البروفيسورة شعوب الجبوري - الإبداع يؤخلقه المعنى 3/3.. عن الألمانية أكد الجبوري

اختتمنا في الحلقة الماضية**٬ عن تأجيل الإجابات عن الأسئلة التالية: كيف يكون هناك تواطؤ في أصل المعنى عن الشيء نفسه٬ من دون تحرر المتلقي من انتظام مرويات المحتوى٬ واصل حكائية كل تنويعات فيه؟ وفي حال تحرر المتلقي من السياقات المروية٬ هل يتمكن من كشفه عن حقيقة الغايات والقلق الملازم له؟ وكيف أن تكون السياقات تمارس ضغوطات عن توليد المعاني٬ ومن اجلها يكون "المحتوى" معرفة مزيفة٬ أو٬ عن بنية الاهداف حين تخفي الحقيقة؟
الإجابة :
إن التواطؤ في أصل المعنى عن الشيء نفسه٬ تحدث عنه البعض٬ واصفا إياه بالتراخي هو ليس نقصا مهينا في المحتوى يعيبه٬ بل سمة من سماته تكاسل همته٬ فالتهاون٬ هنا٬ صفة مشبهة على الثبوت من الفتور والتواني٬ والتكاسل عن قول كل مافي واجب قوله وتبيانه في المحتوى٬ قد يواري ويتستر في واقع الأمر طلب يرجئه إلى تصيير كل الدلالات٬ المقبول منها وغير المقبول. وهذا ما يدفع التدلال بنشاط يتحرك نحو التأويل٬ لا على أصل يعتمد على قاعدته التوليد الابداعي فقط. وهي صيغة تحيل القول بالبحث عن "بؤرة" أو "مرتكز" الدلالات ليس في الابداع٬ بل يشييد لحظة التأويل من خلال إعداد الإستفهام ذاته٬ ذلك أن الأبداع ليس "ذاكرة" لمضمون ثابت٬ بل فاعلية مخبؤة تحتاج إلى إرادة.

وعليه٬ فإن الإبداع ليس مجرد وسيلة إجرائية غرضه إثبات مصداقية على تأويل ما٬ إنما هو مبحث فاطن يعتمد التأويل ببنائه على أسسه مدركة إليه٬ ضمن دورة حياة دائرية تقود إلى التحقق على هذا التأويل من خلال ما تستكمل صياغته الاستراتيجية٬ وفق عملية مراحل تنظيمية بمثابته نتيجة لهذه الحيوية الناشطة. ويجد القول هنا٬ بأن عملية المراحل الاستراتيجية وتقييمها٬ تراقب وتتابع المؤثرات وتغيرات المحتوى اثناء الحركة والانتقال عبر الزمان والمكان٬ مما يصعب احيانا٬ على ما هو دائم صالح ثابتا أو متغيرا في كل دورة قائمة للاختبار. ما يعني٬ أن المؤول الابداعي لا يبحث عن المعنى في ذاته٬ إنما يعيد بناء أهداف جديدة يواريها ظاهر المحتوى٬ كي يتمم صياغة حقة لفائض حقق المعنى من قيمة حقيقية صادقة.

