعزيز الرفاهية، حتى عندما يتم التحول إلى فكرة الدفاع التحصيني، الذي تقوم به الليبرالية؛ أي تلك التي ترفض إنفاق الدولة على معالجة المشاكل الطبقية (بإعتبارها مسألة طبيعية متروكة لحركة الإقتصاد). ففي هذا النهج أيضاً، تعمل الأنظمة على تفويت فرص ارتكاب الجريمة عبر تقليل الأهداف الملحوظة للمجرم، وهو ما يعمل عليه علم التصميم البيئي، (مكافحة الجريمة عبر التصميم البيئي Crime Prevention Through Environmental Design (CPTED)).
فحتى في هذه الحالة شديد التعبير عن الأنانية واللاإكتراث، سيعمل التصميم البيئي على تحقيق زيادة في معدل التنمية، فإنشاء الحدائق والمحال الصغيرة في الأحياء كمحلات الزهور مثلاً، والمتنزهات (الرقابة الطبيعية)، أو زيادة عدد رجال الشرطة (الرقابة الرسمية)، سيعزز الرفاهية أيضاً.
تحسب الدول تكاليف الجريمة، وتعمل على تقليل تلك التكاليف ما استطاعت عبر التطوير البيئي، ليمثل المجرم -في هذه الساكنة الزمنية بالذات- مدافعاً عن الحقوق بدلا عن منتهك لها. فعدم وعيه بأنه كذلك، لا يسلبه هذه الصفة ذات البعد الأخلاقي الإيجابي، لأن العبرة ليست بالوعي بالقيمة الأخلاقية بل بممارستها، بل وقد تمنحها الممارسة العفوية اللاواعية درجة تقيمية أخلاقية أعلى مما لو كانت ممارسة مفتعلة.
إن أغلب المجرمين عاطلون عن العمل، أو بأعمال هامشية، وأغلبهم أقل تعليماً، وأغلبهم من مناطق فقيرة وضعيفة الخدمات العامة.. ولذلك هم يعبرون عن لا توازن سياسي واقتصادي واضح، ويكشفون سوءة الحكومات، وقد يعكسون أيضاً -ليس فقط نمطاً طبقياً- بل نمطاً ثقافيا إجتماعياً (كالتمييز العرقي أو الديني أو الجنسي أو الثقافي..الخ). لذلك يعد وجود المجرم مُهِمَّاً عبر الجريمة، ليعكس اللا توازنات داخل الدولة، ويدفع بالمجتمعات إلى إعادة قراءة واقعها بمصداقية أكبر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...