سعيد العليمى - ثلاث صور

1 - الصورة الاولى
لست مولعا على الإطلاق بنشر صورى إلا إذا كانت على صلة بحدث عام ونادرا خاص - وحتى فى بيتى لاأحب أن أجد صورتى معلقة فى مكان ما - وأخجل من تكرار نشر صورتى فى موقع الحوار المتمدن مفروضة على ملحقة بى حينما أنشر مقالا - وهى صورة لم أرسلها لهم - ولم أطلب إلحاقها بمقالاتى - وانشر هنا هذه الصورة ليس لماابدو ا عليه فيهاوانما لما كتب على "التى شيرت " الذى لااعرف هل اختاره اخى الاصغر اعتباطا حين اهدانى اياه او وجده معبرا عن شخصيتى - المكتوب عليه يقول : مامن حل وسط - وهو بالفعل يعكس شخصيتى تماما فالفاتر اسوأ من الحار ومن البارد - والتردد والتذبذب وعدم الحسم والنكوص عن تحديد موقف ليس من سماتى - اعتدت ان اتروى وافكر ثم اقرر ثم انفذ - ولااتخذ قرارا فى لحظة غضب او انفعال - اعرف مااريد وما اهدف اليه - التذبذب والتردد يؤدى الى الميوعة والتفسخ وعدم الحسم وفى النهاية تدمير الذات حين لاندرك مايحيط بنا - وينتهى الى ان نخسر كثيرا بسبب ذلك - هناك اناس لايعرفون ماذا يريدون - والام يهدفون - ويجبنون عن اتخاذ قرار مهما كان قاسيا وحادا -ولايعرفون ان حياتهم ستكون ضياعا ان تراوحوا فى نفس المكان - ان مددت اليهم يدك اكثر من مرة ولم يقدروا ذلك - من المؤكد انك لاتستطيع ان تمدها الى الابد - فمن اراد ان يأتى فليأت ومن أراد ان يذهب فليذهب .ومنعا لأى مزايدات سياسية قد يقول قائل : ألم تقرأ يارفيق : حول المساومات للرفيق لينين ؟ ! سأقول له اقرأ ماترجمت على موقع الحوار المتمدن بعنوان : لا مساومة لا متاجرة سياسية - لامساومة فى المبادئ !!!!! وبالمناسبة مقدمة الكراس بقلم لينين نفسه !
2 - الصورة الثانية
يمكنك ان تهب كل ماتملك لمن تحب شرط ان يكون محبا لك بالفعل وليس وراء ماتملك وهذا هو مايشغل تفكيره ايا كانت درجة قرابته لك - والحال ان مجتمعاتنا الرأسمالية بفقرها وعوزها والخوف من المستقبل فيها والاعتماد على الغير عالة فى حياتنا يشوه كل علاقاتنا التى يفترض ان تكون انسانية , وان يقوم اى ارتباط على المحبة والمودة والتوافق فى الميول والانجذاب الشخصى لا على اساس الملكية ايا كان شكلها مالا او عقارا ، وهذا هو احد اهداف المجتمع الاشتراكى - ولكن علينا ان نتحرر بقدر مانستطيع من قيود وعفن الواقع الراهن الى ان يتحقق مانريد . لذا كان همى الاول فى تربية بناتى بالدرجة الاولى هو تزويدهن برأسمال معرفى تعليمى يمكنهن من سوس حياتهن دون الاعتماد على ظل رجل . ولكن ماعلاقة كل هذا بصورة اظهر فيها مع آخر ذات يوم فى احد ميادين موسكو . هذا صديقى فيتولد ليبو - مترجم ضليع من الروسية للعربية - عمل مع الخبراء الروس فى اليمن - وفى مصر بعد مبادرة روجرز عام 1970 لبناء حائط مضاد للصواريخ الاسرائيلية - احب مصر وشعبها وهام بطعامها ولم يكن لينسي بعد سنوات طويلة من مغادرتها شادية وهى تغنى " شباكنا ستايره حرير " - تعرفت عليه حين كان يعمل بسفارة موسكو فى البحرين- ودرس لى اللغة الروسية - وتوثقت علاقاتنا الشخصية فبت جزءا من عائلته مدعوا فى كل حين ، ولم يكن ليتركنى وحيدا فى اى مناسبة احتفالية - وعندما كان على وشك ان يغادر البحرين - طلب منى ان احتفظ لدى كامانة بمبلغ 25 الف دولار - وهذا يعد ثروة ضخمة بالنسبة لروسي - فقد كان يخشي ان تصادر منه اذا اخذها معه - فطلبت منه ان يودعها فى بنك باسمه ويوكلنى فى السحب منها حسب طلبه - فأصر ان يودعها باسمى وظلت لسنوات لم يطلب منها شيئا - كنت على وشك ان اجرى عملية قلب مفتوج لانسداد 5 شرايين ولم اكن لأدرى هل سأخرج من العملية حيا ام لا - حضر اخى الاصغر الى فى البحرين - طلبت منه ان ينصت لى بامعان وان يتخلى عن اية ميول نحو الدراما الهندية - واوصيته ان يقسم مالدى من مال ليس وفق قوانين الشريعة وانما قانونى الخاص فقد كانت كارينا ذات 3 اعوام وفون 12 عاما ومازال امامهما الكثير من التعليم بينما اولادى الاخرين قد بدأوا حياتهم المهنية - ولم افرق بالطبع بين ذكر وانثى وان نالت الاخيرة القسم الاكبر لاعتبارات تتعلق بصغرالسن . واضفت اعلم انك متدين متمسك بالشريعة فإن كان ذلك يسبب لك حرجا - فلدى صديقين يمكن ان يقوما بذلك دون حرج - هما سعد صامويل الفيشاوى - والدكتور عاطف احمد طنطاوى - فوعدنى بأنه سيفعل كما طلبت . واعلمته بالمبلغ الذى يخص صديقى الروسي وكنت قد سحبته من البنك مع كل ودائعى - وطلبت منه ان يتصل به حال موتى ليستفسر منه عن الطريقة التى يتصرف بها فى المبلغ . مع ذلك فضلت ان اتصل بصديقى فيتولد فى موسكو - واعلمته بوضعى واخبرته بأننى سأجرى جراحة لااعلم ان كنت سأخرج منها - ولااريد ان اتسبب فى خسارة امواله وارغب فى ارسالها له فرد على : " خسارتى لك ستكون اكبر من اى خسارة " تأثرت من قوله الذى لم انساه حتى الان - ومن يعرف الروس يعرف انهم عمليون لحد الفظاظة - كان قوله عفويا - رددت عليه " حسنا يافيتولد فلتكن خسارة واحدة على الاقل لاخسارتين " . خرجت حيا وارسلت له المبلغ كاملا بفوائده بعدها بسنوات - بعد تبين ملامح النظام الروسي الرأسمالى الجديد . اتذكر ماقاله لى فيتولد نقى القلب كلما داهمتنى مشاهد من مجتمعنا بليد الاحساس بعفونته ووسخه وقيمه البالية - وحروبه الضارية ومعاركه وتطاحناته بين الاب والابن ، والاخ والاخ ، والزوجة والزوج حول كل هذه الامور المالية والمادية بمعناها المبتذل .