وبعبارة أخرى٬ أننا نستطلع الأشياء ضمن معان قبلية٬ فلا نجلب من هناك إلا التصورات الساكنه٬ يعني ذلك أن كل الانتظامات/ السياقات كانت تتوالد بتفاصيل محتوى التصورات ذاتها٬ أو٬ هي قوام الترابط بين مفاصل التصور وكليته٬ من الجزء إلى الكل والعكس٬ علاقة تناوب مستمرة٬ وهي الحركة الفاعلة لإنتاج المعنى٬ ضمن تصور ما للكل من تأثير عناصره من فرص وتحديات٬ وما للجزء من عناصر قوة وضعف٬ وفق حركة فاعلة لسياقات منتجة٬ تستدعي إعادة أبنية ما للجزء من مهارات متقدمة مساعدة٬ عمادها الاساس المعارف التاريخية للمراكز الاستراتيجية٬ التي قابلة الاشتراط للتأويل كـ"بؤرة"المعرفة التاريخية٬ لتعيين مراكز وحداتتها في إعادة البناء المعرفي٬ أي استحضار الاهداف التواصلية التي تمكنها من اختراق موطئا جديدا نحو معنى كان مبهما أو منفلتا٬ والتقاعس هدد ضياعه فرصة الظهور لقوته حينذاك٬ ما يجعل الغموض يكتنفه لمجرد محاولة اسحضاره كعنصر مبهم المعنى٬ ملقى من معناه القديم والقبلية الثقافية في تعاطيه لإقتداره الجديد. إننا هنا٬ لا نبحث عن منظومة معرفية لزمن مضى وأنتهى لعدم٫ وإنما نستدعي الفهم إليه لما تتضمنة عملية الابداع الاستراتيجي من نتائج راهنية قيمها٬ لمخرجات معان جديدة٬ يتلقى فيها الابداع حيوية نظرته المستقبلية من تفعيلها.

إن الابداع٬ على هذا القاعدة٬ يتضمن سلسلة من مراحل عمليات استراتيجية٬ لمتابعة خطط مسبقة٬ وهي التي يستند إليها صانع القرار المبدع والمتلقي من أجل تقديم سيناريوها لسياسات قابلة لمعان مستقلة داخل وحدات منظومة المعرفة الدلالية٬ أي حاملة التقبل للمعاينة المتخصصة المستقلة٬ لها تربتها الثقافية الجديدة؛ بعض منها عن توصياته وأخر عن ذات متلقيه. لم يعد هناك رابط مستقل لموضوع خارج محدداته إن لم يكن منضبطا باهدافه٬ وإنما الأمر متعلقا بأبعاد تلك الاهداف التي تسعى لبناءه من خلال الابداع التي تشير معانيه بعلاقة ارتباط تحققه نحو خارجها٬ أي تبني على وجود عوامل مؤثرة تدفع انسجام وظيفتها حيوية نحو موضوع يدعوها من خارجها٬ ولابد هنا من الأشارة عن تحديد مضمونها٬ بمعنى أي أنفتاح على الأخر من خلال تصورات٬ لابد من مراجعة البيانات القبلية (= منحنى الميل التاريخي لخبراته)٬ تقرأ٬ لمعرفة وحداته مهارات عوالمه البنائية٬ فهذه الأهداف هي مكونات منظومات قدرة دافعية صناعة القرار نحو التقدم عن معرفة كوامن طاقاتها الفاعلة٬ الهادئة٬ التي أمضت تشيد مع الخطاب الاستراتيجي ورسائل ضمنية مآلاته. إذن أننا نبحث عن المعنى في الابداع٬ مكونا متقدما٬ كما هو ـالمعنى ـ لا نستخرجه من الخطاب حتى يتشكل بحثنا في عناصرنا الداخلية لغرض تثبيت ابداعاتنا الضامنه عنه٬ نحو الخارج٬ كي يستلهم إعادة إنتاجه إلينا متجددا من جديد.

بعبارة أخرى٬ لا يمكن الاعتماد على خطاب لمنظومة معرفية عن وحدات منفلتة من أهدافها٬ وإن تشاء بداهتها إنها تلقائية مسؤولية "حدود الأهداف" أو رسالتها الاستراتيجية ذاتها متحررة من قيود الخطط٬ وهذا اغفال وتكاسل تركها سائبة. إن الآمر٬ هنا٬ محدد بمخرجات "قيمية" للابداع٬ محددة ضمن "المعنى" المتحرر المشروط. ومع ذلك لا يمكن لأي شيء ابداعي أن يستقيم إلا ومحددات أطره يساوقه الانضباط والوضوح في التنفيذ. لأن أي خطاب قادم من الخارج مؤثر في صناعة القرار حين يحيين للتنفيذ في الداخل٬ بل يؤثر في تفاعل طاقة إنتاج وحدات منظومة المعرفة الدلالية٬ مراكز وحدات الإنتاج النوعي المعرفي٬ وقواعد محددات التصميم المعماري في تحرره الجمالي٬ ومنها ما ينعكس عنها توليد الأحكام الاجتماعية في إنتاج المعنى٬ وما يرتبط بآلية عضويته إرادة السعي "سرديات" وفقا لسيناريوهات تعد تماثلها بدائل للتوقعات المحتملة الحدوث ضمن تحيين مؤكد المعارف ومتنوع الاختيارات٬ وايضا ما تظهره مراحل فرعيات العمل في التنفيذ من تقاعس وهمة.

