أمل الكردفاني- في التحليل والتحريم..ببساطة

هل يجوز للمرء أن يتزوج بأخته أو عمته أو خالته؟
الإجابة: لا بل هذا محرم في الإسلام.
جاء النص القرآني:حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (النساء-(23)).

مع ذلك..
كان زواج الأخ من أخته جائزاً في عهد آدم. إذ تزوج أبناء آدم من أخواتهم ولكن من بطن أخرى. أي أن حواء كانت تلد توأماً ذكراً وأنثى، ثم تلد مرة أخرى توأماً ذكراً وأنثى. فكان ذكر التوأم من البطن الأولى يتزوج من أنثى البطن الثانية.
وجاء تحريم الإسلام متأخراً. ولما حرمه، وجرت عليه أفعال الناس، أصبح معيباً.
ولكن لو كان الإسلام قد زواج الرجل بخالته أو عمته أو حتى بأمه، لما شعر الناس بأن فيه مشكلة.
وكذلك لو أحل الله أكل الخنزير لكنا أكثر الناس أكلاً له..وهكذا..
فالأصل أننا كبشر لا نعرف ما هو (المعيب من الأشياء) إلا بنص من القرآن أو السنة.
ولما كان من الصعوبة بمكان أن يقوم القرآن بجمع كل الأشياء في العالم والحكم في التعامل معها بالتحليل والتحريم، فقد جعل الأصل في الأشياء الإباحة (ماعدا النساء والدماء).
فالأصل أن الزواج بابنة عمك أو خالك جائزة ومباح، ولكن لو سمعنا حكماً في القرآن يمنعه امتنعنا. والأصل أن أكل نبات ينبت في أستراليا مباح، ولكن لو سمعنا نصاً من القرآن أو السنة يمنع أكله، امتنعنا. والأصل أن لبس الملابس الداخلية مباح، ولكن لو سمعنا حكماً يحرمه في القرآن والسنة حرمناه وهكذا..
فالأصل أن كل شيء مباح، والممنوع وغير الجائز شرعاً هو ما ورد فيه نص، لأننا لا نعرف المعيب من غير المعيب إلا بنص.
ولذلك عندما أخذ الصحابة يسألون الرسول ص كثيراً أنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة-(101))
إذاً؛ فقاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة يجب أن نلتزم بها إلتزاماً تاماً، ولا يجدر برجل دين أن يقيد هذا الأصل إلا بنص.
فلو سأله أحدهم: هل السعوط حلال أم حرام؟.
نظر:
فإن وجد نصاً واضحا بتحريمه أفتى بحرمته. وإن لم يجد فهو مباح وجائز.
وإن سأله آخر عن جواز ارتداء ربطة العنق، فعلى رجل الدين أن يبحث في القرآن والسنة فإن وجد نصاً فيه (ولو كان ظني الثبوت أو ظني الدلالة)، جاز له أن يفتي بحرمته أو كراهته على الأقل.
أما إن لم يجد نصاً فعلى الفور يجب أن يفتي بإباحته دون التفاف على قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة حتى لا يضيق ما وسعه الله بغير نص في القرآن أو السنة.
يفتي البعض من شيوخ الدين بلا دليل، معتمدين على تصوراتهم الخاصة واعتقادهم بأنهم يعرفون المعيب من غير المعيب وهذا أراه خطأً فادحاً.
فأحدهم يفتي بحرمة السعوط لأن فيه ضرر، وهذه فتوى بلا أساس، لأن الملح والسُّكَّر الحلو نفسه لو شربناه قد يصيبنا بالمرض ومع ذلك فهم لا يقولون بتحريمه. والملح والخبز كذلك، فهذه أمور لا نص فيها، ولا تجوز فيها الفتوى، بل الأمر فيها إلى رأي البشر، فمن أن أراد أن يمتنع عن شرب السكر أو الملح حماية لنفسه من المرض فهذا شأنه، ومن منع عن نفسه التدخين فهذا شأنه، ومن منع عن نفسه الدهون والشحوم واللحوم وأصبح نباتياً فهذا شأنه.
أما المحرم من الأشياء فلا سبيل إلى معرفتها إلا بنص.
فاليوم مثلاً أثبتت الدراسات العلمية أن زواج الأقارب يفضي إلى أمراض. مع ذلك لا يجوز لرجل الدين أن يفتي بتحريم زواج الرجل من ابنة عمه أو ابنة خاله، لأنه لا يوجد نص يحرم ذلك، حتى لو كان هذا الزواج مضراً بالطرفين أو ما ينتج عن زواجهما من أبناء.
فلا تحريم إلا بنص.
غير أن رجال الدين يتوسعون توسعاً غير حميد، حوَّل عالم المسلمين إلى عالم محظور عليهم، عالم مليء بالآثام والخطايا، وضيق رجال الدين على بسطاء الناس تضييقاً شديداً، وما هذا منهم بتقوى وإنما ليحتفظوا بسيادتهم على البسطاء عبر تجهيلهم وإشعارهم دائماً بأنهم لا يفقهون شيئاً في دينهم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كذلك على المسلمين أن لا يكثروا السؤال عن الجائز وغير الجائز، فكثرة السؤال غير مرغوبة عند الله تعالى كما فعل بنو إسرائيل وقد ألحوا في السؤال عن البقرة. وهذا مبلغ التعنت غير الحميد.
وإذا قال لكم شيخ أن السعوط حرام اسألوه عن دليله؛ فإن قال لكم قال الله قولاً صريحا بتحريم السعوط أو قال الرسول قولاً صريحاً بتحريمه فاتبعوا قوله، أما إن قال لكم هو محرم لأنه عيب أو ضار أو فيه لهو...الخ فهذا لا تتبعوه إلا لو كانت هناك علة ظاهرة منضبطة تقوم في غير المنصوص كما تقول في المنصوص عليه، وهذا القياس ليس اعتباطياً، بل له ضوابط.
ويجب التفريق بين الحكمة والعلة.
فالحكمة وصف غير ظاهر وغير منضبط، كأن يقول لك رجل دين:
- ما دمت مسافراً بالطائرة فلا يجوز لك الإفطار في نهار رمضان لأنك لن تعاني من المشقة.
فقول رجل الدين هذا غير صحيح، فالمشقة ليست علة التحريم. ولذلك فحتى لو كنت بطل كمال أجسام وسافرت بطائرة نفاثة من السودان إلى أمريكا في عشر دقائق، جاز لك أن تفطر.
فالحكمة وصف غير ظاهر وغير منضبط لأنها تختلف من شخص لآخر. وبالتالي لا يجوز أن يقاس بها.
أما العلة فهي وصف ظاهر منضبط،
فلو سأل أحدهم عن جواز شرب المريسة؟
فإن رجل الدين عليه أن ينظر، فإن كانت المريسة تخامر العقل وتذهبه أفتى بحرمتها..قياساً بعلة ظاهرة منضبطة وهي تأثير الخمر على العقل.
وإلا فلا.. والقياس ضيق جداً فلا يجوز التوسع فيه لأنه رأي بشري، ولأن التضييق عبره يجعل الدين عسيراً والدين يسر وليس عسر.
والله تعالى أعلى وأعلم..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...