3 الصورة الثالثة
ان قوة العادة هى افظع قوة ، فتقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على أدمغة الأحياء. كما يقول ماركس - سينتفض احد رفاق جيلنا السبعينى من المنظمات الشيوعية الاخرى ويقول : أترون لايستطيع اى " سيخ " ( المتشدد ) من حزب العمال الشيوعى المصرى ان يتخلص من ارثوذكسيته فما العلاقة بحق السماء بين صورة ابنته مع اصدقاءها بما صدر به كلماته . فى الحقيقة ان ايه صورة لدى لابد ان تطرح قضية او مسألة بعضها يرتبط بالشأن العام . حين شاهدت هذه الصورة واخرى مماثلة لها ثار فى نفسي مايثور عادة فى ذهن اى اب تقليدى من اسئلة . وبدأت فى تأمل كيف يهيمن على ادمغتنا الموروث الاجتماعى بظلاله وثقله . وتذكرت اننى رغم ماديتى الفلسفية التى تتجاوز نصف قرن ، ماازال احلم ليلا بشياطين ذات قرون وحتى اطردها واقاومها اقرأ المعوذتين بينما فى حال يقظتى افكر بشكل مناقض تماما عقلانى ومادى وبدون تردد ، مع انى مازلت اتفاءل واتشاءم من اقتران الشرور باشخاص اوبأيام - وبلا جدال هذا شكل من اشكال الميتافيزيقا الغيبية . وفى نطاق آخر حين اخبرتنى كارينا ابنتى ان صديقها قد اتى من روسيا ليقضى معها وبعض اصدقاءها اجازة ، بدأ القلق يراودنى الى أن دققت فى الصورة لأرى بأى انطباع أخرج به عنه . فشعرت بالراحة اتجاهه ثم وجدته وسيما . ابتسمت حين تذكرت اننى اردت ان تواتينى فرصة ان يتقدم لأحد بناتى شاب فاعتدل فى جلستى شادا ظهرى واقول له " ياابنى احنا بنشترى .. ول ( كلمة بذيئة ) وانفجر فى الضحك ثم اوافق . لم تكن لدى مشكلة مع بناتى قبلا مع ميادة او لينا - كنا نتناقش ونتحاور دائما وكان مايعنينى بصفة اساسية جدية الارتباط - ولكننا ننتمى لنفس الثقافة ولحدود وضوابط معينة فى تحديد العلاقات . يختلف الامر مع كارينا فالمرأة الروسية مستقلة تماما وتربى على ذلك - بل يسمح القانون الروسى بالزواج فى سن النضج البيولوجى اى الرابعة عشر - ولاغضاضة فى علاقات الصداقة وان لم يكن هناك تمييز بين الجنس والحب فى حدود تجربتى الشخصية - باختصار ثقافة وتقاليد مختلفة . لكن من جانب آخر اعلم كيف هى والدتها التى ربتها ولك ان تتخيل " صعيدية " متعلمة تعليما عاليا كيف ستربى بنتها ( رفضت ان تسمح لها برسم تاتو على جسدها او ان تثقب انفها واذنها ). مرة اخرى تذكرت المغفور له كارل ماركس وكيف احب المناضل الفرنسي بول لافارج ابنته لورا وعدم ارتياحه لسيولته العاطفية وتبسطه معها على الطريقة الفرنسية ( ترجمة هذه الرسائل موجودة على موقعى بالحوار المتمدن ) لابرر لنفسى القلق الذى شعرت به الى ان انتهيت انه لاضرورة له على الاطلاق . وان كنت قد حرصت دائما على ان يتبع سلوكى وسلوك ابنائى المثل الذى يقول " اصنع فى روما مثلما يصنع الرومان " واعتقد انه عقلانى تماما . موجز القول يجثم على ادمغتنا كل ماتربينا فى ظله وهو يخترقنا زواله الحقيقى يرتبط بزوال شروطه الاجتماعية التى انتجته فلايمكن ان نخلع افكارنا ومشاعرنا كما نخلع سراويلنا الداخلية . بالطبع ثقافتنا المقاومة واصرارنا على خلق قيم جديدة أمر هام غير ان الموروث لن ينتهى بقرار وانما باسئصال جذوره .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...