يتعلق الأمر هنا٬ دقة الإنضباط في المتابعة والتوجيهات لوحدات إدارة المشروعات المعرفية الثقافية٬ توجيهات ثقافة "إدارة الخبرة" المشتركة التي توكل إليها إدارة الابداع٬ آهلية انتقال النص نحو المعنى٬ من أجل مراقبة تطبيق المعايير٬ وبناء وحدات مساعدة متحركة الفهم عن عالمه٬ يعتمدها المتلقي "الفعال" في فهمه. وهذا يعني أن انتظامات المعرفة الابداعية٬ تتجاوز النص نحو معطى خارجي٬ تزيح سياقات المحتوى "الرؤى" دون الاعتراف بجاهزية معطاها في تحليل الواقع٬ أو الجدية في تبنيها له٬ لأنها وإن بنيت على قواعد تأويلية٬ إلا أنها خارجة عن مبدأ توليد دلالاته٬ وإن تتالت مناوئة٬ فالمعنى له واقع بناء وعمليات عمرانية في الابداع٬ والعمليات الابداعية شرطية٬ تنبه الخطاب عندما يتكاسل أو يتمنع عن تطبيق المعايير التوجيهية والثقافية المشتركة٬ بمعنى الابداع لا يكون حاملا منتجا لمعنى٬ إلا ويعبر عن ذاته بالاهمية المباشرة لذواتنا والمتلقي إليه.

وذلك ما يؤكده فعل الاستراتيجة ذاتها بتعاملها مع السيناريو إليها. هناك في التفكير الاستراتيجي الابداعي تسوده "الرغبة" في تبني السيناريوهات نحو المتلقي٬ تؤجج ما عنده٬ كي تدفع سعيه بتنامي وإثمار الدلالية داخله إلى حدودها القصوى٬ بمعنى تشبع لديه مدلولات تخيلية٬ قلقة٬ تفرز تأرجحها مكائد ساعية تحيلها التمسك بالرؤى على نهاية لا يمكن ازاحتها إلا إلى اللاشيء بعده٬ وبالمقابل هناك رغبة تدعو إليه التشبع بالطمآنية على مدلولات "حاسمة" ونهائية٬ عبر سلسلة حلقات متصلة٬ تتمرحل بدايتها فنهاياتها وتتقدم٬ لا تنقطع٬ تمنح طاقة متناوبة٬ تعد فرص الاستعداد والتهيؤ والعمل٬ إلى ما فاض من قيمة تأويلية أو أوحت بها. أن المتلقي لفعل الاستراتيجية في تأبط ما يتلاقاه٬ بشكل مباشر أو غير مباشر٬ يلتقط الأنفاس والنظر إلى ما خلفه الفعل من تأويل٬ قد يساويه بالكتلة أو يعاكسه او لا يعاكسه بالاتجاه٬ حين يتقصي عليها من خلال ما يلحظ. إن شئتم. لأن الاهداف من خلال تبني الموضوعات لها تدافع "رغبوية" غير ملموسة ماديا٬ تدفع "الرؤى" احتضانها مشحونة تندفع بأنفعالية تألف معنى٬ لذلك لدى البعض ما يرى فيها أهداف محددة صفة للموضوع بكونها مركزه٬ منتقاة بأختيارات لها من الوافر النصيب٬ أحق لها فيها عن غيرها.

