محمود شاهين - في يوم مولدي: عملت جهدي لأن يكون لوجودي ضرورة !

مرت سنوات كان يُحتفل بيوم مولدي من قبل زوجة أو صديقة أو مجموعة أصدقاء. أذكر أن آخر احتفال كان عام 991 أقامته زوجتى الألمانية ( إلهي يسهل أمرها ويرضى عنها) وحضره قرابة عشرين من الأصدقاء والصديقات. ولا أذكر أنني احتفلت بعيد ميلادي بعد ذلك بوجود أصدقاء. منذ ذلك التاريخ وأنا أحتفل وحدي أو لا أحتفل . أنا أعشق الوحدة دون معظم الناس الذين لا يطيقونها ..

بدأت طفولتي راعيا بعد أن أخرجني أبي من المدرسة لأرعى أغنامنا .. أصبحت راعياً ما هراً خلال ما يقرب من ثلاثة أعوام، كنت أطوع الأغنام على ألحان شبابتي أو أرغولي أو مجوزي . وكان علي أن أواجه مصاعب الحياة بعد أن هجرت القطيع .. عملت في مهن كثيرة دون أن أقتنع بأي منها .. وتابعت الدراسة في معاهد مختلفة ودورات . سكرتاريا وإدارة أعمال . صحافة . سيناريو سينمائي. الانكليزية. الألمانية. الفرنسية . الرسم. وقبل ذلك هندسة المتفجرات حين انتميت لحركة فتح عام 1968 كمقاتل.

وإذا استثنينا الصحافة والرسم فإنني لم أجن من هذه الدراسات ما هو مهم .. ربما اللغة الانكليزية قليلا .. تركت كل شيء ورحت أغرق في الأدب والنقد والأسطورة والفلسفة والمعتقدات ، واللغة العربية. وعلم النفس قليلا. وتاريخ الأساطير والديانات وتطورها ..

كنت أتساءل دوما عما إذا كان لوجودي في هذه الحياة ضرورة ، لأصل إلى نتيجة ، أن لا ضرورة لوجودي ، فأنا لست أكثر من رقم ، ومع ذلك بدأت الكتابة في محاولة لإيجاد ضرورة ما لهذا الوجود الرقمي .. كتبت في ظروف سيئة ورغم ذلك بدأت بعد مجموعة كتب، أشعر أنني حققت شيئا من ذاتي .. لأتبين لاحقا أن هذا ليس ما أريده .

لا أريد أن أكتب ما هو معتاد كالآخرين .. لا بد من تحطيم هذا الحاجز .. أول اسطورة انطبعت في مخيلتي دون أن أنساها، هي أسطورة صعود الصخرة خلف النبي محمد حين عرج إلى السماء ، فأمرها النبي قائلا " توقفي يا مباركة " فتوقفت بين السماء والأرض وما تزال واقفة .. هذا ما قاله لي أبي حين اصطحبني في طفولتي إلى القدس لأرى المعجزة .. ورغم أنني لم أر الصخرة طائرة وأنا أدور حولها مع أبي ، إلا أنني لم أشك اطلاقاً في قوله ، ويبدو أن تاريخنا كله قد كتب بهذه العقلية. لكن، وبعد قرابة ثلاثين عاما بدأت أشعر أنه لا بد من الشك في قول أبي : فالصخرة لم تكن طائرة يا أبي وينبغي علينا أن نراها على حقيقتها . وهكذا شرعت في كتابة ملحمة الملك لقمان . الملحمة التي أفتخر بكتابتها، رغم أنها لم تلق أي رواج على الإطلاق ، ربما لخوف الكتاب من التطرق إلى موضوعها ، وهو البحث عن الله . وربما لكبر حجمها( 614 صفحة حرف صغير) ، وربما للنسخ المحدودة التي طبعت منها ( 500 نسخة حسب قول الناشر ).

في " الملك لقمان" يعثر الملك على الله . تبعتها ب " غوايات شيطانية " التي يعيد الله فيها الأديب ( البطل ) إلى طفولته ويتخذه ابنا له ، وتقيم له الكائنات معراجاً احتفالياً في السماء، أقصى ما يمكن للخيال أن يتصوره .

تابعت رحلة الملك لقمان في " أديب في الجنة " حيث قدمت مفهوما للألوهة وصعدت بالملك إلى السماء !

وتابعت تعميق مفهوم الألوهة في " عديقي اليهودي" و" زمن الخراب" إلى أن توجته بما هو أعمق " قصة الخلق " التي يبدو أنها ستلاقي قدرا ما من الرواج الممكن بعد أن نفدت نسخها من المعرض الأخير في عمان ..

المهم أنني ومنذ الملك لقمان وسبعة كتب أخرى صدرت بعدها ، عدا مئات المقالات والمقولات والأبحاث الأخرى المنشورة على النت، وأنا أشعر أنه كان لوجودي ضرورة ، وأنني عملت ما أستطيع رغم ظروفي الصعبة، لتحقيق ذلك .ولا شك أن هذا الحافز كان أهم الحوافز التي دفعت بي إلى الكتابة ، والاستمرار بها .. وما زال لدي ما أقوله رغم أن قوله صعب للغاية . حلمي الأخير أن أكتب رواية أكون فيها مع الله بعد موتي . لا أعرف إن كنت قادراً على تخيل هذا العالم في حضرة خالق طاقوي عقلاني ( حسب فهمي ) سأصبح جزءاً يسيراً جداً من وجوده بعد موتي ، ولا أعرف إلى أي مدى سأرى نفسي متجلياً في الوجود ، كما يرى الخالق نفسه . أو أنني سأرى نفسي متجلياً في كائن بعينه أو كائنات .. رواية كهذه تحتاج إلى قدر هائل من طاقة وقدرة الخالق نفسه لكي تكتب ، وآمل أن يعينني الله على ذلك ! ويبدو أنني سأشرع قريباً جداً في هذا الأمر ، فهو يجثم على روحي منذ أعوام ، وبه سأختتم مسيرتي الطويلة في معرفة الله جل جلاله السامي !!

30/10/2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...