ديوان الغائبين ديوان الغائبين : رياض الصالح الحسين - سوريا - 1954 - 1982

ولد رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 10/3/1954 لأب موظف بسيط من قرية مارع في شمال حلب
كانوالده يتنقّل مع عائلته بين المدن السورية ثلاثين عامًا
منعه الصمم و البكم من إكمال دراسته، فدأب على تثقيف نفسه بنفسه
اضطر إلى ممارسة العمل مبكرًا، كعامل و موظف و صحفي، و عانى من مشكلة البطالة
كان مستمرًّا في كتابة الشعر و الموضوعات الصحفية منذ عام 1976 حتى وفاته
أصدر ثلاث مجموعات شعريّة في حياته
خراب الدورة الدمويّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1979
أساطير يوميّة - مطابع وزارة الثقافة - دمشق 1980
بسيط كالماء واضح كطلقة مسدَّس - دار الجرمق - دمشق 1982

أنجز مجموعته الشعريّة "وعل في الغابة" قبل وفاته
كتب في الشعر، القصة القصيرة، قصص الأطفال، المقالة الصحفية، و النقد الأدبي
كتب عن الموت، و كتب في تمجيد الحياة كثيرًا
توفي في مستشفى المواساة بدمشق عصر يوم 21/11/ 1982

مساء هادئ فقط
رياض الصالح الحسين

هذا المساء هادئ أكثر مما ينبغي
هذا المساء ليس هادئًا
فأنا رجل أو حزمة ديناميت
و تحت إبطي إوزّة حمراء أو خرتيت أسود
المرأة ذات النهد المعشب و اليدين الصريعتين
نامت مع زوجها على السطح
إذن، هذا المساء ليس هادئًا
الفلاح الملتحي لم ينم هذا المساء
فلقد سرق دجاجة سمينة بالأمس
و ضبطت المفرزة الجنائية عظامها في برميل الفضلات
إذن، هذا المساء ليس هادئًا
فريتا الجريحة ماتت في الغابة
و غطتها الأغصان الكثيفة و المستنقعات
إذاعة (مونت كارلو) لم تذكر شيئًا عن ريتا
سيداتي، سادتي:
قُتلت القطة لوسي تحت عجلات القطار
و لم يستطع المستر X
أن يمارس واجباته
الزوجية بعناية
المساء هادئ جدًّا
على ضفة الميسيسبي إحدى العاهرات
تغزل الصوف و تحيك الجوارب لقتلى حروب العدالة
الشعراء يتحدثون عن الشعر…
العمال يتحدثون عن العمل
العشاق يتحدثون عن الحب
الفلاحون يتحدثون عن الأبقار
و لكنْ قل لي أيها القارئ الوسخ
عمّ يتحدث الموتى
في هذا المساء الهادئ؟
إنهم بالطبع لا يتحدثون عن لعبة الهوكي
أو الأمجاد التي حصلت عليها أميرة موناكو
لأنها عرضت ملابسها الداخلية على جمهرة من اللصوص
إنهم يتحدثون عن الموت
هل الموت قالب كاتوه أم نسناس دانمركي؟
أهو تفاحة أم بلياتشو بأنف يشبه التفاحة؟
هل الموت حلم أو حقيقة
و إذا كان حقيقة
فلِمَ لمْ يزل هتلر يفكّر بحشر الضعفاء
في أنابيب الغاز؟
و لِمَ لمْ يزل هولاكو يغتال الفلاحات
في حقول القطن؟
في هذا المساء الهادئ
ثمة شخص يرثي الجميع:
لقطّاع الطرق و أسراب النوارس المهاجرة
للغيوم الكالحة و القتلة المهذبين
و مراسيم حصر الجنسية
للعشاق الفاشلين و كلاب المدن الضالة
و في هذا المساء الهادئ
سأغلق باب غرفتي ورائي متجهًا نحو النهر
عليّ أن أتوقّع قبلة على الخدّ
أو خنجرًا في العنق
و من الممكن أن ينتظرني قمر أو قنبلة
زهرة بنفسج أو قبر
عليّ أن أتوقّع كلّ شيء
فالمساء هادئ
المساء ليس هادئًا!