لكن هل تنامي وتطور تدليل المعنى في الاشياء الحية مطلقة الفرضيات٬ أم لها من الابداع تأويل في وجود حدود تنتهي؟ إن التمعن الدلالي مفتوح إلى ما لانهاية٬ يعتمد إلغاء القيود٬ متيقظا٬ أبوابه للجمهور المعني تفتح بذراعين بمفتوحتين الأهتمام٬ لمن يبقى عينيه مفتوحتين ويبقى حذرا٬ والابداع لا يحمل تاريخا محددا على المواجهة٬ معلقا٬ دون أن يتخذ قرارا نهائيا بشأنه٬ والتدليل رسالة مفتوحة٬ ذات اهتمامات عامة موجهة لفئة متخصصة ولكنها تنشر حتى يعلمها الجميع علمه وإنارة بصائر غيره هداية ورشدا ما يبح لهم بسره٬ مهيأ له ولهم سبل الخير. إذن فالتدلال ميسر لا مقيد٬ وتلك طبيعة الفكر الإبداعي وحالات الوجود أيضا. بمعنى الأبداع يتلقى المحتوى في سردية عالمه٬ نصا٬ صفاته مقتطعة من معالم محددة٬ متعلقة بتوجيهات ثقافية تشبة الخبرة المشتركة التي يستند إليها النص لدى المتلقي٬ ترقبه من أجل بناء عوالمه ليعتمد تفهمها٬ حتى يؤكد مدى سعة تفهمه٬ معبرا معناه أن سياقات المحتوى لا يمكن أن تعطى جاهزة هبة لغرض القراءة٬ بل ضمن عمليات تأويلية متتالية٬ وفاءا عن ترقب حمل المعنى ما تستدعيه الوقائع محيطة بنا مباشرة بضرورة استمرار جمالية محددات النوع في بناء الأحكام الثقافية الاجتماعية.

وذلك مظهر عام ما يسود السؤال اعلاه٬ لكن هذا الظاهر مظهر من مظاهر وجودنا٬ التي تدفعنا إلى المضي بالسيرورة الدلالية داخله إلى حدوده القصوى٬ أي إلى سيرورة التمعن الدلالي في الفرضيات٬ ولكنها في وجود المحتوى منتهية٬ لذا فإن النص يمنهي لكن المعنى في سيرورة متعددة الاختلاف والاقتطاعات٬ فأن تدبير حلقات سلسلة المؤولات٬ لا يمكن أن تحيل على نهاية تفرز مدلولا لا شيئ بعده٬ دون أن تنتهي إلى برهان ما٬ فإن عالم السيناريوهات الاستراتيجية عن اهدافه يتدخل من أجل تحديد مسار المعرفة وحجم فاعلية استقبال الحلقة اللاحقة٬ إن كان يقلص من طاقته وحجم دفعه لتلقيه من التدلال.

فمن ميزات السيناريوهات خطابها الثقافي٬ حملها الخبرة القبلية٬ الذاكرة التي لا يمكن أن تقبل أي شيء٬ ولا تستفرغ أي شيء أيضا٬ ولو لم يكن الأمر هكذا٬ لوقعنا أمام إشكالية حلقات متتالية من سلسلة التماثلات التي لا تخضع لاي متابعة حكم أو سيطرة.

إن للخارج (مخاطر وفرص)٬ سلطة على أنارة الابداع وإرادة إعادة إرساله إلى توليد المحتوى قوة عن تلقيه٬ يستفرغ ضعف قبليته٬ وللسيناريو الاستراتيجي قبلية هو ما يضمن تناغم المحتوى وإنسجامه متماسكا. وهو حدث تبنى عليه سمات وجودنا في البيئة الثقافية والحياتية٬ فكلما أنغمسنا في الابداع تلمسنا المعنى عالم دلالي حيوي٬ يحيل تفاعلنا مدركين الأشياء٬ أبداعية معناها٬ لا من حيث تاريخيتها المادية٬ بل من خلال ابداع ظواهر سماتها من تنوع بعضها وتعدد فرصها وقواها المشتركة٬ واستفراغهما من شحنات المخاطر وضعفهما. وهذه الابداعات ميزة تنافسية٬ سمات ليست شيء عنها مغاير سوى ذاكرة من أثار بحث وجودنا منها في المعنى.

