د. سيد شعبان - الرد على النحاة!

ما فتيء قوم يتبارون أيهم ينال من صنيع نحاتنا؛ كأن العربية باتت ولا حامي لها أو يخالها الأقارب والأباعد لغة عصية صعبة على الشداة أو تبعد بها النجعة على الحداة؛ بات المتعلم في شكاة لا تحد وغيابة جب لا يخرج غير العصي المستغلق!
كان أولى بمن أظهر شكايته أن يهرع إلى مظان التأليف ومنجزات التقنية فيبدع فيها ومن ثم يقدم مادة الدرس اللغوي في حلة قشيبة وطرق تدريس ناجعة؛ فهل رأيتم أحد الإنجليز يظهر لغته إلا في إغراء الغانية وقد أبانت محاسنها وعرضت مفاتنها؛ يتناغمون بها لحنا ويشدون بها طربا وهي المثقلة بالقواعد الشاذة والمفردات المستجلبة من كل نطف اللغات ومسارب الألسن؟
منذ متى كانت اللغة العربية سهلة القياد تسلمه لكل ذي ضعف أو يملك زمامها عيي ابتلي بالحصر فصار يخايل بما نطق ظنا منه أنه صار بارعا في نطقها متصرفا في نظمها مستقيما في نحوها؟
لا يعرف قدر العربية إلا من سرى القرآن الكريم وداخله بين لحمه وعظمه وغدا بمحفوظ الشعر ومتفرد النثر محاطا بمعجمها ومتفاعلا مع روائع بيانها، ثم تراه وقد كتب فأجاد أو سرد فأبهر؛ أو تكلم فأحسن!
تأتي الصعوبة من الحرص على عرض الأدنى ومحاولة التساهل المفضي إلى العجز عن التحصيل.
قديما كتب ابن مضاء القرطبي كتابه" الرد على النحاة" يرفض فيه نظرية العامل، وتبعه من تبعه من العلماء الذين يمتلكون الحجة ويجادلون بالدليل؛ حتى ابتلي عصرنا بقوم هم إلى العجمة أقرب وإلى العجز والترخص أوضح طريقة وأسهل ميلا إلى خفة العقل وطيش الأحلام؛ فهذا مفيد الشوباشي وقد نضب معينه وسفه عقله بأن يدعو بموت سيبويه؛ وظن وقد خاب وهمه أن بموت سيبويه لا تحيا اللغة العربية؛ فحياة أية لغة من إبداع أبنائها وقدرتهم على تذليل صعوبتها واقتراح وسائل جديدة لتعليمها وتحبيب الناشئة فيها؛ من مثيرات سمعية وفنيات بصرية.
أيسبقنا اللاتين والساكسون والهنود والصينيون في التعريف بلغاتهم والترجمة إليها ونحن نعجز أن ندل بها ونعرف الدنيا بها خطا ونطقا؛ وثلث العالم أو ما يزيد يطالع الحرف العربية ويقرأ به القرآن الكريم؟
ما بال مجامعنا اللغوية ومعاهدنا العلمية عاجزة وتقصر نفسها في نقاشات صماء وتدير حوار البكم الخرس؟
لا أوافق من ادعوا صعوبة النحو أو التجني على النحاة بقدر ما أرى تقاصر الهمم ومحاولة إلقاء التبعة على الآخرين.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...