***

رياض الصالح الحسين
سورية

يا سورية الجميلة السعيدة
كمدفأة في كانون
يا سورية التعيسة
كعظمة بين أسنان كلب
يا سورية القاسية
كمشرط في يد جرَّاح
نحن أبناؤك الطيِّبون
الذين أكلنا خبزك و زيتونك و سياطك
أبدًا سنقودك إلى الينابيع
أبدًا سنجفِّف دمك بأصابعنا الخضراء
و دموعك بشفاهنا اليابسة
أبدًا سنشقّ أمامك الدروب
و لن نتركك تضيعين يا سورية
كأغنية في صحراء.

***

رغبات

أريد أن أذهب إلى القرية
لأقطف القطن و أشمّ الهواء
أريد أن أعود إلى المدينة
في شاحنة مليئة بالفلاحين و الخراف

أريد أن أغتسل في النهر
تحت ضوء القمر
أريد أن أرى قمرًا
في شارع أو كتاب أو متحف

أريد أن أبني غرفة
تتسع لألف صديق
أريد أن أكون صديقًا
للدوري و الهواء و الحجر

أريد أن أضع بحرًا
في الزنزانة
أريد أن أسرق الزنازين
و ألقيها في البحر

أريد أن أكون ساحرًا
فأضع سكينًا في القبعة
أريد أن أمدّ يدي إلى القبعة
و أخرج منها أغنية بيضاء

أريد أن أمتلك مسدسًا
لأطلق النار على الذئاب
أريد أن أكون ذئبًا
لأفترس مَنْ يطلقون النار

أريد أن أختبئ في زهرة
خوفًا من القاتل
أريد أن يموت القاتل
حينما يرى الأزهار

أريد أن أفتح نافذة
في كل جدار
أريد أن أضع جدارًا
في وجه من يغلقون النوافذ

أريد أن أكون زلزالاً
لأهزّ القلوب الكسولة
أريد أن أدس في كل قلب
زلزالاً من الحكمة

أريد أن أخطف غيمة
و أخبئها في سريري
أريد أن يخطف اللصوص سريري
و يخبئونه في غيمة

أريد أن تكون الكلمة
شجرة أو رغيفًا أو قبلة
أريد لمن لا يحب الشجر
و الرغيف
و القبلة
أن يمتنع عن الكلام

***

رياض الصالح الحسين
رقصة تانغو تحت سقف ضيّق

قلبي سائغ للقضم
ملجأ للأرانب الزرقاء
سمكة قرش بزعانف من صبار شرس
قلبي سائغ للقضم
و يتحرك ببطء على بلاطك الشوكي أيتها الأرض
أيتها الأرض الممتدة من الموت بجدارة
على نصال الخناجر
إلى الموت بجدارة أشد
بواسطة حبل يتدلى من شجرة زيتون مغبّرة
أيتها الأرض المعبأة بالأخاديد
المطلية بالحصى و الرصاص
المرتدية عباءة من جسور تصل دائمًا:
بين القبور و الموتى
بين الجرح الأبيض القانوني
و الجرح الأسود الخارج على القانون
بين القفص الفضيّ الجميل
و القفص الذهبي الجميل أيضًا
أيتها الأرض المكفّنة بالصور الملوّنة لتيمورلنك
و سالومي
مدّي لي لسانك البارد لأعضه بعيظ
مدّي لي شفتيك المهترئتين
لأانثر فوقهما رماد جسدي
فمن الممكن جدًّا
أن تنفلق ذرّة واحدة على الأقل
لتنسلّ منها زهرة بيضاء
مثلما انفلقت –بالأمس القريب- الخلية الأولى
ليخرج منها البشر مسلّحين بالمِدى
الحيوانات مسلّحة بالأنياب
الجبال مسلّحة بالبراكين
السماء مسلّحة بالصواعق
و أنا مسلّح بقلبي
قلبي السائغ للقضم
باستطاعة أية امرأة أن تمدّ يدها إلى صدري
و تسحب قلبي منه بمرونة
و هذا ما حدث تمامًا:
ثمة امرأة وضعت قلبي
-قلبي السائغ للقضم-
في كأس صغير
و أضافت عليه قليلاً من الماء و السكَّر
و كان بودّي أن أسألها بمرارة:
لماذا شربت قلبي على أنه عصير برتقال
و لم تأكليه على أنّه برتقالة؟
و لكنها –على الأرجح-
كانت ترقص التانغو تحت سقف ضيّق!.


رياض صالح الحسين




- رياض الصالح الحسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...