لذلك فإن لوحدات مصادر الفرص والتحديات في "الخارج" لا تعنى في المحتوى إحالة الموضوعات على المدبر وحدات مادية٬ أو٬ تسليمها رفعها إليه وجعلها مقصورة ظواهر٬ عليه لينظر فيها معادلات من وحدة إلى وحدة أخرى٬ بل هي محاولة دؤبة مستمرة للأشراف والتحكم بما يمكن من زواها بتسمية "الاداة الثقافية" عند استعمال إحالة الوحدات في المنظومات الثقافية للمعاني٬ ساعية في المحتوى تلبية إحالة تلك الموضوعات ثقافتها٬ وتحديد موضعها ضمن التجربة الإنسانية. وإلى هذا الأصطفاء أنحاز أختيار الظاهريون وأعتبروا المحتوى من زاد فيه ارفع الصفات التعبيرية مقاما إنسيا٬ ابتدعها الإنسان ارقى منزلة وحولها إلى أثر قبلية جمالية؛ قادرة على حماية مستودعها "التركة"/ إرث قد لا تتمكن الإشارات الاحادية بمفردها أو الكنايات الخفية عن زواء إيماءة الرموز المعزولة القيام به. فهذه٬ أشبه بمثلها موسوعة٬ صماء بكماء٬ وما يمكن أسماعها وأصغاء نطقها (إن صح التعبير) هو إحالة موضعها موضع حيوية وحدات المنظومة المعرفية/ السياقات لاغير٬ فهي عن وحداتها تولد تموضعات٬ تبتكرها٬ معنية بفحصها وأختبارها وحدها٬ أستنادا إلى ما يمكن أن تقدمه نتائج الابحاث والاختبارات من معان تبيح من خلالها منظومة المعرفة ما تنهي به الحدود وتجيزه إبداعا٬ فقط.

لكن هل الهدف الحقيقي للأبداع عن المعنى يبني قيمة فائضة خالصة داخل اللغة حال إنتاج تولدها أم عند تلقيها تأويليا؟. إذن٬ يمكننا القول:تلك تركيبية أخرى للإشارة إن الهدف الحقيقي للإبداع يبنى فيوضه القيمية داخل اللغة حال إنتاج تولدها يؤخلق معناه للخارج٬ بآعتباره استوفى جوهره٬ وحصل عليه قدرا تؤيليا عن الخارج لحظة تلقيه. إن الهدف الفريد القابل للتأطير والتحديد هو هدف اللغة ذاتها٬ لا من حيث عثوره الإرادة عند المبدع إلى الشارح والمفسر على ضبط كل المعاني في أساليب وادوات منهجية الإبداع٬ بل من حيث إمكاناته على إسقاط احتمالات تحدد منهجا للتأويل يرصف مسارت سياقاته المتاحة. ذلك لأن الحيز الممكن للمعنى مخزون في فاعلية وظائفيته وطاقته منزويا في اللغة وحدها٬ و وحدها المعبرة عن ذاته.

وذلك ما دفع بعض الباحثيين٬ وعلى أساس هذه الرؤية تأنسهم قيام العيانية/ الظاهرية٬ لكي يؤكدوا دائما أننا نتعقل داخل المعاني لا ضمن أشياء الخارج. فما هو مهم في وجودنا ليس الموضوعات٬ كما هي أشياء االخارج قبل أن يكون تقبلنا لها في الجوهر عن أستقبالها٬ بل موضعها وأهميتها من التجربة الإنسانية٬ كي تشكل عن طبيعتها هويات ثقافية. إلا أن للبعض من وجد أن يكون هناك رابطا عن المؤول النافذ والنهائي٬ مكنه أن يحدد إطار للتدلال في الحركة والإزاحة عن إرادة. والنفاذ للنهاية تعني آصطفاء منظومة معرفية تكون حاضنة للإشارة/العلامة دون أن يرشح منها مجمل خبرته. بمعنى آخر٬ سيصبح بإمكان التدلال المطلق أن يتوقف٬ عندئذ يتم الكشف عن منافسة المعرفة المزاحة أو صراع الحركات العابثة من كيانات المنظومة بين التدلال والواقع٬ وطبيعة خلاصة تحرك البحث كشفها٬ هناك سياقات فاعلية الوحدات الوظيفية مفقودة.

