عبدالرحيم التدلاوي - في سبعة أيام أو النصوص المرحة بسخريتها اللاذعة للمجتمع والإنسان.

مجموعة؛ في سبعة أيام؛ مجموعة مرحة فنغمة السخرية عالية ونصوصها لا يمكن أن تظل سلبيا معها فهي قادرة ببهاراتها ان تنتزع منك ضحكات عالية بفعل براعة تصيد المشاهد والتعبير عن المواقف. فالسارد ليس حياديا بل هو متورط في قضايا مجتمعه يلتقط منه مفارقاته ويتصيد عثراته ويرسمها بطريقة بسيطة ظاهريا عميقة دلاليا.
المبدع لم يسم مجموعته قصصا بل محكيات؛ وحسنا فعل؛ لأنه توصيف منحه حرية القول والنقد ورسم المشاهد وقراءة دواخل الشخصيات. من ذلك نصه عن الحفرة حيث منحها فرصة القول وأنسنتها للتعبير عن موقفها وتصورها للفعل والفاعل وكذلك الشأن بالنسبة للمدرسة التي تقول بمرارة بعد أن صارت تعيش زمن ترد بعد ازدهار: وأما الآن..فقد أتاني الزمان بأبناء لا يشكرون؛ فكم "طائر" في الفضاء يمر ولا يكلمني، ولا يذكر مني سوى الحيطان الصامدة.. التي تقفز عليها الحقب والأزمان، وكم صانع منهمك في عمله تناساني، ولم يذكر إلا صورة من أيام كسله وتهاونه. 15.
يمارس السارد لعبته السردية برؤية نقدية مقواة بسخريتها اللاذعة بغرض تعرية الواقع وإبراز اختلالاته من منظور شخصياته باعتماد حوار ذكي يظهر التناقضات ويعري عن الفضائح الثاوية خلف مظاهر سائدة كما في حوار أعضاء المجلس الذين ابتكروا طريقة لنهب المال وخلق متاعب للسكان والسخرية منهم، يقول أذكاهم ساخرا: لي رأي يجمع كل الآراء التي سمعناها؛ نبني مصحة في داخل الحفرة، فنقتصد مصاريف علامات تحديد السرعة، والانحراف والانجراف، وسيارات الإطفاء والإسعاف ونقرب الشفاء من المجروحين. ص21.
ولا يدري هؤلاء الأعضاء الذين هم شخصيات النص أن السارد وهو يعرض أفكارهم حول الحفرة وكيفية التعامل معها إنما كان يفضحهم ويظهر مساوئهم؟
تشغل بال المجموعة القضايا المحلية والوطنية والقومية والقارية بمعنى أنها منشغلة بهموم الإنسان المقهور والمهدور.
ومن النصوص الساخرة المعبرة عن مأساة القارة الإفريقية نص "نوبل للأفارقة"؛ هذه القارة المبتلاة بحكام همهم استنزاف الخيرات وتقديمها للسيد الأبيض الذي يمعن في انتهاك كرامة الرجل الإفريقي استعبادا واستنزافا. ولعل اختيار الجدة في هذا النص وفي نصوص كثيرة وتقديمها في صورة العارفة بخفايا الأمور وما يجري في الخفاء ويدور هو تأكيد الانغراس في الثقافة المتجذرة في التاريخ والتي تمتلك ذاكرة انطبعت فيها الأحداث والتجارب فجعلتها معبرة عن الضمير الجمعي لكل الشعوب المقهورة. لنأخذ نص "الشم اللم" مثالا، تروي الجدة عن هذه اللعبة التي انقرضت في صورتها الأولى لتنتقل إلى ميدان السياسة بكل تجلياتها المعبرة عن استغلال السياسيين للإنسان الطيب إلى حدود السذاجة التي تجعله متوهما تحقق الديمقراطية والعدالة والمساواة، ليجد نفسه في الأخير ضحية توهمه، كون الساسة لن يتخلوا عن مناصبهم، فهم يستمتعون بركوب ظهور العباد واستنزافهم، وبذلك يكون النص مناسبة لقراءة الوضع السياسي، وتكون الجدة الساردة الذكية التي تدرك أسرار اللعبة وتقوم بفضحها:
تقول الجدة أنها لعبة تشبه حكومات الدول المتخلفة التي تركب الشعوب. وتغني أغنية الديمقراطية والحداثة والانفتاح، لكنها تملك الكرة وتستبد باللعب في المال والسياسة...ص83.
هذه الجدة هي نفسها التي خرجت إلى السوق تحمل قفة مستوردة لتبحث عن عسل حر لم تجده، بل إنها في حوارها مع صاحب حانوت ستدرك أن الرجل الحر بنفسه غير موجود، يقول الحانوتي للجدة: كل الأحرار ذهبوا، فلماذا تسألين عن الأشياء؟
فردت قائلة: والله إنك لصادق؛ فالبطاطس لا تقلى، والملح لا تملح، والخميرة لا تخمر، والليل لا يريح، والنهار لا يتسع للعيش، ومدارس لا تعلم، ومستشفيات لا تشفي، ومحكمة لا تنصف، وطريق لا تؤدي إلى الهدف..والأولاد قلق الحياة..فلماذا أسأل عن الحر من الألبان والأسمان والأسماك والأعسال؟ ص26.
لقد وضعت الجدة الإصبع على كل الأوجاع المجتمعية التي تفرقت في باقي المحكيات.
واختيار المبدع تسمية عمله بمحكيات هو تعبيره عن الرغبة من التحرر من القوانين الصارمة لأي جنس أدبي حتى يتمكن من التعبير عما يشغله دون قيد أو شرط. وتجدر الإشارة إلي أن المتلقي يصعب عليه الفصل بين السارد الورقي والمبدع الإنسان لتداخل بينهما وبخاصة انشغالاتهما وطريقة سخريتهما وشكل نحتهما للكلمات بطريقة إبداعية تنم عن عمق النظرة ونفاذها.
وإذا كان نص؛ نوبل للأفارقة؛ ينتقد الغرب الجشع وأذنابه الذين يسهلون فعله؛ فإن نص "أبيض و....أسود"؛ يتطرق للقضية الفلسطينية ومهزلة العرب وفشلهم الذريع في كل المجالات حتى الرياضية التي تعمد إلى الإلهاء والإبعاد عن الشؤون الخاصة والعامة. إنها، فعلا، شعوب مخدرة، تصنع الملهاة المبكية..
محكيات "في سبعة أيام" أي في أسبوع، تتكون من أربعة أسابيع، كل أسبوع يتضمن محكيات تبلغ السبعة، وتنبس على مدى 95 صفحة، وصادرة في طبعتها الأولى عن مطبعة النجاح الجديدة سنة 2009. وصيغت بلغة ساخرة اعتمدت رصد المفاراقات في اللغة والمواقف، منتقدة أساليب الاستغلال التي يتعرض لها الوطن والقارة، ناحتة مفردات خاصة لتقوية نقدها للأوضاع التي ما تني تسير إلى الخلف، معمقة آلام الناس وجراحهم.
عمل يستحق القراءة والمتابعة.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...