قد يعتقد البعض هناك فريق من يحاول أن يزيح السياق عندما يحاول القبض على علائق الحس بالعيانية ويحيد بها رجوعا لدرجة بدئيتها الأولى٬ أي حين يتعلق الأمر فقط بالنظر إليها على "تدلال عام " موجودة في ذاته٬ بمعنى كأن نقول عن "المطر" أو "أنشودة" في أنفصال كلي عن الإيعازات٬ التي يمكن أن تجعل إيحاءات مصدرها من هذه "الكلمة" نبعا لها٬ حين يدركها المتلقي وفق ما هي مرسلة إليه٬ كي يتواصل بها إلى غيره٬ أي اتاه منها سببا فأتبع وأحدث لها سببا فيها. إلا أن الإشارة في طبيعتها هذه تمثل عجزا لدى ذلك الفريق أذا جاءت واهية ناقصة٬ أي٬ إن وضعها بحاجة لرابطة علاقة وثيقة٬ تحركها صلة ثقة مشتركة بين الناس تحفز الفهم والتفاعل في أسباب تقدمه. ولذلك؛

ولذلك٬ يعد لا أهمية لهذه الإحالة في تصورهم٬ إنها إيماءة إلى إشارة بقصد التمثيل لا الحرص٬ إشارة منكفئة تمنع الترحاب والارتياح على نفسها٬ ولهذا السبب تكون رابطة العلاقة وثيقة بالحدود بين ما يبنى الشيء في محتواه رمزا وبين وجوده كحقيقة في خارجه. لذلك أن الإشارة في تصورهم شيء ينفع تمثل معرفته معلومة شيء مماثل آخر. وذاك المؤخلق في المعنى هو "الجوهر"٬ الملكة/ الدهشة٬ التي تمنح للمبدع إشارته٬ فالمعنى حين ترتكز في الجوهر ليست بمثابة وظيفة ترميزية٬ نجعل من خلالها التعبير عن معقولات تقودنا للتعليل عن واقها المادي من براهين ودلالات٬ وإنما هي جوهر الواقع نفسه٬ فهي الحقيقية الخفية التي نسعى إليها سبيلا للحصول الممكن لإدراكها.

إن التدلال العام٬ مألوف ضمن سياق منظومة معرفية تستوعب الإشارات ورموز الحدث لا في ظاهرها المجرد٬ هي أنطباعات محاكاتية أو تحركات سلوكية أو نزوعات أنفعالية تلقائية تحتوي أغطيتها لبعض سمات حياتنا اليومية المعتادة٬ التي تعتبر تماثلا عن مصدر إشباع مهارات حيويتنا عند التوالد والاستمرار٬ وهي الكفاية المألوفة التي تنفع بدورها التواصل بين المبدع والمتلقي على حد سواء. فكفاية الإشباع المألوف موجود سابق لنا وإن جاءت النصوص تتحدث في غيره٬ محاولة الإبتكار في موجوديتنا عبارات لا نحن فيها نصوصا. ولكننا لغرض أن نتشبع بها٬ نؤدلج عنها٬ وبها نسقط نماذج سلوكية وأنفعالية وحكائية مسوغتها طبيعية جديد لها إمكانية على أحتضان الأخرين حين سيأتون لاحقا٬ بحسب مواصفات ثقافية مضافة٬ خارجة عن اثباتها إلى الحقائق المادية المألوفة.

وأخيرا٬ إن الأبداع تؤخلقه المعنى٬ لنفكر داخل عالم ابداعي سبق أن فكر فيه غيرنا لمعنى معين٬ بطبيعة معرفة ومعلومات إشارات ورموز الأفعال٬ فهمنا الابداع بلغتنا وفهموه بلغتهم٬ وبذلك لن تكون إرادات المعنى عن جوهرها وظاهرها للأشياء سوى حلقات أستراتيجية مستمرة في نصوص منزوية التي تنتظر توالدها من كمونها حال التحيين. ففي كل آبداع معنى٬ وفي كل معنى فعل٬ والأبداع صفة لا ينضب فيه تؤخلقه المعاني من الأفعال القادرة والممكنة لتجسيد فاعلية أنشطته في عضوية وظائف ووقائع٬ قد تدون في نصوص مكتفية بمكانتها التعبيرية عن ذاتها. ومنبع مصادرها هو تفاصيل حاجاتنا ورغباتنا عن وجودنا في الإشارات والرموز بشكل أكثر أتساع من حركات يومياتنا المقيدة٬ ومن هامشية حياتنا المعيشية المألوفة. أن لقصيدة الشاعر العراقي الكبير "أنشودة المطر"٬ الأنشودة" جاءت كلمة واحدة في عنوانها كما هو في كلمة "مطر" ليكتمل مكتفية بذاتها في العنوان٬ وتحصر الأبداع في ما يؤخلقه المعنى من أهمية ومنافع عن منتها. ومصدر ذلك وجودنا في الرمز أشمل بكثير من حياتنا الرتيبة وتفاصيلها. ولكنه شاعرنا المبدع فيها واحد في النص الابداعي٬ إنه يمثل فيه من أسم محدد٬ ولكنه يحيل في الوجدان الإنساني على كل الناس والعراقيين بشكل مخصوص يحيل في الولادة ورموزه عي ربوع المعمورة. كذلك حين جاء الباحث المبدع البروفيسور (أبوذر الجبوري ) عالم تصميم الخلايا الحيوية الالكترونية مجسدا تداخل الأدوار المعرفية المتبادلة بين العلوم والأدب إلى ما قدمه لشركة (BMW) من آختراعات نافعة ومفيدة للإنسانية ولعملاء الشركة خاصة. وبما أن شركة (BMW) وحدة من الشركات المخصوصة بتمييز أسمها وصفاتها٬ فقد يكون قائد الأبتكار واحدة لفريق عمل مشارك٬ فذلك مآلهم وحدهم٬ ولكنه لا يوجد ضمن الفريق إلا من خلال وظيفة ما يؤخلقه الفريق من معاني. إن الصفات الأبداعية ليست غطاءا عابرا في وجود التنافس لتكنولوجيا الثورة الرابعة٬ ولا عرضيا في قطاع البحث والتطوير العلمي٬ أنها منظومة المعرفة العلمية٬ منافسة صفات السياقات٬ أي حقول ونصوص واختراعات ابداعية ممكنة٬ منها نستخلص كل الصفات الإنسانية في المشاركة والتفاعل الحي للأجيال الحاضرة والقادمة.

وما يتعلق بالفريق (إشارة إلى كل من البروفيسور؛ أبوذر٬ الغزالي٬ إشبيليا٬ أكد الجبوري) هم طاقم عمل٬ حاضرة جهودهم المعرفية والعلمية٬ تقولهم الخبرة الإنسانية٬ ما يعني أننا لا نحضر أفرادا في صفات المواجهة المباشرة التي يحضرها للابداع والابتكار في العمل والذاكرة. وهذا يدل أننا نتحرك داخل وحدة علمية متكاملة في داخل عالم نعيشه من خلال الوظائف٬ أنها مكامن علمية نعرضها ونقدمها للإنسانية من خلال تصوراتنا واعمالنا الخاصة. شكرا للحضور جميعا٬ وحان الأن استعددانا لأستقبال أسئلتكم....


انتهت المقالة عن كامل اجزائها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• إشارة: أخذ مقطعها للترجمة٬ من الورقة العلمية٬ التي ألقيت في الندوة و الورشة التدريبية المشتركة ٬ والمنعقدة تحت عنوان (أخلقة الابتكار في فلسفة تصميم وتشغيل الابداع)٬ بمشاركة كل من البروفيسور (شعوب٬ ابوذر٬ الغزالي٬ إشبيليا٬ د. اكد الجبوري)٬ في مقر مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية٬ شركة (BMW)٬ فرانكفورت٬ استمرت لمدة أربعة ايام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...